فتـاوى
العنوان معالجة السحر
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/ نواقض الإيمان/السحر والرقى والتمائم والطيرة
التاريخ 22/4/1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الشيخ الفاضل، أرجو مساعدتي في الإجابة عن السؤال الآتي: لدينا امرأة تعاني من السحر لعدة سنوات، وقد قرأ عليها الكثير من المشايخ الأفاضل، سواء من داخل أو خارج البلاد، وكانوا كلهم أهل ثقة لا يعالجون إلا بالقرآن وقد تحسنت، إلا أنه كلما أخرجوا الجني الموكل بالسحر أرسل إليها غيره، وقد أشار بعضهم إلى أن كون السحر مشروباً، وهذا يعني أن مادة السحر موجودة في بطنها، وهذا الذي يجعل من السهل إرسال إليها جني آخر، وقد قام بعضهم بإعطائها أعشاباً مسهلة، وآخر حاول عن طريق الترجيع، وقد نزل دم أسود، ولكن كانت كل المحاولات ترهق المريضة ولا تستطيع الاستمرار، السؤال بالتحديد: هل هناك طريقة يعلمها أحدكم في إخراج مادة السحر من المعدة، وذلك منطلقاً من حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله"؟ أفيدونا أفادكم الله، فنحن في حيرة من أمرها، وهل من نصح في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا أدري –يا أختي- عن مدى تحققك وجزمك أن ما أصاب هذه المرأة هو نوع من السحر المشروب أو غيره، فلربما توهم كثير من الناس أن ما أصابهم هو السحر، وأنه من نوع كذا وكذا، وعند التحقق يتبين أن الأمر على خلاف ذلك التوهم، غير أني أوصيكم وصية محب بما يلي:
1- أن توطّنوا أنفسكم على الصبر والاحتساب، فالدنيا مترعة بالمتاعب، ومن تأمل عظيم مصائب غيره هانت عليه مصيبته، واعلموا أن الأجر مع الصبر، وأن الله مع الصابرين.
2- أوصيكم –مع هذا- بتعاطي الأسباب المشروعة، ومن ذلك: البدء أولاً بمراجعة الأطباء من ذوي الاختصاص، فلربما يتبين أن المرض عضوي يمكن معالجته لدى ذوي الاختصاص، فإن أشاروا عليكم بعد ذلك بمراجعة المصحات النفسية فافعلوا، فقد أصبح كثير من الناس مبتلى بهذه الأمراض، وبمراجعتهم للمستشفيات النفسية يحصل عندهم كثير من التحسن، والعلماء لا يقللون من أهمية المعالجة لدى ذوي الاختصاص، فهم يبذلون أسباباً ينفع الله بها من يشاء.
3- إذا تحقق بعد اتخاذ الأسباب السالفة الذكر أنه سحر فأوصيكم بالرقى الشرعية المأثورة، ولن تعدموا من يفعل ذلك، فليست الأدعية حكراً على شخص دون شخص، ومن الأنفع في ذلك أن يتعاطى المريض الرقية بنفسه، فيرقي نفسه بنفسه معتمداً على الله صادقاً في التجائه إليه واعتماده عليه، ويداوم على ذلك حتى يزول ما به.
ولسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- في (مجموع فتاويه ومقالاته) توجيه وتنبيه إلى ما يُتقى به خطر السحر قبل وقوعه، وبعد وقوعه تجدونه مرفقاً بهذه الإجابة، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه... قال الشيخ/ عبد العزيز بن باز: " أما ما يتقى به خطر السحر قبل وقوعه، فأهم ذلك وأنفعه، هو: التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك: قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، وهي قوله –سبحانه-:"اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"، ومن ذلك قراءة "قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"، و"قل أعوذ برب الناس"، خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث (ثلاث مرات) في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما: قوله –تعالى-:"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" إلى آخر السورة، وقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي:" لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح" رواه البخاري (2311)، وصح عنه أيضاً –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" البخاري (5009) واللفظ له، ومسلم (807)، والمعنى –والله أعلم-: كفتاه من كل سوء، ومن ذلك الإكثار من التعوذ بـ(كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:"من نزل منزلاً، فقال:"أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" مسلم (2708)، ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل (ثلاث مرات):"بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" الترمذي (3388) وأبو داود (5088) وابن ماجة (3869) وأحمد (446)؛ لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء، وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق، وإيمان، وثقة بالله، واعتماد عليه، وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضاً من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله، وسؤاله –سبحانه- أن يكشف الضرر ويزيل البأس، ومن الأدعية الثابتة عنه –صلى الله عليه وسلم- في علاج الأمراض من السحر وغيره –وكان –صلى الله عليه وسلم- يرقي بها أصحابه-:"اللهم رب الناس أذهب البأس اشفه أنت والشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً" البخاري (5743) واللفظ له، ومسلم (2191) (يقولها ثلاثاً)، ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي –صلى الله عليه وسلم-وهي قوله:"بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك" مسلم (2186) وليكرر ذلك ثلاث مرات، ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً، وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيها آية الكرسي، و"قل يا أيها الكافرون"، و"قل هو الله أحد"، و"قل أعوذ برب الفلق"، و"قل أعوذ برب الناس"، وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وهي قوله –سبحانه-:"وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ*فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ"، والآيات التي في سورة يونس، وهي قوله –سبحانه-:"وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ*فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ*فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ*وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ"، والآيات التي في سورة طـه:" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى*قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى*فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى*قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى*وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى".
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه (ثلاث مرات)، ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء –إن شاء الله-، وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء، ومن علاج السحر أيضاً وهو من أنفع علاجه بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر، هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها، والله ولي التوفيق.
وأما علاجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان، بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول –صلى الله عليه وسلم- من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم –كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة-، وقد صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن النشرة، فقال:"من عمل الشيطان" رواه الإمام أحمد (14135) واللفظ له، وأبو داود (3868) بإسناد جيد، والنشرة، هي: حل السحر عن المسحور، ومراده –صلى الله عليه وسلم- بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية، وهي سؤال الساحر ليحل السحر أو حله بسحر مثله من ساحر آخر.
أما حله بالرقية والمتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك -كما تقدم-، وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) –رحمة الله عليهما-، ونص على ذلك أيضاً غيرهما من أهل العلم.
والله المسؤول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما يخالف شرعه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- جـ الثالث صـ (277-281)].