كن رمضانياً
للدكتور رشيد بن حويل البيضاني
عندما أختلي بنفسي لبضع دقائق ، وأنظر في سجل يومي ، ماذا فعلت؟ وماذا رأيت؟ أجد حياة نموذجية مثالية ، هي المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون وكتب عنها الفاربي ، وتمناها كثير من المفكرين لضبط إيقاع هذا الكون .
أرى الناس في المصالح وفي الشوارع ، وقد غشيتهم السكينة ، وعم سلوكياتهم الهدوء والطمأنينة ، نادراً ما تسمع صوتاً عالياً اختفت المشاحنات ، وانخفضت الأصوات ، وكأننا في مجتمع مغاير تماماً لما كنا عليه قبل اسابيع محدودة .
أرى وجوه الخير تمتد عبر البلاد ، موائد للفقراء هنا وهناك ، مياه توزع على المصلين في القيام ، صدقات تخرج من جيوب طال غلقها ، اعتادات على أن نضع فيها ، لا ان نأخذ منها.
ارى المساجد كلها ، كبيرة أم صغيرة ، كخلايا النحل روادها يهمسون بتلاوة كتاب الله تعالى ، وبعضهم يناجي ربه في خشوع ، تفيض عيناه دمعاً خشية وخوف وطمعاً ، خشية وخوف من الله ، وطمعاً فيما وعدنا من جزيل الثواب في هذا الشهر المبارك.
أتابع الصحف كالعادة ، فأجد كم الحواداث التي اعتدنا مطالعتها على صفحات هذه الصحف اليومية العديدة يقل كثيراً بل يندر على خلاف ما كان الوضع عليه قبل اسابيع .
أنظر إلى الوجوه فأراها باسمة ، الاخ يحضن اخاه مهنئاً وداعيا ومتمنياً.
أينما اذهب أرى ابواب الخير مفتوحة ، والناس يتسابقون في عمل الخيرات ، في شهر الطيبات .
ما الذي حدث؟!
هل انتقلنا إلى عالم آخر؟!
كلا ، المكان هو المكان ، والناس هي الناس ، لكن الزمان قد تغير ، فقد أظلنا شهر كريم ، ولعل من ابرز صور كرمه أنه استطاع تغيير سلوكيات الملايين من البشر : صحيحهم وسقيمهم ، طيبهم وشرسهم الملتزمين منهم والمفرطين ،
أي سحر هذا الذي يتمكن بين عشية وضحاها من تغيير البشر؟.. إنه سحر الإيمان ، وقوة اليقين ، ورسوخ الإيمان والعبودية لله تعالى .
كثيرون أولئك الذين يتمنون أن يطول رمضان ، لكن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً ، ولا يمكن أن يتكرر منها شهراً ،
ولكن لكي تستمر تلك الحياة الفاضلة ، علينا أن نسير على النهج الرمضاني السلوكي و الاخلاقي والإيماني ، بقية شهور السنة و من هنا تصبح الحياة بسرها ((رمضانية))