فلينظر الإنسان إلى طعامه
بقلم أ.د/ أمير صالح ( استشاري الطب الإسلامي)
في وقتنا الحالي نشاهد إمكانية نهاية الحضارة الحديثة , نتيجة للهدم المستمر للحياة الطبيعية
و لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية تدارك الموقف ,فبمجرد التفكير ملياً مع النفس و أخذ خطوات إيجابية لتغيير أنفسنا , فإن هذا الوضع المأساوي يتحول على عكس ما هو عليه تماماً ,و لذا فإن أفضل طريقة لتجنب هذه المأساة ليس فقط تكتيكاً خاصاً يضبط المسألة الغذائية و لكن تغيير يشمل نمط التفكير ذاته وعندها ندرك أن الحصول على الصحة و السعادة و التخلص من الأمراض يكمن في التحرر من أخطائنا و تنمية قدراتنا على التمييز الصحيح للأشياء , و من ثم تغييرها , لذلك نجد أن الحمية الغذائية تعد ركناً ركيناً من أركان الشفاء فالدواء وحده
لا يؤدي ما عليه من دور في المساهمة في شفاء المريض , إلا إذا اتحد و تعاون مع الحمية الغذائية و الأنظمة الحياتية التي تحقق الشفاء بإذن الله , و هناك أطعمة كثيرة تعارض تأثير الدواء بل و تؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج سلبية , و أكبر شاهد على ذلك الدهون المشبعة و أثرها السلبي على مرضى تصلب الشرايين و قصور الشريان التاجي , لذلك نجد عناية المولى عز و جل بالطعام كماً و كيفاً , فأما عن الكم : فيقول عز و جل ﴿ " وكلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " ﴾ فارتبطت محبة الله بالاعتدال في كمية الطعام مهما كان نوعه , و أذكر مقولة أحد العلماء المختصين في مجال التغذية حيث قال : أهم أسباب زيادة الوزن و السمنة هو زيادة كمية الطعام بغض النظر عن نوعيته و ضرب مثلاً لذلك أن الأبقار التي تتغذى على الكلأ و العشب بكميات كبيرة تزداد في الوزن , بالرغم من فقر هذه الأعشاب للدهون المشبعة و السكريات و النشويات ,وقد جرت العادة الشعبية القديمة في كثير من البلدان العربية في إطعام بعض الطيور ببعض الحبوب إطعاماً فوق حاجة و قدرة الطائر و كان يؤدي هذا الأسلوب في التغذية إلى زيادة كبيرة في حجم الطائر و ترسيب الدهون في أماكن عديدة في جسمه و هذا الأسلوب الغذائي نهى عنه كثير من علماء الشرع , لما فيه إجبار لهذا الطائر على التغذية فوق طاقته, فما أحوجنا أن نعود إلى شرع الله في الوسطية و الاعتدال من حيث الكم في الطعام الذي نتناوله فوق حاجتنا .
أما عن نوعية الطعام فقد أوصى المولى سبحانه و تعالي في كثير من آيات القرآن الكريم بالعناية بجودة الطعام ﴿ " فلينظر الإنسان إلى طعامه " ﴾ توجيه بالنظر إلى الطعام من حيث منشأه و قدرة الله عز و جل في إنباته و من حيث تصنيعه و إعداده نظرة شاملة لكل أوجه الطعام , ووضع القرآن الكريم أحكاماً شرعية عامة نستخلص منها الكثير من القوانين الغذائية الهامة لحياة الإنسان , و على سبيل المثال لا الحصر يقول المولى ﴿ " أحل لكم الطيبات و حرم عليكم
الخبائث " ﴾ إشارة لنوعية الطعام الطيب من حيث الأصل أي أنه حلال العين و المقصود بحلال العين الذي لم يرد فيه نص بتحريمه مثل لحوم الدواجن و الأسماك و الأبقار و الأغنام و غيرها , و الطيبات أيضاً هي الأطعمة المباحة دون تغيير في طبيعتها من تعفن أو تلف أو تخمر كما هو الحال في ثمار الفواكه و التي تكون طيبة ما دامت طازجة محتفظة بلونها و مذاقها و رائحتها دون تغيير , و قد تفسد الثمار إذا ذرعت تحت ظروف مخالفة للخلق , فمثلاً إضافة المخصبات و المواد الكيماوية و التي ثبت ضررها على النبات و أيضاً على الإنسان الذي يتناولها و أقرت بذلك الهيئات العلمية المحايدة فإخراج الثمار و الحبوب من طبيعتها لزيادة في الحجم أو الوزن أو إطعام بعض الحيوانات و الدواجن أعلاف ضارة تؤذي الإنسان و الحيوان على السواء و قد شاهدنا جميعاً ما حدث للأغنام و الأبقار بمرض الحمى القلاعية و جنون البقر و للدواجن و الطيور بمرض أنفلونزا الطيور و غيرها من وسائل الإفساد , و لذلك أنبه إلى أن كثير من هذه الوسائل مثل تبخير التمور بالمبيدات الحشرية و حفظ بعض الخضروات و الفواكه في مواد ثبت أثرها الضار للإنسان , بل أن إفساد الطعام قد يكون متعمداً من قبل بعض الشركات العالمية و ذلك بإضافة المواد المعودة أي التي تصيب الفرد بتعود أكلها ( مثل الشيبسي و غيره مما يدمنه الأطفال و كذلك بعض المشروبات و الأطعمة للكبار ) و هذا يمثل نوع من أنواع الإدمان و قد انشغلت هذه الشركات بوضع هذه الخلطات السرية و التي تسمى كذباً بالنكهة الخاصة و أشد هذه النكهات هي المواد السرية التي تضاف إلى أغذية المطاعم السريعة .. فتوضع في السندوتشات و مواد القلي لإعطاء الطعام مذاق خاص و أيضاً كسب المزيد من المتعاطين لهذه المواد السرية , فما أحوجنا جميعاً للعودة للطبيعة و طعام البيت و البعد عن الوجبات الخارجية و التي لا ندري في أي مراحل الإعداد تم إفسادها عمداً أو دون قصد و نعمل بقوله تعالى " فلينظر الإنسان إلى طعامه" .
مجلة عالم الحمية/ العدد /الثالث /2007 فيراير
منقول