وَمِنْ شُرُوطِهَا سَتْرُ العورة .
---------------------------
هذا الشرط الثالث من شروط صحة الصلاة ، وهو ستر العورة .( أي تغطية العورة ) .
قال ابن عبد البر : ”أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عرياناً وهو قادر على الاستتار“ .
قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) . والزينة المأمور بأخذها عند الصلاة قسمان :
زينة واجبة : هي ستر العورة كما سيأتي، وزينة مستحبة : وهي ستر ما زاد على العورة .
وقال e : ( إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به ) . متفق عليه
ثم ذكر المصنف شروط الثوب الساتر فقال :
م/ بِثَوْبٍ مُبَاحٍ .
---------------------------
بشرط أن يكون الثوب الساتر مباحاً ، فلا يجوز أن يكون محرماً .
والمحرم ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
محرم لعينه : كما لو صلى بثوب حرير [ ومن المعلوم أن الحرير حرام للرجال ] فلا تصح صلاته .
محرم لكسبه : كمن صلى بثوب مغصوب أو مسروق ، فلا تصح صلاته .
محرم لوصفه : كمن صلى في ثوب مسبل .
وقد جاء في الحديث عن ابن عمر قال : قال رسول الله e : ( من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه ) رواه أحمد وهو ضعيف
وذهب بعض العلماء إلى صحة الصلاة بالثوب المحرم مع الإثم ، وهذا القول هو الصحيح .
لأن جهة الأمر والنهي مختلفة .
م/ لَا يَصِفُ اَلْبَشْرَةَ .
---------------------------
هذا الشرط الثاني للثوب الساتر ، أن لا يصف البشرة ، يعني لا يكون رقيقاً يصف البشرة ، فإن كان رقيقاً يصف البشرة من احمرار أو اسوداد ونحو ذلك ؛ فإنه لا يصح الستر به ، لأنه لا يسمى ساتراً .
ولأن الحديث عن النبي e ( صنفان من أهل النار لم أرهما ... نساء كاسيات عاريات ) قال العلماء : يدخل في الكاسية العارية التي تلبس ثوباً تكتسي به لكنه عاري في نفس الوقت لخفته لكونه خفيفاً .
ومن الشروط التي لم يذكرها المؤلف :
أن يكون طاهراً ، فإن كان نجساً فإنه لا تصح الصلاة به ، لا لعدم الستر ، ولكن لأنه لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة .
وهذا أدلته أدلة اجتناب النجاسة ، ومنها حديث أبي سعيد : ( أن النبي e كان يصلي ذات يوم بأصحابه ، فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم ، فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ، قالوا : رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا ، فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً ) . رواه أبو داود
م/ وَالْعَوْرَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُغَلَّظَةٌ, وَهِيَ: عَوْرَةُ اَلْمَرْأَةِ اَلْحُرَّةِ اَلْبَالِغَةِ, فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ فِي اَلصَّلَاةِ إِلَّا وَجْهَهَا.
---------------------------
ذكر المؤلف عورة المرأة في الصلاة ، وعورتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولاً : يجب على المرأة أن تستر شعر رأسها في الصلاة إجماعاً ، نقله ابن قدامة في المغني ، وأنه لو ظهر جميع شعر رأسها في الصلاة أنها تعيد هذه الصلاة ، وكذلك رقبتها .
لحديث عائشة أن النبي e قال : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) . رواه أبو داود
وجه الدلالة : أن النبي e نفى قبول صلاة المرأة إذا صلت مكشوفة الرأس إلا بخمار ، وهذا يدل على وجوب ستر رأس المرأة في الصلاة ، بل على اشتراطه ، وإذا تقرر هذا الحكم في الرأس ففي البطن وغيره من سائر البدن أولى .
ثانياً : وأما وجه المرأة الحرة في الصلاة ؛ فقد أجمع العلماء على جواز كشفه ، وممن حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال ابن قدامة : ” لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم “ .
وأما الكفان والقدمان فقد اختلف العلماء في حكم سترهما في الصلاة على أقوال :
فقيل : يجب سترهما ، وهذا المذهب .
لحديث : ( المرأة عورة ) .
وجه الدلالة : أن هذا الحديث عام يقتضي ستر جميع بدن المرأة ، وترك الوجه للحاجة ، ففيما عداه يبقى على الدليل .
وقيل : لا يجب سترهما .
وهذا مذهب الحنفية واختاره ابن تيمية .
لعدم وجود دليل يوجب ذلك ، ولأنهما من الأشياء التي يشق سترهما ، ومن المعلوم أن في وقت النبي e لم يكن هناك توفر في الخفاف ولا القفازات .
§وقوله ( الحرة ) خرج بذلك الأمة ، فإن عورتها من السرة إلى الركبة ، وهذا مذهب جماهير العلماء ، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك ، فقد قال ابن قدامة : ”وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائز لا نعلم أحداً خالف في هذا إلا الحسن البصري“ .
§وقوله ( البالغة ) تخرج غير البالغة ، فهذه كلها عورة إلا الرأس والكفين والقدمين ، فلها أن تصلي في ثوبها دون أن تستر رأسها ما دام أنها لم تبلغ لمفهوم حديث عائشة : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) .
م/ وَمُخَفَّفَة وَهِيَ: عَوْرَةُ اِبْنِ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرٍ, وَهِيَ اَلْفَرْجَانِ .
---------------------------
أي : عورة ذكر من سبع إلى عشر سنوات ، هي الفرجان ، أي : إذا ستر قُبُله ودُبُرَه فقد أجزأ السترُ ، ولو كانت فخذيه بادية .
م/ وَمُتَوَسِّطَةٌ: وَهِيَ عَوْرَةُ مِنْ عَدَاهُمْ, مِنْ اَلسُّرَّةِ إِلَى اَلرُّكْبَةِ .
---------------------------
المراد بهذه العورة من عدا ما مضى وهو الرجل من عشر فما فوق ، فإن عورته من السرة إلى الركبة .
وهذا مذهب جمهور العلماء : أن العورة الفرجان والفخذ .
واستدلوا بأحاديث فيها مقال لكن يقوي بعضها بعضاً ، وقد صححها ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر والألباني .
كحديث محمد بن جحش قال : ( مرّ رسول الله e على معمر وفخذاه مكشوفتان ، فقال : يا معمر غط فخذك فإن الفخذ عورة ) . رواه أحمد وعلقه البخاري
وعن جرهد قال : ( مرّ عليّ رسول الله e وعليّ بردة وقد انكشف فخذي فقال : غط فخذك فإن الفخذ عورة ) . رواه أحمد وأبو داود
وذهب بعض العلماء إلى أن الفخذ ليس بعورة .
لحديث عائشة : ( أن رسول الله e كان جالساً كاشفاً عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه ... ) . رواه مسلم
والجواب عن هذا الدليل :
أولاً : أن هذه حكاية فعل لا تنتهض على معارضة الأحاديث القولية الدالة على أن الفخذ عورة ، لأنها تتضمن إعطاء حكم كلي ، وإظهار شرعٍ عام ، فكان العمل بها أولى .
قال الألباني : ”وأدلة القائلين بأنه عورة ؛ قولية من جهة ، وحاضرة من جهة أخرى ، ومن القواعد الأصولية التي تساعد على الترجيح بين الأدلة والاختيار بعيداً عن الهوى ، قاعدتان :أن الحاضر مقدم على المبيح – والقول مقدم على الفعل لاحتمال الخصوصية وغيرها“ .
§وقول المصنف ( من السرة إلى الركبة ) ظاهره أن السرة والركبة ليسا من العورة ، بل العورة ما بينهما ، ويدل على أنهما ليسا من العورة : حديث ( الفخذ عورة ) .
وحديث علي في قصة حمزة لما شرب الخمر وثمل شارفي جمل علي وطعنهما ... في الحديث أن حمزة صعد النظر إلى سرة النبي e ، فدل على أن السرة ليست من العورة .
وأيضاً جاء في صحيح مسلم في قصة أبي بكر : ( قد جاء وفد رفع ثوبه وأبدى ركبتيه فقال e : أما صاحبكم فقد غافر ) .
وجاء في حديث : ( ما بين السرة إلى الركبة عورة ) .
§وقول المصنف : ( من السرة إلى الركبة ) ظاهره يدل على أنه لا يجب ستر أحد العاتقين ، وهذا هو الصحيح خلافاً لبعض العلماء الذين قالوا : يجب على الرجل أن يستر أحد العاتقين في الفرض .
مثال : لو صلى سنة الظهر وقد ستر ما بين السرة والركبة ولم يستر أحد عاتقيه فصلاته صحيحة ، وفي فرض الظهر لو أنه صلى وستر ما بين السرة والركبة ولم يستر أحد عاتقيه فصلاته غير صحيحة .
وهذا هو مذهب الحنابلة .
لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله e : ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ) . متفق عليه
قالوا : فيجب على المصلي في صلاة الفرض أن يستر أحد عاتقيه ، وخصوه بالفرض دون النفل لأن صلاة النفل مبناها على التخفيف .
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجب ستر العاتق في الصلاة .
واستدلوا بحديث جابر أن النبي e قال : ( إن كان ضيقاً فاتزر به ) . متفق عليه
ومعنى ذلك أن جابر سوف يصلي وعاتقاه مكشوفتان .
وأما حديث أبي هريرة : ( لا يصلي أحدكم وليس على عاتقه ... ) فمحمول على الاستحباب ، ولأنه أبلغ في الزينة .
§والمراد بالثوب في قوله : ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ... ) الإزار الذي يكسوا أسفل جسم الإنسان ، أو الرداء الذي يكسو أعلاه ، ليس المراد به القميص .
§لا خلاف بين العلماء في جواز كشف الرجل عاتقيه خارج الصلاة .
§لا خلاف بينهم في مشروعية ستر العاتقين في الصلاة ، وأن ذلك هو الأكمل والأفضل في حق المصلي [ وإنما الخلاف في الوجوب كما سبق ]