حقيقة " لا حول و لا قوة الا بالله " 
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق  بن عبد المحسن البدر
 			
 			
        حقيقة لا حول ولا قوة الا بالله 
    " لا حول ولا قوة الا بالله " تلك الكلمة العظيمة ذات المعانى  الجليلة والدلالات العميقة , وقد تنوعت الأحاديث فى الدلالة على تشريف هذه  الكلمة وتعظيمها , حيث أخبر صلوات الله وسلامه عليه أنها من أبواب الجنة ,  وأنها من كنز تحت العرش , وأنها غراس الجنة,  وأنها من الباقيات الصالحات  التى ينبغى للعبد أن يستكثر منها , ومر معنا أيضا أمر النبى صلى الله عليه  وسلم بالاكثار من قول : لا حول ولا قوة الا بالله , وكل هذا يدل بجلاء على  عظم فضل هذه الكلمة ورفعة شأنها , وأنها كلمة عظيمة جليلة ينبغى على  المسلمين أن يعنوا بها وأن يكثروا من قولها , وأن يعمروا أوقاتهم بكثرة  تردادها لعظم فضلها عند الله , ولكثرة ثوابها عنده , ولما يترتب عليها من  خيرات متنوعة , وأفضال متعددة فى الدنيا والآخرة . 
   ومن الأمور اللازمة فى هذا الباب والمتأكدة على كل مسلم أن يفهم مدلول  هذه الكلمة ومعناها , ليكون ذكره لله بهاعن علم وفهم وادراك لمدلول ما يذكر  الله به , أما أن يردد المسلم كلاما لا يفهم معناه , أو ألفاظا لا يدرك  مدلولها , فهذا عديم التأثير ضعيف الفائدة , ولهذا فانه لا بد على المسلم  فى هذا الذكر , بل وفى كل ما يذكر الله به أن يكون عالما بمعنى ما يقول  مدركا لمدلوله,اذ بذلك يؤتي الذكر ثماره و تتحقق فائدته ,وينتفع به الذاكر ,  وقد تقدم معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لابي هريرة رضي الله عنه  :  ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة ؟ تقول لا حول ولا قوة الا  بالله فيقول الله عز وجل : أسلم عبدي وأستسلم .
   فهي كلمة اسلام واستسلام , وتفويض و تبرؤ من الحول والقوة الا بالله ,  وأن العبد لا يملك من أمره شيئا , وليس له حيلة فى دفع شر , ولا قوة فى جلب  خير الا بارادة الله تعالى . فلا تحول للعبد من معصية الى طاعة , ولا من  مرض الى صحة , ولا من وهن الى قوة , ولا من نقصان الى كمال وزيادة الا  بالله , ولا قوة  له على القيام بشأن من شؤونه , أو تحقيق هدف من أهدافه أو  غاية من غاياته الا بالله العظيم , فما شاء الله كان ,وما لم يشأ لم يكن ,  فأِزمٌة الأمور بيده سبحانه , وأمور الخلائق معقودة بقضائه وقدره , يصرفها  كيف يشاء ويقضي فيها بما يريد , لا رادٌ لقضائه , ولا معقٌب لحكمه , فما  شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء , على الوجه الذي يشاء من غير زيادة  ولا نقصان , ولا تقدم ولا تأخر , له الخلق والأمر وله الملك والحمد , وله  الدنيا والآخرة , وله النعمة والفضل , وله الثناء الحسن , شملت قدرته كل  شيء ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )    سورة يس  - 82 -    , ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من  بعده )  سورة فاطر - 2 - , ومن كان هذا شأنه فإن الواجب الإسلام لألوهيته ,  والإستسلام لعظمته , وتفويض الأمور كلها إليه , والتبرؤ من الحول والقوة  إلا به , ولهذا تعبٌد الله عباده بذكره بهذه الكلمة العظيمة التي هي باب  عظيم من أبواب الجنة وكنز من كنوزها .  
   فهي كلمة عظيمة تعني الإخلاص لله وحده بالإستعانة , كما أنٌ كلمة التوحيد  لا إله الا الله تعني الإخلاص لله بالعبادة , فلا تتحقق لا إله إلا الله  إلا بإخلاص العبادة كلٌها لله, ولا تتحقق لا حول ولا قوة إلا بالله إلا  بإخلاص الإستعانة كلٌها لله , وقد جمع الله بين هذين الأمرين فى سورة  الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله ( إياك نعبد وإياك نستعين )  فالأول تبرؤ من الشرك , والثانى تبرؤ من الحول والقوة والتفويض الى الله عز  وجل , والعبادة متعلقة بألوهية الله سبحانه , والإستعانة متعلقة بربوبيته ,  العبادة غاية , والإستعانة وسيلة , فلا سبيل الى تحقيق تلك الغاية العظيمة  إلا بهذه الوسيلة : الإستعانة بالله الذى لا حول ولا قوة إلا به , ولهذا  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"  وذلك أن هذه الكلمة ( أي لا حول  ولا قوة إلا بالله ) هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع , وكثير من الناس  يقولها عند المصائب بمنزلة الإسترجاع , ويقولها جزعا لا صبرا "  . 
   وعلى هذا المعنى المشار إليه يدور فهم السلف رحمهم الله لهذه الكلمة  العظيمة , أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في " لا  حول ولا قوة إلا بالله " قال :" لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله ,  ولا قوة لنا على ترك المعصيةإلا بالله " . 
   وأخرج أيضا عن زهير بن محمد أنه سئل عن تفسير " لا حول ولا قوة إلا بالله  " قال : لا تأخذ ما تحب إلا بالله , ولا تمتنع مما تكره إلا بعون الله . 
   قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله  يوجب الإعانة , ولهذا سنٌها النبي صلى الله عليه وسلم اذا قال المؤدن : حي  على الصلاة , قال المجيب لا حول ولاقوة إلا بالله فإذا قال المؤدن حي على  الفلاح , قال المجيب : لا حول ولا قوة إلا بالله , وقال المؤمن لصاحبه : (  ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله )   سورة الكهف - 39 -  , ولهذا يؤمر ذا من يخاف العين على شيء فقوله ما شاء الله , تقديره ماشاء  الله كان ,فلا يأمن بل يؤمن بالقدر , ويقول : لاقوة الا بالله و حديث أبي  موسى الأشعري رضي الله عنه المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"  هي كنز من كنوز الجنة " , والكنز مال مجتمع لا يحتاج الى جمع , ودلك أنها  تتضمن التوكل والإفتقار الى الله تعالى , ومعلوم أنه لا يكون شيء إلا  بمشيئة الله وقدرته , وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه الله فيهم ,  فإدا انقطع القلب للمعونة منهم وطلبها من الله فقد طلبها من خالقها الدى لا  يأتي بها إلا هو ... ولهدا يأمر الله بالتوكل عليه وحده فى غير موضع , وفي  الأثر :" من سرٌه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله , ومن سرٌه أن يكون  أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده " .  
  ولا ريب أن أنفع الدعاء وأفضله للعبد هو طلبه من الله العون على مرضاته  والتوفيق لطاعته , وهو الذي علٌمه النبي صلى الله عليه وسلم لحبه معاذ بن  جبل رضي الله عنه فقال :" يا معاذ , والله إني لأحبك , فلا تنس ان تقول دبر  كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " , وهذه كلمة استعانة  كما هو الشأن فى قول لا حول ولا قوة إلا بالله , استعانة بالله لتحقيق أفضل  الغايات وأجل المطالب على الإطلاق , عبادة الله سبحانه التي أوجد الخلق  لتحقيقها , وخُلقوا للقيام بها , ولهذا قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله  :" تأملت أنفع الدعاء , فإذا هو سؤال العون على مرضاته , ثم رأيته في  الفاتحة في ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .  
    فاللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد , نرجو رحمتك ونخاف  عذابك , ولا حول ولا قوة إلا بك , فلا تكِلنا الى أنفسنا طرفة عين , ولا  أقل من ذلك , أنت ربٌ العالمين وإله الأولين والآخرين و لا اله إلا انت  نستغفرك ونتوب إليك .  
 المصدر : فقه الأدعية والأذكار