عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-09-2004, 06:49 AM   #4
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

ولو رأيت أنك بحاجة لمساعدة بعض الإخوة المتخصصين في مجال الرقية الشرعية من أصحاب العلم الشرعي الحاذقين المتمرسين فلا تثريب ، اما بخصوص الأخ الذي يستعين بالجن من اليهود فأحيلك إلى الرابط التالي الذي يتحدث عن هذه المسألة بتفصيل وإسهاب :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء
   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

أشكر لك أخي ( عمر السلفيون ) هذه الثقة التي أعتز بها ، وأسأل الله سبحانه وتعالى العون في تحمل أمانة هذا العلم ، وأسأله أن يمن علي من فضله وكرمه ، وأن يوفقنا جميعاً للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم 0
أما بخصوص رابط موقع ( منتدى الجن والعفاريت ) فلا أخفيك أنني قد دخلت الموقع مرة واحدة عند افتتاحه ، وكان الموقع آنذاك بصدد طرح كتاب في هذا المنتدى بعنوان ( حوار صحفي مع جني مسلم ) للكاتب ( محمد عيسى داود ) ، والكتاب يحوي من الهرطقات والخزعبلات ما كان الله به عليم ، وكان يعتقد أن طرح هذا الموضوع يأتي بفائدة لرواد هذا المنتدى ، ومن فوري قدمت لهم نصيحة كي يتوقفوا عن هذا الأمر لعلمي اليقيني أن المفسدة المترتبة عن طرح هذا الموضوع أعظم بكثير من المصلحة المترتبة ، أخذاً بالقاعدة الفقهية ( المصالح والمفاسد ) ، وأعتقد أنهم أخذوا بها جزاهم الله خيراً 0
ولا أخفيك أخي الحبيب عندما تصفحت الموقع وجدته يحوي الغث والسمين وكانت هي المرة الأولى والأخيرة التي أدخل بها هذا الموقع 0
أما بخصوص موضوع الرابط فاعلم - حفظك الله - أنني قرأته بتمعن ، وفي حقيقة الأمر لا أريد أن أدخل في وقفات مع كثير من المسائل المطروحة لأن الأمر سيطول ، إنما الملاحظة المهمة التي لفتت انتباهي هي الأسلوب غير العلمي المتبع من قبل بعض المداخلات والتي لا يُقصد من ورائها انتصار للحق وأهله بقدر ما هي انتصار لوجهة نظر صاحبها ، وكذلك ما كان ينبغي للبعض التصرف بفوقية وكأنهم يملكون علماً لدنياً لا يباريهم فيه أحد ، ولا بد أن يتأدب الجميع وأن نتخلق بأخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فقد كان خلقه القرآن ويجب أن نكون كذلك ، ولا بد من احترام وجهة النظر الأخرى إن كانت تعتمد على أصول شرعية ، أما أن يُظهر كل متداخل بأن وجهة نظره هي الصحيحة فهذا مجانب للصواب ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى ، وأن يفقهنا في دينه ويعفو عنا بمنه وكرمه إنه سميع مجيب الدعاء 0
نعود إلى الموضوع الأساس وهو محور النقاش ، وكان يدور حول مسألتين أساسيتين : الأولى الاستعانة بالجن ، والثانية : الحوار مع الجن والشياطين ، ولقد بحثت تلك المسائل بحثاً تفصيلياً شرعياً موثقاً في كتابي ( نحو موسوعة شرعية في علم الرقى – تأصيل وتقعيد في ضوء الكتاب والسنة والأثر ) ، وأقدمه لكافة القراء الأعزاء مع بعض الاختصار راجياً أن ينتفع به الجميع 0

المسألة الأولى : الاستعانة بالجن :

كانت النظرة - لبعض الطوائف المنحرفة - للجن قائمة على تصورات فاسدة ، فمن قائل : إن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير 0 ومن قائل : إن إبليس مع جنده يمثلون الشر في جهة ، ويحاربون الله وملائكته في جهة أخرى 0
وكان الاعتقاد السائد أن الجن يعلمون الغيب ، وذلك بما كانوا يلقونه إلى الكهان عندما كانوا يسترقون أخبار السماء ، فيزيد الكهان على الكلمة من الحق مائة كذبة كما ورد في الحديث ، فيصدق الناس ذلك 0
وكانوا يتصورون أن للجن سلطانا في الأرض ، إلى غير ذلك من هذه التصورات المنحرفة الجائرة 0
هذه التصورات المختلفة عن الجن كان لها تأثير على تفكير وسلوك هؤلاء الناس وأعمالهم وإرادتهم كما أخبرنا القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) ، ومن خلال أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية ، يتضح أنه كان للجن تأثير على سلوك مشركي العرب ، حيث كان أحدهم يعوذ بالجن عند المخاوف والأفزاع ، وأثر ذلك على عقائدهم من حيث التوجه إلى عبادة الجن والذبح لهم ، محاولين استرضائهم بأي شكل من الأشكال ، ولا يخفى أن التوجه بالعبادة والتعظيم لغير الله من سائر الخلق فساد أي فساد في السلوك ! ناشئ عن فساد التصور والاعتقاد الذي أرسل الله رسله وأنزل كتبه لإنقاذ البشرية من مغبته ، بتصحيح تصوراتهم وتقويم سلوكهم ، بما بينوه من أن الله هو خالق الجن والإنس وسائر الموجودات ، وأنهم يستوون جميعا في عدم قدرتهم على تغيير سنة من سنن الله سبحانه وتعالى التي وضعها في هذا الكون ، وأنهم جميعا واقعون تحت سلطان الله وقهره ، وأن التوجه لغيره سبحانه بعبادة أو تعظيم شرك كبير ، يستحق فاعله الخلود في النار 0
ونتيجة لتلك العلاقة القائمة بين الإنس والجن منذ أمد بعيد ، كانت الاستعانة 0 والمتأمل للكلام السابق يرى أن العلاقة التي تقوم بين الطرفين بمجملها لا تأتي بخير ، وذلك لقيام هذه العلاقة بين عالم محسوس وآخر غيبي لا نعرف كنهه ولا طبيعته إلا ما أخبر به الحق جل وعلا في محكم كتابه أو قررته السنة المطهرة ، فالإسلام حدد السلوك والعلاقة والتصور الكامل بين هاذين العالمين 0
وقد تكلم الكثير من عامة الناس وخاصتهم عن موضوع الاستعانة ، فمنهم من أباحها ، ومنهم من توقف عنها ، ومنهم من لم يبحها وحذر منها وبين خطورتها 0 ولأهمية ذلك 000 كان لا بد من وقفة جادة نستعرض فيها التصور الكامل المبني على النصوص القرآنية والحديثية ومنهج السلف الصالح وأقوال أهل العلم قديما وحديثا ، دون تحكيم عقل أو منطق ، أو تحقيقا لأهواء أو نزوات أو شهوات ، وبحث هذه المسألة ضمن الأطر الشرعية ، ببصيرة وبينة ، لكي يتسنى الوقوف على الحقيقة والطريق السوي المستقيم 0
وأبدأ بعرض بعض الآيات التي ذكرت علاقة الإنس بالجن وحقيقة هذه العلاقة بالمفهوم الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذكره الصحابة والتابعون والسلف وعلماء الأمة وأئمتها - رضوان الله عليهم - أجمعين :

* علاقة الإنس بالجن كما بينها الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه :

1)- يقول تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) 0

أ - قال الطبري : ( قال حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ ) ، قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي ، فيقول الجنيون : تتعوذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ! ) ( جامع البيان في تأويل القرآن – 12 / 263 ) 0
ب - وذكر مثل ذلك البغوي في كتابه ( معالم التنزيل ) 0
ج - وذكر مثل ذلك ابن كثير في كتابه ( تفسير القرآن العظيم ) 0
هـ- وذكر مثل ذلك الشوكاني في كتابه ( فتح القدير ) 0

2)- يقول تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) ( سورة الأنعام – الآية 128 ) 0

أ - قال الطبري : ( ما قاله الإمام البغوي وزاد عليه : ( وأما استمتاع الجن بالإنس ، فإنه كان فيما ذكر ، ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعاذتهم بهم ، فيقولون : ( قد سدنا الجن والجن ) ( تفسير الطبري - جامع البيان في تأويل القرآن - 5 / 343 ) 0
ب - قال الشوكاني : ( أما استمتاع الجن بالإنس فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم ، وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي فوقعوا فيها وتلذذوا بها ، فذلك هو استمتاعهم بالجن ) ( فتح القدير – 2 / 234 ) 0

* أقوال العلماء في الاستعانة :

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( أ - فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ، ويأمر الإنس بذلك ، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى ، وهو في ذلك من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه 0
ب- ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم في مباحات له ، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك ، وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله ، فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول : كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين 0
ج - ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك ، وإما في قتل معصوم الدم أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغير ذلك من الظلم ، وإما في فاحشة كجلب من يطلب الفاحشة ، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان ، ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر ، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص : إما فاسق وإما مذنب غير فاسق 0
د - وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج ، أو أن يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ، ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ، ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به ) ( مجوع الفتاوى – 11 / 307 ) 0

2)- قال محمد بن مفلح : ( قال أحمد – رحمه الله – في رواية البرزاطي في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم ، ويزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم ، ومنهم من يخدمه ؟ قال : ما أحب لأحد أن يفعله ، تركه أحب الي ) ( الآداب الشرعية – 218 ، 219 ) 0

3)- سئل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عن الاستعانة بالجن وقولهم : خذوه ، انفروا به الخ ، فقال في مجموع فتاويه : وهذه كلمات لا تجوز من ثلاثة أوجه مأخوذة من ظاهر هذه الألفاظ :-
( إحداها ) محبة ضرر هذا المسلم المطلوب أخذه وشرب دمه 0
( الثاني ) إنه طلب من الجن فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأموات ، وفيه رائحة من روائح الشرك 0
( الثالث ) تخويف الحاضر المقول في حقه ذلك ، ولولا تغلب جانب التخويف مضافا إلى أنه قد لا يحب إصابة هذا الحاضر معه لألحق بالشركيات الحقيقية ) ( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم - 1 / 114 ، 115 - ( 51 ، 52 ) 0

4)- سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر ؟

فأجاب – رحمه الله – : ( لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم ، بل يسأل الأطباء المعروفين ، وأما اللجوء إلى الجن فلا 00 لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم ، لأن في الجن من هو كافر ومن هو مسلم ومن هو مبتدع ، ولا تعرف أحوالهم فلا ينبغي الاعتمـاد عليهم ولا يسألون ، ولو تمثلوا لك ، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من
الإنس وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) ، ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك ، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم ، وذلك كله من الشرك ) ( مجلة الدعوة - العدد 1602 ربيع الأول 1418 هـ – ص 34 ) 0

5)- وقد تم الاتصال بالعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - هاتفيا وقد سألته السؤال التالي : ما هو حكم الاستعانة بالجن ؟

- فأجاب بكلام مطول ولكني أختصره بالآتي : ( يرى – رحمه الله- عدم جواز ذلك ، وقد بين أن هذا من الأمور المغيبة عن الإنسان ولا نستطيع أن نحكم على هؤلاء بالإسلام أو الكفر ، فإن كانوا مسلمين لا نستطيع أن نحكم عليهم بالصلاح أو النفاق ، وقد استشهد - حفظه الله - بالآية الكريمة من سورة الجن : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) ، وتم تأكيد ذلك بالاتصال بسماحته وأخذ رأيه والاستئذان في نشر ذلك في هذا الكتاب المتواضع فأقر- رحمه الله – بذلك ) 0

وعلماء المملكة العربية السعودية على عدم جواز الاستعانة بالجن ، وقد نقلت جملة من فتاواهم كالعلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ، والعلامة الشيخ صالح الفوزان ، والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ 0

ولكي نتوصل لخلاصة هذا البحث ، فلا بد أن أعرج على أمرين هامين :

* الأول : المعنى العام لكلمة الاستعاذة أو التعوذ ، التي دار حولها معظم كلام المفسرين السابق :

* قال ابن القيم في " تفسير المعوذتين " : ( معنى " أعوذ " ألتجئ وأعتصم وأتحرز وفي أصله قولان : أحدهما : أنه مأخوذ من الستر ، والثاني : أنه مأخوذ من لزوم المجاورة ) ( تفسير المعوذتين لإبن القيم – ص 16 ) 0

* قال محمد بن مفلح : ( الاستعاذة : استدعاء عصمة الله سبحانه من الشيطان ) ( مصائب الإنسان – ص 7 ) 0

* الثاني : كيفية أو طرق الاتصال بالجن والشياطين : يقول السحرة : أن هناك ( مقامات ) للاتصال بالجن والشياطين وتسخيرهم ، وهذه المقامات لا تتعدى أمور ثلاثة :

* أولها : الاستخدام : وهو أعلى المراتب ، ويشترط فيه الصيام ، واجتناب أكل لحم الحيوان ، والخلوة ، وتلاوة الأسماء المخصوصة كالجلجلونية ، مع ما يصاحبها من أبخرة ، ويأخذ المعزم العهد عليهم بملازمة الطاعة والخدمة 0

* ثانيها : الاستنزال : ويلي الأول في الرتبة ، ويعمل لاكتشاف الحوادث ، من سرقة أو
ضائع أو نحوه ، ويدعون كذبا استنزال أرواح الملائكة ، ومن اعتقد ذلك كفر ، لأنه لا مجال للتأثير على الملائكة فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 0

* ثالثها : الاستحضار : ويقولون : أن الاستحضار يكون بواسطة تلبس الجان جسد المحضر أو أحد أقاربه ، فيحصل له حالة تشبه النوم ، وهو ما يعرف بالمندل ، ومن الوسائل المتبعة في هذه الطريقة أخذ الأثر من طاقية أو عمامة ونحوه 0

والذي أعنيه تحت هذا العنوان هو النوع الثالث ، وهو الاستعانة المجردة عن الكفر والشرك ، بسبب أن النوع الأول والثاني يندرج تحت الأعمال السحرية وهذه الأعمال بطبيعتها كفرية بحتة ، حيث يحتوي النوع الأول على عبادة الشيطان بما يحبه من صيام واجتناب أكل لحم الحيوان والخلوة وتلاوة أسماء كفرية ونحوه ، وأما النوع الثاني فيدعي استنزال الملائكة وهذا اعتقاد كفري كما أشرت آنفا 0

* خلاصة بحث موضوع الاستعانة بالجن : بعد هذا الاستعراض لمفهوم الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم وائمتهم ، فإني أضع هذه العجالة متضمنة بعض الأحكام والمأثورات العلمية التي عزوت بعض منها لأهل الفضل من العلماء قديماً وحديثاً ، آملاً أن يستفيد منها المسلمون لا سيما في وقت انتشرت فيه الأباطيل والخرافات واحترف كثير ممن لا خلاق لهم الشعوذة والدجل ، وزعموا أنهم على صلة بالجن وألبسوا الجن لباساً ليسوا له أهلاً فادعوا أنهم يعلمون الغيب وأنهم يعالجون المرضى من بني البشر وأنهم قادرون على سعادة الإنسان وشقاوته 0

ومما توصلت إليه الأمور الهامة التالية :-

1) - لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين وأصحابه والتابعين وسلف الأمة - رضوان الله عليهم أجمعين - فعلهم ذلك ، أو استعانتهم بالجن ، واللجوء إليهم ، والتعلق بهم ، وقد رسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين ، عقائد سامية ، ومبادئ أخلاقية ، تأصيلا للعقيدة الصحيحة التي توجه السلوك والتصرف ، وذلك بالاعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى وحده 0

2) - السمة العامة لأقوال الجن والشياطين الكذب والافتراء ، وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – والحديث معروف والشاهد منه : ( 000 أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ " قلت : لا0 قال : " ذاك شيطان " ) ( حديث صحيح – أخرجه الخاري في صحيحه – كتاب الوكالة ، والترمذي في سننه – كتاب فضائل القرآن ) 0

قال المباركفوري : ( " صدقت وهي كذوب " هو من التتميم البليغ ، لأنه لما أوهم مدحها بوصفه الصدق في قوله صدقت استدرك نفي الصدق عنها بصيغة مبالغة ، والمعنى : صدقت في هذا القول مع أنها عادتها الكذب المستمر ، وهو كقولهم : قد يصدق الكذوب ) ( تحفة الأحوذي – 8 / 150 ) 0

3)- جهل عامة الناس في العصر الحاضر ، والبعد عن منهج الكتاب والسنة ، وقلة طلب العلم الشرعي ، كل ذلك جعل الكثيرين منهم لا يفرقون بين السحرة وغيرهم ممن يدعـون الاستعانة بالجن الصالح - بزعمهم - وبذلك تختلط الأمور وتختل العقائد التي تعتبر أغلى ما يملكه المسلم ، ولأن في صحة العقيدة وسلامتها ضمان للفوز والنجاة في الدارين 0

4)- يترتب على الاستعانة فتنة للعامة ، نتيجة التعلق والارتباط الوثيق بالأشخاص من الإنس والجن ، دون الارتباط والاعتماد والتوكل على الخالق سبحانه وتعالى 0

5)- الجن مكلفون وغير معصومين من الأهواء والزلل ، وقد يخطئون ، وينقاد المستعين بهم وراء ذلك الخطأ ، وقد يقع في الكفر أو الشرك أو محظور شرعي بحسب حال مخالفته الشرعية 0

6)- إن اللجوء إلى الجن والاستعانة بهم تجعل المستعين ضعيفا في نظرهم وفي نظر غيرهم من الجن والإنس ، وأما الاستعانة بالله سبحانه وتعالى فتجعل الإنسان قويا واثقا لاستعانته بخالق الكون ، المتصرف الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير 0

7)- الاستعانة غالبا ما تكون نتيجة تلبس الجني لبدن المعالج أو أحد أفراد أسرته ، وهـذا مشاهد محسوس ملموس ، تقره الخبرة والتجربة العملية ، وفي ذلك مخالفة شرعية صريحة لنص الآية الكريمة : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَالا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ 000 ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 275 ) ، ووجود الجني داخل جسد الإنسان بهذه الكيفية وعلى هذا النحو غير جائز وغير مسوغ من الناحية الشرعية ، وليس من عقيدة المسلم أن الغاية تبرر الوسيلة ، إنما الوسيلة كما بينها الشرع الحنيف هي اتخاذ الأسباب الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة والأثر ، وكذلك الأسباب الحسية المباحة لعلاج تلك الأمراض الروحية 0

8)- إن الحكم على الأشخاص بالصلاح والاستقامة أساسه ومنبعه الالتزام بمنهج الكتاب والسنة ، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس – رضي الله عنه – قال : ( مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فأثني عليها خيرا ، ( وتتابعت الألسن بالخير ) ، ( فقالوا : كان – ما علمنا يحب الله ورسوله ) ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، ( وتتابعت الألسن لها بالشر ) ، ( فقالوا : بئس المرء كان في دين الله ) ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت وجبت ، فقال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خيرا ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، ( الملائكة شهداء الله في السماء ) ، وأنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ) ( متفق عليه ) 0

والشهادة للإنسان بالصلاح والاستقامة تكون بناء على المعرفة المسبقة به من حيث التزامه وخلقه ومنهجه وورعه وتقاه وسمته الحسن ، ومع ادراك كافة تلك المظاهر الا أن التزكية الشرعية تبقى أمرا صعبا بسبب تعلق كل ذلك بمعرفة الله سبحانه وتعالى لعبده واضطلاعه على ما يحمله في قلبه وسريرته ، وقد ثبت ذلك من حديث أسامة - رضي الله عنه - قال : قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا ؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ) ( متفق عليه ) 0

قال النووي : ( وقوله صلى الله عليه وسلم " أفلا شققت عن قلبه " فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر ، والله يتولى السرائر ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 1 ، 2 ، 3 / 281 ) 0

9)- استدراج الشيطان للمستعين بكافة الطرق والوسائل والسبل للايقاع به في الكفر أو الشرك أو المحرم ، وقد سمعنا من القصص قديما وحديثا ما يؤيد ذلك ويؤكده ، فكم من رجال عرفوا بالاستقامة والصلاح ، وتم استدراجهم ، وماتوا على الكفر أو المعصية والعياذ بالله !

قلت : واستدراجات الشيطان في هذا المجال كثيرة ومتشعبة ، ومن ذلك استخدام الأمور المباحة في العلاج للإيقاع في المحظور ومن ثم الكفر بالله عز وجل وهدم العقيدة والدين ، أو ادخال أمور مبتدعة في الرقية الشرعية كما يفعل كثير من الجهلة اليوم ، أو الخلوة المحرمة بالنساء بقصد طيب دون معرفة الحكم الشرعي لذلك ، فينقلب الأمر ويحصل المحظور ، ناهيك عن أمور كثيرة قد يستدرج بها الشيطان بعض المعالجين لا داعي لذكرها إنما أريد التنبيه على هذا الأمر وخطورته ومزالقه 0

10)- تؤدي الاستعانة إلى حصول خلل في العقيدة ، فترى المستعين يلجأ إليهم ويتعلق بهم تعلقا يبعده عن الخالق سبحانه وتعالى 0

11)- قد يستخدمون لغير الأعمال الصالحة ، والمسلمون من الجن غالبا ليسوا على قدر كبير من العلم الشرعي ، والمعرفة بأحكام الحلال والحرام ، ونتيجة للألفة والمودة من جراء تلك العلاقة المطردة ، فقد يكلفون القيام ببعض الأعمال التي تتعارض مع أحكام الشريعة والدين في لحظات ضعف تمر بالإنسان ، والنفس أمارة بالسوء ، فيلجأ المستعين للانتقام لنفسه أو لغيره ويعينونه على ذلك 0

12)- تكون الاستعانة حجة لكثير من السحرة على ادعاء معالجتهم بالرقية الشرعية وقراءة القرآن ، لعلمهم أن الناس أدركت خطورتهم وكفرهم ، فيدعون الرقية والاستعانة بالصالحين من الجن ، فيطرق الناس أبوابهم ، ويطلبون العلاج على أيديهم ، وكثير من أولئك ينساقون وراءهم إما لضعف اعتقادهم ، أو خوفا منهم ومن إيذائهم وبطشهم ، والقصص والشواهد على ذلك كثيرة جدا ، والواقع الذي يعيشه الناس يؤكد ذلك أيضا 0

قصة واقعية : حدثت قصة منذ فترة من الزمن حيث أتت امرأة يبدو عليها سمات الصلاح والاستقامة ، وأخذت تبكي ، فهدأت من روعها وبدأت تشرح قصتها ، تقول : ذهب بي زوجي إلى إحدى المدن في المنطقة ، واعتقدت بذلك أنه طرق باب الرقية الشرعية لعلاجي من أعراض كانت تنتابني من فينة لأخرى ، وذهبنا سويا إلى منزل أحد أصدقائه ، وإذا برجل يدخل علينا ، فأوعز لي زوجي بأن الرجل يعالج بالرقية الشرعية 0 تقول : المرأة : عندما رأيت هذا الرجل لم ارتح له قط ، فأشار على زوجي بالخروج 0 فأنكرت ذلك لعلمي أن هذا الأمر مخالف لشرع الله ومنهجه ، ولا يجوز بأي حال ولأي ظرف أن يختلي رجل بامرأة لا تحل له ، وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه – كتاب الرضاع ، وصححه الألباني – صحيح الترمذي 934 ) ، وكذلك تذكرت حديثا آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين خطورة الخلوة المحرمة حيث يقول : ( رأيت شابا وشابه ، فلم آمن من الشيطان عليهما ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه – كتاب الحج ، وصححه الألباني – أنظر صحيح الجامع 3467 ) ، فخرج زوجي – مع معارضتي الشديدة لذلك الأمر - وكان يحاول أن يزرع ثقتي بالرجل باعتبار أنه شيخ ونحو ذلك ، ومع كل هذا لم اقتنع بهذا الفعل مطلقا ، وكنت أحدث نفسي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدد فيه معالم الخلوة ، وهذا المعنى يؤخذ على إطلاقه ، ولا فرق بين العامي والعالم والمتعلم وغير المتعلم ، وينطبق هذا على كافة الرجال على السواء ! ولكني لم أكن أملك من أمري شيئا ، فأغلق الرجل الباب وبدأ بقراءة بعض الآيات من كتاب الله عز وجل ، وبعدها بدأ يتمتم بكلمات لم أفهمها ، وفجأة انقلبت عيناه إلى اللون الفضي ومن ثم لّلون الأسود ، عند ذلك أغمي علي ، وعندما بدأت أصحو وجدت أنه يضع يديه على مناطق في جسدي لا يحل له الشرع فعلها ، فدخل زوجي ، وقال له الرجل : سوف تكون بخير ، فأخذت أبكي وأبين لزوجي أن الرجل ساحر ومشعوذ وأشرح له حقيقة الأمر فلم يأبه لما أقول ، عند ذلك أوعز لزوجي مرة أخرى بالخروج ففعل ، وأنا أرجوه وأسأله أن لا يفعل ذلك ، وبعد خروجه صفعني صفعة قوية في صدري ، وقال سوف ترين من هو المشعوذ والساحر 0
وبعد رقية المرأة تبين حصول إيذاء لها من جراء ذلك الموقف من هذا الساحر اللعين ، وعلم ذلك عند الله ، والقصص كثيرة إنما يكتفي بتلك القصة للعبرة والعظة 0

13)- ابتعد كثير من الناس اليوم عن منهج الكتاب والسنة ، ولجوا في الفسق والمعصية والفجور ، وأصبح جل همهم الدنيا وزينتها ، فقل طلب العلم الشرعي ، وأصبح كثير منهم لا يفرق بين الحلال والحرام ، وجمعوا المال بحله وحرامه ، دون خوف أو وجل من الله تعالى ، وكذلك الحال بالنسبة للجن ، وكل ذلك يجعلهم يخطئون ولا يتوانون عن فعل أمور كثيرة مخالفة للكتاب والسنة ، إما لجهلهم بالأحكام الشرعية ، أو لعدم اكتراثهم لما يقومون به ويفعلونه ، وينقلب الأمر وتصبح الاستعانة وسيلة إلى الضلال أو الشرك أو الكفر بحسب حالها 00 والعياذ بالله 0

14)- يتمادى الأمر بالمستعين إلى طلب أثر وغيره ، وينزلق في هوة عميقة تؤدي إلى خلل في العقيدة ، وانحراف في المنهج والسلوك ، مما يترتب عن ذلك غضب الله وعقوبته 0
وطلب الأثر وغيره يكون وفق تعليمات من قبل الجن للمستعين ، وما يثير الدهشة والتساؤل حصول هذه الطلبات وبهذه الكيفية من قبل الجن ، مع إمكانية فعلهم ذلك دون المساعدة أو الحاجة إلى طلب تلك الآثار وغيرها ، وعالم الجن عالم غيبي لا يرى من قبل الإنس ، ولديهم الإمكانات والقدرات التي تفوق كثيرا قدرات وإمكانات الإنس ، مما
يوفر لهم إمكانية الاستقصاء والبحث دون الحاجة لتلك الأساليب والوسائل ، ونقف من خلال هذه النظرة على حقيقة ثابتة من جراء استخدام تلك الوسائل بهذه الكيفيات المزعومة ، أن الغاية والهدف من حصولها هو إيهام الناس وجعلهم يتمسكون بالأمور المادية المحسوسة الملموسة دون اللجوء لخالقها سبحانه وتعالى 0

15)- إن قول بعض علماء الأمة كشيخ الإسلام ( ابن تيمية ) - رحمه الله - بجواز الاستعانة ضمن كلام موزون يوجب وقفة وتذكراً بالعصر الذي عاشوا فيه حيث كان الإسلام قويا ، ويحكم فيه بشرع الله ومنهجه ، وكان الوعي والإدراك الديني آنذاك - عند العلماء والعامة - أعظم بكثير مما نعيشه اليوم ، والاعتقاد الجازم أن الاستعانة لا يمكن أن تفهم بمفهومها الدقيق في هذا العصر كما فهمت أيام شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا بد من وقفة تأمل مع كلامه - رحمه الله - فأقول :-

أ)- إن الكلام في المسألة عام ولم يتطرق - رحمه الله - إلى قضايا الاستعانة في التطبب والرقية والعلاج 0
ب)- ذكر في النقطة الرابعة كلاما يقول فيه :

( وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج ، أو أن يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ، ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ، ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به ) ( مجموع الفتاوى – 11 / 307 ) 0

والمتأمل في كلام شيخ الإسلام يلاحظ : أن توفر العلم الشرعي شرط أساسي للاستعانة ، فالعالم وطالب العلم أكثر حرصا ودقة من غيرهما في المسائل والأحكام الشرعية ، فكل منهما يقارن بين المصالح والمفاسد ، ويفرق بين الحلال والحرام ، وله اطلاع بأمور كثيرة تخفى على كثير من الناس ، وبإلقاء نظرة سريعة في يومنا هذا ، يلاحظ أن معظم من طرقوا هذا الباب واستعانوا بالجن جهلة بالعلم الشرعي لا يفقهونه ولا يدركون أصوله ، ولا يفرقون بين الركن والواجب ، ونجزم أن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لو عاش بين أظهرنا لما أجاز الاستعانة بمضمونها الحالي ، لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة قد تؤدي إلى خلل في العقيدة ، بل قد تدمرها من أساسها ، ومن ذلك ما نراه ونسمعه اليوم ، من بيع القلائد والخواتم للناس بأموال طائلة ، وادعاء أن معها جنا صالحا يعين ويحفظ ، أو طلب الأثر ونحوه ، وقس على ذلك الكثير مما يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان 00 ومن التجربة والخبرة تبين كذبهم وزيف ادعائهم 0

ج)- إن العالم أو طالب العلم ، إذا كان ملما بالعلم الشرعي ، متفقها فيه ، عالما بأحكامه ، مدركا لأحواله ، سواء كان من الإنس أو الجن ، لا يمكن أن يزعزع ويدمر عقائـد الناس ، أو أن يتصرف وفق أهوائه وشهواته – فيدور في رحى الكتاب والسنة ، ولن ترى مثل ما يحصل اليوم من تجاوزات وانحرافات عند الذين يزعمون أنهم يستعينون بجن صالح فيخربون عقائد الناس ، ويحيدون بهم عن الفطرة السوية 0

16)- قد يتذرع البعض بجواز الاستعانة ، وذلك بالعودة لبعض الآثار الواردة في ذلك ، وأستعرض بعضها قبل أن أقف وقفة تأمل معها :

أ)- حدث أن عمر - رضي الله عنه – : ( أرسل جيشا فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم ، وشاع الخبر ، فسأل عمر عن ذلك فذكر له 0 فقال : هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك فجاء بعد ذلك بعدة أيام ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 63 ) 0

ب)- روي عن أبي موسى الأشعري : ( أنه أبطأ عليه خبر عمر - رضي الله - عنه وكانت هناك امرأة لها قرين من الجن ، فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 63 ) 0

قلت وبالله التوفيق :

أ - إن السائل صحابي جليل ، لديه من العلم الشرعي ما يؤهله للسؤال ، ولن يكون ذلك دافعا للوقوع فيما هو شر منه 0

ب - المسألة متعلقة بمصلحة شرعية لارتباطها بأمير المؤمنين في ذلك العصر ، فاقتضت الضرورة هذا الأمر ، لمن هو أهل للسؤال كما أشرت في النقطة السابقة 0

ج - المسألة متعلقة بحادثة معينة ، ولم يندرج وراء ذلك استعانة كما نراه ونسمعه اليوم بطرق شتى ووسائل جمة 0

د - وهذا يتعلق بالنقطة الأولى 00 فالجن هم من أخبر بانتصار المسلمين ، ولم يطلب ذلك منهم ، ولم يستعن بأحد منهم 0

هـ - الآثار الواردة آنفا جاءت بصيغة ( روي ) وهذا ما يعتبره أهل العلم صيغة ( تمريض ) أي عدم ثبوت تلك الآثار بسندها عن الرواة 0

وكما تبين من خلال النقاط آنفة الذكر ، فلا يجوز أن يعتد بتلك الآثار على جواز الاستعانة وتبرير ما يقوم به كثير من الجهلة اليوم ، مما يؤدي إلى هدم العقائد وبعد الناس عن خالقهم 0

17)- ولو لم يذكر أي من النقاط السابقة ، فالقاعدة الفقهية ( باب سد الذرائع ) تغنينا عن ذلك كله ، والذرائع التي ذكرت سابقا هي التي تسدها الشريعة ، ( ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) والناس اليوم يدركون ويعلمون كم من المفاسد العظيمة ترتبت على هذا الأمر ! وبنحو أصبح الولوج فيه أقرب الى طرق السحر والشعـوذة والكهانة والعرافة فنسأل الله العفو والعافية 0

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( إن الله سبحانه ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحرمات بأن حرمها ونهى عنها 0
والذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء ، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل المحرمات ، ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة ، ولهذا قيل : الذريعة الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرم ، أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه ، أو كان الشيء نفسه فسادا كالقتل والظلم ، فهذا ليس من هذا الباب ، فإنا نعلم إنما حرمت الأشياء لكونهـا في نفسها فسادا بحيث تكون ضررا لا منفعة فيه ، أو لكونها مفضية إلى فساد بحيث تكون هي في نفسها منفعة وهي مفضية إلى ضرر أكثر منه فتحرم ، فإن كان ذلك الفساد فعل محظور سميت ذريعة 0 وإلا سميت سببا ومقتضيا ونحو ذلك من الأسماء المشهورة ، ثم هذه الذرائع إذا كانت تفضي إلى المحرم غالبا فإنه يحرمها مطلقا ، وكذلك إن كانت قد تفضي وقد لا تفضي لكن الطبع متقاض لإقضائها ، وأما إن كانت تفضي أحيانا فإن لم يكن فيها مصلحة راجحة على هذا الإفضاء القليل 0 وإلا حرمها أيضا ، ثم هذه الذرائع منها ما يفضي إلى المكروه بدون قصد فاعلها 0 ومنها ما تكون إباحتها مفضية للتوسل بها إلى المحرمات فهذا القسم الثاني يجامع الحيل بحيث قد يقترن به الاحتيال تارة وقد لا يقترن كما أن الحيل قد تكون بالذرائع وقد تكون بأسباب مباحة في الأصل ليست ذرائع ) ( الفتاوى الكبرى - 3 / 256 - 257 ) 0

ولا بد من التنويه تحت هذا العنوان إلى بعض المظاهر - المشاهدة والمحسوسة - على الاستعانة أو الاتصال بالجن والشياطين بقصد أو بغير قصد ومنها :-

1 )- شراء الخواتم المكلفة بادعاء أن معها جنا يعينون صاحبها ويحفظونه من الأذى ونحوه 0

2)- قراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية المختلفة على شخص مستلق على أريكة ، وبعد الانتهاء من ذلك الورد يبدأ الشخص بالارتقاء والارتفاع في الهواء 0

قصة واقعية : حدثني من أثق به وهو طالب في المرحلة النهائية في احدى الجامعات المحلية يدرس في كلية الهندسة حيث يقول : منذ عشر سنوات وعندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة كنت أدرس مادة تسمى " قرآنية " وكان يدرس هذه المادة أحد الدعاة المعروفين في المنطقة ، وذات يوم كان المدرس يشرح لنا تأثير القرآن في الشفاء والاستشفاء ، حيث اختار خمسة من الأقوياء في الفصل وأمرهم بحمل طاولة ثقيلة الوزن ، فحاولوا مجتمعين فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، وكل ما فعلوه هو محاولة رفعها بعض السنتيمترات القليلة ، يقول هذا الأخ الكريم : وبدأ الاستاذ في قراءة آيات من كتاب الله ووضع اصبعه في وسط الطاولة وأمرنا أن نقوم برفعها ، ففعلنا بيسر وسهولة ، والله تعالى أعلم 0

3)- قراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية المختلفة على ( سكين ) وطيه وربطه ، لحفظ الشخص أو الدابة أو المكان ونحوه 0

4)- قراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية المختلفة ، بعدد محدد لاستحضار الخادم الخاص بهذه الآية- حسب زعمهم وكذبهم وافترائهم 0

5)- إطلاق البخور بنية استحضار الجن والشياطين ، والإيعاز لهم بجمع اليدين أو الجمع بين الأصابع إن كان المريض يعاني من السحر ، أو التفريق بينهما إن كان يعاني من العين والحسد ، وإبقاء الأمر كما هو عليه إن كانت الحالة تعاني من أعراض طبية ، وإن تم استخدام ذلك الأسلوب بكلام غير مفهوم أو طلاسم فهذا أقرب إلى السحر والشعوذة منه إلى الاستعانة والعياذ بالله 0

6)- وهناك طريقة خطيرة للاتصال بالجن والشياطين بواسطة لعبة معينة ، تحتوي على أحرف باللغة اللاتينية يطلق عليها اسم ( AUADI ) بحيث يبدأ الشخص بالتحدث والسؤال عن بعض الأمور والأحداث ، وتحت يده مؤشر يبدأ بتكوين كلمات للإجابة عن تلك التساؤلات ، وتعتبر تلك الطريقة مدخلا لتعلم السحر والشعوذة 0

وهناك بعض الطرق الأخرى كطريقة المندل وتحضير الأرواح والجراحة الغربية ولا داعي للدخول بتفصيلات تلك الطرق ونكتفي بما ذكر 0

* والسؤال الذي قد يطرح نفسه تحت هذا العنوان ( هل يكفر من يدعي استخدام شيء من الجن ؟

قال المرداوي : ( قوله فأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل ولا يعزَّر ) ( الإنصاف – 10 / 351 ) 0

قال الألوسي : ( الظاهر عدم إكفار من يدعي استخدام شيء من الجن ) ( روح المعاني – 23 / 201 ) 0

المسألة الثانية : الحوار مع الجن والشياطين :

لا بد أولا وقبل أن أتكلم عن هذا الموضوع من طرح آراء العلماء والباحثين ومعرفة موقف الشريعة المتزن من هذا الأمر ، وأذكر في ذلك ما يلي :-

* آراء أهل العلم والمتخصصين في ( الحوار مع الجن والشياطين ) :

إن مسألة التحدث مع الجن والشياطين ليس لها دليل شرعي ، بمعنى أنه لم يردنا دليل واحد من الكتاب أو السنة على ذلك ، ولكن الأمر واقع وقد ورد لنا بالتواتر سواء من المتقدمين أو المتأخرين ، وعليه أنقل كلام أهل العلم في ذلك :

* قال شيخ الإسلام بن تيمية : ( فيخاطب الجن بذلك ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 ) 0

* وقد أنكر ابن حزم مسألة كلام الجني على لسان المصروع حيث يقول : ( وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزَّامين ، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز ، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام ، فكيف صار لسانه لسان الشيطان ؟ إن هذا لتخليط ما شئت ، وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها ، كما قال الله تعالى : ( الَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ( سورة الناس – الآية 5 ) فهذا هو فعل الشيطان فقط 0 وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر ، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات ) ( رسائل ابن حزم الظاهري – 3 / 228 ) 0

* قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - : ( وقسم آخر - يعني الصرع - بسبب الشياطين والجن يتسلط الجني على الإنسي ؛ فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ، ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه ، الذي يسمع الكلام يقول أن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني ، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير بسبب نطق الجني 0
هذا النوع من الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات 0 هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير 0
أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي 0 وأحيانا لا يتكلم وقد ثبت هذا !! أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع ) ( شرح رياض الصالحين – 1 / 177 ، 178 ) 0

* قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركا أو سحرا ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون ، والله أعلم ) ( الفتاوى الذهبية – جزء من فتوى – ص 198 ) 0

* قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : ( لا أعلم دليلا شرعيا يثبت وقوع كلام الجني على لسان الإنسي ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 51 ) 0

* قال الشيخ أبو بكر الجزائري في مقدمته لكتاب الأستاذ وحيد عبد السلام بالي في كتابه المنظوم " وقاية الإنسان من الجن والشيطان " : ( فقد أبطل به التصورات الخاطئة لفئة شبه ضالة نفت قديما وحديثا حلول الجان في الإنسان والتحدث على لسانه ، والإفصاح عن كنهه ومراده ) ( وقاية الإنسان من الجن والشيطان – ص 5 ) 0

وقال – حفظه الله - : ( تكلم الجان على لسان الشخص الذي يحل فيه ، ويتلبس به ، وإخباره بأمور لم يكن الإنسان المصاب به يعرفها ، حتى إن بعضهم ليتكلم بلغات لم يكن المصاب يعرف منها حرفاً واحداً ) ( عقيدة المؤمن – ص 210 ) 0

* قال الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع : ( وأما القول بتكذيب ما يقوله المجنون على لسان الجان ممن تلبس به بأنه فلان ، وأنه من أرض كذا إلى آخره ، فهذا شيء لا نستطيع تكذيبه ولا تصديقه لانتفاء النصوص الشرعية – فيما أعلم – على ذلك نفيا وإثباتا 0 والله أعلم ) ( مجلة الأسرة – ص 38 – العدد 69 ذو القعدة 1419 هـ ) 0

قال صاحبا كتاب " كيفية إخراج الجان من بدن الإنسان " : ( ففي هذه الحالة يتم التعامل والتخاطب مع الجني ويؤمر بالخروج ولا يكثر المعالج في التخاطب معه فيما لا يفيد لكي لا يأنس الجن له ويموه عليه ، فيزجر ) ( كيفية إخراج الجان من جسم الإنسان – ص 66 ) 0

* ولا بد تحت هذا العنوان من أن أعرج على كلام للأستاذ علي بن محمد ياسين يدعو فيه إغلاق باب المحاورات بالكلية حيث يقول : ( لا بد من إغلاق هذا الباب لأسباب هي :
أولاً : أنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم محاوراته للجن الماس – وضرب أمثلة على ذلك منها حديث يعلى بن مرة وحديث عثمان بن العاص – 0
ثانياً : أنه بذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، بجعل فرصة لهم بالحديث معهم وأخذ التوجيه منهم ، بل استخدامهم في العلاج عند بعض المعالجين ، وما خرجت تلك الوصفات القريبة من الكهانة إلا من هذا الباب 0
ثالثاً : في بعض الحالات لا يكون الجني تمكن تماماً من بدن الممسوس ، فبمحاورة المعالج له ومحاولة استنطاقه من البعض يجعله يتمكن التمكن التام من الجسد ، وبعضهم يسأله بالله العظيم أن ينطق على لسانه ولا يؤذيه ، وهذا واضح البطلان 0
رابعاً : المعالج بمحاورته للجني يضطر للتوقف عن قراءة الرقية التي هي المؤثرة في الجن 0
خامساً : من الملاحظ أن لذلك الحوار مع الجان الماس أثره السلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان 0
سادساً : إن المعالج بمحاورته تلك ، قد تنكشف نقاط ضعفه وتظهر عيوبه للجن من قلة علم وضعف شخصية وغيرها 0

ويختم الأستاذ الفاضل كلامه قائلا : ( وختاماً فليسعنا ما وسع نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولنهتدي بهديه ونسر على خطاه ، فهذه سنته بين أيدينا ، بينت لنا الطرق الشرعية في التعامل مع الجن المعتدي ، وكيف نقرأ وماذا نقرأ 0
وأما أن نعدل عن ذلك النور إلى تلك الأساليب المظلمة وتلك الطرق الملتوية ، مدبرين عن هدي سيد المرسلين ، فإن ذلك خطأ فاحش وجرم عظيم ، أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله 000 ) ( مهلاً أيها الرقاة – باختصار - ص 62 ، 65 ) 0

قلت : كلام الأستاذ الفاضل علي ياسين يحتاج لوقفات تأمل ، حيث أن كافة النقاط المذكورة والداعية في نظره لإغلاق باب الحوارات بالكلية لا تؤخذ على إطلاقها من جهة ، ومن جهة أخرى يمكن تقنينها ، وضبطها بالضوابط الشرعية لكي تحقق المصلحة الشرعية المطلوبة ، ومن هنا أحببت أن أوضح الأمور التالية :-

1)- أشار المؤلف في النقطة الأولى بأن ذلك الفعل لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد ثبت عن غيره من بعده من أعلام الأمة المشاهير كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والأعمش والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز ونحوهم من العلماء الأفاضل ولكن لا بد أن يكون الضابط في هذا كله ما تقتضيه الضرورة وما تتطلبه المصلحة الشرعية العامة للمسلمين كما سوف يتضح بعد استيفاء بحث هذه المسألة 0

2)- وأما قول المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - من أن ذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، فإن كان المعنيُّ بذلك المعالِج فقد اتفقنا جميعاً أننا نكتب ونخاطب المعالجين أصحاب العقيدة السلفية النقية ذوي العلم الشرعي المتمرسين الحاذقين في دروب الرقية الشرعية ومسالكها ، وأما دون هؤلاء فإننا لا نعنيهم مطلقاً ، وإن كان قصد المؤلف المعالَج أو من يحضر هذه الجلسات فقد بينت بما لا يدع مجالاً للشك حرص المعالِج على توخي المصلحة الشرعية وأن يكون هذا الأمر في نطاق ضيق ومحدود بناء على ما تمليه المصلحة الشرعية العامة دون الخوض في هذه الحوارات بحضور العامة والخاصة 0

3)- أما قول المؤلف بأن بعض الحالات التي لا يكون الجني فيها متمكناً من بدن الممسوس وبمحاورة المعالج له يستطيع الجني الصارع التمكن من الجسد ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، لأن دخول الجني الصارع واستقراره بالجسد وتمكنه من المصروع لا يعتمد مطلقاً على استنطاق المعالج له أو لا ، بل على العكس من ذلك تماماً ، فالجني الصارع يسعى دائماً إلى إخفاء حقيقة تلبسه بالجسد لقيامه بالعمل المطلوب أو المناط به أي كان سبب دخوله ، ولذلك ترى بعض الحالات التي قد تأخذ فترة من الزمن ليتكلم الجني ويعترف بالحقيقة التي من أجلها دخل واستقر في بدن المصروع ، وهنا تكمن أهمية فراسة المعالج في تحديد صدق أو كذب الجني الصارع ، وأما أخذ العهد والموثق على الجن فقد أفردت له في هذا الكتاب كلاماً مطولاً فليراجع 0

4)- وقول المؤلف بمحاورة المعالِج للجني واضطراره للتوقف عن قراءة الرقية الشرعية ، فقد أوضحت في منهج العلاج المتبع في هذا الكتاب أن الأولى والأفضل قراءة الرقية الشرعية دون توقف ، وبإمكان المعالج أن يؤجل الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية لحين الانتهاء من الرقية والدعاء وبذلك تتحقق المصلحة العامة للمعالِج والمعالَج 0

5)- أما قول المؤلف بأن الحوار مع الجان الماس له أثر سلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان ، فإني لا أنكر أحياناً أن يكون هناك أثر سلبي على نفسية المريض ولكن هذا هو واقع الحال ، ولا أعتقد أن مثل هذا التأثير من خلال الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أشد وأعظم من حالة المريض بشكل عام ، وبالعموم فالأمر برمته متروك للمعالِج الحاذق المتمرس الذي يستطيع أن يقيس الأمور كافة بقاعدة المصالح والمفاسد وعلى ضوء ذلك يقرر ما يراه مناسباً لتحقيق المصلحة الشرعية المطلوبة ، أما بخصوص من هم حول المريض من أهل وأصدقاء وأحباب فقد أشرت من خلال منهج البحث في هذا الكتاب أنه لا يجوز البتة إجراء الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أمام أحد إلا بناء على ما يعتمده أو يقرره المعالِج ويرى فيه مصلحة عامة أو خاصة للمريض 0

6)- وقول الكاتب بأن حوار المعالِج مع الجني الصارع قد يؤدي إلى كشف نقاط ضعفه وظهور عيوبه من قلة علم وضعف شخصية ونحوه ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، فالمعالِج الذي يتسم بهذه الصفات التي ذكرها المؤلف ليس بحاجة لأن يحاور حتى تكتشف هذه العيوب ، ولا بد أن نعلم يقيناً أن الجن لهم قدرة فائقة في معرفة من أمامهم ودراسة شخصيته وتحليلها ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها ، خاصة أنه بإمكانهم جمع معلومات كثيرة ووفيرة عن المعالِج وحياته والحكم عليه ، وأمر هام قد يكون خفي على المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - أن تأثير الرقية بذاتها على هذه المخلوقات لها دلالة واضحة على قوة وشخصية المعالج ومدى تمسكه بدينه ،كيف لا وقد قال علماء الأمة الأجلاء ( والسلاح بضاربه ) وقالوا أيضاً : ( وكل إناء بما فيه ينضح ) 0

ومن خلال تتبع النصوص النقلية الصريحة وأقوال العلماء الأجلاء ، فإنه لم يثبت بالدليل الشرعي مثل ذلك الأمر وهذا هو الأصل في المسألة كما أشار العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – إلا أنه تواتر الأمر بذلك قديما وحديثا ونقل ذلك عن شيخ الإسلام وابن القيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري وغيرهم ، وقد ثبت لدي هذا الأمر بالأدلة القطعية من المشاهدة والمعاينة التي لا يمكن معها إنكار هذه المسألة أو ردها ، فأصبح الأمر ثابتا عقلا ونقلا ، إلا أنه لا يجوز التعدي على القاعدة الأساسية التي تضبط هذا الأمر وهي قاعدة ( أن الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز التوسع في المحاورات التي قد تفضي إلى مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله 0
وأورد كلاما يؤيد ذلك لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - نقلته مجلة المجتمع الكويتية حيث تقول : نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها ، في شعبان من عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن ، الذي تلبس ببعض المسلمات في ( الرياض ) إسلامه عندي ، بعد أن أعلن ذلك – كذلك – عند الأخ عبدالله مشرف العمري المقيم في الرياض ، بعد أن قرأ المذكور على المصابة ، وخاطب الجني ، وذكره بالله ، ووعظه ، وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة ، ودعاه إلى الإسلام ، بعد أن أخبره الجني أنه كافر ، كما دعاه للخروج من المرأة 0 فاقتنع الجني بالدعوة ، وأعلن إسلامه عند عبدالله المذكور 0
ثم رغب عبدالله المذكور وأولياء المرأة أن يحضروا عندي مع المرأة ، حتى أسمع إعلان إسلام الجني 0
فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله ؟ فأخبرني بالأسباب 0 ونطق بلسان المرأة ، لكنه كلام رجل ، وليس كلام امرأة 0 وهي في الكرسي الذي بجواري ، وأخوها وأختها وعبدالله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ، ويسمعون كلام الجني 0
وقد أعلن إسلامه صريحا ، وأخبر أنه هندي بوذي الديانة 0 فنصحته وأوصيته بتقوى الله ، وأن يخرج من المرأة ، ويبتعد عن ظلمها ، فأجابني إلى ذلك 0 وقال : إنه مقتنع بالإسلام 0 وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعد ما هداه الله له ، فوعد خيرا وغادر المرأة 0وكان آخر كلمة قالها : السلام عليكم 0
ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد ، وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه 0 ثم عادت إليَّ بعد شهر أو أكثر مع أخويها وخالها وأختها ، وأخبرتني أنها في خير وعافية ، وأنه لم يعد إليها والحمد لله 0 وسألتها عما كانت تشعر به حين وجوده بها ؟ فأجابت : بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع ، وتشعر بميول إلى الدين البوذي ، والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه 0 ثم بعدما سلمها الله منه ، زالت عنها هذه الأفكار ، ورجعت إلى حالها الأولى البعيدة من هذه الأفكار المنحرفة ) ( مجلة المجتمع – العدد 830 – بتاريخ 18 آب من السنة 1987 م ) 0

قلت : وكلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – يؤكد ويؤصل مفهوم دعوة الجن والشياطين إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومثل ذلك الحوار جائز بل قد يصبح واجبا شرعيا إذا اقتضته المصلحة الشرعية ، مع تركيز المعالِج في تلك الحوارات على هذا الجانب دون الخوض في الأمور التي لا فائدة منها البتة ، أو تلك التي يترتب عليها مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه وتعالى ، والقصد من الكلام السابق أن تنضبط كافة تلك الحوارات بالضوابط الشرعية وتكون وفق القاعدة الفقهية الأصولية ( الضرورة تقدر بقدرها ) والله تعالى أعلم 0

قال صاحبا كتاب " مكائد الشيطان " : ( قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفاً لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه السلام : ( وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) ( سورة ص – الآية 35 ) 0
وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة ، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي ) ( مكائد الشيطان – ص 110 ) 0

المفاسد المترتبة عن الحوارات غير المنضبطة مع الجن والشياطين :

* قال الأستاذ مدحت عاطف صاحب كتاب " الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان " : ( ولا يخفى على كل ذي لب وضمير يقظ أن تلك المحاورات أورثت مساوئ ومفاسد توجب غلق بابها ، حتى وإن كانت شرعية ، وذلك درءا للمفاسد وسدا لذرائع الشر الذي ترتب على انتشار محاورات الجن في الكتب وشرائط الكاسيت 0
وإليكم معاشر الكتاب والمعالِجين المساوئ التي أدت إليها محاوراتكم مع الجن :

* المفسدة الأولى : التمثيل : ولا غرابة في ذلك ، إذ أن مشاكل الحياة المعقدة والتي عجز الكثير عن حلها والتصدي لها ، ولم يجدوا لها منفذا ولا مخرجا إلا الفرار والهروب من واقعها الأليم ، فيلوذون بما سمعوا أو قرأوا عن المحاورات ، فحفظوا عن الجن والمعالِج الأسئلة والأجوبة 0
فلا يجدون ملجأ ، ولا يرون منجى لخروجهم من واقع حياتهم العصيب إلا كذبهم واعتدائهم على عالم الجن ، وتمثيلهم بأن الذي حول مسار حياتهم وبدد أحلامهم هو الجن 0
وسرعان ما يذهبون إلى أحد المعالِجين ، فيقرأ عليهم ، فيلعب صاحب المشكلة دور الجني ، متجنيا على الجن ، والمعالِج يسأل والممثل يجيب ، وهلم جرا من تهريج وعبث وضياع للوقت والحق 0

* المفسدة الثانية : الهلع والخوف والقلق : قد تنعقد جلسة جدلية في بيت من بيوت المسلمين لملك أسرة فيها الصغير والكبير 00 رقيق القلب ضعيف الفهم 00 فيتناول المعالِج أطراف الجدل مع الجن ، ويسهب المعالِج في أسئلته ، ويكثر الجن من الكذب والاختلاق 0
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فالحصر يدمي :
يسأل المعالِج : من أي نوع تكون ؟
فيجيب الجني : أنا ملك الجن الأحمر!!
وتنتهي الحلقة التهريجية بانصراف المعالِج دون علاج ، ويبقى الجني قابعا في بدن المعالِج 0
فبالله 00 كيف تنام أسرة ؟ بل كيف ينام فيها الصغير الذي شاهد وعاين المجادلة المأساوية ، وعلم أن ( ملك الجن الأحمر ما زال رابضا في بدن أخيه أو أخته أو أمه أو أبيه ؟!
أيها المهولون :
ملك الجن الأحمر !!
أي راحة ؟! أي سكينة ؟! أي هدوء ؟! أي نوم يجرؤ على مداعبة الجفون أو العيون ؟!
أظن أن النوم نفسه سيخشى على نفسه من دخول هذا البيت خوفا من ملك الجن الأحمر ، فما بالنا بأهل البيت ؟! فلله المشتكى !!

* المفسدة الثالثة : التهويل : وذلك من انتشار تلك المحاورات والتي صور هؤلاء الكتاب والمعالِجون الجن للناس على أنه مس وسحر ، وكأن الجن ما خلقوا إلا من أجل وظيفة واحدة وعمل واحد لا ثاني له ، ألا وهو السحر والمس ، والإضرار بالناس 0

* المفسدة الرابعة : الفتنة والوقيعة بين الناس : وتلك المفسدة العظيمة التي قد يصل فيها الأمر إلى القتل وقطيعة الرحم نتاج الشحناء والبغضاء والخصام ، وذلك عندما يسأل المعالِج الهمام الجني قائلا : من صنع هذا السحر بالإنسية الممسوسة ؟ فتكون الإجابة على جناح السرعة - وكأنها الفرصة التي أتاحها المعالِج بجهله للجني – فلان بن فلان ، وبسرعة البرق يبحث الجميع عن فلان المسكين ، وكأن الحكم قد نزل من السماء ، وقد يكون فلان هذا أخا للمريضة ، أو أختها ، أو عمها ، أو عمتها ، أو خالها أو خالتها ، أو جارها ، فيقع المحظور من خلافات ومشاحنات ومقاطعات للأرحام 0
انظروا كيف مزقوا وشائج الرحمة 00 انظروا كيف دمروا أواصر الألفة 00 كيف ضربوا الأمان 00 كيف ضربوا السكينة والوئام !
فإلى أي مدى اشعلت محاوراتكم المؤودة الميتة جذور الفتنة ونار الفرقة بين الناس 00 فتنا كقطع الليل المظلم ؟! جرّتنا إليها محاوراتكم !! والله المستعان 0

* المفسدة الخامسة : اضمحلال الصورة التخصصية في علم الجن : فأصبح كل من هب ودب وقرأ كتابا عن الجن أو حفظ محاورة مع الجن ، يظن في نفسه القدرة على علاج المس ، وسرعان ما يعلن عن نفسه وقدرته !
ومما يزيد الطين بلة قيام هذا المعالِج بتأليف كتاب عن المحاورات التي دارت بينه وبين الجن 00 الأمر الذي أدى إلى انتشار هذا المرض انتشارا عجيبا مذهلا ومريبا 0

* المفسدة السادسة : العجب الذي قد يلحق بالمعالِج : فقد يصاب المعالِج بداء العجب من جراء مكر الجن ، وعلى سبيل المثال أحد المعالِجين يقول تحت عنوان : (جني يريد أن يدخل في الشيخ ! ) :
فبعد محاورة بين الشيخ والجني ، قال الشيخ للجني :
أتخرج ؟
قال ( أي الجني ) : نعم أخرج ولكن بشرط 0
قال : ما الشرط ؟
قال : أخرج منها وأدخل فيك أنت !!
قال الشيخ : لا بأس أخرج منها وادخل فيّ أن استطعت 0
فانتظر قليلا ، ثم بكى 0
فقال الشيخ : ما يبكيك ؟
قال : أنت قلت أذكار الصباح اليوم ، لا أستطيع أن أدخل فيك 0
ولا يخفى علينا ما ينطوي عليه خبث ومكر الجني ، وذلك في استدراج المعالِج والزج به في غياهب آفات القلوب ومحبطات الأعمال ، من رياء ونفاق وكبر ، والعياذ بالله ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – ص 44 ، 48 ) 0

قلت : هذا كلام عام موجز نافع يؤصل هذه المسألة ، ويضع لها القواعد والأسس ، ويضبطها من ناحية شرعية ، إلا أن الكاتب – حفظه الله – اتخذ موقفا متشددا من هذه القضية برمتها ، حيث أنكر كافة الحوارات دون استثناء خاصة تلك المنضبطة بالناحية الشرعية والتي يتحقق من ورائها المصلحة الشرعية للمسلمين ، وقد يعذر الكاتب بسبب ما
نراه ونسمعه على الساحة اليوم من انتشار الهرطقات والخزعبلات والحوارات المزعومة التي أدت إلى مفاسد عظيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله ، ولإيضاح الحق وتبيانه واتخاذ موقف وسط من كل ذلك فإني أنقل بعض ما ذكره الأستاذ مدحت – وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - ومن ثم أعطي بعض الملاحظات المتعلقة بذلك 0

يقول الأستاذ مدحت عاطف : ( لقد قرأت العديد من الكتب القديمة والحديثة التي تناولت الحديث عن الجن والشياطين بشيء من الإسهاب الممل ، فرأيت اختلافا واختلاطا ، ولاحظت التناقض وعدم الدقة في توصيل الحقيقة إلى القارئ ، وتلبيس المفاهيم ، وتغيير الموازيين ، فأبيت الوقوف على ما قالوا وما ذكروا دونما تمحيص وبحث واستقراء 0
ولما كنت بصدد بحثي وتنقيبي في أمهات الكتب ؛ لأقف على الحقائق المجهولة ، تمكنت بفضل الله من الوصول إلى أدلة وبراهين قلبت الموازين رأسا على عقب ، وأظهرت مدى التخبط الذي وقع فيه من كتبوا عن الجن ، وأعراض مس الجن ، ومحاورته 0
ومن باب التعاون على البر والتقوى ، وأولوية المصالح العامة ، وإحقاقا للحق ، ولأمانة البحث العلمي ، أوضح الأمر برمته ، وأميط اللثام عن حقيقته ، حتى لا أهوي ونفسي في دائرة التضليل والتلبيس بوعي أو بغير وعي ، خصوصا أن تلكم الأعراض الوهمية والمحاورات الجدلية كانت سببا في تشتيت الصحيح قبل السقيم ، وإقلاق السليم قبل المريض ، فأردت الحق مبرأ من الباطل ، وابتغيت الصواب في معزل عن الخطأ ، وجادتي في ذلك كله البناء بعيدا عن الهدم ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – ص 7 ، 8 ) 0

ثم تكلم الأستاذ مدحت عاطف – وفقه الله للخير – فيما ذهب إليه عن بطلان أعراض المس في المنام واليقظة ومما قاله :

( أفلا تدركون أن من الناس من إذا علم أنه ممسوس طال حزنه ، وخارت قوته ، وذبلت معنوياته ، وتعسر شفاؤه ؟
أو ليس من باب تطييب نفس المريض أن تريحوه ولا تزعجوه ، أن تطمئنوه ولا تقلقوه 0 خصوصا وأن تطييبكم له ليس فيه خرق أو اعتداء على حرمات الله 0 هذا مع افتراض صحة أعراضكم الجنية ، فما بالكم بخروجها عن مسار الحكمة والصواب ؟
وكم تمنيت ووددت من سويداء قلبي أن أريح عقلي وفكري من مشاق البحث والتنقيب لو أنكم التزمتم الجدية في اجتهاداتكم دون شطط 0

يتبع
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة