عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-10-2006, 09:23 PM   #1
معلومات العضو
مسك الختام
اشراقة ادارة متجددة

Thumbs up ( && هكذا فهموا.. الصوم && ) !!!

الصوم مدرسة كبيرة ، وعبادة مخصوصة ، تعددت فضائله ، وتضاعفت فيه الأجور ، وعلت فيه رايات الفضيلة ، ونكست فيه أعلام الرذيلة ، وحوصرت فيه الشياطين ، فصفدت وغلت ، وأغلقت أبواب النيران ، وقد كثرت فيه أقوال المحبين من العلماء والمربين والصالحين ، ومن تلك الأقوال نقتطف هذه الزهرات ، التي تمثل الفهم الصحيح لحقيقة هذه العبادة ، والأبعاد والدلالات التي تكشفها وتحملها هذه العبادة ، علنا نقتدي بها ، فتكون لنا نبراساً وهدى ، ومع هذه الأقوال .

***

مضمار سباق ..

قال الإمام الحسن البصري – رحمه الله - : " إن الله تعالى جعل رمضان مضماراً لخلقه ، يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا ، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون ".

هكذا فهموا الصوم .. وهكذا كان الصوم في فقههم وواقعهم ، مضمار سباق ، وميدان تنافس، شعارهم فيه قول الله تبارك وتعالى : " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " ، فتزدحم فيه الصفوف في الصلوات ، وتتعالى الأصوات في الدعوات ، وتسيل فيه الدموع على الوجنات ، تحرق فيه العبرات بقايا الحسرات ، وتحاصر فيه الحسنات كل الخطايا والسيئات، ويغدو الليل محراباً تصطف فيه الأقدام ، وتنتصب الهامات ، وتسجد الجباه ، وترتفع الأكف، وتنهمر الدموع ، خشوعاً وتذللاً بين يدي الله الواحد القهار .

هكذا فهموا الصوم .. سوقاً للآخرة قائمة ، توشك أن تقفل فيها الأبواب ، فيتدافعون من كل حدب وصوب : استجابة لمناديها وداعيها : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، يستغلون الساعات ، بل ويستثمرون الدقائق ، دعاءً وصلاةً وقياماً وعطاءً وصلة رحم ، وتلاوة قرآن ، واعتكافاً في بيوت الله ، وحضوراً لمجالس العلم والذكر ، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وإصلاح ذات البين ، … الخ .

ينادي أحدهم في ظلمات الليل ، التي أنارها وبددها ترتيلٌ بصوت شجي ، وعبرات ودمعات حارقات ، ينادي : " وعجلت إليك ربي لترضى " .

هكذا فهموا الصوم .. الفائز فيه من سبق ، وفي أجواء الطاعات والعبادات سما وحلّق ، والخاسر من أضاعه ضحكاً ولعباً ، بمتابعة الأفلام والمسلسلات ، والتسكع في الشوارع والأسواق ، وتبادل الزيارات والمجاملات الفارغة ، الخالية من كل معنى أو مضمون .

***

وقال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي – رحمه الله - : " الصيام زكاة النفس ، ورياضة الجسم ، وداع للبر ، فهو للإنسان وقاية ، وللجماعة صيانة ، في جوع الجسم صفاء القلب ، وإيقاد القريحة ، وإنفاذ البصيرة ، لأن الشبع يورث البلادة ، ويعمي القلب ، أحيوا قلوبكم بقلة الضحك ، وقلة الشبع ، وطهروها بالجوع ، تصف وترق ".

هكذا فهموا الصوم .. وهكذا كان لهم : زكاة ورياضة ، وعملاً ووقاية ، وصيانة وصفاء ، وقريحة وبصيرة ، وكان لنا .. كسلاً وخمولاً ، كثرت فيه شكوانا وتذمراتنا، نسهر ليله لاعبين لاهين ، وننام نهاره غافلين ناسين ، ملأنا فيه "الثلاجات " ، وتعددت فيه أصناف المأكولات والمشروبات ، وتزاحمت فيه الصحون على الموائد ، حتى قتلتنا التخمة ، وورثنا بلادة الحس والشعور ، وصدق الحكيم لقمان حين وعظ ابنه : " يا بني إذا امتلأت المعدة ، نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة "، ثم إن ما يرمى في النفايات أكثر مما يؤكل !!

علا بكاؤهم ونحيبهم في لياليه ، فصفت قلوبهم ، ورقت نفوسهم .. ولما أفرغنا عبادة الصوم من مضمونها .. علت في لياليه المباركة الضحكات ، وهي تتابع المسلسلات والمسرحيات - التي يمنُّ بها إعلامنا على الصائمين ، خدمة مجانية يقدمها لإبليس في أصفاده، مطمئناً إياه : نحن نقوم بدورك - فماتت القلوب بكثرة الضحك ، وتخمة الشبع !!

وحارت العقول ، وضاعت الحقائق ، وتاهت النفوس ، وغاب الصوم ، فالصوم ليس جوعاً وعطشاً فقط ، بل هو مدرسة التقوى الكبرى ، فبالصوم نصعد ونرتقي درجات سلم التقوى، حتى إذا ما حل آخره كان الصائم في قمته ، هكذا يقضي الواجب ، وهذا ما كان يحدث فعلاً ، لكن ما يحدث الآن : نبدأ بهمة عالية ، وإقبال كبير ، يتراجع وينقص يوماً بعد يوم ، يعكس واقعاً أليماً ، وفهماً سقيماً .. نسأل الله العافية .

منقول
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة