عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 28-05-2010, 11:05 PM   #2
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

فتاوي الشيخ ابن تيمية رحمة الله


فصل في قول أن التوضؤ من لحوم الإبل على خلاف القياس


فصل

وأما قول القائل‏:‏ التوضؤ من لحوم الإبل على خلاف القياس فهذا إنما قاله لأنها لحم واللحم لا يتوضأ منه وصاحب الشرع قد فرق بين لحم الغنم ولحم الإبل كما فرق بين معاطن هذه ومبارك هذه فأمر بالصلاة في هذا ونهى عن الصلاة في هذا فدعوى المدعي أن القياس التسوية بينهما من جنس قول الذين قالوا ‏{‏إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا‏**‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏ والفرق بينهما ثابت في نفس الأمر كما فرق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم فقال‏:‏ ‏(‏الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الإبل والسكينة في أهل الغنم‏)‏
وروي في الإبل‏:‏ ‏(‏أنها جن خلقت من جن‏)‏‏.‏ وروي‏:‏ ‏(‏على ذروة كل بعير شيطان‏)‏‏.‏ فالإبل فيها قوة شيطانية والغاذي شبيه بالمغتذي‏.‏ ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير‏:‏ لأنها دواب عادية بالاغتذاء بها تجعل في خلق الإنسان من العدوان ما يضره في دينه فنهى الله عن ذلك لأن المقصود أن يقوم الناس بالقسط والإبل إذا أكل منها تبقي فيه قوة شيطانية‏.‏ وفي الحديث الذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ‏)‏‏.‏
فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في ذلك من إطفاء القوة الشيطانية ما يزيل المفسدة بخلاف من لم يتوضأ منها فإن الفساد حاصل معه ولهذا يقال‏:‏ إن الأعراب بأكلهم لحوم الإبل مع عدم الوضوء منها صار فيهم من الحقد ما صار‏.‏ ولهذا ‏(‏أمر بالوضوء مما مست النار‏)‏‏.‏

وهو حديث صحيح وقد ثبت في أحاديث صحيحة أنه أكل مما مست النار ولم يتوضأ فقيل‏:‏ إن الأول منسوخ لكن لم يثبت أن ذلك متقدم على هذا بل رواه أبو هريرة وإسلامه متأخر عن تاريخ بعض تلك الأحاديث كحديث السويق الذي كان بخيبر فإنه كان قبل إسلام أبي هريرة وقيل‏:‏ بل الأمر بالتوضؤ مما مست النار استحباب كالأمر بالتوضؤ من الغضب وهذا أظهر القولين وهما وجهان في مذهب أحمد‏.‏ فإن النسخ لا يصار إليه إلا عند التنافي والتاريخ وكلاهما منتف بخلاف حمل الأمر على الاستحباب فإن له نظائر كثيرة‏.‏ وكذلك التوضؤ من مس الذكر ومس النساء هو من هذا الباب لما فيه من تحريك الشهوة ‏‏ فالتوضؤ مما يحرك الشهوة كالتوضؤ من الغضب وما مسته النار‏:‏ هو من هذا الباب‏:‏ فإن الغضب من الشيطان والشيطان من النار وأما لحم الإبل فقد قيل‏:‏ التوضؤ منه مستحب لكن تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين لحم الغنم - مع أن ذلك مسته النار والوضوء منه مستحب - دليل على الاختصاص وما فوق الاستحباب إلا الإيجاب ولأن الشيطنة في الإبل لازمة وفيما مسته النار عارضة ولهذا نهى عن الصلاة في أعطانها للزوم الشيطان لها بخلاف الصلاة في مباركها في السفر فإنه جائز لأنه عارض والحشوش محتضرة فهي أولى بالنهي من أعطان الإبل‏.‏ وكذلك الحمام بيت الشيطان وفي الوضوء من اللحوم الخبيثة عن أحمد روايتان على أن الحكم مما عقل معناه فيعدي أو ليس كذلك‏؟‏‏.‏
والخبائث التي أبيحت للضرورة كلحوم السباع أبلغ في الشيطنة من لحوم الإبل فالوضوء منها أولى‏.‏ وقد تنازع العلماء في الوضوء من النجاسة الخارجة من غير السبيلين ‏‏ كالفصاد ‏‏ والحجامة والجرح والقيء والوضوء من مس النساء لشهوة وغير شهوة والتوضؤ من مس الذكر والتوضؤ من القهقهة فبعض الصحابة كان يتوضأ من مس الذكر كسعد وابن عمر كثير منهم لم يكن يتوضأ منه والوضوء منه هل هو واجب أو مستحب‏؟‏ فيه عن مالك وأحمد روايتان وإيجابه قول الشافعي وعدم الإيجاب مذهب أبي حنيفة‏.‏ وكذلك مس النساء لشهوة إذا قيل باستحبابه فهذا يتوجه وأما وجوب ذلك فلا يقوم الدليل إلا على خلافه ولا يقدر أحد قط أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر أصحابه بالوضوء من مس النساء ولا من النجاسات الخارجة ‏‏ لعموم البلوى بذلك وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء‏**‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ المراد به الجماع كما فسره بذلك ابن عباس وغيره لوجوه متعددة‏.‏
وقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة‏:‏ ‏(‏إنما ذلك عرق وليس بالحيضة‏)‏‏.‏ تعليل لعدم وجوب الغسل لا لوجوب الوضوء فإن وجوب الوضوء لا يختص بدم العروق بل كانت قد ظنت أن ذلك الدم هو دم الحيض الذي يوجب الغسل فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس هو دم الحيض الذي يوجب الغسل فإن ذلك يرشح من الرحم كالعرق وإنما هذا دم عرق انفجر في الرحم ودماء العروق لا توجب الغسل وهذه مسائل مبسوطة في مواضع أخر‏.‏
والمقصود هنا التنبيه على فساد ‏[‏قول‏]‏ من يدعي التناقض في معاني الشريعة أو ألفاظها ويزعم أن الشارع يفرق بين المتماثلين بل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث بالهدى ودين الحق بالحكمة والعدل والرحمة فلا يفرق بين شيء ين في الحكم إلا لافتراق صفاتهما المناسبة للفرق ولا يسوي بين شيء ين إلا لتماثلهما في الصفات المناسبة للتسوية‏.‏ والأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر ولا النساء ولا خروج النجاسات من غير السبيلين ولا القهقهة ولا غسل الميت فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب لكن الاستحباب متوجه ظاهر فيستحب أن يتوضأ من مس النساء لشهوة ويستحب أن يتوضأ من الحجامة والقيء ونحوهما كما في السنن‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ‏)‏‏.‏
والفعل إنما يدل على الاستحباب ولم يثبت عنه أنه أمر بالوضوء من الحجامة ولا أمر أصحابه بالوضوء إذا جرحوا مع كثرة الجراحات والصحابة نقل عنهم فعل الوضوء لا إيجابه‏.‏ وكذلك القهقهة في الصلاة ذنب ويشرع لكل من أذنب أن يتوضأ وفي استحباب الوضوء من القهقهة وجهان في مذهب أحمد وغيره‏.‏
وأما الوضوء من الحدث الدائم لكل صلاة ففيه أحاديث متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صحح بعضها غير واحد من العلماء فقول الجمهور الذين يوجبون الوضوء لكل صلاة أظهر ‏‏ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والله أعلم ‏.‏


 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°

التعديل الأخير تم بواسطة أسامي عابرة ; 28-05-2010 الساعة 11:14 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة