عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 27-08-2012, 03:13 PM   #3
معلومات العضو
هاجرالمسلمة
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي

2ـ الحزم والصرامة :

ولابد منهما للقائد ، وانظر كيف أن سليمان عليه السلام لما تبين له غياب الهدهد دون إذن ، ولما شاع خبر غيابه أمام الجميع ، قال : ** لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه ** ، وقد اختلف المفسرون في شأن العذاب الشديد ، وملخص أقوالهم أنه إما بنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، أو بالتفريق بينه وبين إلفه ، أو بإلزامه خدمة أقرانه ، أو بالحبس مع أضداده
لقد هدد سليمان الهدهد بهذه العقوبات ( استصلاحا له إن كان يرجى صلاحه ، أو إعداما له لئلا يلقن بالفساد غيره )
ولا ريب أن الحزم والصرامة في مواجهة الخطأ كفيلة بوأده في مهده ، أما حين يخطئ الإنسان ويشيع خطؤه في الناس ثم يتراخى القائد في الأخذ على يده فإن العاقبة حينئذ تكون سيئة ، إذ يتجرأ غيره على الخطأ ، وتنكسر حيئذ هيبة القيادة .
وينبغي علينا ألا نأخذ هذا الكلام بحرفيته في تعاملاتنا فنحن إخوة قبل أن نكون رؤساء ومرؤسين ، وليس بالضرورة أن أعاقب أخي المخالف بنتف ريشه أو ذبحه ! وإنما قد تكفي أخي الحر كلمة عتاب ، أو نظرة لوم .
المهم أن القائد هو الذي يقدر العقوبة التي يستحقها المخالف ، والمهم أن يظل العمل بمبدأ الثواب والعقاب .
ولعل من المفيد هنا أن نذكر مسألة حول تعذيب الحيوان ...
قال الطاهر : (( وأما عقوبة الحيوان فتكون عند تجاوزه المعتاد في أحواله ، قال القرافي في تنقيح الفصول : سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قتل الهر المؤذي هل يجوز ؟ فكتب وأنا حاضر : إذا خرجت أذيته عن عادة القطط وتكرر ذلك منه قتل .اهـ. قال القرافي : فاحترز بالقيد الأول عما هو في طبع الهر من أكل اللحم إذا ترك فإذا أكله لم يقتل لأنه طبعه ، واحترز بالقيد الثاني عن أن يكون ذلك منه على وجه القلة فإن ذلك لا يوجب قتله ... )) . وقد حل لسليمان عليه السلام تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع ، وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة .

3ـ التثبت والتبين
ونرى ذلك واضحا في قوله بعد سماعه خبر الهدهد : ** قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ** .
كما تجلى ذلك في استثنائه عند التهديد بالعقوبة حيث قال : ** أو ليأتيني بسلطان مبين **
إن العجلة في الحكم وتصديق كل ما يقال والجزم بالنتائج دون سماع الرأي الآخر إن هذه كله من تصرف الغوغاء ، ولا يمكن لقائد أن ينجح مالم يتخذ من التأني والتروي والتبين والتثبت شعارا .

4ـ معرفة مواطن الضعف عند الخصم
فحين هدد سليمان عليه السلام بلقيس لم يهددها بالموت ولا بالهلاك ، بل هددهابالذلة (( ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون )) ، ذلك أنه شعر من قولها فيما حكاه الله عنها : (( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة )) شعر من ذلك أن أخوف ما تخاف منه أن تصير ذليلة بعد العز ، فمن ثمّ خوفها بما تخاف منه ، واستغل نقطة ضعفها كما يقول المعاصرون .

الوقفة الثامنة / متابعة صدى المواقف والأقوال
إن الكثيرين من الدعاة وناشري الخير يلقون الكلمات الطيبة ، ويقفون المواقف المؤثــرة ، ثم ينصرفون !
إنهم يعملون بطريقة : قل كلمتك وامش .
ومثل هذه الطريقة لا تبني رجالا بحال ، وإنما هي تؤثر تأثيرا وقتيا لا يلبث أن يزول ويمحي بمرور الأيام .
وانظر إلى هذا الدرس السليماني : ** اذهب بكتابي هذه فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ** ... تأمل قوله : ** فانظر ماذا يرجعون ** ! نعم ليست القضية أن يلقي الكتاب ويوصل الرسالة فقط ... وإنما هناك متابعة لردة الفعل ، هل استجابوا ؟ هل لانوا ؟ هل عاندوا ؟ وبناء على ردة الفعل يكون التصرف ، وبهذا يكتمل الأمر ، ويوصل إلى التصرف السليم .
إن كثيرا من المحاولات التربوية تفشل لأن المربي يهتم بإلقاء كل ما لديه من معلومات وفوائد واحدة تلو الأخرى دون أن يتمهل لينظر أثر ما قال في تلميذه ، وهل وصلت الرسالة أم لا ؟ وهل تشرب المعنى المراد أم زل عن قلبه كما يزل الماء عن الصفاة ؟ لابد من هذا وإلا فعلى العملية التربوية العفاء .
وحين لا يلتفت المربي إلى هذا يفاجأ بمواقف مؤلمة من هذا التلميذ ، وذلك عندما تبدر منه تصرفات وأخلاقيات كان يظن أنه قد تجاوزها بمراحل .
الوقفة التاسعة / لا تغتر بما عندك
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري [ رقم 74 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال : هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال موسى : لا ، فأوحى الله إلى موسى : بلى ، عبدنا خضر . فسأل موسى السبل إليه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له : إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه . وكان يتبع أثر الحوت في البحر . فقال لموسى فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانية إلا الشيطان أ أذكره . قال : ذلك ماكنا نبغي .فارتدا على آثارهما قصصا ، فوجدا خضِرا ، فكان من شأنهما الذي قصه الله في كتابه )) ... قال ابن حجر : (( وفي الحديث ... ولزوم التواضع في كل حال ، ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر عليهما السلام وطلب التعلم منه تعليما لقومه أن يتأدبوا بأدبه ، وتنبيها لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع ))
فعلى الإنسان ألا يحتقر غيره ، فرب صغير حاز مالم يحزه الكبير ، وهذا الهدهد وهو طير صغير أحاط بما لم يحط به سليمان وهو نبي ملك ! وقد (( ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام ... ابتلاء له في علمه ، وتنبيها على أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ، ويتصاغر إليه علمه ، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ))
وهكذا ينبغي أن تدرك أنه قد يكون عند من هو أصغر منك سنا ، وأقل ذكرا ماليس عندك ، وعليه فاحرص على الاستفادة من الجميع ، والقط المعلومة والفائدة من حيث خرجت ، وعلى المسلم (( ألا يتكبر أن يسمع غيره ، فلاد يدري الكلمة التي ينتفع منها ، وما من خطيب ولا واعظ إلا وتستفيد منه فكرة أو خبرا أو تذكيرا بعلم قديم قد نسي ، أو ربطا بحادثة واقعية ، أو على الأقل لا يخلو الواعظ من عرض جديد لمعلومة معروفة ، أو نبرة تبلغ إلى أعماق القلب ... ))
وفي المقابل على الفرد أن يدرك أنه قد يكون عنده ما ليس عند أساتذه ، وربما خطر بباله ما لم يخطر ببالهم ، أو أحسن ما لم يحسنوه ، فعليه حينئذ أن يبادر بالعمل فيما يحسن ، مع إخلاص نية وقصد ، ومع حفظ لحقوق السابقين من الأساتذة والمربين وعدم التطاول عليهم .
انتهى ..

المصدر :صيد الفوائد

ويكيبيديا

التعديل الأخير تم بواسطة هاجرالمسلمة ; 27-08-2012 الساعة 03:14 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة