عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 10-02-2007, 11:15 AM   #1
معلومات العضو
د.عبدالله
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي &( من كان بالله أعرف كان منه أخوف )&

ما أجمل أن توصف بالخوف من الله، وما أجمل أن تكون وقّافاً عند أوامر الله خوفاً ورجاءً، فالمؤمن يعيش حياته بين خوف ورجاء: لا ينظر إلى كبر الذنب وصغره، ولكنه ينظر إلى من عصى، ويعلم أنه كلما ارتقى في سلم الإيمان عظم الذنب في حقه، فالصغيرة من الكبير كبيرة، والهفوة من العظيم عظيمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يرى معصيته كجبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق يرى معصيته كذباب وقع على أنفه)، فإذا زاد الإيمان في قلب المؤمن لم يعد يستحضر في قلبه إلا الخوف من الله، وقيل: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها.

ولا شك أن الخوف من الله ومراقبته ألزم لوازم السير إلى الله، والخوف على مقامين: أولهما: الخوف منه سبحانه، والثاني: الخوف من عذابه، فأما الخوف منه فهو خوف العلماء وأرباب القلوب: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، وأما الخوف الثاني فهو خوف عموم الخلق، والناس في خوفهم من عذاب الله متفاوتون، ويضعف خوف أكثريتهم بسبب الغفلة وضعف الإيمان، ولا ريب أن خوف العلماء في أعلى الدرجات، لأن خوفهم قائم على معرفة الله، مثبت على الاطلاع على عظيم قدرته وجليل صنعه، والخشية أخص من الخوف، وهي درجة أعلى، وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو أخشى عباد الله لله: (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية) وفي رواية: (وأشدكم له خوفاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)، قال الإمام أحمد: “هذا يدل على أن كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف”.

فضل الخوف



الخوف إذن على قدر المعرفة، وقد وصف الله كفار اليهود بقوله: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته، فلا خير فيهم ولا خير فيمن لا يخاف الله سبحانه وتعالى ويرجوه، ويعرف له حق قدره، فالرجاء في الله يبعث على نيل الطاعات كما أن الخوف منه سبحانه وتعالى يحض على ترك المنهيات، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر صلى الله عليه وسلم من يخاف الله فلا يعصيه: “ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله”، وذكر الرجل يرجو رحمة ربه فيناجيه: “ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه”.

ومما ورد أيضا في فضل الخوف من الله ما جاء في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلفح النار أحداً بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم)، ولا خير في خوف لا يمنع من المعصية فالخوف المحمود الصادق هو ما حال بين صاحبه ويبن محارم الله عز وجل، يحجزه خوفه عن المعاصي والمحرمات فلا يأكل مالا حراما ولا يشهد زوراً، ولا يحلف كاذباً، ولا يخلف وعداً، ولا يخون عهداً، ولا يغش في المعاملة، ولا يخون شريكه، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس، ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يهجر مساجد الله، ولا يترك الصلاة في الجماعة، ولا يزني، ولا يتشبه بالنساء، ولا يتشبه بالكفرة أعداء الدين، ولا يتعاطى محرماً، ولا يشرب المسكرات، ولا يقرب المخدرات، ولا الدخان ولا الشيشة، ولا يضيع أوقاته في اللهو والغفلة، بل هو ساع إلى استغلال الوقت لا إلى تضييعه، وقته كله في طاعة الله، ولا وقت له في معصية، استحضاراً لعظمة من يعصيه، وخوفا منه سبحانه وطلباً ورجاءً لما وعد الله عباده الصالحين.

قلوب وجلة



ومرة قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للمصطفى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل، قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم: (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، يخافون أنهم إلى ربهم راجعون، يبذلون ويعملون ويؤتون ويجتهدون، ومع ذلك قلوبهم وجلة، وأفئدتهم خائفة، لأنهم أيقنوا أنهم إلى ربهم راجعون، فهم يتذكرون هول المطلع عليه، وعظمة الموقف بين يديه، آمنوا بعظمته، وأيقنوا بجلاله، ونظروا إلى نعمه ثم نظروا إلى أعمالهم وضآلتها، وجهودهم وقلتها، ثم هي قد لا تسلم من خلل، ولا تنجو من زلل، ولا تصفو من رياء، فكان الوجل طريقهم إلى الاطمئنان، والخوف موصلهم للأمان، والإشفاق قائدهم لرضا الخلاق، فسماهم المسارعين، ووصفهم بالسابقين، وإن الخوف سمة المؤمنين، وعنوان المتقين الذين وصفهم الله بقوله: (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون)، فهذا هو حال المؤمنين وديدن المتقين، وطريق المجتهدين، وأسلوب الطائعين: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقناهم ينفقون)، وهم: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)، وهم الموصوفون بأنهم من عذاب ربهم مشفقون: (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ).

الهروب إلى الله



والخوف من الله ليس كالخوف مما عداه، فالخائف يهرب ممن يخافه، ولكن الخائف من الله يهرب إليه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)، وتقول عائشة رضي الله عنها: قام صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فقال: (يا عائشة ذريني أتعبد لربي)، قالت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال يؤذن بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام، فقال: (يا أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة، من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد)، وقال في وصف النار محذرا منها: (نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم)، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ربما توقد له نار ثم يدني يديه منها ويقول: (يا بن الخطاب هل لك صبر على هذا)، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يصوم النهار ويقوم الليل، وكان إذا وقف على قبر يبكي حتى تخضل لحيته من البكاء، وكان يذكر عنده الموت والجنة والنار أحياناً فلا يبكي، فسئل عن ذلك فقال، قال صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه).

يوم الفزع الأكبر



وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه صواماً قواماً، فارساً بالنهار، راهباً بالليل، صلى صلاة الفجر في يوم من الأيام فجلس حزيناً مطرقا، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته، وبدأ يبكي ويبكي ثم قال: لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً سفراً بين أعينهم كأمثال ركب المعزى من كثرة السجود، قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع والله لكأنّ القوم باتوا غافلين.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (والله إني لرسول الله لا أدري ما يفعل بي غداً)، فمن خاف واشتد وجله من ربه في هذه الدنيا يأمن يوم الفزع الأكبر فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: (وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين: إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة)، فالقاعدة أنه لا أمن إلا لأهل الخوف من الله، وهؤلاء هم الذين ينفي الله عنهم الخوف مما هم مقدمون عليه والحزن مما خلفوه وراء ظهورهم: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم ).

منقول ...........

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة