وهذا ابن عباس ترجمان القرآن وبحر الأمة وحبرها، يبكي من خشية الله حتى تذهب عيناه فيعزيه أحد الشامتين فينشد ابن عباس:
إن يأخذ الله من عيني نورهــما *** ففي فؤادي وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي عوج *** وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وفي الحديث القدسي (( من ابتليته بحبيبتيه (أي بعينيه) فصبر ، عوضته منهما الجنة))... وهذا سعيد بن المسيب إمام التابعين أبكاه الحب الصادق حتى ذهبت عينه لمرضاة ربه، وكذلك يزيد بن هارون المحدث المشهور فإنه عمي من كثرة البكاء، فقيل له : أين العينان الجميلتان ؟ قال أذهبها ـ والله ـ بكاء الأسحار
أما أحد الشعراء فقد بكي علي محبوبته حتى ذهبت منه عيناه فقال:
أعيناي كفــا عن فوادي فإنه *** من الظلم سعي اثنين في قتل واحد
لقد عميت عيناي من كثرة البكا *** لفــرقـة حب أو لتذكـار فاقد
ويشاركه المتنبي هذا البكاء فيقول:
قد كنت أشفق من دمعي علي بصري *** فـاليوم كل عـزيز بعدكم هـانا
فابن عباس ذهب بصره لمرضاة الله فثوابه الجنة ، وهؤلاء ذهبت أبصارهم لفلانة فثوابهم الإفلاس والندم والحسرة.