عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 04-09-2007, 12:11 AM   #1
معلومات العضو
أبو فهد
موقوف

Arrow ( دعوة للنقاش : " حكم التفرغ لأجل القراءة على الناس واتخاذها حرفة " && ) !!!

[ حكم التفرغ لأجل القراءة على الناس واتخاذها حرفة .

لقد اشتهر في هذه الأزمنة المتأخرة بعض طلاب العلم بالرقية على المرضى ، وبلغت شهرتهم الآفاق نظرا لكثرة المواصلات وسهولتها ، وأمام كثرة الناس وكثرة ما يعطونه من المال للراقي ، تفرغ هؤلاء القراء من أعمالهم وقصروا أوقاتهم على القراءة على المرضى ، ووسعوا دورهم واستعدوا للزائرين ، ورتبوا لهم مواعيد كما تفعل المستشفيات المتخصصة تماما ، واتخذوا هذا العمل حرفة لهم .

فما حكم هذه الصورة بهذه الكيفية التي لا يعرف لها مثيل في العصور المتقدمة ؟
وأمام هذا التساؤل أقول ـ وبالله التوفيق ـ :
من المعلوم أن الله ـ عز وجل ـ أباح الرقى كما تقدم في مبحث مشروعية الرقية بضوابطها الشرعية ، وأباح أخذ الأجرة عليها كما في صحيح البخاري ـ يرحمه الله ـ حيث قال : باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب ، وروى بسنده عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال هل فيكم من راق إن في الماء رجلا لديغا أو سليما ؟ فأنطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء ، إلى أصحابه فكرهوا ذلك ، وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا فقال : رسول الله ، ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " صحيح البخاري مع الفتح 169/10

فإذا علم إباحة الرقى ، وعلم إباحة أخذ الأجرة عليها انحصر موضوع البحث في الكيفية التي تتم بها الرقية عند بعض القراء المتأخرين وهي :
التفرغ لهذا العمل واتخاذه حرفة والاشتهار به بين الناس وهذه الكيفية في نظري قد يترتب عليها مفاسد كثيرة بالنسبة للقارئ وبالنسبة للناس المقروء عليهم ، منها ما يلي :

أولا : أنه من وجود الجموع الكثيرة من الناسعند القارئ ، قد يظن عوام الناس أن لهذا القارئ خصوصية معينة بدليل كثرة زحام الناس عليه ، وتطغى حينئذ أهمية القارئ على أهمية المقروء ،
وهو كلام الله ، بل لا يكاد يفكر كثير من هؤلاء في أهمية المقروء وفائدته ، وإنما تتجه الأنظار للقارئ .

والأصل في الرقية هو المقروء والقارئ تبعا لذلك يقول الله تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الإسراء الآية 82ويقول سبحانه : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) فصلت الآية : 44
ولا ينكر ما لصلاح القارئ وقوة إيمانه وثقته بربه وتوكله عليه من تأثير ، ولكنه تابع للمؤثر الأصلي ، وهو كلام رب العالمين .
فكل ذريعة تضعف ثقة الناس بالمقروء فإنه ينبغي أن تسد ، ولا تفتح . يقول ابن القيم : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء ، وان أحسن العليل التدواي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروط لم يقاومه الداء أبدا . وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها "
زاد المعاد لإبن القيم 4/352

ثانيا : أنه بالنظر إلى سيرة الرسول ، صلىالله عليه وسلم ، وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم لم نر أحدامنهم انقطع عن أعماله وقصر نفسه على معالجة المرضى بالرقى ، واتخذها حرفة ، واشتهر بها بين الناس ، بحيث إذا ذكر اسمه اقترن بهذه الحرفة ؛ ولا شك أن الناس في كل زمان تكثر فيهم الأمراض ، ولم نر أحدا من خلفاء المسلمين نصب قارئا يقرأ على المرضى ، كما ينصب المفتين والقضاة ، وإنما المريض يقرأ على نفسه من كتاب الله ، وإن قابله عالم ذو فضل وديانة وطلب منه الرقية وقرأ عليه فلا حرج ، ومن المعلوم أن المشروع بأصله قد يمنع إذا صاحبته كيفية مستحدثة . فقد صح عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه مر بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه والقاءه ، ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله ، ثم قال : لقد جئتم ببدعة ظلما أو لقد غلبتم أصحاب محمد ، صلى الله عليه وسلم ، علما . سنن الدارمي 1/68 والبدع لأبن وضاح ص 8 وقال الدوسي في النهج صحيح انظر النهج السديد 35 . ولو كان الانقطاع لمعالجة المرضى بالرقى واتخاذها حرفة والاشتهار بها بين الناس خيرا لسبقنا إليه ، ولا يظن أحدا أن المرضى في هذا الزمان أكثر منهم في الأزمان الأخرى ، ولأجل ذلك لم يتكاثروا على الخلفاء ولا على الأئمة الأربعة كتكاثرهم على من اشتهر بالقراءة في هذه الأزمان ، وإنما الذي يجلب الشهرة للقارئ هو تخصيص مكان لهم واستقبالهم فيه متى ما أرادوا ، وتخصيص مواعيد معينة مثل ما يصنع الطبيب وصاحب المتجر والمصنع ، وفي ظني أن شيخ الإسلام ابن تيمية لو فتح دكانا للقراءة على المرضى وأستقبلهم متى ما أرادوا لما أستطاع أن يكتب سوداء في بيضاء لا سيما في زمن الجهل وتفشي الأمية والخرافات ، والتعلق بالمشائخ وأصحاب الطرق ، وما ترك علماء أهل السنة هذا الأمر إلا من فقههم وورعهم ـ رحمهم الله رحمة واسعة ـ

ثالثاً : إن الشياطين عندما ترى تعلق الناس بشخص ما قد تساعده ، وهو لا يشعر فتعلن خوفها وخروجها منالمريض ونحو ذلك ، لتزداد ثقة الناس بالشخص أكثر من ثقتهم بما يتلوه ، وليعتقدوا أن فيه سرًا معيناً . وقد قال عبد الله بن مسعود لزوجته عندما قالت له : كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، وكان إذا رقاها سكنت . قال إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها " الحديث . انظر المسند 1/381 والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/584 وصحيح سنن ابن ماجه 2/269.

ومكر الشياطين بالناس مكر كبير لا يدركه إلا أصاحب الفقه في دين الله ، فإن الناس إنما يتزاحمون على القارئ ، ويضربون له أكباد المطي ، إذا سمعوا ما يُنشر عنه من الحكايات الغريبة وكيف أن أكثر المصروعين تكلمت الشياطين على ألسنتهم أمام القارئ وتعهد عليها الشيخ بعدم العودة إلى ذلك المصروع !! فإذا كثرت هذه الأخبار كثرة كبيرة حفزت كل مريض لرؤية هذا الشيخ ، للتأكد من أنه ليس فيه جني ، وهذه الحال بهذه الكثرة لو كانت من الكرامات فينبغي للقارئ أن يخاف من عاقبتها . فكيف إذا كان لا يضمن أن يكون الأمر استدراجاً واحتيالاً من الشياطين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " ولما كانت الخوارق كثيرا ما تنقص بها درجة الرجل ، كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك ، ويستغفر الله تعالى ، كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة ، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها ، وكلهم بأمر المريد السالك ألا يقف عنها ولا يجعلها همه ولا يتبجح بها مع ظنهم أنها كرامات فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ! ، وأعرف من يخاطبه الحجر والشجر ! وتقول : هنيئا لك يا ولي الله فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك . وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها ، وتقول خذني حتى يأكلني الفقراء . ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك . " الفتاوى 11/30 .

رابعا : قد يتوهم القارئ الذي يزدحم الناس على بابه ويرى كثرة المرضى الذين يعافيهم الله بسبب رقيته، وكيف أن الشياطين تخاف منه ، وتخرج من المصروعين ؟ قد يتوهم أنه من الأولياء الأبرار ويصيبه العجب 0ونحو ذلك ، وقد كان السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ يخشون من هذا الأمر ويسدون مداخله .

قال ابن عيينة رأى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مع أبي جماعة فعلاه بالدرة ، فقال أبي أعلم ما تصنع ـ يرحمك الله ـ فقال عمر : " أما علمت أنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع " تذكرة الحفاظ للذهبي 1/8 .

فهذا عمر ، رضي الله عنه ـ خاف على أبي ـ رضي الله عنه ـ من كثرة الأتباع والتلاميذ الذين يطأون عقبة فغيرهم أولى بالخوف وسد الذريعة . وليس حال القارئ المتقدم صفته كالطبيب الذي يزدحم الناس على بابه ، فإن الطبيب يعالج بعلاج معروف ، ولا يشعر أن العلاج لا ينفع إلا إذا وصفه هو بل يعتقد أن الأمر مرتبط بالعلاج لا بالطبيب بخلاف الراقي فإنه قد يظن أن الأمر مرتبط به هو لا بالعلاج ، لأن القرآن موجود عند المسلمين جميعا ، ويستطيعون قراءته ، ومع هذا يحرصون أن يقرأ هو ، فقد يدخله العجب والزهو ، ويظن بنفسه الظنون ، ولا شك أن الابتعاد عن مثل هذا أولى . والله أعلم بالصواب .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة