عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 18-03-2005, 03:16 PM   #1
معلومات العضو
د.عبدالله
اشراقة ادارة متجددة

Thumbs up المعالجة النفسية عبر التاريخ ( 5 ) أقوال فلاسفة العرب بالسحر !!!

أقوال فلاسفة العرب بالسحر :
النصوص التاريخية والفلسفية العربية تتحدث بوضوح عن السحر وتأثيره على النفس الإنسانية لذا نورد بإيجاز بعض ما قاله الراغب الإصفهاني ، وابن خلدون ، والعلامة محمد فخــر الدين الرازي .
يقول فخر الدين الرازي : (( إن السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ، ويتخيل على غير حقيقته ، ويجري في مجرى التمويه والخداع ، وللسحر ثماني صور أعرضها هنا على سبيل الإيجاز واحدة واحدة ، لأبين مبلغ انطباق القاعدة السابقة عليها :
الصورة الأولى : سحر الكلدانيين الذين عبدوا الكواكب : كان هؤلاء يعتقدون اعتقادا جازما في تأثير الكواكب والأجرام العلوية عامة في العوالم السفلية عامة ، وفي الإنسان بوجه خاص . ولعل هذه العقيدة أتت لهم من مشاهدة تأثير هذه الأجرام وما لها من فوائد ومضار ، وما لدورانها وتقلبات أحوالها من أثر في اختلاف المواسم وتغير درجة الحرارة ، وفي معرفة عدد السنين وحساب الزمن .
اعتقد السحرة كما اعتقد المرضى بقوة تأثير هذه الكواكب ، فاذا ما استعانوا بها في معالجة الأمراض وكان نصيبهم النجاح فليس لنا أن نعجب ، ما دمنا نعلم أن كلا من الساحر والمريض يؤمن إيمانا صادقا أن هذه الكواكب تجيب دعوة الساحر إذا دعاها . أما أن هذه العقيدة مطابقة للواقع أولا فأمر ثانوي لا علاقة له بالحالة النفسية عند كل من الساحر والمريض ، فالعقيدة أمر نفسي ذاتي ، وما عليه الواقع أمر خارجي موضوعي ، وليس من الضروري في هذه الحالة مطابقة كل من الأمرين للآخر . ألا نلاحظ أن الوهم بجميع صوره يؤثر في النفس إلى حد كبير جدا على الرغم من أن المتوهم غير مطابق للواقع ؟ وأن الإستهواء يعمل عمله في نفس المستهوي . ولو كانت الفكرة الموحي بها خيالية صرفة لا نصيب لها من الصواب ؟
ولو فرضنا في هذه الحالة ان الساحر مدع مخادع ، وأن المريض انخدع بكلامه ، واعتقد ما يقول لم يتغير الموقف ، لأن العنصر الفعال في الشفاء هو حال المريض النفسية ، فمتى اتجهت نيته إلى الشفاء ، وامتلأت نفسه تفكيرا في الصحة ، وبعدت عن جميع الأفكار الموقعة في المرض ، بأي وسيلة من الوسائل ، ولو بطريق الإيهام والخداع ، كان أقرب إلى الشفاء .
الصورة الثانية : سحر أصحاب النفوس القرية ، المستعلية على البدن ، القادرة على التصرف في العناصر الكونية بعد الرياضة المستمرة والإنقطاع عن المألوف من الملذات ، والبعد عن مخالطة الخلق )) :
وهذه الصورة تختلف عن سابقتها في أن الساحر هنا يعتمد على نفسه وقوة إرادته ، ويقوم بعمله دون الاستعانة بقوى خارجية ، فهو أقرب ما يكون للمستهوي أو للمنوم المغناطيسي الذي يستخدم قوة إرادته في التأثير على الوسيط ، وليس هناك شك في أن هذه الطريقة قد جربت ونجحت في كثير من الحالات في علاج المرضى .
وتعود الأسباب المباشرة في نجاحها لاعتقاد المريض الراسخ بالشفاء متأثرا بما للمعالج من نفوذ وقوة إرادة، يتمكن بواسطتها من التحكم بإرادة المريض ، وتوجيهها وفق إرادته .
والجدير بالملاحظة أن الفلاسفة الإشراقيون قد اعترفوا بتأثير ذوي النفوس المستعلية في العناصر الكونية بعد الرياضة والإستعداد ، ولقد أتى على ذكر هذا التأثير ابن سينا فقال : (( وكثيرا ما يؤثر النفس في بدن آخر كما يؤثر في بدن نفسه تأثير العين العاينة والوهم العامل ، بل النفس إذا كانت قوية شريفة شبيهة بالمبادئ العليا أطاعها العنصر الذي في العالم وانفصل عنها ، ووجد في العنصر ما يتصور فيها ، ذلك لأن النفس الإنسانية غير منطبعة في المادة التي لها ، لكنها منصرفة الهمة إليها ، فإن هذا الضرب من التعلق يجعل لها أن تحيل العنصر المبدئي عن مقتضى طبيعته ، فلابد أن تكون النفس الشريفة القوية جدا تجاوز بتأثيرها ما يختص بها من الأبدان ، إذا لم يكن انغماسها في الميل إلى ذلك البدن شديدا ، وكان مع ذلك عاليا في طبقته قويا في مملكته جدا فتكون هذه النفس تبريء المرضى وتمرض الأشرار ، ويتبعها أن يهدم طبائع وأن يؤكد طبائع ، وأن يستحيل لها العناصر ، فيصير غير النار نارا ، وغير الأرض أرضا ، وتحدث أيضا بإرادته أمطار وخصب ، كما يحدث خسف ووباء ، وذلك كله بحسب الواجب العقلي )) .
ومن هذه الأفكار السينوية يمكننا أن نستنتج الأشياء التالية :
1 ـ تأثير الوهم والإيمان في الصحة والمرض ، وهذا ما عناه ابن سينا بتأثير النفس في بدن النفس .
2 ـ تأثير النفس الشريفة العارفة في الأبدان الأخرى الجاهلة .
3 ـ تأثير هذه النفوس في هدم الطبائع أو تأكيدها واستحالة العناصر المبدئية .
4 ـ يعود هذا التأثير لمشابهة النفس البشرية للمباديء العليا التي تؤثر في العالم السفلي .
5 ـ عندما تصل النفس وتترقى إلى هذه المرتبة تكون قد عرفت ذاتها وارتفعت على البدن وما فيه من رغبات وشهوات دنيوية زائلة .
ولم يكن ابن سينا الفيلسوف الوحيد الذي بحث هذه الأمور العقلانية ، بل هناك فيلسوف إسلامي آخر تعرض في أقواله لمثل هذا الموضوع ( الغزالي ) فقال : وقد يتعدى أثر بعض النفوس إلى بدن آخر ، حتى يفسد الروح بالتوهم ، ويقتل الإنسان بالتوهم ، ويعبر عن ذلك بأنه أصابه العين ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : (( ان العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر )) . وقال عليه الصلاة والسلام : (( العين حق )) .
وإذا كان ممكنا لم يبعد أن تقوى نفس من النفوس على الندور قوة أكثر من هذا ، فيؤثر في هيولي العالم ، بإحداث حرارة وبرودة وحركة .
وجميع تغاير العالم السفلي يتشعب عن الحرارة والبرودة والحركة . ومثل هذا يعبر عنه بالكرامة والمعجزة )) .
الصورة الثالثة : (( الإستعانة بالأرواح الأرضية في التأثير )) وهذا يعني استعانة الساحر بالجن والشياطين كما استعان في الصورة الأولى بالكواكب والأفلاك العلوية .
الصورة الرابعة : (( التخيلات والأخذ بالعيون بخفة الحركة وخداع الحواس )) . وهذا يعني الشعوذة التي أساسها خداع الحواس ، فتحس إحساسا مخالفا للواقع ، وقد يصل الإنسان إلى درجة الخبل فيصور له خياله أشياء لا وجود لها مطلقا ، ويقوم تجاهلها بأفعال تدل على ما في نفسه من تخيلات وأوهام .
الصورة الخامسة : (( الإتيان بالأعمال العجيبة التي تظهر من الآلات المركبة على النسب الهندسية ، كعمل تمثالين لفارسين يتحركان ويقتتلان ، ولا يقتل أحدهما الآخر ، وكفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد )) .
الصورة السادسة : (( الإستعانة بخواص الأدوية كأن يجعل من طعامه بعض الأدوية المبلدة المسكرة ، نحو دماغ الحمار ، إذا تناوله الإنسان بلد عقله )) .
ويبدو أن هاتان الطريقتان كان يستخدمها القدماء بأعمالهم السحرية السرية ، وصنع الأدوية التي تساعد المرضى على الشفاء .
الصورة السابعة : (( تعليق القلب . وهو أن يزعم الساحر أنه يعرف الاسم الأعظم . وأن الجن ينفذون أوامره ويلبون رغباته في أكثر الأمور ، فإذا اتفق ان كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز ، اعتقد أنه حق وتعلق عقله بذلك ، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة . وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة ، فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل به ما يشاء )) . وهذا هو الإيحاء بالمعنى المعروف في هذه الأيام .
الصورة الثامنة : (( السعي بالنميمة والتغريب من وجوه خفيفة لطيفة )) . وهذه الصورة أيضا تنسجم انسجاما كليا مع الإيحاء ، لأن النمام يعتمد فيها على قوة بيانه ، وسلطان بلاغته على بلورة الأفكار ، التي يقذف بها في قلب المنموم إليه ، فيتقبلها دون أن يطالب بالبرهان والدليل العقلي على صحتها .
وليست طريقة المعالجة بالتدين والتطهر من الآثام ، التي استخدمها كهنة وأحبار اليهود ببعيدة عن ضرورة تنمية الإعتقاد اليقينية في نفس المريض حتى يتأكد بأن المرض قد أصابه نتيجة ذنب ارتكبه في حق الدين وحق الرب الذي يعبده ، وهذا الاعتقاد ينشأ متأثرا بأن ارتكاب الإثم يورث المرض . وليس على المريض في هذه الحالة إلا إعلان التوبة وطلب العفو والغفران . ولا ريب أن الثقة بأن تعاليم الدين صحيحة صادقة تساعد على الشفاء والعودة إلى الصحة .

وللحديث بقية .......



( من كتاب في سبيل موسوعة نفسية / الدكتور مصطفى غالب )

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة