عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-11-2012, 07:46 AM   #1
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

Hasrean الله واحد لا شريك له


كانت الثنوية من المجوس والمنوية أتباع ماني بن فاتك يعتقدون بوجود صانعان للعالم هما النور والظلام، وهما متفقون علي أن النور خير من الظلام، وأن الظلام شرير مذموم، وهم متفقون علي أن النور يسبق الظلام، واختلفوا في الظلام هل هو قديم أو مصنوع محدث؟! ومع كل هذا فهم لم يثبتوا إلهين أو ربين متماثلين، ولم تأت طائفة أو إنسان من لدن آدم إلي يومنا هذا من يزعم أن في الكون إلهين متماثلين متشابهين، وأما النصارى فقالوا بالتثليث ومع ذلك لم يثبتوا للعالم ثلاث آلهة ينفصل بعضهم عن بعض، بل هم متفقون علي أن خالق العالم واحد ويقولون باسم الابن والأب وروح قدس إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه؛ وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضربين في فهمه والتعبير عنه، لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعني معقول مفهوم، ولا يكاد اثنان منهم يتفقان علي معني واحد، فإنهم يقولون هو واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم، والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله تعالي العباد علي فساد كل هذه الأقوال بعد التصور التام لها، وفي الجملة فهم لا يقولون ولا أحد قال من قبل بإثبات إلهين خالقين متماثلين. ولهذا قال أهل النظر: لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما ماذا سيحدث؟!، مثلاً لو أراد أحدهم تحريك جسم ما، وأراد الآخر تسكينه –أي جعله ساكناً- أو مثلاً يريد أحدهم إحياءه وأراد الآخر إماتته، فإما أن يحصل مرادهما معاً، أو لا يحصل مرادهما معاً، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر. والأول مستحيل ممتنع لأنه يستلزم الجمع بين ضدين؛ فلا يمكن تصور وجود جسم واحد ساكن متحرك في نفس ذات الوقت أو جسم حي ميت في نفس ذات الوقت، كذلك الإحتمال الثاني مستحيل ممتنع لأنه يستلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون معاً، أو الموت والحياة في نفس الوقت وهو ويستلزم كذلك عجز كل منهما والعاجز لا يكون إله، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هو الإله القادر والآخر كان عاجزاً لا يصلح للإلوهية, وقال تعالي وهو حق من قال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا** الأنبياء22، وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل لم يوجدا بل قال لفسدتا فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظام العالم كله. ويحكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه: أن قومًا من أهل الكلام أرادوا أن يبحثوا معه تقرير الربوبية لله تعالي فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة، تذهب وتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها فترسي بنفسها، وتتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد. فقالوا: هذا محال لا يمكن أبداً. فقال: إذا كان هذا محالًا في سفينة فكيف في هذا العالم كله عاليه وسافله، وتحكي هذه الحكاية من غير أبي حنيفة أيضاً. وقال تعالي: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض**المؤمنون91، فتأمل هذا البرهان الساطع الباهر فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقاً فاعلاً يوصل إلي عباده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه وتعالي إله آخر يشركه في الملك لكان له خلق وفعل وحينئذ لا يرضي تلك الشركة بل إن قدر علي قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والإلوهية دونه فعل، وإن لم يقدر علي ذلك انفرد بخلقه وذهب بذلك الخلق كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم البعض بممالكهم، إذا لم يقدر المنفرد منهم علي قهر الآخر والعلو عليه، فلابد من أمر من ثلاثة أمور: إما أن يذهب كل إله بخلقه وملكه وهنا ينقسم الكون، وإما أن يعلو بعضهم علي بعض، وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف شاء ولا يتصرفون فيه، بل يكون وحده هو الإله وهم العبيد المقهورين من كل وجه، وانتظام العالم وأمره كله وإحكام أمره من أدل دليل علي أن مدبره إله واحد، وملك واحد ورب واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه.
من كتاب الإله. تأليف: إسماعيل مرسي أحمد.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة