عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 10-04-2010, 12:59 PM   #5
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

السادس: التوسُّل إلى الرَّب تعالى بأحبِّ الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعانى الأسماء والصفات: الحىُّ القَيُّوم.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيقُ التوكلِ عليه، والتفويضِ إليه، والاعترافُ له بأنَّ ناصيتَه فى يده، يُصرِّفُه كيف يشاء، وأنه ماضٍ فيه حُكمُه، عدلٌ فيه قضاؤه.
العاشر: أن يَرتَعَ قلبُه فى رياض القرآن، ويجعلَه لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يَسْتَضِىءَ به فى ظُلُماتِ الشُّبهات والشَّهوات، وأن يَتسلَّى به عن كل فائت، ويَتعزَّى به عن كل مصيبة، ويَستشفِىَ به من أدواء صدره، فيكونُ جِلاءَ حُزْنِه، وشفاءَ همِّه وغَمِّه.
الحادى عشر: الاستغفار.
الثانى عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحَوْل والقُوَّة وتفويضُهما إلى مَن هُما بيدِه.
فصل: فى بيان جهة تأثير هذه الأدوية فى هذه الأمراضخلق الله سبحانه ابن آدمَ وأعضاءَه، وجعل لكل عُضو منها كمالاً إذا فقده أحسَّ بالألم، وجعل لِمَلِكها وهو القلب كمالاً، إذا فقده، حضرتْه



أسقامُه وآلامُه من الهموم والغموم والأحزان.
فإذا فقدت العَيْنُ ما خُلِقَتْ له مِن قوة الإبصار، وفقدت الأُذنُ ما خُلِقتْ له مِن قوة السَّمْع، واللِّسَانُ ما خُلِقَ له مِن قُوَّة الكلام، فقدتْ كمالَها
والقلبُ: خُلِقَ لمعرفةِ فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به، والابتهاج بحبه، والرضى عنه، والتوكل عليه، والحب فيه، والبغض فيه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، ودوام ذكره، وأن يكون أحبَّ إليه مِن كل ما سواه، وأرْجَى عنده مِن كل ما سواه، وأجَلَّ فى قلبه مِن كل ما سواه، ولا نعيمَ له ولا سرورَ ولا لذَّةَ، بل ولا حياة إلا بذلك، وهذا له بمنزلة الغِذاء والصحة والحياة، فإذا فَقَدَ غذاءه وصحته وحياته، فالهمومُ والغموم والأحزان مسارعةٌ مِن كل صَوْبٍ إليه، ورهْنٌ مقيم عليه.
ومن أعظم أدوائه: الشِّركُ والذنوبُ والغفلةُ والاستهانةُ بِمَحابِّه ومَراضيه، وتركُ التفويض إليه، وقِلَّةُ الاعتماد عليه، والركونُ إلى ما سواهُ، والسخطُ بمقدوره، والشكُّ فى وعده ووعيده.
وإذا تأملتَ أمراض القلب، وجدتَ هذه الأُمور وأمثالها هى أسبابُها لا سببَ لها سِواها، فدواؤه الذى لا دواءَ له سواه ما تضمنتْهُ هذه العلاجات النبوية من الأُمور المضادة لهذه الأدواء، فإنَّ المرضَ يُزال بالضد، والصِّحةُ تُحفظ بالمِثْل، فصحتُه تُحفظ بهذه الأُمور النبوية، وأمراضُه بأضدادها.
فالتوحيد.. يفتح للعبد بابَ الخير والسرور واللَّذة والفرح والابتهاج، والتوبةُ استفراغٌ للأخلاط والمواد الفاسدة التى هى سببُ أسقامه، وحِميةٌ له من التخليط، فهى تُغْلِق عنه بابَ الشرور، فيُفتَح له بابُ السعادة والخير بالتوحيد، ويُغْلَق باب الشرور بالتوبة والاستغفار.
قال بعض المتقدمين من أئمة الطب: مَن أراد عافية الجسم، فليقلِّلْ


مِن الطعام والشراب، ومَن أراد عافية القلب، فليترُكْ الآثام.
وقال ثابت بن قُرَّةَ: راحةُ الجسم فى قِلَّة الطعام، وراحةُ الرَّوح فى قِلَّة الآثام، وراحةُ اللِّسان فى قِلَّة الكلام.
والذنوبُ للقلب، بمنزلة السُّموم، إن لم تُهلكْه أضعفتْه، ولا بُدَّ، وإذا ضعُفت قوته، لم يقدرْ على مقاومة الأمراض، قال طبيبُ القلوب عبدُ الله ابن المُبارَك:

رَأَيْتُ الذنُوبَ تُمِيتُ الْقُلوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلوبِ وَخَيرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
فالهوى أكبرُ أدوائها، ومخالفتُه أعظمُ أدويتها، والنفس فى الأصل خُلِقَتْ جاهلة ظالمة، فهى لجهلِها تظن شِفاءَها فى اتباع هواها، وإنما فيه تلفُها وعطَبُها، ولظلمِها لا تقبل مِن الطبيب الناصح، بل تضَعُ الداء موضِعَ الدواء فتعتمده، وتضعُ الدواء موضع الداء فتجتنبه، فيتولَّدُ مِن بين إيثارِها للداء، واجتنابِها للدواء أنواعٌ من الأسقام والعِلل التى تُعيِى الأطباء، ويتعذَّرُ معها الشفاء. والمصيبةُ العظمى، أنها تُرَكِّبُ ذلك على القَدَر، فتُبرِّىء نفسَها، وتلومُ ربَّها بلسان الحال دائماً، وَيقوَى اللَّومُ حتى يُصرِّحَ به اللِّسان.
وإذا وصل العليلُ إلى هذه الحال، فلا يُطمَع فى بُرئه إلا أن تتداركه رحمة من ربه، فيُحييه حياةً جديدة، ويرزقُه طريقةً حميدة، فلهذا كان حديث ابن عباس فى دُعاء الكرب مشتملاً على توحيد الإلهية والربوبية، ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم، وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القُدرة والرحمة، والإحسان والتجاوز، ووصفِه بكمال ربوبيته للعالَم العُلوىِّ والسُّفلىِّ، والعرش الذى هو سقفُ المخلوقات وأعظمها. والرُّبوبية



التامة تستلزِمُ توحيدَه، وأنه الذى لا تنبغى العبادةُ والحبُّ والخوفُ والرجاء والإجلال والطاعة إلا له. وعظمتُه المطلقة تستلزمُ إثباتَ كل كمال له، وسلبَ كل نقص وتمثيل عنه. وحِلمُه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه.
فعِلْمُ القلب ومعرفتُه بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيدَه، فيحصل له من الابتهاج واللَّذة والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب والهم والغم، وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليه ما يسرُّهُ ويُفرحه، ويُقوِّى نفسه، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسِّى، فحصولُ هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى.
ثم إذا قابلتَ بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التى تضمَّنها دعاءُ الكرب، وجدته فى غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب منه إلى سعَةِ البهجة والسرور، وهذه الأُمورُ إنما يُصدِّق بها مَن أشرقت فيه أنوارُها، وباشر قلبُه حقائقَها.
وفى تأثير قوله: "يا حىُّ يا قَيُّومُ، برحمتِك أستغيثُ" فى دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإنَّ صفة الحياة متضمِّنةٌ لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القَيُّومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسمُ الله الأعظمُ الذى إذا دُعىَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى: هو اسمُ الحَىّ القَيُّوم، والحياة التامة تُضاد جميعَ الأسقام والآلام، ولهذا لَمَّا كَمُلَتْ حياة أهل الجَنَّة لم يلحقهم هَمٌ ولا غَمٌ ولا حَزَنٌ ولا شىء من الآفات. ونقصانُ الحياة تضر بالأفعال، وتنافى القيومية، فكمالُ القيومية لكمال الحياة، فالحىُّ المطلق التام الحياة لا يفوتُه صِفة الكمال ألبتة، والقَيُّوم لا يتعذَّرُ عليه فعلٌ ممكنٌ ألبتة، فالتوسل بصفة الحياة والقَيُّومية



له تأثيرٌ فى إزالة ما يُضادُّ الحياة، ويضُرُّ بالأفعال.
 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة