عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-09-2009, 09:30 PM   #5
معلومات العضو
لقاء
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

رابعاً: جوائز اليانصيب:

مفهوم اليانصيب:
كلمة اليانصيب من الكلمات المستحدثة والتي لا وجود لها في معاجم اللغة العربية فضلاً عن الكتب الفقهية.

وهي كلمة مركبة من جزءين، الياء: وهي حرف نداء، ونصيب ومعناها: الحظ[47].

ففي الكلمة مجتمعة معنى الاستنجاد بالحظ والصدفة، مما تُوحي بالاعتماد على الحظ في كسب المال وترك العمل والجد والأسباب التي وضعها الله سبحانه وتعالى لتحصيل الرزق.

فيظهر مما سبق أنَّ في كلمة (اليانصيب) معنىً مذموماً وهو كذلك.

وصورة اليانصيب المعروفة هي عبارة عن بطاقات أو قصاصات من الورق ليس لها قيمة في ذاتها، وعليها أرقام معينة، فتباع هذه البطاقات بأعداد كبيرة، ثم يُجرَى سحبٌ على هذه البطاقات، فتخرج أرقام محدودة يكون أصحابها هم الفائزين بالجوائز المرصودة، في حين يخسر الآلاف.

فاليانصيب إذن لون من ألوان القمار المحرَّم شرعاً، والذي نزلتْ في تحريمه آياتٌ تُتلَى إلى يوم القيامة، حيث قال عز وجل: **يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمنُوا إِنما الخمرُ وَالميسرُ وَالأنصابُ وَالأزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنبُوه لَعلكُم تُفلِحُون * إنما يُريدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقعَ بَينكُم العَداوةَ وَالبَغضاءَ في الخمرِ وَالميسِرِ وَيصدكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَن الصَّلاةِ فَهل أنتُم مُنتهُون** [المائدة: 90- 91]،
رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: (الميسر هو القِمار)[48].

ولا يشك عاقل في الحكمة من تحريم القمار- واليانصيب منه -، وقد ذكر العلماء من وراء هذا التحريم حِكَماً كثيرة،
من ذلك ما ذكره الدكتور القرضاوي،حيث قال: " للإسلام من وراء هذا التحريم الجازم حِكَمٌ بالغة، وأهداف جليلة:
أنه يريد من المسلم أن يتبع سنن الله في اكتساب المال، وأن يطلب النتائج من مقدِّماتها، ويأتي البيوت من أبوابها، وينتظر المسببات من أسبابها، والقمار- ومنه اليانصيب - يجعل الإنسان يعتمد على الحظ والصدفة والأماني الفارغة، لا على العمل والجد واحترام الأسباب التي وضعها الله، وأمر باتخاذها.

الإسلام يجعل لمال الإنسان حُرْمة فلا يجوز أخذه منه، إلا عن طريق مبادلة شرعية أو عن طيب نفس منه بهبة أو صدقة، أما أخذه بالقمار فهو من أكل المال بالباطل.

أنه يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين المتقامرين، وإن أظهروا بألسنتهم أنهم راضون، فإنهم دائماً بين غالب ومغلوب، وغابن ومغبون، والمغلوب إذا سكت، سكت على غيظ وحنق، غيظ من خاب أمله، وحنق من خسرت صفقته، وإن خاصم خاصم فيما التزمه بنفسه، واقتحم فيه بعضده.

والخيبة تدفع المغلوب إلى المعاودة عسى أن يعوِّض في الثانية ما خسر في الأولى، والغالب تدفعه لذة الغلبة إلى التكرار، ويدعو قليله إلى كثيرة، ولا يدعه حرصه ليقلع، وعما قليل تكون الدائرة عليه وينتقل من نشوة الظفر إلى غم الإخفاق، وهكذا دواليك مما يربط كليهما بمنضدة اللعب فلا يكادان يفارقانها، وهذا هو السر في كارثة الإدمان في لاعبي الميسر.

من أجل ذلك كانت هذه الهواية خطراً شديداً على المجتمع، كما هي خطرٌ على الفرد، إنها هواية تلتهم الوقت والجهد، وتجعل من المقامرين أناساً عاطلين، يأخذون من الحياة ولا يعطون، ويستهلكون ولا ينتجون، والمقامر مشغول دائماً بقماره عن واجبه نحو ربه، وواجبه نحو نفسه، وواجبه نحو أسرته، وواجبه نحو أمته "[49].

صور معاصرة لليانصيب:
الصورة الأولى: تذاكر اليانصيب (اليانصيب التجاري):
وقد أُشير إليها في بداية هذا المبحث، وهي المقصودة غالباً عند إطلاق اليانصيب، وتعتمد أساساً على طرح تذاكر للبيع من خلال أكشاك منتشرة في الأسواق والمطارات وتجمعات الناس، وتعلن عن جوائز خيالية لمـن يكـون سـعيد الحـظ ويظـهر اسمـه في السحـب.

وهذه الصورة لا خلاف في تحريمها لأنها من القِمار، وذلك لأنَّ الداخل فيها يدفع مالاً من غير مقابل، ويعلِّق آماله بالأماني الزائفة، وقد حذَّر سيِّدُنا علي - رضي الله عنه - ابنَه الحسن - رضي الله عنه - من ذلك في وصيةٍ له -
فيما يُروى عنه -، حيث قال له: " وإياك والاتكالَ على المُنى، فإنها بضـائع النَّوْكَى "[50].

الصورة الثانية: اليانصيب الخيري:
تقوم بعض الجهات الخيرية بإقامة ما يُسمَّى باليانصيب الخيري، حيث تُعلِن عن عزمها إقامة مستشفيات أو ملاجئ أو حتى مساجد، وذلك بطريقة تشبه اليانصيب التجاري، حيث تصدر أوراقاً وتقوم ببيعها لكي يتم الحصول على الأموال اللازمة، وتُغري الجماهير بالإعلان عن جوائز سخية لمن يحالفه الحظ ويفوز في السحب.

وهذه الصورة تختلف عن الصورة السابقة من حيث وجود الإغراء فيها من جانبين، جانب الجوائز القيمة المعلن عنها، والجانب الخيري الإنساني الذي يزعمه القائمون على اليانصيب.

فالحكم الشرعي لهذا النوع من اليانصيب لا يختلف عن حكم اليانصيب التجاري، فكلاهما محرَّم لكونهما من القمار.

والعجيب أنَّ بعض الباحثين يدافعون عن هذا الضرب من اليانصيب، لكون الغاية منه إقامة المشروعات الخيرية التي تسد حاجات الفقراء والمساكين، وخاصة أننا في زمان قلَّ فيه من يتبرع لهذه المشروعات[51]،

حيث يقول أحدهم: "اليانصيب ظاهرة معناها أنَّ مَعين الأخلاق المنبثق عن الإيمان قد نضب من القلوب، وأنَّ الناس أصبحوا ماديين لا يهتمون إلا بالمادة والربح والإغراء به، ولا بد من إغرائهم بالربح حتى نأخذ منهم لعمل خيري،

فاليانصيب مبني إذن على فكرة نضوب مَعين الأخلاق الطيبة من القلب، وعلى أنَّ الخير لم يعد ينبثق من العاطفة والنفس في شكل تضحية، بل لا بد من دافع الإغراء "[52].

وقد رد على هذه الشبهة التي تُجوِّز اليانصيب الخيري الشيخ مصطفى الزرقا - رحمه الله- حيث قال في إجابة له عن إحدى الأسئلة: " قد يتبادر إلى الذهن أنه ما دام الغرض من فتح اليانصيب خيرياً بالنظر الإسلامي، وفيه فكرة المعاونة من مشتري التذاكر على هدف يحبذه الإسلام أو يوجبه، فلتقاصر الهمم عن القيام بالواجبات الكفائية، ومنها مثلاً إمداد المنكوبين بكارثة في بعض البلاد الإسلامية، يكون في أسلوب اليانصيب (حيث يأمل كثير من الناس أن يحالفهم الحظ فيربحوا الجائزة) حافز لهم على شراء التذاكر، لا يتوافر حين يطلب منهم التبرع للغرض الخيري فقط دون هذا الحافز من الأمل.

هذه الفكرة قد ترد ولا شك إلى الذهن فرقاً بين اليانصيب الخيري واليانصيب التجاري الذي هو قمار محض لا شبهة فيه.

ولكنني بعد طول تفكير ترجَّح عندي أنَّ هذه الفكرة غير مقبولة في النظر الإسلامي، فإنَّ فيها سلوك الواسطة الحرام للوصول إلى الهدف المشروع.

وإنَّ الإسلام لا يقبل فيه مبدأ الغاية تبرر الواسطة[53]، فإنَّ هذا المبدأ الذي يعتمده اليهود والشيوعيون يفتح أبواباً من الوسائط الإجرامية لا حدود لها، فيجب في الإسلام أن تكون الغاية والواسطة كلتاهما مشروعتين… وقد كان الميسر في جاهلية العرب ذا غاية نبيلة وخيِّرة، حيث كان الخاسر فيه يذبح جزوراً يأكل منه اللاعبون وسواهم من فقراء القبيلة، ومع ذلك حرَّمه الإسلام بنص القرآن، لأنَّ وسيلته غير سليمة، وهي الاعتماد على الحظ، وما يجرُّه اللعب من آفات أشار إليها القرآن العظيم بقوله: **إِنما يُريدُ الشَّيطَانُ أن يُوقِعَ بَينكُم العَداوةَ وَالبغضاءَ في الخمرِ وَالميسرِ وَيصدكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَن الصَّلاة فهل أنتُم مُنتهُون** [المائدة: 91].

هذا إلى أنَّ من يشتري تذكرة اليانصيب، حينما يكون رِبْح الفائز مغرياً ضخماً كسيارة مثلاً، لا يتجه برغبته إلى بذل المعونة لأجل الهدف الخيري لليانصيب، وإنما كل همه الأمل في ربح السيارة بأيسر سبيل وأرخص ثمن هو شراء التذكرة، وهذا هو الأمل الفاسد الذي يقود صاحبه إلى الفشل، ويُقعده عن العمل الجدي المجدي الذي هو الوسيلة الصحيحة للاكتساب "[54].

فالخلاصة أنه لا يجوز إقامة اليانصيب الخيري مهما كانت الأسباب والدوافع، والجوائز التي تُعطَى فيها محرَّمة لا يجوز أخذها.

ومما يشبه هذه الصورة ما تقيمه بعض المؤسسات الخيرية من إقامة سوق خيري تباع فيه بعض الأطعمة وبعض الأعمال اليدوية، وتُعطِي المشترين قسائم ذات أرقام، ثم بعد الانتهاء من السوق تجري السحب على الأرقام، ومن ثمَّ تعطي الفائزين بعض الهدايا والجوائز، مع العلم أنَّ الأرباح الناتجة من السوق تخصص لأعمال الخير والبر.

فحكم هذه الصورة يرجع إلى قصد ونية المشاركين في السوق، فإن كانت نيتهم المساهمة في أعمال الخير ومساعدة الفقراء والمساكين من خلال شراء منتوجاتهم ومعروضاتهم فلا حرج في أخذ الجائزة في حالة الفوز بها.

وأما إن كانت النية متجهة للحصول على الجائزة فالحكم أنَّ ذلك يدخل في دائرة القمار، وبالتالي تحرم الجوائز على الفائز بها بهذه النية.

الصورة الثالثة: يانصيب مسابقات الخيول:
سبق الحديثُ عن المسابقات التي حرَّض الشارعُ عليها لما فيها من الإعداد للجهاد وتقوية شأن الدين، ومن تلك مسابـقات الخيـول، فقـد انعقد الإجمـاع على مشروعيـة مسابقات الخيول ووضع الجوائز فيها، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم[55].

إلا أنَّ القصد من هذه المسابقات لم يعد موجوداً في عصرنا، فهي تقام من أجل الربح المالي فقط، أو من أجل التحدي بين فئات من الناس، وفي الغالب يكونون من علية القوم وكبرائهم.

ومما زاد الطين بلة أن ظهرت أوراقُ يانصيب مرتبطة بسباق الخيل، فيتقامر الناس على الخيول نفسها، فأي خيل تفوز تكون الجوائز من نصيب أصحاب البطاقات التي رشحت هذه الخيل[56].

فلا صلة لهذا السباق ببث روح الجهاد والفروسية، فضلاً عن وجود القمار فيه، فأصبحت الصورة بأكملها كقول القائل: حشفاً وسوء كيل.

فالحكم الشرعي ظاهر من أنَّ هذا اليانصيب محرَّم ولا يجوز المشاركة فيه.

الصورة الرابعة: اليانصيب الرياضي:
وهذا اليانصيب لا يختلف عن اليانصيب التجاري إلا في الاسم وبعض الأمور الشكلية التي لا تغير في الحكم الشرعي.

حيث إنها تُعرَض بطاقات للبيع، وعلى هذه البطاقات مكان مخصص للمسح، فيمسح المشتري هذه البطاقة، فإذا ظهرت له علامة تدل على فوزه، يحصل على إحدى الجوائز، وإلا يخسر ما دفعه.

فهذه الصورة ظاهرة التحريم لكونها لا تخرج عن صورة القمار.

وهناك صورة أخرى وهي أنهم يقومون ببيع تذاكر لدخول الملاعب الرياضية لمشاهدة المباريات، وفي نفس الوقت تُجرَى سحوبات على هذه التذاكر، ومن خلالها تُعطَى جوائز للفائزين.

فحكم هذه الصورة يُلحَق بالقصد والنية كما سبق في صور كثيرة سابقة[57]، فإن كان قصدُ مشتري هذه التذكرة الدخول إلى الملعب ومشاهدة المباراة فلا حرج عليه في أخذه للجائزة في حال الحصول عليها، لأنَّ الجائزة جاءت تبعاً وليست قصداً.

وأما إن كان قاصداً الجائزة ذاتها فحكمه أنه مُقَامِر، وتحرم عليه الجائزة حينئذ.

الصورة الخامسة: اليانصيب الهاتفي:
ويُطلِق عليه بعض الباحثين بالميسر الهاتفي أو القمار الهاتفي، وهي أحدث صورة للقمار في عصرنا الحالي، حيث يُعلَن عنه في الفضائيات والجرائد وكل وسيلة تخاطب الناس، بحيث يمكن القول أنَّ القمار في هذا العصر أصبح يُعلَن عنه جهاراً في كل بيت مسلم بأيسر صورة وإلى الله المشتكى، حيث إنه بمجرد رفع سماعة الهاتف والاتصال بالجهات التي تُروِّج لهذا الميسر، يصبح الإنسان مقامراً.

وحقيقة اليانصيب الهاتفي هو أن يتم الاتصال برقم معين هو رقم الجهة المُعلِنة للجوائز[58]، بحيث تحسب عليه أجرة الاتصال أضعاف الأجرة العادية، ومن خلال هذا الاتصال تُطرَح بعضُ الأسئلة التافهة على المتصلين للإجابة عنها[59]، ثم تُعطَى الجوائز للفائزين إما من خلال السحب أو من خلال من يأتي بالإجابة الصحيحة.

فيظهر مما سبق أنَّ الفرق بين اليانصيب الهاتفي واليانصيب التجاري صوري وشكلي، لأنَّ الأجرة الزائدة للاتصال التي يدفعها المشارك إنما هي بمثابة كوبون اليانصيب، ولكن في صورة جديدة[60].

فالنتيجة أنَّ حكم اليانصيب الهاتفي حرام، وينبغي على المسلم أن يحذر هذه الحيل التي أخذت بالانتشار، وأن يُنكِر على مُروِّجيها حسب استطاعته - والله أعلم -.

هذه أبرز صور الجوائز المعاصرة والتي تطل علينا في شهر رمضان وفي غير رمضان، فينبغي للمسلم الحرص على عدم الوقوع في الصور المحرمة، والاكتفاء بما هو مباح، وإن كان الأفضل أن ينصرف عن ذلك كله ويقبل على الله بالطاعة والعبادة لكي ينال الجائزة العظمى وهي رضوان الله تعالى.

وختاماً:
ما جاء في هذا البحث صواباً وموافقاً للحق فهو من محض توفيق الله تعالى، وما جاء مجانباً للحق فهو من تقصير النفس وزيغ الشيطان، والمسلم مرآة أخيه.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة