118- الحلق أو التقصير
ثبت الحلق والتقصير بالكتاب ، والسنة والاجماع . قال الله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ) .
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" رحم الله المحلقين " . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " رحم الله المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " رحم الله المحلقين " . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " والمقصرين ( 1 ) "
. ( 1 ) قيل : في سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو الحث عليه ، والتأكيد لندبته ، لانه أبلغ في العبادة ، وأدل على صدق النية في التذلل لله ، لان المقصر مبق لنفسه من الزينة ، ثم جعل للمقصرين نصيبا لئلا يخيب أحد من أمته من صالح دعوته .
ورويا عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق ، وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم . والمقصود بالحلق إزالة شعر الرأس بالموسى ونحوه ، أو بالنتف ، ولو اقتصر على ثلاث شعرات جاز . والمراد بالتقصير أن يأخذ من شعر الرأس قدر الانملة
(( 2 ) واختار ابن المنذر : أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير ، لتناول اللفظ له ) .
وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه . فذهب أكثرهم : إلى أنه واجب ، يجبر تركه بدم . وذهبت الشافعية : إلى أنه ركن من أركان الحج .
119- وقته :
وقته للحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر ، فإذا كان معه هدي حلق بعد الذبح .
في حديث معمر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه بمنى قال : " أمرني أن أحلقه " . رواه أحمد والطبراني .
ووقته في العمرة بعد أن يفرغ من السعي ، بين الصفا والمروة ، ولمن معه هدي بعد ذبحه . ويجب أن يكون في الحرم ، وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك ، ورواية عن أحمد ، للحديث المتقدم .
وعند الشافعي ومحمد بن الحسن ، والمشهور من مذهب أحمد : يجب أن يكون الخلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر ، فإن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا شئ عليه .
120- ما يستحب فيه :
يستحب في الحلق أن يبدأ بالشق الايمن ، ثم الايسر ويستقبل القبلة ، ويكبر ويصلي بعد الفراغ منه .
قال وكيع : قال لي أبو حنيفة : أخطأت ، في خمسة أبواب من المناسك ، فعلمنيها حجام ، وذلك أني حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام ، فقلت له بكم تحلق رأسي ؟
فقال أعراقي أنت ؟ قلت : نعم . قال : النسك لا يشارط عليه . اجلس ، فجلست منحرفا عن القبلة ، فقال لي : حرك وجهك إلى القبلة . وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الايسر ، فقال : أدر الشق الايمن من رأسك ، فأدرته ، وجعل يحلق وأنا ساكت ، فقال لي : كبر ، فجعلت أكبر حتى قمت لا ذهب ، فقال لي : أين تريد ؟ فقلت : رحلي .
قال صل ركعتين ثم امض ، فقلت : ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام ،
فقلت له : من أين لك ما أمرتني به ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا . ذكره المحب الطبري . استحباب امرار الموسى على رأس الاصلع : ذهب جمهور العلماء : إلى أنه يستحب للاصلع الذي لاشعر على رأسه أن يمر الموسى على رأسه . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم : على أن الاصلع يمر الموسى على رأسه .
وقال أبو حنيفة : إن إمرار الموسى على رأسه واجب
121- استحباب تقليم الاظفار والاخذ من الشارب
: يستحب لمن حلق شعره أو قصره أن يأخذ من شاربه ويقلم أظافره ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما ، إذا حلق في حج أو عمرة ، أخذ من لحيته وشاربه .
وقال ابن النذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما حلق رأسه قلم أظفاره . أمر المرأة بالتقصير ونهيها عن الحلق : روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير . " حسنه الحافظ .
قال ابن المنذر : أجمع على هذا أهل العلم ، وذلك لان الحلق في حقهن مثلة . القدر الذي تأخذه المرأة من رأسها : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المرأة إذا أرادت أن تقصر جمعت شعرها إلى مقدم رأسها ثم أخذت منه أنملة . وقال عطاء : إذا قصرت المرأة شعرها تأخذ من أطرافه ، من طويله وقصيره . رواهما سعيد بن منصور . وقيل : لا حد لما تأخذه المرأة من شعرها . وقال الشافعية : أقل ما يجزئ ، ثلاث شعرات .
122- طواف الافاضة
أجمع المسلمون على أن طواف الافاضة ركن من أركان الحج ، وأن الحاج إذا لم يفعله بضل حجه . لقول الله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) . ولابد من تعيين النية له ، عند أحمد . والائمة الثلاثة : يرون أن نية الحج تسري عليه ، وأنه يصح من الحاج ويجزئه ، وإن لم ينوه نفسه . وجمهور العلماء : يرى أنه سبعة أشواط .
ويرى أبو حنيفة : أن ركن الحج من ذلك أربعة أشواط لو تركها الحاج بطل حجه . وأما الثلاثة الباقية فهي واجبة ، وليست بركن . ولو ترك الحاج هذه الثلاثة ، أو واحدا منها ، فقد ترك واجبا ، ولم يبطل حجه . وعليه دم .
123-وقته :
وأول وقته نصف الليل ، من ليلة النحر ، عند الشافعي ، وأحمد ، ولا حد لآخره ، ولكن لا تحل له النساء حتى يطوف ، ولا يجب تأخيره - عن أيام التشريق - دم ، وإن كان يكره له ذلك . وأفضل وقت يؤدى فيه ، ضحوة النهار ، يوم النحر . وعند أبي حنيفة ومالك : أن وقته يدخل بطلوع فجر يوم النحر ، واختلفا في آخر وقته .
فعند أبي حنيفة : يجب فعله في أي يوم من أيام النحر ، فإن أخره لزمه دم . وقال مالك : لا بأس بتأخيره إلى آخر أيام التشريق ، وتعجيله أفضل . ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة ، فإن أخره عن ذلك لزمه دم ، وصح حجه ، لان جميع ذي الحجة عنده من أشهر الحج .
124- تعجيل الافاضة للنساء :
يستحب تعجيل الافاضة للنساء يوم النحر ، إذا كن يخفن مبادرة الحيض . وكانت عائشة تأمر النساء بتعجيل الافاضة يوم النحر ، مخافة الحيض . وقال عطاء : إذا خافت المرأة الحيضة فلتزر البيت قبل أن ترمي الجمرة ، وقبل أن تذبح . ولا بأس من استعمال الدواء ، ليرتفع حيضها حتى تستطيع الطواف . روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه سئل عن المرأة تشري الدواء ، ليرتفع حيضها ، لتنفر ، فلم ير به بأسا ونعت لهن ماء الاراك . قال محب الدين الطبري : وإذا اعتد بارتفاعه في هذه الصورة ، اعتد بارتفاعه في انقضاء العدة وسائر الصور . وكذلك في شرب دواء يجلب الحيض ، إلحاقا به .
125- النزول بالمحصب
( 1 ) ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر من منى إلى مكة نزل بالمحصب ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ورقد به رقدة . وأن ابن عمر كان يفعل ذلك . وقد اختلف العلماء في استحبابه . فقالت عائشة : إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب ، ليكون أسمح (هو الابطح ، أو البطحاء ، وادبين جبل النور ، والحجون) لخروجه ، وليس بسنة ، فمن شاء نزله ، ومن شاء لم ينزله .
وقال الخطابي : وكان هذا شيئا يفعل ، ثم ترك . وقال الترمذي : وقد استحب بعض أهل العلم نزول الابطح ، من غير أن يروا ذلك واجبا ، إلامن أحب ذلك . والحكمة في النزول في هذا المكان ، شكر الله تعالى ، على ما منح نبيه صلى الله عليه وسلم من الظهور فيه على أعدائه الذين تقاسموا فيه على بني هاشم بني المطلب ، ان لا يناكحوهم لا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم : فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الاسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر ، والعداوة لله ورسوله . وهذه كانت عادته ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك . كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم : أن يبنى مسجد الطائف ، موضع اللات والعزى .
126- العمرة :
مأخوذ من الاعتمار ، وهو الزيارة ، والمقصود بها هنا زيارة الكعبة والطواف حولها ، والسعي بين الصفا والمروة ، والحلق ، أو التقصير .
وقد أجمع العلماء : على أنها مشروعة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عمرة في رمضان تعدل حجة () أي أن ثواب أدائها في رمضان يعدل ثواب حجة غير مفروضة وأداؤها لا يسقط الحج المفروض) " رواه أحمد ، وابن ماجه .
وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه أحمد ، والبخاري ، ومسلم . وتقدم حديث : " تابعوا بين الحج والعمرة " .
تكرارها :
1 - قال نافع : اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعواما في عهد ابن الزبير ، عمرتين في كل عام .
2 - وقال القاسم : إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات . فسئل : هل عاب ذلك عليها أحد ؟ قال : سبحان الله . أم المؤمنين ؟ ! ! وإلى هذا : ذهب أكثر أهل العلم . وكره مالك تكرارها في العام أكثر من مرة .
جوازها قبل الحج وفي أشهره :
ويجوز للمعتمر أن يعتمر في أشهر الحج ، من غير أن يحج ، فقد اعتمر عمر في شوال ، ورجع إلى المدينة ، دون أن يحج . كما يجوز له الاعتمار قبل أن يحج ، كما فعل عمر رضي الله عنه . قال طاوس : كان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، ويقولون : إذا انفسخ صفر ، و برأ الدبر (: تقرح خف البعير .
وقيل : القرح يكون في ظهر الدابة ) وعفا الاثر
(عفا الاثر " : أي زال أثر الحج من الطريق ، وانمحى بعد رجوعهم ) حلت العمرة لمن اعتمر . فلما كان الاسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج ، فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة .
127-عدد عمره صلى الله عليه وسلم :
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته . رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، بسند رجاله ثقات .
حكمها :
ذهب الاحناف ، ومالك : إلى أن العمرة سنة . لحديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : " لا ، وأن تعتمروا هو أفضل " رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وعند الشافعية ، وأحمد : أنها فرض . لقول الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . وقد عطفت على الحج ، وهو فرض ، فهي فرض كذلك ، والاول أرجح . قال في " فتح العلام " : وفي الباب أحاديث لا تقوم بها حجة . ونقل الترمذي عن الشافعي أنه قال : ليس في العمرة شئ ثابت . إنها تطوع .
128- وقتها :
ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت العمرة جميع أيام السنة . فيجوز أداؤها في يوم من أيامها .
وذهب أبو حنيفة إلى كراهتها في خمسة أيام : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق الثلاثة . وذهب أبو يوسف إلى كراهتها في يوم عرفة ، وثلاثة أيام بعده ، واتفقوا على جوازها في أشهر الحج
. 1 - روى البخاري عن عكرمة بن خالد قال : سألت عبد الله بن عمر رضيا لله عنهما ، عن العمرة قبل الحج فقال : لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج ، فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج .
2 - وروي عن جابر رضي الله عنه أن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت . فلما طهرت وطافت قالت : يا رسول الله ، أتنطلقون بحج وعمرة ، وأنطلق بالحج ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .وأفضل أوقاتها رمضان لما تقدم .
ميقاتها :
الذي يريد العمرة إما أن يكون خارج مواقيت الحج المتقدمة ، أو يكون داخلها ، فإن كان خارجها ، فلا يحل له مجاوزتها بلا إحرام .
لما رواه البخاري : أن زيد بن جبير أتى عبد الله بن عمر ، فسأله : من أين يجوز أن أعتمر ؟ قال : فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل نجد " قرنا " ولاهل المدينة " ذا الحليفة " ولاهل الشام " الجحفة " . وإن كان داخل المواقيت ، فميقاته في العمرة الحل ، ولو كان بالحرم ، لحديث البخاري المتقدم ،
وفيه : أن عائشة خرجت إلى التنيعم وأحرمت فيه ، وأن ذلك كان أمرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
129-طواف الوداع
طواف الوداع ، سمي بهذا الاسم ، لانه لتوديع البيت ، ويطلق عليه طواف الصدر ، لانه عند صدور الناس من مكة ، وهو طواف لا رمل فيه ، وهو آخر ما يفعله الحاج الغير المكي
(( 1 ) أما المكي فإنه مقيم بمكة ، وملازم لها ، فلا وداع بالنسبة له) عند إرادة السفر من مكة . روى مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه أنه قال : آخر النسك الطواف بالبيت (قال في الروضة الندية : قال في الحجة ، والسرفيه تعظيم البيت ، فيكون هو الاول وهو الآخر ، تصويرا لكونه هو المقصود من السفر .
أما المكي والحائض ، فإنه لا يشرع في حقهما ، ولا يلزم بتركهما له شئ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت . رواه البخاري ، ومسلم . وفي رواية قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . ورويا عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أنها حاضت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أحابستنا هي ؟ " فقالوا : إنها قد أفاضت . قال : " فلا إذا " .
130- حكمه :
اتفق العلماء : على أنه مشروع . لما رواه مسلم وأبو داود ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " .
واختلفوا في حكمه : فقال مالك ، وداود ، و ابن المنذر : إنه سنة ، لا يجب بتركه شئ . وهو قول الشافعي . وقالت الاحناف ، والحنابلة ، ورواية عن الشافعي : إنه واجب ، يلزم بتركه دم .
131- وقته
: وقت طواف الوداع ، بعد أن يفرغ المرء من جميع أعماله ، ويريد السفر ، ليكون آخر عهده بالبيت . كما تقدم في الحديث
. فإذا طاف الحاج سافر توا
( 1 ) دون أن يشتغل ببيع أو بشراء ولا يقيم زمنا ، فإن فعل شيئا من ذلك ، أعاده . اللهم إلا إذا قضى حاجة في طريقه ، أو اشترى شيئا لا غنى له عنه من طعام ، فلا يعيد لذلك . لان هذا لا يخرجه عن أن يكون آخر عهده بالبيت .
ويستحب للمودع أن يدعو بالمأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو : " اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، وسترتني في بلادك حتى بلغتني - بنعمتك - إلى بيتك ، وأعنتني على أداء نسكي ، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا ، وإلا فمن الآن فارض عني قبل أن تنأى عن بيتك داري .
فهذا أو ان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولاببيتك ، ولا راغب عنك ، ولا عن بيتك . اللهم فأصحبني العافية في بدني ، والصحة في جسمي ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة ، إنك على كل شئ قدير "
. قال الشافعي : أحب ، إذا ودع البيت - أن يقف في الملتزم . وهوما بين الركن والباب . ثم ذكر الحديث
132- كيفية أداء الحج
إذا قارب الحاج الميقات استحب له أن يأخذ من شاربه ويقص شعره ، وأظافره ، ويغتسل ، أو يتوضأ ، ويتطيب ، ويلبس لباس الاحرام . فإذا بلغ الميقات صلى ركعتين وأحرم - أي نوى الحج ، إن كان مفردا ، أو العمرة إن كان متمتعا ، أوهما معا ، إن كان قارنا .
وهذا الاحرام ركن ، لا يصح النسك بدونه . أما تعيين نوع النسك ، من إفراد ، أو تمتع ، أن قران فليس فرضا .
ولو أطلق النية ولم يعين نوعا خاصا صح إحرامه . وله أن يفعل أحد الانواع الثلاثة . بمجرد الاحرام تشرع له التلبية بصوت مرتفع ، كلما علا شرفا ، أو هبط واديا ، أو لقي ركبا ، أو أحدا ، وفي الاسحار ، وفي دبر كل صلاة . وعلى المحرم أن يتجنب الجماع ودواعيه ، ومخاصمة الرفاق وغيرهم ، والجدل فيما لا فائدة فيه ، وأن لا يتزوج ،
ولا يزوج غيره . ويتجنب أيضا لبس المخيط والمحيط ، والخذاء الذي يستر ما فوق الكعبين .
ولا يستر رأسه ولا يمس طيبا ، ولا يحلق شعرا . ولا يقص ظفرا ولا يتعرض لصيد البر مطلقا ، ولا لشجر الحرم وحشيشه . فإذا دخل مكة المكرمة استحب له أن يدخلها من أعلاها بعد أن يغتسل من بئر ذي طوى ، بالزاهر ، إن تيسر له .
ثم يتجه إلى الكعبة فيدخلها من " باب السلام " ذاكرا أدعية دخول المسجد ، ومراعيا آداب الدخول ، وملتزما الخشوع ، والتواضع ، والتلبية . فإذا وقع بصره على الكعبة ،
رفع يديه وسأل الله من فضله ، وذكر الدعاء المستحب في ذلك . ويقصد رأسا إلى الحجر الاسود ، فيقبله بغير صوت أو يستلمه بيده ويقبلها ، فإن لم يستطع ذلك أشار إليه .
ثم يقف بحذائه ، ملتزما الذكر المسنون ، والادعية المأثورة ، ثم يشرع في الطواف . ويستحب له أن يضطبع ويرمل في الاشواط الثلاثة الاول . ويمشي على هينته في الاشواط الاربعة الباقية . ويسن له استلام الركن اليماني ،
وتقبيل الحجر الاسود في كل شوط .
فإذا فرغ من طوافه .
توجه إلى مقام إبراهيم تاليا قول الله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . فيصلي ركعتي الطواف . ثم يأتي " زمزم " فيشرب من مائها ويتضلع منه . وبعد ذلك يأتي " الملتزم " فيدعو الله عزوجل بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ، ثم يستلم الحجر ويقبله ويخرج من باب " الصفا " إلى " الصفا "
تاليا قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) الآية .
ويصعد عليه ، ويتجه إلى الكعبة ، فيدعو بالدعاء المأثور ثم ينزل فيمشي في السعي ، ذاكرا داعيا بما شاء . فإذا بلغ " ما بين الميلين " هرول ، ثم يعود ما شيا على رسله حتى يبلغ المروة ، فيصعد السلم ويتجه إلى الكعبة ، داعيا ، ذاكرا . وهذا هو الشوط الاول .
وعليه أن يفعل ذلك حتى يستكمل سبعة أشواط . وهذا السعي واجب على الارجح ، وعلى تاركه - كله أو بعضه - دم . فإذا كان المحرم متمتعا حلق رأسه أو قصر . وبهذا تتم عمرته ، ويحل له ما كان محظورا من محرمات الاحرام ، حتى النساء .
أما القارن والمفرد فيبقيان على إحرامهما .
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ، يحرم المتمتع من منزله . ويخرج - هو وغيره ممن بقي على إحرامه - إلى منى ، فيبيت بها . فإذا طلعت الشمس ذهب إلى " عرفات " ونزل عند مسجد " نمرة . واغتسل ، وصلى الظهر والعصر جمع تقديم مع الامام ، يقصر فيهما الصلاة " هذا إذا تيسر له أن يصلي مع الامام :
وإلا صلى جمعا وقصرا ، حسب استطاعته . ولايبدأ الوقوف بعرفة إلا بعد الزوال . فيقف بعرفة عند الصخرات ، أو قريبا منها . فإن هذا موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم . والوقوف ب " عرفة " هو ركن الحج الاعظم . ولايسن ولا ينبغي صعود جبل الرحمة . ويستقبل القبلة ، ويأخذ في الدعاء ، والذكر ، والابتهال حتى يدخل الليل . فإذا دخل الليل أفاض إلى " المزدلفة " فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير . ويبيت بها .
فإذا طلع الفجر وقف بالمشعر الحرام . وذكر الله كثيرا حتى يسفر الصبح ، فينصرف بعد أن يستحضر الجمرات ،
ويعود إلى " منى " . والوقوف بالمشعر الحرام واجب ، يلزم بتركه دم . وبعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات . ثم يذبح هديه - إن أمكنه - ويحلق شعره أو يقصره . وبالحلق يحل له كل ما كان محرما عليه ، ما عدا النساء .
ثم يعود إلى مكة ، فيطوف بها طواف الافاضة ، وهو طواف الركن ، فيطوف - كما طاف - طواف القدوم . ويسمى هذا الطواف أيضا طواف الزيارة ، وإن كان متمتعا سعى بعد الطواف . وإن كان مفردا ، أو قارنا ، وكان قد سعى عند القدوم ، فلا يلزمه سعي آخر .
وبعد هذا الطواف يحل له كل شئ ، حتى النساء .
ثم يعود إلى " منى " فيبيت بها . والمبيت بها واجب ، يلزم بتركه دم . وإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة رمى الجمرات الثلاث ، مبتدئا بالجمرة التي تلي " منى " ثم يرمي الجمرة الوسطى . ويقف بعد الرمي ، داعيا ذاكرا ، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها . وينبغي أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات قبل الغروب .
ويفعل في اليوم الثاني عشر مثل ذلك . ثم هو مخير بين أن ينزل إلى مكة قبل غروب اليوم الثاني عشر ، وبين أن يبيت ويرمي ، في اليوم الثالث عشر .
ورمي الجمار واجب يجبر تركه بالدم . فإذا عاد إلى مكة وأراد العودة إلى بلاده طاف طواف الوداع ، وهذا الطواف واجب . وعلى تاركه أن يعود إلى مكة ليطوف طواف الوداع إن أمكنه الرجوع ، ولم يكن قد تجاوز الميقات ، وإلا ذبح شاة . ويؤخذ من كل ما تقدم أن أعمال الحج والعمرة ، هي الاحرام من الميقات ، والطواف والسعي ، والحلق ، وبهذا تنتهي أعمال العمرة .
ويزيد عليها الحج الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، وطواف الافاضة ، والمبيت ب " منى " ، والذبح ، والحلق أو التقصير .
هذه هي خلاصة أعمال الحج والعمرة . استحباب تعجيل العودة عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته
(( 1 ) " نهمته " بلوغ النهمة : شدة الشهوة في الحصول على الشئ .) فليعجل إلى أهله " رواه البخاري ، ومسلم .
وعن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله ، فإنه أعظم لاجره " . رواه الدارقطني .
وروى مسلم عن العلاء بن الحضرمي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا
133- الاحصار الاحصار
: هو المنع والحبس ، قال الله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) . وقد نزلت هذه الآية في حصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعه هو وأصحابه في الحديبية عن المسجد الحرام .
134-والمراد به :المنع عن الطواف في العمرة
، وعن الوقوف بعرفة ، أو طواف الافاضة في الحج .
وقد اختلف العلماء في السبب الذي يكون به الاحصار .
قال مالك ، والشافعي :
الاحصار لا يكون إلا بالعدو . لان الآية نزلت في إحصار النبي صلى الله عليه وسلم به . وقال ابن عباس : لا حصر إلا حصر العدو . وذهب أكثر العلماء - منهم الاحناف ، وأحمد - إلى أن الاحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج عن البيت من عدو
( 1 ) أو مرض يزيد بالانتقال والحركة ، أو خوف ، أو ضياع النفقة أو موت محرم الزوجة في الطريق ، وغير ذلك من الاعذار المانعة ، حتى أفنى ابن مسعود رجلا لدغ ، بأنه محصر
. واستدلوا بعموم قوله تعالى : ( فإن أحصرتم ) وأن سبب نزول الآية إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالعدو فإن العام لا يقصر على سببه . وهذا أقوى من غيره ، من المذاهب . على المحصر شاة فما فوقها : الآية صريحة في أن على المحصر أن يذبح ما استيسر من الهدي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحصر فحلق وجامع نساءه ونحر هديه ، حتى اعتمر عاما قابلا . رواه البخاري .
وقد استدل بهذا الجمهور من العلماء على أن المحصر يجب عليه ذبح شاة أو بقرة أو نحر بدنة .
وقال مالك : لا يجب . قال في " فتح العلام " : والحق معه ، فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي ، وهذا الهدي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم ساقه من المدينة متنفلابه . وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) . والآية لاتدل على الايجاب .
135-موضع ذبح هدي الاحصار :
قال في " فتح العلام " : اختلف العلماء - هل نحره يوم الحديبية في الحل أو في الحرم ؟ وظاهر قوله تعالى : ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) أنهم نحروه في الحل . وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال :
الاول للجمهور :
أنه يذبح هديه حيث يحل في حرم أو حل .
الثاني للحنفية : أنه لا ينحره إلا في الحرم .
الثالث لابن عباس وجماعة :
أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ، ولا يحل حتى ينحر في محله . وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحر في محل إحصاره . لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )
يقول : من أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن البيت ، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي : شاة فما فوقها ، يذبح عنه . فإن كان حجة الاسلام ، فعليه قضاؤها . وإن كان حجة بعد حج الفريضة فلا قضاء عليه .
وقال مالك : إنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء هو وأصحابه الحديبية فنحروا الهدي ، وحلقوا رؤوسهم ، وحلتوا من كل شئ ، قبل الطواف بالبيت ، ومن قبل أن يصل الهدي إلى البيت . ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ، ولاممن كان معه أن يقضوا شيئا ، ولا يعودوا له . والحديبية خارج من الحرم . رواه البخاري .
قال الشافعي : فحيث أحصر ذبح ، وحل ، ولاقضاء عليه من قبل أن الله لم يذكر قضاء . ثم قال : لانا علمنا - من تواطئ حديثهم - أنه كان معه في عام الحديبيةرجال معروفون ، ثم اعتمروا عمرة القضاء فتخلف بعضهم في المدينة ، من غير ضرورة في نفس ولا مال ، ولو لزم القضاء لامرهم بألا يتخلفوا عنه .
وقال : وإنما سميت عمرة القضاء ، والقضية ، للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين قريش ، لا على أنه واجب قضاء تلك العمرة . جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه : ذهب كثير من العلماء ، إلى جواز أن يشترط المحرم عند إحرامه ، أنه إن مرض تحلل
. فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة : " حجي ، واشترطي أن محلي حيث تحبسني " . فإذا أحصر بسبب من الاسباب ، من مرض ، أو غيره ، إذا اشترطه في إحرامه فله أن يتحلل وليس عليه دم ، ولاصوم .
136- كسوة الكعبة
كان الناس على عهد الجاهلية يكسون الكعبة ، حتى جاء الاسلام فأقر كسوتها . فقد ذكر الواقدي عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه قال : كسي البيت في الجاهلية الانطاع
(" الانطاع " جمع نطع وهوما يفرش على الارض كالبساط ، ويصنع من الجلد الاحمر) ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية . وكساه عمر وعثمان القباطي (القباطي " جمع قبطية . وهو الثوب من ثياب مصر ،
رقيق أبيض لانه منسوب إلى القبط ، وهم أهل مصر) ثم كساه الحجاج الديباج . وروي :
أن أول من كساها أسعد الحميري وهو " تبع " . وكان ابن عمر رضيا لله عنهما يجلل بدنه القباطي والانماط (" الانماط " جمع نمط ، نوع من البسط ) والحلل ، ثم يبعث بها إلى الكعبة يكسوها إياها ، رواه مالك .
وأخرج الواقدي أيضا إسحاق بن أبي عبد بن أبي جعفر محمد بن علي قال :
كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة ، ويهدون إليها البدن عليها الحبرات (الحبرات " جمع حبرة ، وهو ما كان مخططا من البرود من ثياب اليمن ) فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة .
فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج . فلما كان ابن الزبير اتبع أثره . وكان يبعث إلى مصعب بن الزبير ، ليبعث بالكسوة كل سنة فكان يكسوها يوم عاشوراء .
وأخرج سعيد بن منصور : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كان ينزع ثياب الكعبة في كل سنة ، فيقسمها على الحاج فيستظلون بها على السمر (السمر " نوع من الشجر ) بمكة .
137- تطييب الكعبة
عن عائشة رضي الله عنها قالت : طيبوا البيت ، فإن ذلك من تطهيره . وطيب ابن الزبير جوف الكعبة كله . وكان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر ( 3 ) ويجمرها كل جمعة برطلين .
138- النهي عن الالحاد في الحرم
قال الله تعالى : ( ومن يرد فيه بالحاد ( 4 ) بظلم نذقه من عذاب أليم ) .
وروى أبو داود عن موسى بن باذان قال : أتيت يعلى بن أمية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه " . وروى البخاري في التاريخ الكبير ، عن يعلى بن أمية أنه سمع عمرو ابن الخطاب رضي الله عنه يقول : " احتكار " الطعام إلحاد
وروى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه أتى ابن الزبير وهو جالس في الحجر فقال : يا ابن الزبير ، إياك والالحاد في حرم الله عز وجل ، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحلها رجل من قريش . " وفي رواية " سيلحد فيه رجل من قريش ، له وزنت ذنوبه وذنوب الثقلين لوزنتها " فانظر أن لا تكون هو .
قال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة ، كما تضاعف الحسنات .
وسئل الامام أحمد : هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا ، إلا بمكة ، لتعظيم البلد
. غزو الكعبة
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء (فلاة وصحراء ) من الارض يخسف بأولهم وآخرهم " قلت : يا رسول الله ، كيف وفيهم أسواقهم (جمع سوق . وقد يكون في السوق الصالحون لقضاء مصالحهم ) ومن ليس منهم ؟ قال : " يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم " .
139- استحباب شد الرحال الى المساجد الثلاثة
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتشد الرحال ، إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الاقصى " . رواه البخاري ، ومسلم وأبو داود . وفي لفظ : " انما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ومسجدي ، ومسجد إيليا (: القدس ) " .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الارض أول ؟ قال : " المسجد الحرام . " قلت : ثم أي ؟ قال : " المسجد الاقصى .
"قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة ، ثم أين أدركتك الصلاة بعد فصل ، فإن الفضل فيه " .
وإنما شرع السفر إلى هذه المساجد الثلاثة ، لما فيها من فضائل وميزات ليست في غيرها .
فعن جابر رضي الله عنه .
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه . إلا المسجد الحرام . وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " . رواه أحمد بسند صحيح .
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى في مسجدي أربعين صلاة ، لا تفوته صلاة كتبت له براءة من النار ، وبراءة من العذاب ، وبرئ من النفاق " . رواه أحمد ، والطبراني ، بسند صحيح .
وقد جاء في الاحاديث : أن فضل الصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد - غير المسجد الحرام والمسجد النبوي - بخمسمائة صلاة .
140- آداب دخول المسجد النبوي وآداب الزيارة :
1 - يستحب إتيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكينة والوقار ، وأن يكون متطيبا بالطيب ، ومتجملا بحسن الثياب . وأن يدخل بالرجل اليمنى . ويقول : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم . بسم الله ، اللهم صلي على محمد وآله وسلم ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك .
2 - ويستحب أن يأتي الروضة الشريفة أولا ، فيصلي بها تحية المسجد ، في أدب وخشوع .
3 - فإذا فرغ من الصلاة - أي تحية المسجد - اتجه إلى القبر الشريف مستقبلا له ومستدبرا القبلة ، فيسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا :
" السلام عليك يا رسول الله . السلام عليك يا نبي الله . السلام عليك يا خيرة خلق الله من خلقه . السلام عليك يا خير خلق الله . السلام عليك يا حبيب الله . السلام عليك يا سيد المرسلين . السلام عليك يا رسول الله رب العالمين .
السلام عليك يا قائد الغر المحجلين . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه . وأشهد أنك قد بلغت الرسالة ، وأديت الامانة ، ونصحت الامة ، وجاهدت في الله حق جهاده
4 - ثم يتأخر نحو ذراع إلى الجهة اليمنى . فيسلم على أبي بكر الصديق ، ثم يتأخر أيضا نحور ذراع . فيسلم على عمر الفاروق رضي الله عنهما .
5 - ثم يستقبل القبلة ، فيدعو لنفسه ، ولاحبابه ، وإخوانه وسائر المسلمين . ثم ينصرف .
6 - وعلى الزائر أن لا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه وعلى ولي الامر أن يمنع ذلك برفق . فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد النبوي
فقال : لو أعلم أنكما من البلد ، لاوجعتكما ضربا .
7 - وأن يتجنب التمسح بالحجرة - أي القبر - والتقبيل لها ، فإن لك مما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام . روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا . وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " . وقد رأى عبد الله بن حسن رجلا ينتاب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء عنده فقال : يا هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " لا تتخذوا قبري عيدا . وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني " ، فما أنت - يا رجل - ومن بالاندلس إلاسواء .
141- استحباب كثرة التعبد في الروضة المباركة :
روى البخاري عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة
( 1 ) ، ومنبري على حوضي " .
( 1 ) قيل في معنى " روضة من رياض الجنة " : أن ما يحدث فيها من العبادة والعلم يشبه أن يكون روضة من رياض الجنة . ويكون هذا كقوله عليه الصلاة والسلام " إذا مررتم برياض الجنة . فارتعوا . " قالوا يا رسول الله ، وما رياض الجنة ! قال : " حلق الذكر
142- استحباب إتيان مسجد " قبا " والصلاة فيه :
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت ، راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين . وكان عليه الصلاة والسلام يرغب في ذلك فيقول : " من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء ، فصلى فيه صلاة ، كان له كأجر عمرة . " رواه أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم ، وقال : صحيح الاسناد .
143- فضائل المدينة
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الايمان ليأرز
(" أي ينضم ويتجمع ) إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " . وروى الطبراني عن أبي هريرة - بإسناد لا بأس به - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المدينة قبة الاسلام ، ودار الايمان ، وأرض الهجرة ، ومثوى الحلال والحرام . "
وعن عمر رضي الله عنه قال : غلا السعر بالمدينة فاشتد الجهد
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصبروا ، وأبشروا فإني قد باركت على صاعكم ومدكم ، وكلوا ولا تنفرقوا ، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي لاربعة ، وطعام الاربعة يكفي الخمسة والستة ، وإن البركة في الجماعة ، من صبر على لاوائها وشدتها ، كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة ، ومن خرج عنها ، رغبة عما فيها أبدل الله به من هو خير منه فيها ، ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء " . رواه البزار بسند جيد .
144-فضل الموت في المدينة
روى الطبراني بإسناد حسن عن امرأة يتيمة كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت ، فإنه من مات بها كنت له شهيدا ، أو شفيعا يوم القيامة " . ولهذا سأل عمر - رضي الله عنه - ربه أن يموت في المدينة . فقدروى البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه ، أن عمر قال : اللهم ارزقني شهادة في سيبلك واجعل موتي في حرم رسولك صلى الله عليه وسلم .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين