عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-08-2005, 09:09 AM   #10
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

فكيف على العابر التثبت فيما يرد عليه
قال ابن قتيبة رضي الله عنه: يجب على العابر التثبت فيما يرد عليه وترك التعسف ولا يأنف من أن يقول لما يشكل عليه لا أعرفه, وقد كان محمد بن سيرين إمام الناس في هذا الفن وكان يمسك عنه أكثر مما يفسر.
(وحدث الأصمعي): عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال: كنت أحضر ابن سيرين يسأل عن الرؤيا فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة قال ابن قتيبة: وتفهم كلام صاحب الرؤيا وتبينه ثم اعرضه على الأصول فإن رأيته كلاما صحيحا يدل على معاني مستقيمة يشبه بعضها بعضا عبرت الرؤيا بعد مسألتك الله تعالى أن يوفقك للصواب, وإن وجدت الرؤيا تحتمل معنيين متضادين نظرت أيهما أولى بألفاظها وأقرب من أصولها فحملتها عليه, وإن رأيت الأصول صحيحة وفي خلالها أمور لا تنتظم ألقيت حشوها وقصدت الصحيح منها, وإن رأيت الرؤيا كلها مختلطة لا تلتئم على الأصول علمت أنها من الأضغاث فأعرض عنها, وإن اشتبه عليك الأمر سألت الله تعالى كشفه, ثم سألت الرجل عن ضميره في سفره إن رأى السفر وفي صيده إن رأى الصيد وفي كلامه إن رأى الكلام ثم قضيت بالضمير فإن لم يكن هناك ضمير أخذت بالأشياء على ما بينت لك, وقد تختلف طبائع الناس في الرؤيا ويجرون على عادة فيها فيعرفونها من أنفسهم فيكون ذلك أقوى من الأصل فينزل على عادة الرجل ويترك الأصل, وقد تصرف الرؤيا عن أصلها من الشر بكلام الخير والبر, وعن أصلها من الخير بكلام الرفث والشر, فإن كانت الرؤيا تدل على فاحشة وقبيح سترت ذلك ووريت عنه بأحسن ما تقدر على ذلك من اللفظ وأسررته إلى صاحبها كما فعل ابن سيرين حين سئل عن الرجل الذي يفقأ بيضا من رءوسه فيأخذ بياضه ويدع صفرته فإنك لست من الرؤيا على يقين وإنما هو حدس وترجيح الظنون, فإذا أنت بدهت السائل بقبيح ألحقت به شائبة لعلها لم تكن ولعلها إن كانت منه أن يرعوي ولا يعود
علمت؟ قال: إن اسم الطائر طيطوى.
أصل الرؤيا جنس وصنف وطبع
(واعلم): أن أصل الرؤيا جنس وصنف وطبع, فالجنس كالشجر والسباع والطير وهذا كله الأغلب عليه أنه رجال. والصنف أن يعلم صنف تلك الشجرة من الشجر وذلك السبع من السباع وذلك الطائر من الطيور, فإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل من العرب, لأن منابت أكثر النخيل بلاد العرب وإن كان الطائر طاووسا كان رجلا من العجم, وإن كان ظليما كان بدويا من العرب, والطبع أن تنظر ما طبع تلك الشجرة فتقضي على الرجل بطبعها, فإن كانت الشجرة جوزا قضيت على الرجل بطبعها بالعسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة, وإن كانت نخلة قضيت عليها بأنها رجل نفاع بالخير مخصب سهل حيث يقول الله عز وجل: كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء يعني النخلة, وإن كان طائرا علمت أنه رجل ذو أسفار كحال الطير ثم نظرت ما طبعه فإن كان طاووسا كان رجلا أعجميا ذا جمال ومال, وكذلك إن كان نسرا كان ملكا, وإن كان غرابا كان رجلا فاسقا غادرا كذابا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولأن نوحا عليه السلام بعث به ليعرف حال الماء أنضب أم لا فوجد جيفة طافية على الماء فوقع عليها ولم يرجع فضرب به المثل. وقيل لمن أبطأ عليك أو ذهب فلم يعد إليك غراب نوح, وإن كان عقعقا كان رجلا لا عهد له ولا حفظ ولا دين قال الشاعر:
ألا إنما حملتم الأمر عقعقا له نحـو علياء البلاد حنين
وإن كان عقابا كان سلطانا مخربا ظالما عاصيا مهيبا كحال العقاب ومخالبه وجثته وقوته على الطير وتمزيقه لحومها, وينبغي لصاحب الرؤيا أن يتحرى الصدق ولا يدخل في الرؤيا ما لم ير فيها فيفسد رؤياه ويغش نفسه ويجعل عند الله تعالى من الآثمين.
(وروي): عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا رؤيا للخائف إلا ما يحب يعني في تأويلها بفرج أمره وذهاب خوفه, ومن الناس من يرى أنه أصاب وسقا من التمر فيصيب من المال مائة درهم, وآخر قد يرى مثله فيصيب ألف درهم, وآخر يرى مثله فهو له حلاوة دينه وصلاحه فيه, وذلك من همة الرجال وأقدارها وإثارها أمر دينها. ومنهم من يرى أنه أصاب من النبق عشرا فيصيب من الورق عشرة دراهم, وآخر يرى مثله فيصيب ألف درهم وذلك من مجرى قدرهما وطبيعتهما, وأصدق الرؤيا رؤيا ملك أو مملوك أو ربما لم توافق طبيعة الإنسان في منامه موضعا معلوما يعرفه بعينه أو محلة أو دارا أو رجلا أو امرأة جميلة أو قبيحة أو معروفة أو مجهولة أو طائرا أو دابة أو علما أو صوتا أو طعاما أو شرابا أو سلاحا أو نحوه فهو به مولع, كلما رآه في منامه أصابه هم أو خوف أو بكاء أو مصيبة أو شخوص أو غير ذلك مما يكره وهو فيما سواه من الرؤيا بمنزلة غيره من الناس في تأويلها وأمثالها, وربما وافقت طبيعة الإنسان في منامه بعض ما وصفت من ذلك فهو به مولع كلما رآه في منامه أصاب خيرا أو مالا أو ظفرا أو غير ذلك مما يحب, وهو فيما سواه من الرؤيا بمنزلة غيره من الناس في تأويلها, وقد يكون الإنسان صدوقا في حديثه فتصدق رؤياه, ويكون كذابا في حديثه ويحب الكذب فتكذب عامة رؤياه ويكون كذابا, ويكره الكذب من غيره فتصدق رؤياه لذلك, ورؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار وأصدق ساعات الرؤيا بالأسحار, وإذا كانت الرؤيا قليلة جامعة ليس فيها حشو الكلام وكثرته فهي أنفذ وأسرع وقوعا, وإياك إياك أن تحرف مسألة عن وجه تأويلها المعروف في الأصول أو تجاوز بها حدها المعلوم رغبة منك أو رهبة فيحق عليك بالكذب ويعمى عليك سبيل الحق فيه, بل يسعك السكوت إن كرهت الكلام به
آداب المعبر في تعبيره
وإذا رأيت في منامك ما تكرهه فاقرأ إذا انتهيت من نومك آية الكرسي ثم اتفل عن يسارك وقل: أعوذ برب موسى وعيسى وإبراهيم الذي وفى ومحمد المصطفى من شر الرؤيا التي رأيتها أن تضرني في ديني ودنياي ومعيشتي عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره. واعرف الأزمنة في الدهر فإذا كانت الشجر عند حملها ثمارها فإن الرؤيا في ذلك الوقت مرجوة قوية فيها بطء قليل, وإذا كانت الرؤيا عند إدراك ثمر الشجر ومنافعها واجتماع أمرها فإن الرؤيا عند ذلك أبلغ وأنفذ وأصح وأوفق, وإذا أورقت الشجر ولم يطلع ثمارها فإن الرؤيا عند ذلك دون ما وصفت في القوة والبقاء دون الغاية, وإذا سقط ورقها وذهب ثمرها فإن الرؤيا عند تلك أضعف. والأضغاث والأحلام فيها عند ذلك أكثر, وإذا وردت عليك من صاحب الرؤيا في تأويل رؤياه عورة قد سترها الله عليه فلا تجبهه منها بما يكره أن يطلع عليه مخلوق غيره إن كان مبتلى لا حيلة له, ولكن عرض له حتى يعلمها إلا أن يكون له من ذلك مخرج أو يكون مصرا على معصية الله أو قد هم بها فعظه عند ذلك واستر عليه كما أمر الله تعالى, واستر ما يرد عليك من الرؤيا في التأويل من أسرار المسلمين وعوراتهم ولا نخبر بها إلا صاحبها, ولا تنطق بها عند غيره ولا تحكها عنه ولا تسمه فيها إن ذكرتها, ولا تحك عن أحد مسألة رؤيا إن كان فيها عورة يكرهها, فإنك إن فعلت ذلك اغتبت صاحبها, ولا تصدرن رأيك في مسألة حتى تفتشها وتعرف وجهها ومخرجها وقدرها واختلاف الطبائع التي وصفت لك, فإنك عند ذلك تبصر ما عمل الشيطان في تخليطها وفسادها عليك وإدخال الشبهات والحشو فيها, فإن أنت صفيتها من هذه الآفات التي وصفت لك ووجدت ما يحصل من كلام التأويل صحيحا مستقيما موافقا للحكمة فذلك تأويلها صحيح. وقد بلغني أن ابن سيرين كان يفعل كذلك, وإذا وردت عليه رؤيا مكث فيها مليا من النهار يسأل صاحبها عن حاله ونفسه وصناعته وعن قومه ومعيشته وعن المعروف عنده من جميع ما يسأله عنه والمجهول منه, ولا يدع شيئا يستدل به ويستشهد به على المسألة إلا طلب علمه.
علم الرؤيا لا بد له من ثلاثة أصناف من العلم
(واعلم): أن نفاذك في علم الرؤيا بثلاثة أصناف من العلم لا بد لك منها. أولها: حفظ الأصول ووجوهها واختلافها وقتها وضعفها في الخير أو في الشر لتعرف وزن كلام التأويل ووزن الأصول في الخفة والرجحان والوثائق فيما يرد عليك من المسائل, فإن تكن مسألة يدل بعضها على الشر وبعضها على الخير زن الأمرين والأصلين في نفسك وزنا على قوة كل أصل منهما في أصول التأويل, ثم خذ بأرجحهما وأقواهما في تلك الأصول, والثاني: تأليف الأصول بعضها إلى بعض حتى تخلصها كلاما صحيحا على جوهر أصول التأويل وقوتها وضعفها, وتطرح عنها من الأضغاث والتمني وأحزان الشيطان وغيرها مما وصفت لك, أو يستقر عندك أنها ليست رؤيا ولا يلتئم تأويلها فلا تقبلها. والثالث: شدة فحصك وتثبتك في المسألة حتى تعرفها حق معرفتها, وتستدل من سوى الأصول بكلام صاحب الرؤيا ومخارجه ومواضعه على تلخيصها وتحقيقها وذلك من أشد علم تأويل الرؤيا كما يزعمون, وفي ذلك ما يكون من العلم بالأصول, وبذلك يستخرج ويتوصل العابر, وإلا فالاقتداء بالماضين من الأنبياء والرسل والحكماء في ذلك أقرب إلى الصواب إن شاء الله فافهم

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة