عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-08-2005, 09:01 AM   #7
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الرؤيا الصادقة قسمان
وأن الرؤيا الصادقة قسمان: قسم مفسر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير ولا تفسير, وقسم مكنى مضمر تودع فيه الحكمة والأنباء في جواهر مرئياته, وما كان له طبع في الصيف وطبع في الشتاء عبر عنه في كل حين يرى فيه بطبع وقته وجوهره وعادته في ذلك الوقت, كالشجر والتمر والبحر والنار والملابس والمساكن والحيات والعقارب. وما كان له طبع بالليل وطبع بالنهار عبر عنه في رؤية الليل بطبعه وفي رؤية النهار بعادته, كالشمس والقمر والكواكب والسرج والنور والظلمة والقنافذ والخفاش وأمثال ذلك.
ومن كانت له في الناس عادة لازمته من المرئيات في سائر الأزمان أو في وقت منها دون وقت ترك فيها وعادته التي عوده ربه تعالى كالذي اعتاد, إذا أكل اللحم في المنام أكله, وإذا رأى الدراهم دخلت عليه أفاد مثلها في اليقظة, وإذا رأى الأمطار رآها في اليقظة أو يكون عادته في ذلك وفي غيره على ضده. وعلى خلاف ما في الأصول وكل ما له في الرؤيا وجهان: وجه يدل على الخير ووجه يدل على الشر, أعطى لرائيه من الصالحين أحسن وجهيه, وأعطى لرائيه من الصالحين أقبحهما, وإن كان ذلك المرئي ذا وجوه كثيرة متلونة متضادة متنافية مختلفة لم يصر إلى وجه منها دون سائرها إلا بزيادة شاهد وقيام دليل من ضمير الرائي في المنام أو من دليل المكان الذي رأى نفسه فيه.
الرؤيا تأتي على ما مضى
وأن الرؤيا تأتي على ما مضى وخلا وفر وانقضى, فتذكر عنه بغفلة عن الشكر قد سلفت, أو بمعصية فيه قد فرطت, أو بتباعة منه قد بقيت, أو بتوبة منه قد تأخرت, وقد تأتي عما الإنسان فيه وقد تأتي عن المستقبل, فتخبر عما سيأتي من خير أو شر, كالموت والمطر والغنى والمفقر والعز والذل والشدة والرخاء,
أقدار الناس تختلف في التأويل
وأن أقدار الناس قد تختلف في بعض التأويل حسب اختلافها في نقصانها في الحدود والحظوظ وإن تساووا في الرؤيا, فلا يجيد تعبير ذلك المرئي الذي يتفقون في رؤيته في المنام إلا واسع المعاني متصرف الوجوه كالرمانة, ربما كانت للسلطان كورة يملكها, أو مدينة يلي عليها يكون قشرها جدارها أو سورها وحبها أهلها, وتكون للتاجر داره التي فيها أهله أو حمامه أو فندقه أو سفينته الموقرة بالناس والأموال في وسط الماء, أو دكانه العامر بالناس, أو كتابه المملوء بالغلمان, أو كيسه الذي فيه دراهمه ودنانيره, وقد يكون للعالم أو للعابد الناسك كتابه ومصحفه وقشرها أوراقه وحبها كتابه الذي به صلاحه.
وقد تكون للأعزب زوجة بمالها وجمالها, أو جارية بخاتمها يلتذ بها حين افتضاضها. وقد تكون للحامل ابنة محجوبة في مشيمتها ورحمها ودمها, وربما كانت في مقادير الأموال بيت مال السلطان, وبدرة للعمال, وألف دينار لأهل اليسار, ومائة دينار للتجار, وعشرة للمتوسط, ودرهما للفقير, وخروبة للمساكين أو رغيف خبز أو مدا من الطعام أو رمانة كما رآها لأنها عقدة من العقد تحل في الاعتبار. والنظر والقياس في الأمثال المضروبة للناس على الأقدار والأجناس. وما كان من الشجر ذات السوق والشعب المعروفة بالفريقين فأكرمها عرب. وما كان منها لا ساق لها كاليقطين ونحوه فهو من العجم, أو من لا حسب له كالمطروح والحميل واللقيط. وبذلك يوصل إلى فوائد الزوائد وعوائدها.
ربما يرى الإنسان الشيء فيعود تأويله إلى غيره
وربما رأى الإنسان الشيء فعاد تأويله إلى شقيقه أو ربيبه أو سميه أو نسيبه أو صديقه أو جاره, أو شبهه في فن من الفنون, وإنما يشرك بين الناس في الرؤيا بوجهين من هذه الأسباب, كمن يتفق معه في النسب الواحد كشقيقه لاشتراكه معه في الأبوة والنسب والبطن, وكسميه وجاره ونظيره, فلا تصح الشركة إلا بوجهين فصاعدا, وليس تنقل الرؤيا أبدا برأسها عمن رئيت له إلا أن لا تليق به معانيها, ولا يمكن أن ينال مثله موجبها, ولا أن ينزل به دليلها, أو يكون شريكه فيها أحق بها منه بدليل يرى عليه وشاهد في اليقظة والنظر يزيد عليه, كدلالة الموت لا تنقل عن صاحبها إلا أن يكون سليم الجسم في اليقظة, وشريكه مريضا فيكون لمرضه أولى منه لدنوه من الموت, واشتراكه معه في التأويل, فلذلك يحتاج العابر إلى أن يكون كما وصفوا أديبا ذكيا فطنا نقيا تقيا عارفا بحالات الناس وشمائلهم وأقدارهم وهيئاتهم, يراعي ما تتبدل مرائيه

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة