عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 06-06-2012, 01:46 PM   #3
معلومات العضو
شذى الاسلام
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي

صفة ذميمة انتشرت في المجتمع لها تعلق بالكسب الذي سيسألنا ربنا - عز وجل - عنه يوم القيامة كما صح عند الترمذي: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وما
عمل فيما علم))[1].
هذه الصفة الذميمة تلطخ بها الناس وعاش بها أقوام يسمونها بغير اسمها، ويلقبونها بغير لقبها بعبارات جذابة، ويقدمونها بألفاظ خلابة، فهي هدية وإكرامية، رمز الحب والتقدير، وهي بدل اكت
ساب ومكافأة.
والرشوة إخوة الإسلام هي بذل المال للتوصل به إلى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه أو عفائه من مما هو حق عليه.
وحكم هذا العمل بالإسلام -أعني الرشوة- حرام بكل أشكالها وصورها وطرقها وأساليبها، سواء كانت طعاما أو مالا، فكل ذلك في مقابل الانحراف بالحق إلى الباطل.
قال ابن مسعود- رضي الله عنه -: "من يشفع شفاعة ليرد بها حقا أو يدفع بها ظلما فاهدي إليه فقبل فهو سحت".
وتكون المفسدة الكبرى إذا بلغ بالمرتشي ليساوم في مقدار الرشوة مجاهرا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون)[2].
فهذا الشخص وصل به الحال إلى درجة أنه لا يخاف الله، ولا يراقبه، فتصبح الرشوة تجارة رابحة.
فيومئذ تضيع الكرامة وتهدر الحقوق ويموت النبوغ ويتلاشى الجد في العمل وتموت الضمائر.
الرشوة أيها الإخوة تلبس أسماء مستعارة، فتأخذ صورا متلونة فهذه هدية وتلك إكرامية وهذه مجابة وهذه باسم دلالة وخصميات.
الرشوة مرض عام قد يستفحل إلا ما رحم ربك والغرض من ذلك: طمس الحق أو سكوت على باطل، و تقديم المتأخر وتأخير المتقدم، ودفع الخامل ومنع الكفء، وتغير للشروط وإخلال بالمواصفات وعبث بالمناقصات..... إلخ..
فالطالب يعطي أستاذه، والموظف يهدي لمديره، صور عديدة أفسدت العمال والموظفين، وأفسدت الأجهزة العامة والخاصة.
لقد أعلن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لعنة الله على الراشي المرتشي والرائش بينهما، وهو الوسيط) وهذه اللعنة زجر للفاعل وتحذير للمسلمين من شرها وإيعاد لهم من ضررها، وحماية لدينهم وأموالهم.
وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لعن الراشي المرتشي)) وفي بعض الألفاظ: ((والرائش))[3] حقيقة اللعن الطرد والإبعاد من رحمة الله - سبحانه وتعالى - .
لعن هؤلاء بسبب الرشوة؛ لأنها تؤدي إلى قلب الحقائق فيصير الحق باطلا الباطل حقا، والصادق كاذبا، والكاذب صادقا، والظالم مظلوما، والمظلوم ظالما، تأخذ بواسطته أموال الناس بالباطل، وتنتهك الأعراض، وتذهب الأموال والأرواح والدماء هدرا، وتتغير بواسطتها الفطر.
مفاسد الرشوة كثيرة جدا، منها:
- تفسد الأخلاق.
- تفسد الأعمال.
- تفسد الأنظمة.
- تفسد القلوب.
- تحل الغش مكان النصح، والخيانة محل الأمانة، والخوف بدل الأمن، والظلم بد ل العدل.
- تهدد الحقوق وتعطل المصالح وتجرأ الظلمة والمعتدين ما فشت في مجتمع إلا وآذنت بهلاكه، تساعد الأمة على العدوان وتجعل الحق باطلا والباطل حقا، تهدر الكرامات، ترفع اللئيم وتهين الكريم.
- انتشرت بين اليهود فصارت أمتهم تعيش بالمحاباة والرشوة في الأحكام ففسدت أمور معاملاتهم، كانوا آكلين للسحت إلى اليوم، ما تجد من شركة إلا وفضائح الرشوة تلاحقها، بل ما يزول حاكم من حكامهم إلا و أول تهمة توجه إليه هي أخذ الرشوة.
- ألا وإن من أقبح الأساليب الملتوية للحصول على الرشوة تعطيل معاملات الناس والتسويف في انجازها إلى أن يتم أخذ الرشوة وخيانة الأمانة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (27) سور الأنفال.
هكذا تضيع الأمانات بسبب الرشوة وتتحول الأعمال الشريفة إلى لصوصية؛ كرشوة المسئولين في مشاريع الدول العمرانية من قبل أصحاب الأعمال وكرشوة المشرفين على الأعمال من أجل التقصير بالعمل والإخلال بالشروط.
أيها المسلمون: احذروا الوقوع في حبائل الرشوة المحرمة فإنها خيانة عظمى ودناءة نفس وطبيعة فكفى بها من هوى وسقوط مروة وخيانة عهد فلا يقبلها إلا لئيم الطبع سيء الخلق دنيء النفس..
انتشر بين الناس في أيامنا هذه إلا من رحم الله استخدام الوظيفة للمصالح الشخصية وقد ورد عن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وعيد شديد لمن يستغل نفوذه في مصالح نفسه، وإن ألبسها أثواب مستعارة كالهدية والوساطة وغير ذلك، فقد صح عنه - عليه الصلاة والسلام -: ((أنه استعمل رجلا من الأزد، يقال له: ابن اللتبية على لصدقة فلما قدمها. قال هذا لكم وهذا أهدي إلىِ فقام رسول الله صلى لله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ((أما بعد: فإني استعمل الرجل منكم على لعمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: ((هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرف أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أوشاة تيعر)) ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه يقول: اللهم بلغت؟))[4].
ففي هذا الحديث أن من استباح لنفسه أن يأخذ مالا يحل له فهو سحت ولا يبارك الله له فيه ولا في نفسه ولا في أولاده فكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
فاحذروا: هذا العمل الدنيء، واعلموا أن أموال الرشوة لا يبارك الله فيها، يبتلى آخذوها بالمصاب والنكبات والأمراض التي تجعلهم يخرجون أضعاف أضعاف ما أخذوا. إن المال الحلال يبارك الله فيه وأن كان قليلا.
عباد الله: هناك نوع آخر من الرشوة ليس له علاقة بمعاملة ولا ببضاعة؛ لأنه أخطر منه بكثير وهي الرشوة التي تدفع لحملة الشريعة ودعاة الدين وأصحاب المنهج والرسالة، تدفع لهم مقابل شراء ضمائرهم، تدفع لهم ليتخلوا عن بعض الفكر الذي يحملونه، فقد يعطى منصبا أو جاها أو شرفا أو نحو ذلك فيرضى بما أعطي، أو ربما يقنع بأن هذا من الدين وفي خدمة الإسلام، فيتنازل هذا المسكين عن الكثير من المبادئ التي يحملها ويدعو إليها.
رشوة الضمير تظهر الفتاوى المضللة التي تحلل الحرام، وتحرم الحلال، وتفسد الأخلاق، فسمعنا من يقول: هل تريدون الفتوى بالحل أو بالحرمة، فيحل الربا، ويجوز الاختلاط المخل بالآداب، وتنكروا للحجاب، وتنازل بعضهم عن الثوابت، بل هناك حكام رشيت ضمائرهم بالمال، أو الحفاظ على المنصب أو بقاء المصالح، فتنازل عن وطنه وباع قضيته، وهناك من صار جاسوسا على بلده يتقاضى المال من حكومته ومن الأعداء.
وانظروا إلى رواد الفكر والثقافة في مجتمعنا نجد أكثرهم قد ضل سواء السبيل، وحاد عن منهج الحق جريا وراء متاع زائل، يلهثون وراء إرضاء، وخطب ود المنظمات الغربية التي تسعى لزعزعة العقيدة والثوابت، وإفساد الأخلاق ونشر الرذيلة.
وهكذا المعلمون والمربون الذين يفترض فيهم أن يخرجوا القادة والمفكرين أصحاب الضمائر الحية، أما أن يكون هو أصل الداء، فهذه القاتلة، أن يرش ضمير المدرس والمدرسة، والكلية بالمال لينجح الطالب الفاشل، ويصير قائد الأمة، أو يضغط على فتاة لتهتك عرضها فيسقطها في الاختبار حتى ترضخ لمطالبه الدنيئة.
وقد يرشى الطبيب ليضع تقريرا كاذبا ليشهد فيه الزور يهدر به الدماء، ويضيع الأعراض.
فعلى المسلم الحرص على سلامة نفسه من الرشوة، وسلامة أسرته حتى يصلح الله مجتمعه المسلم الذي ينتمي إليه.
نسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا لطاعته، ويحنينا سخطه، وأن يجنبنا وإيكالكم الحرام.
________
[1] الترمذي4/612.
[2] المشكاة 3/1359.
[3] أبو داود4/9.
[4] مصنف عبد ا لرزاق 4/55.















    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة