عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 17-05-2006, 10:41 AM   #6
معلومات العضو
ناصح أمين
اشراقة ادارة متجددة
 
الصورة الرمزية ناصح أمين
 

 

افتراضي

العلاقة بين الاسم والمسمى:
ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسب، فللأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثير في أسمائها سواء كان في الحسن أو القبح، أو الخفة والثقل، أو اللطافة والكثافة كما قال الشاعر:

وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا ومعناه إن فكرت في لقبه

كان عليه الصلاة والسلام يستحب الاسم الحسن، وإذا أرادهم أن يبرزوا إليه بريداً أمرهم أن يجعلوه حسن الاسم حسن الوجه حتى لا يحصل تشاؤم من أصحاب النفوس المريضة، وحتى يكون هناك مجالٌ للتفاؤل من أهل التوحيد. وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، ( كما رأى عليه الصلاة والسلام في منامه ليلة أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع فأتوا برطب من رطب ابن طاب فأوله صلى الله عليه وسلم -أول هذا المنام- بأن لهم الرفعة في الدنيا من كلمة رافع، والعاقبة في الآخرة من كلمة عقبة، وأن الدين الذي قد اختاره الله لهم قد أرطب وطاب، وذلك عندما أتي برطب ابن طاب ). وكذلك تأول سهولة أمرهم يوم الحديبية من مجيء سهيل بن عمرو فقال عليه الصلاة والسلام: (سهل لكم من أمركم) فتفاءل باسم سهيل عندما قدم عليه. ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واسمها يثرب زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب وحل فيها الطيبة التي تضمنها اسم طابة أو طيبة كما سماها الله عز وجل ورسوله.



مثال لتأثير الأسماء في مسمياتها :

وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها فتأمل الحديث: عندما قدم حزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جد سعيد بن المسيب ، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم حزن إلى سهل ، فقال ذلك الرجل: لا أغير اسماً سمانيه أبي، فيقول سعيدٌ رحمه الله: [فما زالت تلك الحزونة فينا بعد] والحزونة هي الشدة والصلابة والعسر قال: لا زالت تلك الشدة معروفة في عائلتنا وأسرتنا لقاء عصيان ذلك الرجل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم له باسم سهل وإصراره على اسم حزن مع ما يتضمنه ذلك الاسم من القبح، فصارت تلك الغلظة في طبعهم وأخلاقهم موجودة لقاء ذلك العصيان. ومن تأمل السنة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها، حتى كأن المعاني مأخوذة من تلك الأسماء، وكأن الأسماء مشتقة من تلك المعاني فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام مثلاً: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها -ولكن قبيلة عصية قال:- عصية عصت الله ورسوله) مع أن الأحداث التاريخية تخبر بأن أسلم وغفار تلكما القبيلتين قد أسلمتا لله رب العالمين وجاء أفرادهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عصية فإنها حاربت رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتركت مع رعل وذكوان في قتل أصحابه عليه الصلاة والسلام، فتأمل كيف جرى ذلك القدر أن يكون أسلم وغفار ممن جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منيبين مهتدين وبين عصية التي عصت الله ورسوله. ولما نزل الحسين رضي الله عنه وأصحابه في كربلاء سئل عن اسمها، فقيل له: كربلاء، فقال: كرب وبلاء وكان ذلك فعلاً، ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب تسأله رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير قال لها: ومن أنت؟ قالت: امرأة من بني سعد، قال: ما اسمك؟ قالت: حليمة ، قال: بخٍ بخٍ سعدٌ وحلمٌ هاتان خلتان فيهما غناء الدهر. ولأجل هذا كان من الأسباب التي تدفع إلى اختيار الاسم الطيب الذي يحمل من المعاني أشياء حسنة فيسمي به الوالد ولده من ذكر أو أنثى، والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها، ولتناسب حكمة الله بين اللفظ ومعناه كما تتناسب بين الأسباب ومسبباتها.



تأثير الاسم على من يسمعه:

قال أبو الفتح بن جني وهو من علماء اللغة: ولقد مر بي دهرٌ وأنا أسمع الاسم ولا أدري معناه، فآخذ معناه من لفظه ثم أكشفه فإذا هو ذلك بعينه أو قريباً منه. يقول ابن القيم رحمه الله بعد سياق الكلام المتقدم: فذكرت ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: وأنا يقع لي ذلك كثيراً. فتأمل مثلاً في لفظ سعيد كيف تدل تلك الكلمة على معناها، ثم تأمل لفظ شقي كيف تدل الشين والقاف مع الياء على معنى مكروه من النفس، ولو ذكرت كلمة خنزير مثلاً إلى أحد الأشخاص الذين لا يعرفون معناها ولا يعرفون مدلول هذه الكلمة ثم سألته هل هذا الاسم حسنٌ أو قبيح؟ لكان تأثير اجتماع الخاء والنون والزاي في نفسه أثراً قبيحاً، ولقال لك: إن اسم خنزير قبيح ومدلوله قبيح، لو كان سليم الفطرة. وبالجملة فإن الأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها وأضداد ذلك تستدعي أسماء تناسبها أيضاً. وكما أن ذلك ثابت في الأوصاف فهو كذلك ثابت في الأعلام، وإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسمه وقد يحمل اسمه على فعل ما يناسب ذلك الاسم، ولهذا ترى أكثر السفلة كما يقول ابن القيم : أسماؤهم تناسبهم، أبو لهب ، وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم محمد صلى الله عليه وسلم، عمر وهكذا، علي بن أبي طالب رضي الله عنه. هذه مقدمة لطيفة في العلاقة بين الاسم والمسمى وقد لا تطرد دائماً ولكن هناك علاقة ما.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة