عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 24-06-2006, 05:14 PM   #1
معلومات العضو
د.عبدالله
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي &&(( الغيبة وشرور اللسان ))&&

عندما يجتمع الناس يدور الحديث بينهم في موضوعات شتى تهمهم أو تشغل بالهم، فإذا كانوا زملاء عمل فالحديث لا بد ان يتطرق الى همومهم الوظيفية وعلاقاتهم بباقي الزملاء، وإذا كانوا أقارب فإن الأمر لا يخلو من المشكلات العائلية التي حدثت بين هذا الطرف أو ذاك، أما بين الجيران فالكلام موصول حول ما يحدث بينهم وبين باقي الجيران وهكذا تتعدد وتتشعب الحوارات وقد تمتد إلى أشخاص آخرين لم يشاركوا في هذه الجلسة.

تبادل أطراف الحديث بين الناس خاصة من تربطهم علاقة ما هو أمر لا خلاف على أهميته في خلق نوع من التقارب والتواصل سواء على مستوى الأفكار أو المشاعر، بل انه يحقق نوعا من التوازن النفسي نظرا لما يحققه الكلام من تفريغ للشحنات والضغوط العصبية التي يواجهها كل منا في حياته اليومية.

أما أن يتحول الأمر إلى جلسات تسلية تتناول بالسوء أشخاصاً لا يجلسون معنا فهذا هو الخطأ بعينه، لأن ذلك يدخل ضمن الغيبة المنهي عنها، وقد شبّه الله عز وجل المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتا، للتدليل على خطورة تناول الألسنة لأعراض الناس وخصوصياتهم من دون وازع من ضمير، وهي صورة منفرة من الغيبة كسلوك فإذا كان المرء لا يستطيع أن يأكل لحم بني البشر، فكيف له أن يأكل لحم أخيه الميت؟ يقول تعالى: “ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” (الحجرات: 12).

حفظ اللسان أمر يصعب على بعض الناس تحقيقه ولكن إذا ما أعطى الإنسان لنفسه فرصة التفكير والتروي قبل النطق بأي كلام فقد يحول ذلك دون الوقوع في زلات اللسان وهفوات النفس، والبعد عما يغضب الله ورسوله، صحيح أن الإنسان يهوى دوما التقصي ومعرفة التفاصيل التي تخص الآخرين، ولكن هوى النفس يمكن أن يوقعنا في مآزق نحن في غنى عنها.

اللسان هو معيار صلاح الإنسان من عدمه، فكل إناء كما يقال ينضح بما فيه، وهو أفضل مؤشر لدرجة مصداقية شخص ما وإيمانه، وهو ما يؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حينما قال “إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول اتق الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا”.

يحدث أحيانا أن يتناول اثنان في لقائهما شخصاً ثالثاً غائباً عن المجلس، فيقول احدهما: “ليس لي شأن فقد كنت استمع فقط” ويحمل شريكه وحده مسؤولية الغيبة، وهو قول مغلوط لأن الله سبحانه وتعالى يحمل السامع أيضا وزرا ولا يعفيه من الخطأ، في حال عدم رده لغيبة أخيه المسلم.. يقول تعالى: “وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين” (الأنعام: 68).

لقد أباح الشرع الغيبة فقط في حالات محددة ومنها التظلم، فيجوز للمظلوم أن يشكو إلى من له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان بكذا، وأيضا في حالة الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر فلان يفعل كذا فازجره عنه.

وتجوز أيضا الغيبة في حالة الاستفتاء فيقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي أو زوجي فهل له ذلك؟ وما طريقي إلى الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم؟ وفي حال تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وكذلك المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو معاملته أو مجاورته أو غير ذلك ويجب على المشاور ألا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

ثم أن يكون شخص ما مجاهرا بفسقه فيجوز ذكره بما يجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب، وأخيرا في حالة التعريف فإذا كان الإنسان معروفا بلقب مثل الأعمى جاز تعريفه به ويحرم إطلاقه على وجه التنقيص.. وهذه الحالات الست التي أجمع عليها العلماء هي ما يجوز فيها الحديث عن الناس في غيبتهم وفي ما عدا ذلك يدخل في نطاق الغيبة المحرمة.

منقول ...

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة