عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 31-08-2014, 08:53 PM   #5
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Post شرح شروط لا إله إلا الله للشيخ الرضواني

الشرط الثالث الإخلاص المنافي للشرك
الحمد لله الكبير المتعال ، ذي القدرة والجلال ، والكمال والجمال ، والنعم والأفضال ، سبحانه هو العلى الكبير ، هو العليم القدير ، هو اللطيف الخبير ، تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، أحمده حمد المعترف بالعجز والتقصير ، وأشكره على ما أولانا من نعم وفضل كبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يؤمن بأنه لا معين له ولا ظهير ، ولا وزير له ولا مشير ، سبحانه منفرد بالخلق والتدبير ، سبحانه منفرد والأمر والتقدير ، ليس كمثله وهو السميع البصير .
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، المبعوث إلي كافة الخلق من غني وفقير ، ومأمور وأمير ، صلي الله عليه وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين ، صلاة تنجي قائلها من هول المطلع في يوم عسير ، ومن حساب يحصي الصغير والكبير ، صلاة تباعد بيننا وبين عذاب السعير ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء:1) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (الحشر:18) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلمُون ) (آل عمران:102) ، أما بعد ..
فإن كثيرا من الناس يقولون لا إله إلا الله ، وتراهم يهدمون توحيدهم وينقضونه بسوء أفعالهم ويحسبون أنهم بمجرد قولهم : لا إله إلا الله قد عبدوا ربهم ووحدوه وأنهم لا محالة سيدخلون الجنان ولا يعذبون في النيران ، فتراهم يتوجهون بقلوبهم إلي الأضرحة والقباب ، ويطوفون حولها خاشعين مقبلين العمم والأعتاب ، يدعونهم ويضرعون إليهم ويطلبون المدد منهم ، ويضعون في صناديق النذور أفضل ما عندهم ، ويقيمون الموالد والمشاهد والعمائم والمعابد ، زيادة في حبهم وتعظيمهم ، ودعوة في شد الرحال إليهم ، مستبيحين حرمة الأدلة في النهي عن بناء القبور على المساجد ، وشد الرحال إلي الأضرحة والموالد ، يزعمون أن الأولياء يتحكمون في المنافد والطرقات ، ويحمون أتباعهم ولو كان على أبعد المسافات .
والناس بالملايين يصدقون ويقبلون في حلقات الذكر يتراقصون ، يهللون ويتمايلون ، تراهم عشرات الآلاف مجذوبين قائمين ملهوفين ، عاكفين على القبر مستغيثين بصاحب الضريح ، آلاف وآلاف من الأضرحة والقباب ، منتشرة في كثير من البلدان ، وقائمةُُُ في كل ميدان ، وهؤلاء يظنون أنهم بهذه الأعمال في أعلى مقام من مقامات الإيمان ، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ؟ كيف يكون العبد مخلصا لله حنيفا موحدا لا يشرك بالله شيئا ؟
وجواب ذلك سهل ويسير على من هداه اللطيف الخبير ، وهذا هو الموضوع الذي نتحدث عنه بشيء من التفصيل في محاضرة اليوم ، اعلم أخي المسلم يا من ترغب في توحيد الله بيقين وصدق وتبحث عن عقيدة حق ، أن لا إله إلا الله لا تفع قائلها إلا إذا حقق شروطها واستوفي أركانها ، فلا يصح قول اللسان ولا يصلح ركن من أركان الإيمان إلا بهذه الشرط .
علم ينافي الجهل ، ثم يقين ينافي الشك ، وإخلاص ينافي الشرك ، ثم الصدق الذي ينافي الكذب ، ثم المحبة التي تنافي البغض ، ثم القبول الذي ينافي الرد ثم الانقياد الذي ينافي الترك ، والثامن من هذه الشروط هو الكفر بما يعبد من دون الله ، وقد أحسن من جمعها وعدها وحصرها في هذين البيتين فقال :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع : محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما : سوي الإله من الأشياء قد ألها.
وموضوعنا اليوم عن الإخلاص كشرط من شروط لا إله إلا الله ، فالإخلاص معناه تصفية الشيء وتنقيته من الشوائب ، فالخالص هو ما زالت عنه الشوائب بعد أن كانت فيه ، قال تعالى : ( وَإِنَّ لكُمْ فِي الأنْعَامِ لعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لبَنًا خَالصًا سَائِغًا للشَّارِبِينَ ) (النحل:66) فاللبن كان مختلطا في الأحشاء بالطعام والدماء ، فجعله الحق بقدرته غاية في الصفاء والنقاء ، فالخالص في الشيء هو النقي الصافي .
والإخلاص الذي هو شرط من شروط لا إله إلا الله يتمثل في توحيد الحق ونبذ الشرك ، فالمسلم الحق يتصف بالإخلاص ، لأنه أفرد الله بعبادته ، ولم يشرك به شيئا في محبته ، أو خوفه ورجائه ودعوته كما قال سبحانه وتعالي : ( وَمَا أُمِرُوا إِلا ليَعْبُدُوا اللهَ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلكَ دِينُ القَيِّمَةِ ) (البينة: 5) أكثر العلماء على أن الحنيف هو المخلص الذي يعبد الله وحده ، فالحنيفية دين إبراهيم وهو دين التوحيد والإخلاص لله وحده ، وقد كان المشركون في الجاهلية يعلمون حقيقة الإخلاص والتوحيد ، وعلى الرغم من ذلك يصرون على الشرك في الدعاء عند النعمة والرخاء ، لكنهم يوحدون إله السماء عند الشدائد وحدوث البلاء ، وقليل منهم من دان بالإخلاص وتحرىالخلاص من الشرك قال تعالى عن هؤلاء : ( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَل مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلمَّا نَجَّاكُمْ إِلي البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ) (الإسراء:69:67) .
كان الكافرون في الجاهلية يشركون بالله في الرخاء والنعمة ، لكنهم يخلصون له عند الشدائد والنقمة ، روي النسائي في سننه وصححه الشيخ الألباني من حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ : ( أن رسول الله يَوْم فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ النَّاسَ إِلا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَال : اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُموهُمْ مُتَعَلقِينَ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ ، فكان منهم عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْل ، بعد أن علم أن النبي rأباح دمه ركب عكرمة البَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عاصفة شديدة أيقنوا أنها ستغرق سفينتهم - فَقَال : أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلصُوا - أي وحدوا ربكم في الدعاء والاستغاثة وقد كانوا يلجأون في الرخاء إلي اللات والعزي ومناة الثالثة الأخرى وعند الشدائد يوحدون - فَقَال : أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلصُوا فَإِنَّ آلهَتَكُمْ لا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا فَقَال عِكْرِمَةُ : وَاللهِ لئِنْ لمْ يُنَجِّنِي مِنَ البَحْرِ إِلا الإِخْلاصُ لا يُنَجِّينِي فِي البَرِّ غَيْرُهُ فعاد عكرمة إلي عقله وفطرته، وقال معلنا للتوحيد عند نجاته وعودته - اللهُمَّ إِنَّ لكَ على عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ حتى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلأجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا - وبالفعل وفي بوعده - جَاءَ فَأَسْلمَ ومات عكرمة بفضل الله على الإخلاص والتوحيد بعد أن كان من أسوا العبيد عداء لرسول الله r.
· واعلموا عباد الله أن الإخلاص الذي ينافي الشرك يقوم في كتاب الله وسنة رسوله r على ركنين اثنين :
(1) - الركن الأول : توحيد العبادة لله ،فالمخلص لا يشبه غير الله بالله ، لأن أصل الشرك تشبيه المخلوق بالخالق والمملوك بالمالك ، فيعظمه كتعظيم الله ، ويحبه كمحبة الله ، كما قال جل في علاه : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهمْ كَحُبِّ اللهِ وَالذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلوْ يَرَي الذِينَ ظَلمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ ) ، ولما عذبوا في جهنم قالوا : ( وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العَالمِينَ ) فسوا بين الله وبين آلهتهم في المحبة التعظيم ، وخضعوا للأولياء في أضرحتهم كخضوعهم للعلى العظيم ، كل ذلك بزعمهم رهبة وخوفا من غضبهم ، إذ يوحون إلي أتباعهم ، أن أي شخص لم يقدم النذر في موعده ، أو لم يأت طنطا إلي البدوي في مولده ، حلت عليه اللعنة في نومه ومرقده ، ونزلت عليه المصائب في يومه وغده ، حتى يعود إلي الضريح بخضوع صريح صحيح ، مخلصا له مقرا تائبا ، أو قائلا ما قاله هذا الجاهل :
وقفت بالذل في أبواب عزمكموا : مستشفعا من ذنوبي عندكم بكموا
أعفر الخد ذلا في التراب عسي : أن ترحموني وترضوني عبيدكموا
فإن رضيتم فيا عزي ويا شرفي : وإن أبيتم فمن أرجوه غيركموا
فهؤلاء العامة من الأمة يخلصون في تضرعهم للقباب والأوثان ، ويطلبون منهم الرحمة والمدد والغفران ، فقل لي بربك ماذا تركوا للواحد الديان ؟ انظر أيها العاقل مدي تعظيمهم لسيدهم أحمد الرفاعي ، ومدي اعتقادهم في قدرته وتأثيره عليهم ، على الرغم من كونه مات من مئات السنين ، وقد أكله الدود في قبره وأصبح من الغابرين ، يقول قائلهم :
شيخي الرفاعي له بين الوري همم : نصالها ماضيات تشبه القدر
دخلت في ظلها أبتغي التفيؤ من : رمضاء دهري فجاء الدهر معتذر
والمعني المقصود في هذين البيتين ، أن شيخه الرفاعي قوته في العالم تشبه قوة الله في جريان المقادير ، وأنه لما استغاث بابن الرفاعي مما فعله الله به من أنواع البلاء ومصائب الابتلاء ، جاء الدهر معتذرا ، فالرفاعي في اعتقاده قوته أشد من قوة الله وقدرته في جريان المقادير حاكمة على قدرة الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
أمثل هذا قد شهد أنه لا إله إلا الله ، وأنه لا معبود بحق سواه ، أهذا هو التوحيد الذي بعث به محمد بن عبد الله ، شيخه الرفاعي وهو ميت في قبره ، يتحكم فيما جرت به المقادير ولو استغاث به أحد يعتذر إليه الدهر الذي يقلبه رب السماوات والأرض ، سبحانك أنت اللطيف الخبير وأنت العليم القدير ، وأنت الملك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ، ويحذرونك !!! يقولون : إياك إياك أن تعترض على أولياء الله ، آه لو اعترضت على الرفاعي أو السيد البدوي ، أو إبراهيم الدسوقي أو عبد القادر الجيلاني أو أبي العباس المرسي ، إياك إياك أن تعترض وإلا .. وإلا ماذا ؟
سيلحق بك العقاب وينزل بك العذاب ، عقاب وعذاب .. ما العقاب وما العذاب لو أنكرنا على الأضرحة والقباب ؟ يقولون : بقرة تموت ، وتمنع القوت ، وخير يفوت ، ولعنة تطاردك في الملك والملكوت ، بحق ما للضريح من جبروت ، ولدك سيكون مشلولا ، وزوجتك معلولة ، وستبقي ذليلا مخذولا ، لا حول لك ولا قوة إلا عدت وتبت .
ألا تعلم ما ذكره سيدنا عبد الوهاب الشعراني ؟ لا : لا أعلم ماذا ذكر الشعراني ؟ يقولون : ذكر أن أبا الغيث بن قتيبة العالم الفقيه أنكر على الناس وهم يركبون المراكب في النيل من بولاق متوجهين إلي طنطا لحضور مولد سيدي البدوي ، فأنكر عليهم وقال : هيهات هيهات أن يكون اهتمامهم بزيارة نبيهم كاهتمامهم بالسيد البدوي ، فقال أحدهم يا فقيه : سيدي البدوي ولي حليم وجاهه عظيم ، فلا تنكر عليه فيمسك منه عذاب أليم ، ثم انصرف أبو الغيث الفقيه فدعاه بعض محبيه على الطعام ، فأطعمه سمكة كبيرة ، فدخلت في حلقه شوكة طويلة ، سدت أنفاسه بسبب إنكاره على البدوي ، فلم يقدروا على نزعها بأي وسيلة ، وعجز الأطباء عن إخراجها أو علاجها بأي حيلة ، حتى ورمت رقبته ، وتآكلت معدته ، لا يدخل إليها طعام ولا شراب إلا بعويل وعذاب ، وبقي تسعة أشهر على هذا الحال ، لا يهنأ له بال ، حتى يئس من الحياة ، وكاد أن ينتحر ، وقد أنساه الله السبب ، لا يدري ما السبب وعندما تذكر قال : احملوني إلي قبة سيدي أحمد البدوي ، فقد تبت من الإنكار ، وسلمت له بالقدرة وكمال الحال ، وعندما وصل إلي الضريح بعد هذه المسافة البعيدة ، عطس عطسة شديدة ، فخرجت الشوكة مغمسة دما ، وذهب الورم على الفور من رقبته وقال معلنا لتوبتة :
غوث وغيث في الوري فيمينه : يرتاح من راحاتها مسكينه
تسدي العدو من العدو تصونه : هذا رجائي عنده وأظنه
قبل الرجاء من المقل المجهد

ذو الفقر والفاقات يسعي زائرا : ولظهر بحر النيل يركب سائرا
أفلا يكون لي القبول بلا مرا : لاسيما ولقد أتيت مبادرا
أسعي إليه من الرحاب الأحمدي
يقولون إياك أن تتخلف عن مولده ، ألا تعلم أن الشيخ محمد السري تخلف عن حضور مولد البدوي لأنه أنكر ما يحدث فيه فناداه البدوي من قبره وقال له : ماذا تنكر علينا ؟ قال : اختلاط الرجال والنساء في المولد ، قال البدوي : هذا واقع في الطواف بالكعبة ، فلم لم تنكر الاختلاط في الطواف وأنكرته في مولدي ، ثم قال له اسمع يا شيخ محمد : موضع يحضره رسول الله ، والأنبياء وأصحابهم وسائر الأولياء لا تحضره أنت .
ثم يقول هذا الكاذب : وعزة ربي ما عصي أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته وإذا كنت أرعي الوحوش في القفار والسمك في البحار وأحميهم من بعضهم البعض أفيعجزني الله عن حماية من يحضر إلي مولدي .
انظروا يا عباد الله : هل منكم من يرضي لنفسه أن السيد البدوي يرعي الوحوش في القفار والسمك في البحار ؟ إذا كان البدوي يرعي الوحوش في القفار والسمك في البحار ؟ فما الذي يرعاه رب العزة والجلال ؟ وما الذي تركه من تدبير الأمر لله ، كل هذا الإفك ، لكي ترضي بالشرك ، وتحيد عن الحق ، كيف نسترد المسجد الأقصي وأغلب الأمة على هذا الحال ؟ كيف سنواجه الأعداء والمسلمون يلجئون إلي البدوي ويستغيثون بأبي العباس المرسي فمن قائل أغثنا يا بدوي ، أنقذنا من أمريكا يا عدوي ، يا شاذلي رحماك ، رحماك يا ابن الرفاعي ، أهكذا يكون الإخلاص لله يا عباد الله ، أهؤلاء يستوجبون نصر الله ، أتقولون للميت في قبره أغثنا أغثنا ، ولا توحدون الله ، إلهي …
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان - أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن - أنت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب كان في الحسبان - وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان - أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان - وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان - ونشرت لي في العالمين محاسنا وسترت عن أبصارهم عصياني - ولقد مننت على رب بأنعم مالي بشكر أقلهن يدان - فوحق حكمتك التي آتيتني حتى شددت بنورها برهاني - لئن اجتبتني من رضاك معونة حتى تقوى أيدها إيماني - لأسبحنك بكرة وعشية ولتخدمنك في الدجي أركاني - ولأذكرنك قائما أو قاعدا ولأشكرنك سائر الأحيان - ولأحسمن عن الأنام مطامعي بحسام يأس لم تشبه بناني - ولأجعلن رضاك أكبر همتي ولأضربن من الهوى شيطاني - ولأقصدنك في جميع حوائجي من دون قصد فلانة وفلان .
أتقصدون ميتا هو أحوج ما يكون إليكم ، وتزعمون أن بركاته تعود عليكم ؟ ، يقولون : حلت بك البركات يا من أتيت لشيخ العرب ، ومن أدراكم أن البركات قد حلت بشيخ العرب أو من أتي إليه ، الأمر خطير والموضوع يطلب منك إعادة النظر والتفكير ، فأول وصية وصاها لقمان لبنه وهو يعظه قال له : ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (لقمان:13) ، فيا من نطقت بلا إله إلا الله ، تشبه المخلوق بالخالق في الدعاء والنداء ، والمحبة والخوف والرجاء ؟ انظروا إلي تعظيمهم لشيخ العرب في هذه الأبيات الشعرية ، ووصفهم له بأوصاف الربوبية ، ماذا يقولون ؟
يا من هو البحر الخضم إذا جري : جاءت لك الزوار من أقصي القرى
كل ينادي يستغيث لما جري : فلقد حويت الفضل يا غوث الورى
أيها العاقل ألا تري ؟ هل البدوي غوث الوري ؟ يأتيه الملهوف من أقصي القرى ؟ ماذا جري لعقولكم ماذا جري ؟ من المغيث للملهوف يا تُرَي ؟ ( أَمَّنْ يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلفَاءَ الأَرْضِ أَئِلهٌ مَعَ اللهِ قَليلا مَا تَذَكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلهٌ مَعَ اللهِ تعالى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلهٌ مَعَ اللهِ قُل هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النمل:65:62) .
عباد الله : ألا تعلمون أن دعاء الأموات يستلزم أن تجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا مشابها لمن كانت أزمة الأمور بيديه ومرجعها إليه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ؟
ألا تعلمون أن دعاء الأموات ، أو طلبَ المدد منهم ، من أقبح أنواع الشرك على الإطلاق ، لماذا ؟ لأنه ينافي التوحيد والإخلاص ، ويثبت للميت بدعائه أوصاف الألوهية ، نعم يثبت للميت بصورة حتمية أوصاف الربوبية كيف ، فالذي يقول مدد يثبت الداعي صفة الحياة للمقبور لأنه لو اعتقد أنه ميت ما توجه إليه بالنداء والدعاء ، أبالله عليكم أيها العقلاء ، ما تقولون في رجل توفي أباه ، فذهب إلي قبره ودعاه ، وناداه أبتاه أجبني أبتاه أجبني أنا في حيرة من أمري أغثني ، ولدي مريض وليس عندي زاد ، وزوجتي أصابها العقم والفساد ، أعطني المال يا أبتاه ، حتى أداوي زوجتي وولدي وأشفي بفضل زادك مرضي ؟ تقولون عن هذا مجنون ، ولا تقولونه لمليون أو سبعة مليون ممن يشدون الرحال ويذهبون يتراقصون في الموالد ، يقبلون الأعتاب ، ويستغيثون بسكان الأضرحة والقباب ؟
ألا تعلم يا من أخلصت قلبك لله أنك إذا استغثت بالضريح أثبت أنه يسمع ويبصر ، ويعلم ويقدر ، أثبت أنه غني فالفقير لا يدعي ولا يقصد ، ألم تسمع قول عالم الغيب والشهادة : ( ذَلكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ لهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍإِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) (فاطر:14:13) .
ألم تسمع إلي الكبير المتعال ، ذي القدرة والجلال ، والنعم والأفضال ، وهو يخاطب العقلاء عندما قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لهُ إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلوْ اجْتَمَعُوا لهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (الحج:74:73) .
أتنتظر أن تقول كما قال المشركون عندما سألهم الله : أين ما كنتم تعبدون ؟ : ( قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العَالمِينَ وَمَا أَضَلنَا إِلا المُجْرِمُونَ ) (الشعراء:99:95) .
أتسوي في الحب والتعظيم بين هؤلاء وبين ربك ، وتجعل الشرك حائلا لغفران ذنبك ، ألا تعلم أن الله قد قال :
( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَي وَالبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ ) (فاطر:22:23) .
من السميع لما ذهبت إلي أصم أبكم ؟ ، ومن البصير لما استغثت بعاجز عم ؟ ، ومن الغني لما توجهت إلي فقير معدم ؟ ، ومن القدير لما ذهبت إلي مقبور آدم ؟ ، ومن الرزاق الذي رزق يونس في اليم ؟
ألم تسمع قول العلى العظيم عن خليله إبراهيم : ( إِذْ قَال لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لهَا عَاكِفِينَ قَال هَل يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَل وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلكَ يَفْعَلُونَ قَال أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلا رَبَّ العَالمِينَ الذِي خَلقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي وَالذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي وَالذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) (الشعراء:82:69) .
من السميع لما ذهبت إلي أصم أبكم ؟ روي الإمام أحمد والنسائي وصححه الشيخ الألباني 3460 من حديث عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالتِ : ( الحَمْدُ للهِ الذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ لقَدْ جَاءَتْ خَوْلةُ بنت ثعلبة إِلي رَسُول اللهِ r تَشْكُو زَوْجَهَا لما ظاهر منها ، وَأَنَا معها فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ فَكَانَ يَخْفي على كَلامُهَا وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَل : ( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْل التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلي اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة:1) ) ، ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلي وَرُسُلُنَا لدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) .
من البصير لما استغثت بعاجز عم ؟ ومن الغني لما توجهت إلي فقير معدم ؟ : ( وَرَبُّكَ الغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ) (الأنعام:123) : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الفُقَرَاءُ إِلي اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ) (فاطر:15) ، ومن القدير لما ذهبت إلي مقبور آدم ؟ ومن الرزاق الذي رزق يونس في اليم ؟ : ( قُل مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنْ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنْ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقُونَ ) (يونس:31) : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليْكُمْ هَل مِنْ خَالقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَأَنَّي تُؤْفَكُونَ ) (فاطر:3) .
ألم تسمع ما رواه الإمام مسلم 2577 عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ فِيمَا رَوَي عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتعالي أَنَّهُ قَال : يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلمَ على نَفْسِي وَجَعَلتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِالليْل وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَي قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلكَ فِي مُلكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِنْ مُلكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه ) .
فطهر نفسك عبد الله بالإخلاص لله وحده ، واحذر الشرك فإنه لا ذنب بعده ، وتحرىفي قولك وفعلك التوحيد فإن الأجر عنده ، فلا تدعوا غير الله ، ولا تطلب المدد من سواه ، ولا تستغث إلا بالله ، واجعل الطواف مقصورا ببيت الله فقط ، ولا تقبل ضريحا أو مقصورة أو حجرا إلا حجرا واحدا في بيت الله ، ولا تذبح إلا لله ، واذبح باسم الله وحده ، ولا تجعل النذر لسواه ، ولا تتخذا على القبر مسجدا ، ولا تقم فيه أبدا ، فالمساجد بيوت الله فلا تجعلها مستعمرة لسواه ، يحتلها أصحاب الضريح ويذكرون اسمه بالتصريح والتلميح ، وقد قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَال) (النور:36) وقال أيضا : ( وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدً) (الجن:18) ، ولكنك تري أنهم يتوجهون بقلوبهم لتعظيم الضريح ويطوفون بقبره ، ويدعون الناس إلي تقديسه وحبه بالكرامات المزعومة والأحلام المذمومة ، التي هي من وحي الشيطان أو اختلاق بني الإنسان ، وكل هذا كما تعلمون ينافي الإخلاص والتوحيد ، ويغضب رب العبيد ..
فتحرى عبد الله في قولك وفعلك التوحيد ، ولا تقل : توكلت على الله وعليك لأنك تشرك غيره معه في التوكل ، ولكن قل : توكلت على الله ثم عليك ، ولا تقل : مالي إلا الله وأنت ، ولكن قل : مالي إلا الله ثم أنت ، فهذا هو الإخلاص والتوحيد ، ولا تقل : ما شاء الله وشئت ، ولكن قل : ما شاء الله وحده ، ولا تقل لأي شخص أيا كان : الله لي في السماء وأنت لي في الأرض أو هذا من فضل الله ومنك ، ولكن قل : هذا فضل الله وجزاك الله خيرا ، واطلب المدد من الله ، ولا تقل : مدد يا بدوي أو شي الله يا عدوي ، ولا تشرك بالله فتفعل كما يفعل الجاهلون ، إياك أن تعلق في رقبتك خرزة أو تميمة أو حجابا ، أو نابا أو عين الذئاب ، أو تعلق برقبة الحيوان عظمة ، تظن أنك تدفع عنه بهذا الشرك مكروها ، أو تتقي مصيبة عظموها ، فطهر قلبك بالتوحيد ، واجعل نفسك من العبيد ، الذين أخلصوا لربهم واستجابوا لله لما أمرهم أن يعبدوه مخلصين له الدين :
( هُوَ الحَيُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ) (غافر:65) وقل عبد الله : ( إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ المُشْرِكِينَ قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالمِينَ لا شَرِيكَ لهُ وَبِذَلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلمِينَ ) (الأنعام:163:161) .
فالركن الأول : الذي بني عليه الإخلاص لله هو توحيد العبادة له ، فالمخلص لا يشبه المخلوق بالخالق أو المملوك بالمالك ، ولكنه يفرد الله بالتعظيم الدعاء ، والحب الخوف والرجاء ، فهو عبد لمعبود واحد لا يشرك به شيئا .
أما الركن الثاني : الذي بني عليه الإخلاص فهو توحيد الربوبية لله ، فلا يمكن لعبد أن ينال درجة الإخلاص إلا إذا خلع عن نفسه رداء الربوبية واكتسي بثوب العبودية ، فعلم واعتقد أنه عبد في ملك سيده مستخلف في أرضه أمين على ملكه ، قد ابتلاه فيما أعطاه ، وامتحنه فيما خوله واسترعاه ، أيرد الملك إلي المالك ؟ أم ينسب لنفسه أوصاف الخالق ؟ يتكبر على الخلق بنعم الله ، ويتعالي على العباد بما منحه وأعطاه ، كما فعل فرعون وهامان ومن قبلهما النمرود بن كنعان ، وفي قارون الذي ظغي وبغي ، أبلغ مثل وعظة ، فقد استكبر على قومه بأمواله الباهظة ، ولم تؤثر فيه الدعوة أو الموعظة ، فلم يفهم أن المال مال الله ، وأن الحياة ابتلاء من الله :
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَي فَبَغَي عَليْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذْ قَال لهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِليْكَ وَلا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ ) ، فماذا قال ؟ ( قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلمٍ عِندِي ) .. فنسب الفضل إلي نفسه ، وتناسي فضل ربه ، وتناسي أنه أمين في ملكه ، مبتلي بالمال إلي لوقت معلوم ، وبقاؤه على هذا الحال لا يدوم ، كما قال سبحانه وتعالي : ( أَوَلمْ يَعْلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلكَ مِنْ قَبْلهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ المُجْرِمُونَ ) فلم يتذكر ولم يعبأ ، وخرج متزينا يهزأ بدين الله ، وكأن الله ما أعطاه شيئا من نعمه ( فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِه) .
رغب في مدحهم وثنائهم ليعلم الناس عزه وسلطانه ، ويعظموا من قدره وشانه ، وصار فتنه للناس حتى تمنوا مكانه ( قَال الذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا ليْتَ لنَا مِثْل مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، فقال المخلصون العابدون ، المؤمنون بأنهم في الأرض مستخلفون ، وأن الملك لسيدهم وليس لقارون : ( وَيْلكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لمَنْ آمَنَ وَعَمِل صَالحًا وَلا يُلقَّاهَا إِلا الصَّابِرُون ) .
فصدر حكم الله على قارون وحكم ببغيه وعصيانه ، وظلمه وطغيانه ، وأن يكون عبرة لنظرائه وأقرانه ، فشق الأرض تحت أقدامه فانطبقت عليه ، وجاءه ملك الموت يعيده فقيرا لعزة الله وسلطانه : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ ) هذا جزاء المستكبرين الظالمين ، ليعود الناس إلي التوحيد ، وإلي فطرة المخلصين من العبيد ، الذين لا ينازعون الله في ملكه ، أو يطمعون في شيء من حقه : ( وَأَصْبَحَ الذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَليْنَا لخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلحُ الكَافِرُونَ ) (القصص:82) فأدركوا عند ذلك أن الله هو المالك وأنه سبحانه وتعالي هو الخالق الرازق فقالوا مقرينبعد أن كانوا في الحياة راغبين :
( لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ) (القصص:82) وكأنهم يقولون : لولا أن من الله علينا بفقرنا لخسف بنا ، فأصبح الفقر نعمة ومنة ، والرضا بالمقسوم حكمة وفطنة ، فبئس المال الذي يجعل صاحبه في هذا الحال ، فإياك إياك مهما منحك الله وأعطاك ، إياك من العلو والاستكبار لأن الله هو الملك الجبار : ( تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا للذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الارْضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ ) (القصص: 83) .
واعلم أن الغني لا يكرمه الله ، إلا إذا شكر ربه شكر الزاهدين ، وصبر على إغراء المال ومقاومته صبر الموقنين الموحدين ، وعاد فقيراً بماله إلي ربه ، ينسب الملك والفضل لرب العالمين ، فإن الله أعطي المال والنبوة لأبي الأنبياء وإمام الحنفاء إبراهيم ، وأعطي الملك والسلطان لداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فكانوا في ملكهم موحدين عابدين ، مخلصين زاهدين ، وكانوا أمناء في الأرض مستخلفين ،فقال عن سليمان عليه السلام : ( وَوَهَبْنَا لدَاوُودَ سُليْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (ص:30) فأنعم به من عبدعلى الرغم من كونه كان قويا غنيا ، وملكا نبيا ، لديه الدنيا بأسرها ، وبهجةُ الحياة بأنواعها ، فانظر إلي قول سليمان وتوحيده لرب العالمين ،عندما رأي عرش بلقيس منقولا من اليمن إلي فلسطين ، ومستقرا بين يديه بقدرة الله :
( قَال هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي ) (النمل:40) فالفضل ليس لي ولا لجندي ، وإنما هو فضل ربي ، وقد استرعاني في ملكه واستخلفني ( ليَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) (النمل:40) فهو المنفرد بالتوحيد في الغني ، لا يساميه ولا يساويه أحد من خلقه ، فلا غني يرقي إلي غناه ، ولا على يسموا إلي علاه ( هل تعلم له سميا ) (مريم:65) .
وهذا نبي الله داود أعطاه الله الملك ، فأطاع فيه ربه ومالكه ، وأظهر فقره موحدا خالقه وقال تعالى عن داود u ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الايْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (ص:20:17) ( وَإِنَّ لهُ عِنْدَنَا لزُلفي وَحُسْنَ مَآبٍ ) (ص:25)وهذا إبراهيم u أسلم لله وأخلص له ، وخضع لله محبا له معظما إياه ، في كل ما منحه وأعطاه ، من مال وجاه ، ولما تعلق قلبه بولده الذي تمناه ، وعلمه ورباه، ابتلاه الحق بذبح ولده ، ليكون خالصا بحبه لربه .
واعلموا أيها المخلصون أن الله إذا ضيق الرزق على إنسان فلا يعني ذلك أنه مهان ، فالفقير لا يهانإلا باعتراضه على المقسوم من قدره ، أو خجله من فقره وحسده وحقده ، يحقد الفقير على الأغنياء ويعترض على مر القضاء ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْله ) (النساء:54) فالحسد داء ليس له دواء ، إلا الرضا بالقضاء .
فوجب على الموحدين أن يتمنوا السعادة للآخرين ، وأن يسألوا رب العالمين ، أن يمنحهم من فضله وعطائه ومدده ونعمائه ، فمن ابتلاه الله بالفقرفلم يصبر على بلواه ، لم يأخذ إلا ما قدره الله ، وسوف يهان في الدنيا والآخرة ، سيجمع بين التعاستين ، ويهينه الله مرتين ، مرة في الدنيا بحقده وحرمانه ومرة في الآخرة بعذابه وكفرانه ، فالفقير الصابرله أسوة في رسول الله r ، نشأ يتيما في لوعة اليتم فآواه الله ورعاه ، وحنن عليه القلوب بعد أن أمات أباه ،ربط الحجر على بطنه r من شدة الجوع ، ومات ولده وقرة عينه حتى سالت من عينه الدموع ، وأدماه قومه وطال نومه على الحصير ، حتى أثر في جنبه وعمر رضي الله عنه يبكي ويعجب ، ويقول ويتعجب : كسري وقيصر في الثمار والأنهار ، ورسول الله يطوي بطنه بالليل والنهار ، كل هذا حدث له وهو صاحب المقام واللواء ، وإمام الأنبياء وسيد الشفعاء عليه أفضل الصلاة والسلام .
فالإخلاص يوجب على العبد أن يوحد الله في أوصاف الربوبية ، فإذا ظلم العبد نفسه وخلع رداء العبودية ، لينازع ربه في وصف الربوبية ، أو يشاركه في العلو والكبرياء ، وعظمة الأوصاف والأسماء ، فليس للظالم إلا الشقاء والحرمان ، ودوام العذاب في النيران ، ( يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَل في الحديث القدسي : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ) ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ r في الحديث الذي رواه الإمام مسلم قَال : ( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) ، فإن لم تكن عبدا لربك تعتقد أنك وما خولك وملكك خالصا له خاضعا لأمره ، فإنك تطمع إلي تأليه نفسك والخروج عن وصفك ، فتدعي لنفسك ما ادعاه فرعون من أوصاف الربوبية .
فأين الإخلاص والتوحيد الذي أمر الله به نبيه r فقال له : ( إِنَّا أَنزَلنَا إِليْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلصًا لهُ الدِّينَ أَلا للهِ الدِّينُ الخَالصُ ) (الزمر:2) وأمرنا أن نتأسي به فقال : ( هُوَ الحَيُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ) (غافر:65) وقد جعل الله طريقا واحدا للنجاه ، هو السبيل لمن أراد الخلاص في دنيه ودنياه ، ألا وهو طريق الإخلاص والتوحيد ، فأي عمل لا يقبل عند الله إلا بشرطين اثنين :
1- الشرط الأول : هو الإخلاص لله بتوحيد الحق ونبذ الشرك ، وهذا تفسير الركن الأول من شهادة التوحيد وقول العبد أشهد ألا إله إلا الله ، يقول تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلكَ لمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَل ضَلالا بَعِيدًا ) (النساء:116) وقد ورد في تفسير الركن الأول من شهادة الإسلام – أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله – ورد حديث قدسي رواه الإمام مسلم 2985 عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبي r قال : قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتعالي : ( أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه ) .
2- أما الشرط الثاني في قبول العمل : فهو اتباع الرسول r وعدم الابتداع ، وهذا هو معني الركن الثاني من شهادة التوحيد وقول العبد : أشهد أن محمدا رسول الله ، وقد ورد أيضا في تفسير هذا الركن حديث نبوي رواه الإمام مسلم 1718 عن عَائِشَةَ عن النبي r قَال : ( مَنْ عَمِل عَمَلا ليْسَ عَليْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
· واعلم عبد الله أن الإخلاص يمنع نوعين من الرياء :
(1- النوع الأول : هو الرياء الأكبر نعوذ بالله منه وهو النفاق الذي المخرج عن الملة كما كان شأن المنافقين ، أيام سيد الأنبياء والمرسلين ، كعبد الله بن أبي بن سلول وفرقته ، فإنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر والفسوق والعصيان ، وقد بين الله شأنهم في القرآن فقال : ( وَالذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ) (النساء:38) فهؤلاء أبعد ما يكون عن وصف المخلصين : ( إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلي الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالي يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَليلا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلكَ لا إِلي هَؤُلاءِ وَلا إِلي هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلل اللهُ فَلنْ تَجِدَ لهُ سَبِيلا ) (النساء:143) وهذا الرياء من أعظم الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل من النار .
(2- النوع الثاني من الرياء : الرياء الأصغر ومثاله التصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة أخرى ، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة ثالثه ، فلله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب ، وهذا هو الشرك الخفي وهو لا يخرج من الملة كالشرك الأكبر الجلي ولكنه ينقص ثواب العمل وقد يحبطه إذا ازاد واستفحل ، لقول الله في الحديث القدسي الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ عن النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( أَنَا أَغْنَي الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِل عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه ) .
روي أبو نعيم في حلية الأولياء أن الأمير عمر بن هبيرة الذي ولي إمارة العراق في عهد أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان أرسل إلي أبي سعيد الحسن البصري وإلي أبي عمر الشعبي واستضافهما شهرا وفي ذات يوم دخل عليهما وهو يتوكأ على عصاه ، ثم جلس معظما لهما ، وقال للحسن البصري والشعبي : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يرسل إلي كتبا وأوامر ، أعرف أن في تنفيذها الهلكة ، فإن أطعته عصيت الله ، وإن عصيته أطعت الله عز وجل ، فهل تجداني لي معه فرجا ومخرجا ؟
فقال الحسن البصري : يا أبا عمرو أجب الأمير ؟ فتكلم الشعبي بكلام فيه نفاق ، بأن يفعل ما يرضي أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك وواليه عمر بن هبيرة ، فقال عمر : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : أيها الأمير ، قد قال الشعبي ما قد سمعت ، فعاد عمر بن هبيرة كلامه وقال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ، فقال : أقول يا ابن هبيرة ، يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى ، فظ غليظ لا يعصى الله ما أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلي ضيق قبرك ، يا عمر بن هبيرة ، إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ، ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله عز وجل ، يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك نظرة مقت وأنت تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك ، فيغلق بها باب المغفرة دونك ، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة ، كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة ، أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة ، يا ابن هبيرة إني أخوفك مقاما ، خوفكه الله ، فقال :
( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) (ابراهيم: من الآية14) يا ابن هبيرة ، إن تك مع الله تعالى في طاعته ، كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله ، وكلك الله إليه ، فبكي عمر بن هبيرة وقام بعبرته ، فلما كان من الغد أرسل إليهما بجائزة ، فكانت جائزة الحسن البصري أكبر من جائزة الشعبي ، فخرج الشعبي إلي المسجد يصيح : يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ما قال الحسن البصري للأمير شيئا أجهله ، ولكني أردت وجه الأمير ولم أخلص لله فأقصاني الله منه .
فتعس عبد الدينار وعبد الدرهم ، روي البخاري 2887 من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ rأنه قال : ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ طُوبَي لعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيل اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنِ اسْتَأْذَنَ لمْ يُؤْذَنْ لهُ وَإِنْ شَفَعَ لمْ يُشَفَّعْ ) .
ومن علامات الإخلاص محبة الخير للغير والقيام على خدمتهم لوجه الله إنما نطعمكم ، لأن المخلص لا يحقد على أحد ، ولا يحسد أحد فلا مأرب له في الحياة ، إلا أن ينال رضا الله ، ومن ثم يتمني السعادة للآخرين ، ومن علامات الإخلاص أيضا الجرادة في الحق ، والغيرةُ من الكفر الشرك ، والرغبةُ في استقامة الخلق على طاعة الله عز وجل ، فهذه بعض علامات المخلصين ، وهذا هو حال الإخلاص الذي هو شرط من شروط لا إله إلا الله ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أن أستغفرك وأتوب إليك .
نقلاً عن موقع الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة