عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 31-08-2014, 08:48 PM   #3
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Post شرح شروط لا إله إلا الله للشيخ الرضواني

شرح شروط لا إله إلا الله للشيخ الرضواني

الشرط الأول : العلم المنافي للجهل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا ) ( النساء/1) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( الحشر/18) ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلمُون ) ( آل عمران/102 ) أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ..
عباد الله أفضل كلمة تقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، روي أبو ذر رضِي الله عنه أن رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال : ( مَا مِنْ عَبْدٍ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ على ذَلكَ إِلا دَخَل الجَنَّةَ ) وهو حديث صحيح رواه البخاري ، وروي أيضا أن النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لمُعاذ بْنَ جَبَلٍ رضِي الله عنه : ( مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلبِهِ إِلا حَرَّمَهُ اللهُ على النَّارِ ) .
لا إله إلا الله كلمة التوحيد ، تلك الكلمة التي كان المشركون يعلمون أبعادها ويفهمون مرادها ، وشق عليهم أن يشهدوا بها لأنهم كانوا يدركون أن قولها يغير معالم الحياة ، لا إله إلا الله تعني عندهم أنه لا معبود بحق سواه ، فلا يخضع العبد عن حب إلا لربه وهمه في الحياة ابتغاء قربه ، يخافه ويرجوه ويحبه ويدعوه .
كثير من الناس يظنون أنهم سيدخلون الجنان ولا يعذبون في النيران بمجرد قولهم لا إله إلا الله ، ويحتجون بقول رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ على ذَلكَ إِلا دَخَل الجَنَّةَ ) ولم يعلم هؤلاء أن شهادة التوحيد إن لم يحقق العبد شروطها ويستوفي أركانها فهي مجرد كلمة خرجت من اللسان ، أو نطق بها أعجمي لا يفهم القرآن ، قيل للحسن بن على رضي الله عنه : إن أناسا يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فقال : من قال لا إله إلا الله فأدي حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال الحسن بن على للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ، قال الحسن : نعم العدة ، لكن اعلم أن لا إله إلا الله لها شروط ، فإياك وقذف المحصنة ، وقيل للحسن أيضا : إن أناسا يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فقال : من قال لا إله إلا الله فأدي حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال وهب لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلي ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح المفتاح لك .
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه لما عزم أبو بكر على قتال مانعي الزكاة ، قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) فقال أبو بكر رضي الله عنه : الزكاة حق المال ، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ) ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتي بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فأرادوا أن يتوقفوا في قتال مانع الزكاة ، وفهم أبو بكر الصديق أن لها حقوقا لا تمنع القتال إلا بأدائها لقوله صلي الله عليه وسلم : ( فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) ، فلما قرر أبو بكر رضي الله عنه هذا الأمر للصحابة رجعوا إلي قوله ورأوه صوابا ، قال عمر رضي الله عنه :
( فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله تعالى قد شرح صدر أبي بكر لقتالهم فعرفت أنه الحق ) ، فوقف الجميع مع أبي بكر في قتال المرتدين ومانعي الزكاة حتى نصرهم الله وأعز دينه .
فوجب على من أراد النجاة أن يلتزم بشروط لا إله إلا الله حتى يسلم في دينه ودنياه ، فإذا كنت يا عبد الله ترغب في توحيد الله بيقين وصدق وعقيدة حق ، فاعلم أن شروط لا إله إلا الله التي وردت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ثمانيةُ شروط ، لا يصح قول اللسان ولا يصلح ركن من أركان الإيمان إلا بها : أولها العلم المنافي للجهل ، ثم اليقين المنافي للشك ، ثم الإخلاص المنافي للشرك ، ثم الصدق المنافي للكذب ، ثم المحبة التي تنافي البغض ، ثم القبول الذي ينافي الرد ، ثم الانقياد الذي ينافي الترك ، والثامن من هذه الشروط هو الكفر بما يعبد من دون الله ، وقد أحسن من جمعها وعدها وحصرها في هذين البيتين فقال :

علم يقين وإخلاص وصدقك مع : محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما : سوي الإله من الأشياء قد ألها
وحديثنا بإذن الله في محاضرة اليوم عن أول شرط من هذه الشروط ، وهو العلم المنافي للجهل ، فالعلم بلا إله إلا الله أساس الإسلام ومبدأ الكلام ، وهو مقدم على القول والعمل ، ولذلك قال الإمام البخاري بَاب العِلمُ قَبْل القَوْل وَالعَمَل لقَوْل اللهِ تعالى : ( فَاعْلمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا الله) فَبَدَأَ بِالعِلمِ ، فالعُلمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَقَال جَل ذِكْرُهُ : ( إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ ) ، ولما عذب الله الكافرين والمشركين في جهنم سألهم خزنتها : ( أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) اعترفوا بذنبهم وأنهم المتسببون في جهلهم ، والسؤال الذي يتردد على الأذهان والذي يطرح نفسه الآن : كيف يكون العلم شرطا من شروط لا إِلهَ إِلا اللهُ ؟
والجواب على ذلك أنه إذا قال المرء لا إِلهَ إِلا اللهُ ، فهذا معناه أنه لا معبود بحق إلا الله ، والعبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل ، فالمسلم بقوله لا إِلهَ إِلا اللهُ قد أعلن أنه سيخضع لله عن حب وتعظيم ، وطاعة وتسليم ، يسلم نفسه لمعبوده ويعمل في تحقيق مطلوبه .
فلو أرسل المعبود رسالة لعبيده الصادقين في عبادته ، بين فيها أحكام شريعته ، وأصول طاعته ، وبين فيها ماذا نفعل حتى نصل إلي قربه ومحبته ، وماذا نترك حني نفوز بجنته ، فلو كان العبد صادقا في شهادته أنه لا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله ، لبذل كل ما في استطاعته واجتهد بكل طاقته لكي يطلع على هذه الرسالة ويتمكن من قراءتها ويدقق في مادتها ، حتى لو كان مسلما أعجميا أميا ، لبحث عن متخصص في اللغات يترجم له ما جاء في الوحي من كلمات ، طالما أن هذه الرسالة فيها النجاة من غضب الله ، وفيها القرب من حبه ورضاه ، فكلمة التوحيد عقد بينك وبين الله ، التزمت به يوم قلت أشهد ألا إِلهَ إِلا اللهُ وأن محمدا رسول الله وهو خير عقد يجب على المسلم أن يوفي فيه بالتزاماته ويؤدي ما عليه من واجباته ، لقول الله تعالى في محكم آياته : ( يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) .
وإذا كان كل عقد بين البشر له قواعد وأحكام ، وشروط جزاء يضعونها للالتزام ، وكان كل إنسان قبل أن يوقع على أي عقد يقرأ شروطه بإمعان وإتقان ، فحري بالمسلم الصادق في إسلامه ، أن يعرف مضمون العقد الذي بينه وبين الله ، عندما شهد ألا معبود بحق سواه ، ولذلك أوجب الله علينا السؤال فقال : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
· وهناك أمران لازمان لمعرفة الإنسان عقد التوحيد وصدقِ شهادة العبيد أنه لا إله إلا الله :
الأمر الأول : معرفة الأسماء وحدودِ الأشياء والعلمُ بخصائصها ، والإنسان منا يكتسب هذا العلم تلقائيا في حياته إلي يوم وفاته ومماته ، لكن الله من عدله وحكمته ومن فضله ورحمته أنه لا يكلف إنسانا في طفولته ، كما قال نبينا المصطفي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( رُفِعَ القَلمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حتى يَشِبَّ وَعَنِ المَعْتُوهِ حتى يَعْقِل ، وفي رواية رُفِعَ القَلمُ عَنْ الغُلامِ حتى يَحْتَلمَ ) ، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني .
وبنو آدم يكتسبون معرفة الأسماء ويتعلمون حدود الأشياء من العالم المحسوس بعد ولادتهم ، فيتعلمون ذلك شيئا فشيئا ، ومن عجيب الصنعة وكمال الخلقة ، أن الله سبحانه وتعالي أوجد في الإنسان جهازا متكاملا للإدراك والتمييز ، يشبهه إلي حد كبير جهاز الكمبيوتر ، حيث يشتمل على عقل الكتروني لتحليل المعلومات ، ويشتمل أيضا على وسائل لإدخال البيانات ، ووسائل أخرى لحفظ الملفات ، ويشتمل على أدوات لإخراج المعلومات من الجهاز ، فالله وله المثل الأعلى خلق الإنسان وعلمه البيان ، نزل الإنسان من بطن أمه مؤهلا للعلم ، صالحا للتمييز والفهم ، يقبل أي برنامج للحياة ، والسعيد من وفقه الله إلي برامج الشرع فحملها في قلبه ، واستحضرها في عقله واستضاء بنور الله كما قال تعالي : ( إِنَّا خَلقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) ، وقال : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
أوجد للإنسان عقلا في القلب يقوم بتمييز المعلومات وتخزينها ، وأوجد له حواسا لإدخال المعلومات وإخراجها ، فالسمع والبصر وبقية الحواس ، وسائل خلقها الله لتجميع المعلومات ، وهي أيضا وسائل لإظهار البيانات ، والناس يتعلمون الأسماء ويعرفون الأشياء شيئا فشيئا ، فربما يتعلم الطفل الصغير في ساعة واحدة أو بضعِ ساعات كلمة واحدة أو بضع كلمات ، كل يوم يزداد علمه وتقوى معرفته للأسماء وتمييز الأشياء ، فيقال له : هذه هرة وهذه جرة وهذه بقرة وهذه شجرة إلي غير ذلك من الأسماء ، ويبين له أن لماذا فعلنا هذا ، وهذا يصلح لهذا ، وهذا لا يصلح لذاك ، حتى يصل عند البلوغ إلي حصيلة علمية ، تكفي لتكليفة بالأحكام الشرعية ، وإدراك الغاية من هذه الحياة وكيف يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا .
ومن العجيب أن العلم الذي يحصله الإنسان في سنوات ، علمه الله لآدم عليه السلام في لحظات ، فتعلم الأسماء وخصائص الأشياء مرة واحدة ، ونزلت المعلومات بقدرة الله على قلبه دفعة واحدة ، فقال تعالى : ( وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ فَقَال أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلمَ لنَا إِلا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَليمُ الحَكِيمُ قَال يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَال أَلمْ أَقُل لكُمْ إِنِّي أَعْلمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) (البقرة/31) .
فآدم عليه السلام تعلم الأسماء وخصائص الأشياء مرة واحدة ، وكذلك فعل الله بعيسي عليه السلام بعد نزوله من بطن أمه وبعد ادعاء قومة أنه ولد من الزني ، تجمعت الكلمات بقدرة الله في لحظات ، وأدركها عيسي عليه السلام بعقله واستوعبها بقلبه حتى اجتمع البيان لديه ونزلت حكمة الله عليه ، فلما أشارت أمه إليه ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا قَال إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلنِي نَبِيًّا وَجَعَلنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالدَتِي وَلمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ على يَوْمَ وُلدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) .
سبحان الله أطفل صغير ينطق بهذه الكلمات ؟ ويعرف كل هذه المعلومات ويفهم لوازم العبارات ( إِنَّ مَثَل عِيسَي عِنْدَ اللهِ كَمَثَل آدَمَ خَلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، ( ذَلكَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ قَوْل الحَقِّ الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَي أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، فالله عز وجل قادر على أن يعلم الناس ما يشاء كما قال سبحانه وتعالي : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ) البقرة ، ولكنه من حكمته جعل العلم بين الناس درجات ، وجعل طلبه نوعا من أنواع الابتلاءات ، ليجتهد الناس في جمعه وتحصيله ، ويتعرفوا على الشيء بدليله ، وليعلموا منزلة الأنبياء ، وأهمية الوحي الذي نزل من السماء ، ولذلك كان أكثر الناس خشية لله هم العلماء كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ ) فاطر/28 .
فآيات القرآن أثبتت للإنسان جهازا للإدراك شاملا متكاملا أساسه في القلب ، أول مهامه إدراك الأشياء ومعرفة الأسماء ، وتمييز خصائصها والتعرف على أوصافها ، يقول تعالى : ( أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَي الأَبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَي القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) ، وقال أيضا ً: ( وَلقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلئِكَ كَالأَنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ أُوْلئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ ) .
وقد أمر الله عبادة باستخدام هذا الجهاز الإدراكي في النظر إلي الإبداع الكوني ، والتأمل في خلق السماوات والتفكر في سائر المخلوقات ، ( إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .
وقال تعالى : ( أَفَلمْ يَنْظُرُوا إِلي السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَي لكُل عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ لهَا طَلعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا للعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتًا كَذَلكَ الخُرُوجُ ) .
وقال أيضاً : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلي الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ وَإِلي السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلي الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلي الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) .
· الحق سبحانه وتعالي يدعوا عباده إلي توحيد الربوبية بطريقين اثنين :
أحدهما : النظر في آياتة الكونية ، والمخلوقات المرئية ، بما في ذلك النفس البشرية ، فهي في حقيقتها صفحات كونية وأدلة عقلية في كتاب الله الكوني ، ودور الإنسان الذي أمر الله به في القرآن هو التفكر والاعتبار والنظر في الآثار ، فالأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير ، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير ، فدور العقل هنا البحث في المخلوقات وما فيها من حكم وآيات ، فإن المفعولات دالة على الأفعال ، والأفعال دالة على الصفات ، فالمفعول يدل على الفاعل ، والمخلوق يدل على الخالق ، وذلك يدل باللزوم على وجود الله وقدرته وعلمه ومشيئته .
ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات ، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال ، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك ، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات ، يدل على حكمته وإتقان صنعته ، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلي النظر فيه فقال سبحانه تعالى : ( إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة/164.
أما الطريق الثاني لمعرفة ربوبية الله على خلقه وانفراده بتدبير ملكه ، فهو التفكر في آياتة المسموعة وكلماته المقروءة التي وردت في كتاب الله كما قال جل في علاه : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/24 ، وقال سبحانه : ( كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِليْكَ مُبَارَكٌ ليَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَليَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلبَابِ) ، فالله عز وجل جعل الآيات الكونية المرئية في الآفاق وفي النفس البشرية ، جعلها دليلا على صدق الآيات القرآنية والنبوية فقال تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُل شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُل شَيْءٍ مُحِيطٌ ) .
أما الأمر الثاني : اللازم للإنسان في عقد التوحيد وأخذ العهد على العبيد عند شهادتهم ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، أن يعلم الإنسان ما جاءت به الرسالة السماوية من أحكام شرعية وهداية دينية ، فالله عز وجل بعد أن علم آدم الأسماء كلفه بافعل ولا تفعل فقال : ( يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شئتمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالمِينَ ) وبعد أن أنزله من السماء كلفه أيضا بافعل ولا تفعل فقال : ( اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًي فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَي وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَي قَال رَبِّ لمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَال كَذَلكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلكَ اليَوْمَ تُنسَي ) طه/123: 126 .
وهكذا لا يكلف الله عبيده أمرا ولا يكتب عليهم وزرا ، إلا إذا بلغ العبد سن الاحتلام واستوعب المعني الذي ورد في الكلام ، وأدرك شيئا من رسالة الإسلام ، فقد ثبت مرفوعا أنه قد رُفِعَ القَلمُ عَنْ الغُلامِ حتى يَحْتَلمَ ، وعن النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ المَعْتُوهِ حتى يَعْقِل ، وقال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا ) .
واعلم عبد الله أن الرسالة السماوية جاءت بأحكام شرعية تسمي أحكام العبودية ، يجب على كل مسلم نطق بلا إله إلا الله أن يسأل عنها ، وأن ينفذ ما علم منها ، وهي خمسة أحكام احفظها واسأل أهل العلم عنها ، وهي الواجبات والمحرمات ، ثم بعد ذلك المستحبات والمكروهات ، ثم ما خيرنا الله فيه من أنواع المباحات ، فالعلم بالإرادة الشرعية المتمثلة في أحكام العبودية من وظائف أجهزة الإدراك البشرية ، فجهاز الإدراك في الإنسان يمد القلب بالعلم وما ورد من أدلة الحكم ، فالقلب هو محل الإرادة في الإنسان ، والمؤمن إرادته مطابقة لما ورد في القرآن ، ومن ثم تتحرك الأبدان في طاعة الله عز وجل .
وكلما ازداد المسلم علما بالله كلما علت خشيته وازدادت محبته ، وظهرت سكينته وبانت حكمته وتواضع لخلق الله ، فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، ( إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ ) فاطر/28 ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم : ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإنما العلم بالتعلم ) .
واعلم عبد الله أن كمال العلم بالله يكمن في معرفة خمسة أشياء : أولها معرفة الخالق تبارك وتعالي وهو العلم بتوحيد الربوبية وثانيها معرفة أسمائه وصفاته وهو العلم بتوحيد الأسماء والصفات ، وثالثها معرفة الطريق الموصل إلي الله وهو العلم بتوحيد العبودية ، ورابعها معرفة عوائق الطريق وآفاته ، وهو الشرك بجميع أنواعه وتقسيماته وخطوات الشيطان وشبهاته ، وخامسها معرفة النفس وعيبوبها ، والصبر على مداواتها من آفاتها ، والاستعانة بالله في حفظها على منهج العبودية والتوحيد .
ذكر العلامة ابن القيم أن حياة القلب وصحتة لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره ، وذلك لأن القلب فيه قوتان : قوة العلم والتميز ، وقوة الإرادة والحب ، فكمال القلب وصلاحه في استعمال هاتين القوتين فيما ينفعه ويعود عليه بالسعادة في الدنيا والآخرة ، فيستعمل قوة العلم في إدراك الحق ومعرفتة والتمييز بينه وبين الباطل، ويستعمل قوة الإرادة والحب في طلب الحق ومحبتة وإيثاره على الباطل ، فمن لا يعرف الحق كان من أهل الضلال ، ومن عرفة وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه ، ومن عرفة واتبعه فقد أنعم الله عليه ، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالي أن نسأله في صلاتنا أن يهديَنا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
ولهذا كان النصارى أخص بالضلال لأنهم أمة جهل ، وكان اليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد ، وهذه الأمة أطاعت ربها ووحدت معبودها كما قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُول فَأُوْلئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالحِينَ وَحَسُنَ أُوْلئِكَ رَفِيقًا ) النساء .
وهنا مسألة طالما اختلف فيها الناس ، وتسبب الجهل بها في الخلط والتخبط والالتباس ، إنها مسألة العذر بالجهل ، فهل الجاهل معذور بجهله أم أنه مسئول على فعله ؟ والناس في هذه المسألة طرفان ، فمن قائل معذور ومن قائل مسئول ، قول يقول لا يعذر الإنسان في ارتكاب العصيان عن جهل ، وقول يقول يعذر الإنسان وإن كان معرضا عن العلم ومعرفة الحكم ، ومذهب الحق في هذا الموضوع هو مذهب السلف والوسطية ، المذهب الذي يجمع بين الأدلة القرآنية والنبوية ، فالحق سبحانه وتعالي لا يعذب الناس إلا بعد إنذارهم وإعلامهم برسالة السماء ، كما قال تعالى في سورة الإسراء : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) الإسراء /15.
فلا يعذب الله أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة ، وإعراضه عن الهداية إلي الضلالة ، لئلا يكون له حجة على الله في نفي العدالة ، فقال تعالى : ( وَقَالُوا لوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولي وَلوْ أَنَّا أَهْلكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلهِ لقَالُوا رَبَّنَا لوْلا أَرْسَلتَ إِليْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْل أَنْ نَذِل وَنَخْزَي قُل كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى ) .
فإن أرسل الله إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولهم حجته ، ثم أعرضوا عنها وتملصوا منها ووقعوا في الجهل بتكذيبهم وإعراضهم ، كان كفرهم كفر جهل وتكذيب ، كما ثبت عن نبينا الحبيب في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَال : ( وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلمْ يُؤْمِنْ بِالذِي أُرْسِلتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) ، وقال سبحانه وتعالي : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُل أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حتى إِذَا جَاءُوا قَال أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ بِمَا ظَلمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ) ، وقال جل جلاله : ( بَل كَذَّبُوا بِمَا لمْ يُحِيطُوا بِعِلمِهِ وَلمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالمِينَ ) .
قال تعالى : ( كُلمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلهُمْ خَزَنَتُهَا أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك .
فهؤلاء الكفار لولا أن الحجة بلغتهم ما اعترفوا بذنبهم أو أقروا بحمقهم ، فأعراضهم عن الرسالة بالكلية أدي إلي كفرهم وإن جهلوا محتواها ولم يفهموا معناها ، ولذلك وقعوا في كفر الجهل والتكذيب ، وهو أول أنواع الكفر بالله ، فتجد العبد يعرض عن الله عند أول سماعه للدليل ، ويكذب بالحق حتى لو ورد في التنزيل ، يغلق قلبه وعقله ويوقف نظره وفكره ، روي البخاري من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلي كِسْرَي مَعَ عَبْد ِاللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلي عَظِيمِ البَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلي كِسْرَي فَلمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ ، مزقه دون تفكر أو سؤال أو نظر واستدلال ، وقد ورد في الحديث أن عبد الله بن عباس قال : فَدَعَا عَليْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُل مُمَزَّقٍ .
فالإنسان مسئول عن السبب في جهله ، فإن كان الجهل من كسبه وفعله ، وإعراضه وكبره ، فهو محاسب على كل معصية وقع فيها بجهله ، سواء كانت المخالفة مخالفة عظيمة تؤدي إلي الخلود في النار ، أو كانت المخالفة كبيرة تحت مشيئة الواحد الجبار ، إن شاء غفرها لعبده وإن شاء عذبه بذنبه .
أما إذا انقطعت به الأسباب وانسدت في وجهه الأبواب ، ولم يتمكن من معرفة ما نزل في الكتاب بعد الطلب والبحث والسؤال ولم يعص الله فيما قال : (فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ ) (النحل:43) ، فهو باتفاق معذور بجهله لا يؤاخذ على ذنبه لأن الجهل ليس من كسبه ، بل هو من تقدير الله وفعله ، وقد قال سبحانه وتعالي : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا ) .
فلو ضربنا مثلا لذلك وفرضنا أن رجلا من المسلمين لقلة علمه وقع في معصية بجهله فاحتار في نفسه ، وتساءل أهي معصية لله أم لا ، فعزم الأمر على أن يسأل أهل الذكر ، حتى ولو كانوا على مسافة بعيدة تتطلب شد الرحال ، وفي الطريق دهمته سيارة ومات في الحال ، مات هذا الشخص على المعصية بجهله ، أيقول عاقل إنه مؤاخذ على ذنبه قبل علمه ؟ فالموت من تقدير الله وفعله ، والجهل الذي وقع فيه هذا الشخص ليس من فعله وكسبه ، فنيته التي مات عليها أن يطيع الله إذا علم الحكم الذي ورد في كتاب الله ، وقد سمع عُمرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْه رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكُل امْرِئٍ مَا نَوَي ) .
واعلم عبد الله أنه لا أحد أحب إليه العذر من الله ، فمن حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال : ( ليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَل مِنْ أَجْل ذَلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَليْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْل ذَلكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ وَليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْل ذَلكَ أَنْزَل الكِتَابَ وَأَرْسَل الرُّسُل ) ، وفي رواية البخاري من حديث المُغِيرَةِ : ( وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ وَمِنْ أَجْل ذَلكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ ) .
فالجاهل من المسلمين بعد الطلب والسؤال ، إن لم يصل إلي العلم بالحكم في مسألة ما ، فهو معذور بجهله في هذه المسألة ، وإن كان محاسبا على غيرها مما ألم بحكمها ، وخلاصة القول في مسألة العذر بالجهل أن الجاهل معذور بجهله إن لم يكن الجهل من كسبه وفعله ، وذلك من كمال عدله وفضله سبحانه وتعالي .
روي الإمام البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن زيد بن عمرو بن نفيل سافر إلي الشام يسأل عن الدين الحق ويبتغي اتباعه ، وكان ذلك قبل مبعث النبي r فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينه ، وقال : أخبرني عن دينكم لعلى أدين به ؟ قال اليهودي : إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله ؟ قال : وهل أفر إلا من غضب الله ؟ والله لا أحمل من غضب الله شيئا أبدا ، فهل تدلني على دين ليس هذا فيه ؟ قال : ما أعلم إلا أن تكون حنيفا ؟ قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وكان لا يعبد إلا الله ، فخرج زيد بن عمرو يطلب المزيد ويبحث عن القول السديد ، حتى لقي عالما من النصارى ، فسأله عن دينه ، وقال : أخبرني عن دينكم لعلى أدين به ؟ فقال له عالم النصارى : إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله ؟ فقال : والله لا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا ، فهل تدلني على دين ليس هذا فيه ؟ فقال له: لا أعلمه إلا أن تكون حنيفا ، فعاد زيد إلي مكة وقد رضي بما أخبروه واتفقوا عليه من دين إبراهيم عليه السلام ، فلما برز زيد إلي أهل مكة رفع يديه إلي السماء قائلا : اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم .
وروي البخاري أيضا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهمَا أنها قَالت : ( رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلي الكَعْبَةِ يَقُولُ : يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللهِ مَا مِنْكُمْ على دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ يَقُولُ للرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُل ابْنَتَهُ : لا تَقْتُلهَا أَنَا أَكْفِيك مَئُونَتَهَا ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَال لأَبِيهَا إِنْ شئت دَفَعْتُهَا إِليْكَ وَإِنْ شئت كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا ) .
وقد ذكر الواقدي أن زيد بن عمرو بن نفيل آمن برسول الله r قبل مبعثه وقال لعامر بن ربيعة رضي الله عنه : ( يا عامر إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان ، كانا يصليان إلي هذه القبلة ، وأنا انتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث ولا أراني أدركه وأنا أومن به وأصدقه ، وأشهد أنه نبي فإن طالت بك الحياة يا عامر فأقرئه مني السلام ، قال عامر بن ربيعة : فلما أسلمت أعلمت النبي صلي الله عليه وسلم بخبره ، فرد عليه السلام وترحم عليه ، وقال : زيد بن عمرو يبعث يوم القيامة أمة وحده ، ولقد رأيته في الجنة يسحب ثوبه وذيوله ) .
فهذا الرجل لم يقصر في البحث والسؤال لدي العلماء ، وإن مات قبل أن يدرك رسالة السماء التي نزلت على سيد الأنبياء فقد آمن بالنبي صلي الله عليه وسلم قبل مبعثه ، وآمن بكل أحكام العبودية وإن لم يدرك ماهية الأحكام الشرعية ، فأخذ حكم من اتبع النبي ومات على دربه وكان من أتباعه وحزبه .
ويجب على على إخواننا الدعاة أن يعلموا أن أغلب المسلمين يجهلون الجزء الأكبر من أحكام العبودية ، وأنهم لو علموا وفهموا لأطاعوا ربهم لأنهم يرغبون في حبه وقربه ، فهم يحبون لا إله إلا الله ويشهدون أن محمدا رسول الله ، ولذلك فإن من الحكمة والفطنة الرأفة بهم والأخذ بأيديهم إلي العلم بأحكام الله ، لاسيما في المسائل المتعلقة بتوحيد الإله ، دون الحكم عليهم قبل سابق إنذار ، أو تكفيرهم وإخراجهم من الملة إلي الخلود في النار .
كما ينبغي أن يُعلم أن الله إذا أخبرنا عن إنسان أنه في النار ، فيجب أن ندرك يقينا أن الحجة بلغته وأن الرسالة وصلته ، لأن ذلك لازم للعدل الإلهي ، فالله لا يعذب أحدا إلا بسابق إنذار ، وقد حاول بعض الناس بجهلهم وحبا في نبيهم أن يرد حديث أَنَس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم بسنده عن النبي صلي الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلا قَال يَا رَسُول اللهِ أَيْنَ أَبِي قَال فِي النَّارِ فَلمَّا قَفي دَعَاهُ فَقَال إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ، وكذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال :
( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلمْ يَأْذَنْ لي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لي ) ، فالحديثان صحيحان وثابتان عن المصطفي صلي الله عليه وسلم ، ويدلان بلا لبس أو غموض على أن والد النبي صلي الله عليه وسلم وأمه في النار وأنهما ماتا على الشرك بالله ، وهذا يدل يقينا على أن الحجة وصلتهم وأن رسالة التوحيد بلغتهم ، وإن كنا لا نعلم كيف وصلتهم أو بلغتهم ، ولا يحتاج الأمر إلي تأويل ، أو خروج عن الدليل ، أو الكذب على رسول الله صلي الله عليه وسلم في أن الله أحيا أباه وأمه فآمنا به ثم ماتا ، أو ندعي لأنفسنا أننا نحب أباه وأمه أكثرَ منه صلي الله عليه وسلم .
وقد يسأل سائل ويقول : هل يلزمني لكي أحقق شرط العلم الذي هو من شروط لا إله إلا الله ، أن أتعلم كل صغيرة وكبيرة في الدين ؟ وأن أترك عملي لأسلك سبيل المتعصبين المتشددين ؟ والجواب على ذلك سهل ويسير على من هداه اللطيف الخبير ، لم يأمر الإسلام أحدا أن يترك عمله ويتواكل على غيره ، ودين الله يسر لا سبيل فيه للمتعصبين والمتشددين ، ولكن المطلوب منك أن تسأل المتخصصين عما يظهر لك في حياتك من أحكام ، لأنك بقولك لا إله إلا الله عاهدت الله على الالتزام ، عاهدته على أن تنفذ أمره إذا علمته ، وأن تصدق خبره إذا عرفته ، فإن سمعت آية يأمرك الله فيها بفعل معين ، فواجب عليك الطاعة لرب العالمين ، وإن سمعت آية يخبرك الله فيها عن شيء من الغيبيات ، وجب عليك التصديق الذي يبلغ حد اليقين ، ولن يستطيع إنسان بمجرد إسلامه أن يتعلم الفقه بكل أحكامه ، ولكنه مع كثرة السؤال والاستفسار ، يزداد علمه بربه ، وتنمو المعرفة في قلبه ، ومن زادت معرفته بالله ازدادت هيبته ، ونما وقاره وازدادت سكينته .
وشرف لك أيها المسلم أن تتعلم الفقه في الدين ، وأن تطلب العلم على أيدي العلماء الراسخين ، فقد ثبت عن سيد الأنبياء والمرسلين أنه قال : ( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ) ، ومن حديث أَبِي أُمَامَةَ البَاهِليِّ رضي الله عنه قَال : ذُكِرَ لرَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ رَجُلانِ ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالمٌ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ : ( فَضْلُ العَالمِ على العَابِدِ كَفَضْلي على أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْل السماوات وَالأَرَضِينَ حتى النَّمْلةَ فِي جُحْرِهَا وَحتى الحُوتَ ليُصَلُّونَ على مُعَلمِ النَّاسِ الخَيْرَ ) ، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني .
وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام ، ومنار السبيل لأهل الجنة ، وهو الأنيس في الوحشة ، والصاحب في الغربة ، والمحدث في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، وهو السلاح على الأعداء ، وزينة الأخلاء ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة ، وأئمة تُقْتَص آثارهم ، ويقتدي بأ فعالهم ، وينتهي إلي رأيهم ، ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ، ويستغفر لهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، لأن العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصابيح الأبصار من الظلم ، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة ، به توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال من الحرام ، وهو إمام العمل والعمل تابعه ، يلهم الله العلم للسعداء ، ويحرم منه الأشقياء .
وقال وهب : العلم يتشعب منه عدة خصال ، الشرف وإن كان صاحبه دنيا ، والقرب وإن كان صاحبه قصيا ، والغني وإن كان فقيرا والنبل ، وإن كان حقيرا ، والمهابة وإن كان وضيعا ، والسلامة وإن كان سفيها .
وقد كان سلفنا الصالح ، يصنفون الناس في العلم إلي ثلاثة أنواع : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع يتبعون كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يدركوا بركة الفهم ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته ، وجميل الذكري بعد وفاته ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وآثارهم موجودة ، وأمثالهم في القلوب محمودة ، يموت العلم بموت حامليه ، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، أولئك هم الأقلون بين الناس عددا ، الأعظمون عند الله قدرا ، حفظوا الله فحفظهم ونصروا الله فنصرهم وشكروه فشكرهم وذكروه فذكرهم أولئك هم أولياء الله المتقون وحزبه الغالبون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وخلاصة شرط العلم ، الشرط الأول من شروط لا إله إلا الله ، دوام السؤال ، عن كل ما يمر به الإنسان من أفعال ، هل فعلها رسول الله صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أو أمر بها أو أقرها ، وما هو الدليل على ذلك ؟ اسأل في ذلك عالما فقيها ، ولا تسأل أحمقا سفيها ، يدعي العلم والفهم ، فينبغي عليك أن تقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة ، وعرف بالستر والأمانة ، فقد ثبت عن نبينا صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أنه قال : ( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عن الأصاغر ) ( البركة مع الأكابر ) .
وقال عبد الله بن مسعود : ( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا ) فاسمع من العالم التقي وانتبه لجوابه وانظر في خطابه ، ولا تفتن بمن يأتيك بكلام غريب ، بعيد عن سنة الحبيب ، فيأتيك بالتأويل والتعطيل أو التحريف والتبديل ، تحت ستار الأقيسة العقلية أو الأصول الكلامية أو المواجيد الذوقية وخرافات الصوفية ، أو قد يقول لك هذا علم لدني قوي ، ويفتيك بكلام عجيب فقل له العلم اللدني في اتباع سنة الحبيب صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، فإن علمت الحكم ونور الله بصيرتك بالفهم فاستجب لله كما أمر المؤمنين الموحدين فقال : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَللرَّسُول إِذَا دَعَاكُمْ لمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُونَ ) .
فيا عبد الله أدعوك إلي أن تحقق شروط لا إله إلا الله أدعوك
- إلي علم تكون به إماما .. مطاعا إن نهيت وإن أمرتا -
وتجلو ما بعينك من غشاها .. وتهديك السبيل إذا ضللتا -
وتحمل منه في ناديك تاجا .. ويكسوك الجمال إذا اغتربتا -
ينالك نفعه ما دمت حيا .. ويبقي ذخره لك إن ذهبتا -
يزيد بكثرة الإنفاق منه .. وينقص به إن كفا شددتا-
فلو قد ذقت من حلواه طعما .. لآثرت التعلم واجتهدتا -
ولم يشغلك عنه هوى مطاع ..ولا دنيا بزخرفها فتنتا -
فرأس العلم تقوى الله حقا ... وليس بأن يقال لقد رأستا -
إذا ما لم يفدك العلم خيرا .. فخير منه أن لو قد جهلتا -
وإن ألقاك فهمك في مهاو .. فليتك ثم ليتك ما فهمتا -
ولا تحفل بمالك واله عنه .. فليس المال إلا ما علمتا-
وليس لجاهل في الناس معني .. ولو ملك الأرض له تأتي -
وما يغنيك تشييد المباني .. إذا بالجهل نفسك قد هدمتا -
لئن رفع الغني لواء مال .. لأنت لواء علمك قد رفعتا -
وإن جلس الغني على الجبال .. لأنت على الكواكب قد جلستا -
وإن ركب الجياد مسومات .. لأنت بمنهج التقوى ركبتا -
فقابل بالقبول صحيح نصحي .. فإن أعرضت عنه فقد خسرتا -

وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين .
نقلاً عن موقع الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة