الموضوع: الرسول والناس
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2010, 09:15 AM   #1
معلومات العضو
شذى الاسلام
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي الرسول والناس

الرسول والناس

ان عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه لفضيلة يشرف بها مقام العظيم في نظر بني الإنسان، ولكن قد يقال إن استحقاق العظيم أن يحبه العظماء، لأشرف من ذلك رتبة وأدل على حظه الجليل، من فضائل التفوق والرجحان، وهذا صحيح لا ريب فيه، وهنا أيضا قد تمت لمحمد صلى الله عليه وسلم معجزتة، التي لا يضارعه فيها أحد من ذوي الصداقات النادرة، فأحدقت به نخبة من ذوي الأقدار تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الرأي وعظمة الهمة، وكل منهم ذو شأن في عظمته، تقوم عليه دولة وتنهض به أمة، وربما عظم الرجل في مزية من المزايا فأحاط به الأصدقاء والمريدون من النابغين في تلك المزية، كما أحاط الحكماء بسقراط، والقادة بنابليون، بل ربما أحاط الصالحون بالنبي العظيم كما أحاط الحواريون بعيسى ابن مريم عليه السلام، وكلهم من معدن واحد وبيئة متقاربة، أما عظمة العظمات فهى تلك التي تجذب إليها الأصحاب النابغين من كل معدن وكل طراز، وهى التي يقابل في حبها رجال بينهم من التفاوت مثل ما بين أبي بكر وعمر وبين عمر وعثمان، وبين خالد ومعاذ، وبين أسامة وابن العاص، كلهم عظيم، وكلهم مع ذلك مخالف في وصف العظمة لسواه، تلك هى العظيمة التي اتسعت أفاقها، وتعددت نواحيها، حتى أصبحت فيها ناحية مقابلة لكل خلق، وأصبح فيها قطب جاذب لكل معدن جاذب لكل معدن، وأصبحت تجمع إليها البأس والحلم، والحيلة والصراحة، والألمعية والاجتهاد، وحنكة السن وحمية الشباب.

تلك هى بلا ريب عظمة العظمات، ومعجزة الإعجاز في باب الصداقات، وما استحقها محمد إلا بنفس غنيت بالحب، وخلصت له حتى أعطت، كل محب لها كفاء ما يعطيها، مودة بمودة، وصفاء بصفاء، وعليها المزيد من فضل التفاوت في الأقدار، ولقد كان صاحب الفضل علي أصفيائه جميعا بما هداهم إليه من نور العقل ونور البصر.

النبي وسط الناس كان واحد من الناس، يدخل الزائر فيسأل أيكم محمد (صلى الله عليه وسلم)، يلبس لبسهم، يتكلم بلغتهم، يعاملهم بقدر عقولهم، يعمل مثلما يعملون، يركب مثلما يركبون، بل حمل التراب معهم في الخندق، وكسر الصخر معهم أيضا! خيره الله بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا، اختار أن يكون عبدا يجوع يوما فيصبر، ويشبع يوما فيشكر، الحب الذي أحبه أصحابه إياه، ونحن أيضا، ندر أن يتكرر في التاريخ، الحكام ورجال الأعمال، والمديرين كانوا، ومازالوا أيضا يحيطون بأنفسهم هالة من العظمة، من التميز، في الزي، في السيارة والفندق أو القصر، في الماركات التي يستخدمونها، يريدون لأنفسهم التعظيم، يبحثون عن الوجاهة والمظهر، كلما قلت درجة الزي أو الماركة أو السكن والسيارة كلما قل احترام الآخرين هكذا يعتقدون، كلما قلت نظرتهم أو احترامهم، هكذا يظنون، الرسول كان أبسط الناس، لكنه حصل على كل الحب، كل الاحترام، حتى أحبه المسلمون أكثر من حبهم لأنفسهم، رغم بساطته وتواضعه، في هذا تميز في الفكر، في الأسلوب، في العظمة هذا عكس ما يحدث في العادة، فرعون قال بعظمة ان تلك البلاد ملكي والأنهار التي تجري من تحتي! النبي لم يفعل، كان يربط الحجر على بطنه من الجوع! كيف فعل النبي هذا؟ إنه تميز النبي، انها عبقريته المثيرة والمدهشة!

و مع فضله على كل من حوله صلى الله عليه وسلم كان يعترف للآخرين بالفضل، يقول العقاد: ومع هذا كان يذكر فضلهم ويشيد بذكرهم، كما قال عن أبي بكر: ما أحد أعظم عندي من أبا بكر، واساني بنفسه وماله وانكحني ابنته. ويقول عن أبي بكر وعمر: أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر، وكما قال عن على: على أخي في الدنيا والآخرة. وكما قال عن بعض الصحابة، إن الله تعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم على منهم، وأبو ذر، والمقداد وسلمان. وكما قال عن الأنصار جميعا وهو في مرض الموت: استوصوا بالأنصار خيرا، إنهم عيبتي التي أويت إليهم، فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم. وغيرهم من الصحابة.

أحب الناس فأحبوه، عطف عليهم فبجلوه، يسر أمورهم ففضلوه، حتى على أنفسهم ووالديهم والأقربين، كان يمشي بين الناس يستمع لهم، لا فرق لديه بين قوي وضعيف، فقير وغني، سيد أو عبد، يمسك بيده الصبية ويسيرون به إلى مبتغاهم، أى نبي هذا! إنه رحمة حقيقية، اختار لهم اليسر وابتعد عن العسر، بحث في مصالح الناس وقدمها، في العدل بينهم وأقامه، كان هذا النبي في مجتمعه بين الناس ميزانا لإقامة العدل وإشاعة الرحمة، فضحوا من أجله بكل شئ، وأحبوه بكل ذرة في قلوبهم وأرواحهم.

تكلم معهم بلغتهم فلم يتعاظم على أحد، مع من أحب المال أعطاه، مع من أحب الملك وعده أن يمتلك الإسلام ما تحت يدي كسرى وقيصر، مع البدوي الذي دعا اللهم أدخلنى الجنة انا والنبي محمد فقط ولا تدخل معنا أحدا فعلمه بأدب وقال: لقد تحجرت واسعا، أحب المسلمين حتى أنه سيقوم يوم القيامة يدعو: اللهم أني لا أقول لك نفسي، ولا فاطمة ابنتي، ولكن أمتي أمتي! تواضع مع البدوي الذي أمسك بخناقه وقال أعطني فأنت لا تعطيني من مال أبيك فصدقه على ما قال وابتسم في وجهه وأعطاه! تكلم مع عمر ابن الخطاب قبل الاسلام وقد كان يهابه الناس كل الناس وعندما زاره عمر خاف الناس عندما علموا بقدومه أما النبي فأمسك بخناقه وعنفه بقوة! تكلم مع ركانة المصارع القوي بلغته فصرعه، يحكي ابن هشام في سيرة الرسول قصة النبي معه فيقول:: كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف أشد قريش، فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ركانة، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ؟ قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرأيت إن صرعتك، أتعلم أن ما أقول حق؟ قال: نعم؛ قال: فقم حتى أصارعك!

قال: فقام إليه ركانة يصارعه ؛ فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه، وهو لا يملك من نفسه شيئا، ثم قال: عد يا محمد، فعاد فصرعه، فقال: يا محمد، والله إن هذا للعجب، أتصرعني! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه، إن اتقيت الله واتبعت أمري؛ قال: ما هو ؟ قال: أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني؛ قال: ادعها، فدعاها، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال لها: ارجعي إلى مكانك. قال: فرجعت إلى مكانها، النبي يصارع ركانة المصارع القوي فيغلبه، يتحدث مع الناس بلغتهم التي يفهموها، هو وسطهم كواحد منهم، لا يتعالى ولا يتعاظم ولهذا أحبوه، إنها الشخصية التي تجذبك، تأسرك، فلا تملك إلا أن تحبها. ومن قلبك أيضا.

ومع سراقة بن مالك الذي أراد أن يقبض على النبي فيحصل على الجائزة التي وعدت بها مكة لمن يقبض عليه وهى مائة ناقة: القصة يحيكيها سراقة فيقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم .

قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت إليه بعيني: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم ؛ قال: لعله، ثم سكت. قال: ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأُخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها ؛ فخرج السهم الذي أكره (لا يضره). قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة الناقة. قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا ؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره ( لا يضره ) قال: فأبيت إلا أن أتبعه. قال: فركبت في أثره، فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا ؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره ( لا يضره ) قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره. فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار .
قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر.
قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم: انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه .
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: قل له: وما تبتغي منا ؟ قال: فقال ذلك أبو بكر قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك.
قال: اكتب له يا أبا بكر .
قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة، أو في خزفة، ثم ألقاه إلي، فأخذته، فجعلته في كنانتي، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه، فلقيته بالجعرانة. قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار. قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون: إليك إليك، ماذا تريد ؟ قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة. أراد سراقة المال، فوعده الرسول بأساور كسرى، وصدقه سراقة مع أنه لم يكن مسلما، فقد عرف النبي بصدقه حتى في الوعود ثم أسلم سراقة، ومات النبي، ثم مات أبو بكر، وفي عهد عمر عندما فتحت بلاد كسرى أخذوا كنوزها فأرسلوها إلى المدينة، كان سراقة قد شاب وهرم، كان يقول لن أموت حتى يفي النبي لي بوعده وأحصل على أساور كسرى! نادى عمر في المسجد ذات يوم: أين سراقة بن مالك؟ أتى سراقة فطلب منه عمر كتاب النبي الذي وعده فيه بأساور كسرى، أعطاه الكتاب وألبسه عمر أساور كسرى، بكى سراقة لشوقه وحبه للرسول، أبكي معه كل من في المسجد أيضا!

هكذا كان يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم لغة! يفهمهم فيرحمهم، يتفهم حاجاتهم وييسر أمورهم، ابنه الصغير يركب ظهره أثناء السجود، فلا يعجل بالقيام حتى ينتهى من لهوه! حتى الرحمة بالحيوان الضعيف، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها. فلا هي أطعمتها. ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض. حتى ماتت هزلا. وأخرى دخلت الجنة بسبب كلب، كانت عاهرة، فوجدت كلبا يلهث من العطش، نزلت إلى البئر وسقته بحذائها! الله هو من أطلق عليه لفظ الرحمة، قال عنه أيضا أنه رحمة للعالمين! كثيرا ما قال: لولا أشق على أمتي لأمرتهم... ولأنه لا يريد المشقة لهم فإنه لا يأمرهم بها، منها قوله: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. وقوله: لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل. رآه أعرابيا يقبل طفلا فسأل النبي مندهشا: أتقبلون الصبيان، قال نعم، قال فانا لا نقبل، قال النبي: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟ وفي حديث أخر أنه صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس فاستنكر هذا السلوك ولم يألفه، قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً فنظر إليه النبي وقال: من لا يَرحم لا يُرحم. كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار، وجد فيه جملا فلما رأى النبي أتاه وبكى واشتكى له، فسأل النبي: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فأتاه شابا فقال أنا يا رسول الله، فقال له الرسول: أفلا تتق الله في هذه البهيمة ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه. كان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالناس، وأرحم الناس بالحيوان، كما أمر الناس بالرحمة والتراحم، فأشاع جوا من الطمأنينة والحب، وحل مشاكل الجفاء والقسوة، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، قال صلى الله عيه وسلم: من لا يرحم لا يرحم. وقال: لا يرحم الله من لا يرحم الناس. وقال: لا تنزع الرحمة إلا من شقي.

أخرج النبي صلى الله عليه وسلم الناس من الكفر إلى الإيمان، من العمى حيث لم يعرفوا ربهم ولا الكون من حولهم إلى النور، من الجهل إلى المعرفة، في رفق فعل هذا، رغم حرصه على الناس وحبه لهم، وخوفه عليهم من النار، هذا الحرص لم يجعله عصبيا، ولا بذيئا، ولا متسرعا، كان رغم حرصه رحيما بغير قسوة ولا تسرع، أعجب كيف اجتمعت تلك الطبائع فيه، فالحرص يولد السرعة، والعصبية أيضا، لكنه كان حلوا على النفوس، سمحا في تعامله، عادلا في حكمه،حلوا في معشره، إنه النبوغ الهائل والشخصية المتكاملة.

القادة يظلمون، أحيانا يفعلون حتى بدون قصد، فالقيادة فن صعب، صعب أن تجعل الناس بمختلف طبائعهم وشخصياتهم تطيعك وهم يحبوك، يسمعون لك ولا يخالفوك، فان انت عاقبت فقد تظلم، وان أنت قسوت فقد تظلم، وان أنت قسمت فقد لا تعدل، النبي كان طرازا فريدا من القادة، كان عادلا غير متجبر ولا متكبر، الحق يحبه ولو على نفسه أو الأقربين، فقال لو أن فاطمة سرقت لقطع يدها! فأي حاكم يفعل مثله؟ أمره الله بهذا أيضا، في إحدى الغزوات كان النبي يصف الجيش، أمرهم أن يصطفوا ففعلوا إلا سويدا، رجل من الصحابة، أمره النبي أن يستوي فلم يفعل، فدفعه النبي بسواك كان معه في بطنه كي يعود إلى الصف، ادعى سويدا أن النبي أوجعه وطلب القصاص من النبي، وهو القائد، والمعركة على وشك! أعطاه النبي الإذن بالاقتصاص لنفسه، ورفع ثوبه لسويد الذي قبل بطن النبي، قال سويد أنه إنما فعل ما فعله لكي يكون أخر عهده بالدنيا أن يمس جسده جسد النبي! فأي عدل لهذا النبي القائد قبل المعركة، وأي حب من الناس له! لا استقرار دون عدل: وأمرت لأعدل بينكم([1]). وفي المثل يقولون العدل أساس الحكم.

للنبي أكثر من قصة مع العدل، كان يقيمه حتى ولو على نفسه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم شيئا، أقبل رجل فأكبّ عليه، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون – وهو عود النخل - كان معه، فخرج الرجل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( تعال فاستقد – أي اقتصّ مني)، فقال الرجل: قد عفوت يا رسول الله، رواه النسائي. في ظل قيادته صلى الله عليه وسلم للمجتمع شعر كل منهم بالراحة، بالأمان، عرفوا أن حقوقهم محفوظه لا يمكن المساس بها، أن العدل موجود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل إن لم أعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل، أراد النعمان ابن بشير أن يشهد الرسول على هبة أعطاها لأحد أبناءه، قال له النبي: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ ) فقال له: نعم، فقال له: ( أكلهم وهبت له مثل هذا )، قال: لا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم –: (فلا تُشهدني إذاً ؛ فإني لا أشهد على جور)، وعندما أسر المسلمون عم النبي العباس في موقعة أحد لم يخرجه النبي دون فداء، كان قادرا على أن يفعل، لكنه يعدل وهو قادر على أن يفعل ما يريد، دفعوا فداء العباس مائة أوقية، وهى كثير! وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على إقامة العدل كاملا غير منقوص، وخوفا من أن يحدث بعضا من الظلم الغير مقصود قال صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض – أي: أقدر على إظهار حجّته، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها
ذات يوم سرقت امرأة مخزومية من شريفات القوم، أرادوا أن يشفعوا حبيب رسول الله أسامة بن زيد وقد كان أسمر البشرة! تروى السيدة عائشة رضى الله عنها فتقول: إن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقال له النبي: أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها، قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان النبي وسط الناس متواضعا معهم، متحدثا بلغتهم ولسانهم، معاملا لهم على قدر عقولهم، متفهما لحاجاتهم، رحيما بهم، عادلا معهم، فجمع كل صفات النبي الرحيم، والقائد العادل، في مهارة بارعة، وسداد رأي مكتمل.

----------------------------
[1] الشورى 15
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة