الموضوع: الولاء والبراء
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-04-2009, 03:38 AM   #9
معلومات العضو
لقاء
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ثالثاً: تحريم إعانة الكافر على المسلم:

الأمر الثالث الذي تقتضيه البراءة من الكافر وعدم موالاتهم هو عدم جواز إعانتهم على المسلم بحال، فإذا كان المسلم دمه وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم، وكان سباب المسلم فسوقا، واقتطاع حقه موجبا للنار وسفك دمه ظلما موجبا للخلود فيها أيضا فإن إعانة الكافر على مسلم خروج من الدين مطلقا وكفر أو ردة والآيات التي صدرنا بها هذا البحث هي في هذا الصدد خاصة
كقوله تعالى: **يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين** (المائدة:51) وكذلك آيات الممتحنة وقد نزلت كما علمنا آنفا في شأن حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كفار قريش.
وبهذا يعلن أن إعانة الكفار على المسلمين لا شك أنه كفر. ولم يسمح الله في هذا الصدد بأي صورة من صورة الإعانة.
ولا لأي أحد حتى للمستضعفين في بلاد الكفار أن يقاتلوا مع قومهم ضد المسلمين كما قال تعالى: **ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديكم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبيناً** (النساء:91) والمقصود بالفتنة هنا حرب المسلمين.
رابعاً: تحريم اتخاذهم بطانة وحاشية:

الأمر الرابع: الذي نهانا الله عنه تجاه الكافرين واخبرنا أنه من جملة موالاتهم هو اتخاذهم بطانة أي وزراء وعمالا في الأمور الحساسة من أمور الدولة والحكومة الإسلامية.
وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون** (آل عمران:118).
ولهذا لم يتخذ الرسول والخلفاء الراشدون غير المسلمين في أعمال الدول الهامة كقيادة الجيوش.
والأشراف على بيت المال، والجنود والشرطة وسائر الأمور التي فيها اطلاع على عورات المسلمين ومعرفة بأحوالهم. ولذلك كانت الدولة الإسلامية في عافية وقوة. ولكن بعد أن اتخذ الخلفاء الكفار بطانة لهم ووزراء تغير الأمر وبدأت أحوال المسلمين إلى زوال.
ولذلك سنفصل -بحول الله- فيما يأتي هذه الاستثناءات والأمور التي لا تخالف ولا تناقض أصل البراءة:
استثناءات لا تنقض أصل البراءة:

أولاً: اللين عند عرض الدعوة:

لا تعني البراءة من الكافرين حجب دعوة الإسلام عنهم وتركهم لما هم فيه من ضلال. بل يحتم الإسلام على أهله دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والحرص على هدايتهم والرغبة الأكيدة في تحولهم إلى الإسلام ولما كان هذا لا يأتي إلا بالدخول إلى النفوس من مداخلها واستجلاب رضاها وراحتها فإن الإسلام جعل سبيل الدعوة مع الكفار وغيرهم هو الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى
كما قال تعالى: **ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين** (النحل:125).. وذلك أن النفوس الشاردة، والقلوب القاسية لا تعود إلى الإسلام ولا تلين إلا بالملاينة والملاطفة وإظهار العطف والشفقة والحرص.

ولذلك قال تعالى لموسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون: **فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى** (طه:44) وهكذا صنع موسى مع فرعون لاطفه في أول لقاء له وشرح له دعوته وجادله بالحسنى ووكل أمره لله بعد أن أعلن فرعون عداوته له.

وهكذا أيضاً فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين والكافرين والمعاندين ممن عرض عليهم دعوته سواء كانوا من العرب المشركين أو اليهود أو النصارى جادلهم رسول الله بالحسنى ودعاهم باللين والبيان وصبر معهم صبراً طويلاً ولم يثبت قط أنه أهانهم أو اغلظ عليهم عند عرض الدعوة أبداً وذلك امتثالاً لقوله تعالى: **ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم** (العنكبوت:46) وقوله: **ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة** (النحل:125)،

وهذه الآيات كلها ومثلها بالمئات في القرآن الداعية إلى الحكمة والصفح الجميل عن المكذبين لا تناقض قوله تعالى: **يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير** (التوبة:73)،

وذلك أن الغلظة المأمور بها هنا إنما هي الغلظة في القتال فقط، وهذا مقام يحتاج إلى شدة وغلظة بخلاف مقام الدعوة، ولكل مقام مقال، كما يقولون.
وذلك بدليل قوله تعالى: **يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة** (التوبة:123).
فهذه الغلظة هنا تفسر الغلظة في الآية الأخرى وأن ذلك إنما يكون في مقـام القتـال والمقاتل إن لم يتصف بالشجاعة والقوة والغلظة لمن يقاتلونه لا ينتصر.
فلو رحمه أو لاينه أو أشفق عليه فإنه لا يقتله. ومما يوضح ذلك جلياً ما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين في موقعة بدر، فقد رص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ودعا المؤمنين إلى الشجاعة في القتال وقال: [والله لا يقتل رجل منكم اليوم مقبل غير مدبر إلا دخل الجنة] (رواه أبو إسحاق. انظر البداية والنهاية 3/276-277).
وفي هذا غاية التحريض على بذل النفس ولكنه بعد المعركة وهزيمة الكفار وأسر سبعين منهم لاطف الأسرى ولاينهم وداوى جراحاتهم وأمر الصحابة بإكرامهم فقال صلى الله عليه وسلم [اكرموا الأسرى] (الترمذي وأبو داود)،

حتى أن الصحابة كانوا يؤثرونهم بالطعام الجيد على أنفسهم وأنزل القرآن في ملاطفة الأسرى ودعوتهم للإسلام فقال تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم** (الأنفال:70)،
وهذا غاية الملاينة والملاطفة في دعوتهم إلى الإسلام وأن الله سيعوضهم عن الفدية التي أخذت منهم إن هم أذعنوا للإسلام وآبوا إلى الله ورسوله.

وبهذا يظهر لنا جليا التفريق بين مقام القتال ومقام الدعوة.
فمقام الدعوة هو مقام اللين والملاطفة وتخير الألفاظ وإحسان القول رغبة في تطميع الكافر في الدين، واستمالة لقلبه إليه.
والجاهلون بهذا لا يميزون بين مقام ومقام ويظنون أن البراءة من الكفار تعني سبهم وشتمهم وإغلاظ القول لهم في مقام الدعوة وهذا غاية الجهل والحماقة.

ثانياً: حل الزواج بالكتابية وأكل ذبيحة الكتابي:
لا شك أن الكتابي يهودياً كان أو نصرانياً هو ممن حكم الله عليهم بالكفر والخلود في النار إذا سمع بالإسلام ولم يدخل فيه كما قال تعالى: **لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار *لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منه عذاب أليم** ( المائدة:72-73).

وهذا نص واضح في كفرهم لمقالتهم الشنيعة في الله ولا شك أيضاً أنهم لا يخرجون من مسمى أهل الكتاب بهذه المقالة فقد ناداهم الله مرارا بهذا الاسم مع وجود معتقدهم هذا فيهم كقوله تعالى: **يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه إن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً** (النساء:171)، فقد ناداهم الله بمسمى أهل الكتاب مع مقالتهم هذه..
وبالرغم من ذلك فقد أباح الله للمسلم أن يأكل مما ذبحه الكتابي وأن يتزوج المرأة الكتابية وهذا مجمع عليه بين المسلمين

ويشهد لهذا قوله تعالى: **اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين** (المائدة:5)
وأنت ترى هنا أن الله قد جعل طعام أهل الكتاب من الطيبات المباحة والمقصود بطعامهم ذبيحتهم وهذا لا خلاف فيه أيضاً،

وكذلك جعل الله المحصنة الكتابية أي العفيفة التي لا ترضى الزنا مباحاً الزواج بها كالعفيفة المسلمة أيضا. وبهذا تعلم أن الأكل من طعام اليهود والنصارى لا ينافي ولا يعارض البراءة منهم، بل هذا مما استثنى،
وكذلك الزواج من نسائهم. ومعلوم انه يحصل مع الزواج من نسائهم كثير من المودة والمحبة الزوجية الفطرية التي تقوم بين الأزواج عادة كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون** (الروم:21)
ولا شك أن المودة هنا مستثناة من النهي عن المودة للكفار المنصوص عليها في مثل قوله تعالى: **لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله** (المجادلة:22).. الآية.
فمودة الزوج المسلم لزوجته الكتابية مخرج من ذلك ولا شك لأنه من المباح الذي لا يؤاخذ الله عليه ولا شك إن هذه المودة المباحة هي المودة الفطرية التي ينشئها الله في قلب الزوج لزوجته والتي لا يجوز معها اطلاع هذه الزوجة على عورات المسلمين أو إعانتها أو إعانة قومها على الإسلام و أهله.

ومعلوم كذلك إن الزواج بالكتابية يستلزم أيضا السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا لدين إن أرادت وان لا تجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل.

وكذلك الأمر بالنسبة لأكل طعام أهل الكتاب لا شك انه لا يمنع أن يأكله المسلم هديةً أو بيعاً وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها له اليهودية في خيبر. وأكل منها أصحابه، ومعلوم أن الإهداء والبيع ونحو ذلك قد يحصل به تعارف ونوع صداقة ومودة وكل ذلك لا ينافي ولا يناقض الأصل الذي شرحناه آنفا وهو البراءة من الكفار.

التعديل الأخير تم بواسطة لقاء ; 12-04-2009 الساعة 01:36 AM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة