عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-09-2008, 10:33 PM   #7
معلومات العضو
@ كريمة @
إشراقة إدارة متجددة

Lightbulb المجال السادس: اجتماع كلمة المسلمين على الحق

الجماعة فريضة في القرآن والسنة.
لقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يعتصموا بحبله، ونهاهم عن التفرق والتنازع، لما في اجتماع كلمتهم على الحق من قوة وعز وسؤدد، وتعاون على البر والتقوى، وإعلاء لراية الإسلام، وهيبة في نفوس الأعداء، ونصر من الله عليهم، ولما في التفرق والتنازع من الضعف والخور والفشل والعدوات والإحن، ومن إطماع الأعداء في العدوان على أرض المسلمين وعرضهم، وأموالهم، ومساجدهم، كما قال تعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم)) الآية: آل عمران: 103.
وقال تعالى: ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) الأنفال: 46.
وقال تعالى: ((ولقد صدقكم الله وعده إذتحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريدا لآخرة)). آل عمران: 151.

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم-كما أمر الله تعالى-بلزوم الجماعة والاعتصام بحبل الله، كما في حديث حذيفة، رضي الله عنه يقولكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني-إلى أن قال-: فما تأمرني إن أدر كني ذلك؟-أي زمن الدعاة إلى أبواب جهنم-قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 485، رقم: 1211)]"

وسائل اجتماع المسلمين
وقد خص الله هذه الأمة بوسائل شرعها لها، تجتمع بها كلمتها، وتتراص صفوفها، وتنال بها العزة على أعدائها، وهذه الوسائل المشروعة التي خص الله بها هذه الأمة، تفقدها سائر أمم الأرض، وهي كثيرة نذكر منها الوسائل الأربع الآتية:

الوسيلة الأولى: أن الله تعالى حفظ لها مصدر منهاج حياتها، الذي يوجهها دائما إلى الحق، و يجمع كلمتها عليه، وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه-وكذا سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.

فهي تأخذ توجيهها منه، وكله حق وكل ما خالفه باطل، فإذا تنازعت هذه الأمة في شيء، رجعت إليه فقضى بينها بالحق، وأزال التنازع، وردها إلى الاجتماع والائتلاف، كما قال تعالى: ((يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)). النساء: 59

أما الأمم الأخرى التي حرمت نفسها من الإيمان بهذا المنهج الإلهي-بعد أن حرفت وبدلت ما أنزل الله إليها من هداه، كما هو شأن اليهود والنصارى، أو آثرت ابتداء عبادة غير الله على عبادته، فلم تستجب لتوجيه وحيه، كما هو شأن الملحدين والوثنيين-فإن مناهجها كلها تفقد هذه الميزة الربانية، لأنها من صنع البشر الذين لا قدرة لهم على الإحاطة بما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.

بل لا يزالون يتخبطون في قوانينهم التي يُسِّيرون بها حياتهم، فما يرونه اليوم حسنا، يلزمون أنفسهم بتعاطيه والعمل به ويعاقبون من خالفه، يصبح عندهم غدا سيئا محظورا، يعاقبون من تعاطاه، بل إنهم ليختلفون في الأمر في وقت واحد، فيرى بعضهم حسنه، ويرى الآخرون قبحه، لذلك تجدهم مختلفين في كل شيء متباغضين متعادين، ولا حاكم بينهم إلا أهواؤهم، وأي هوى أحق بالا تباع من غيره!؟

قال تعالى-مبينا نعمته على هذه الأمة، وحرمان الأمم الأخرى أنفسها من تلك النعمة-: ((كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أو توه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)). البقرة: 213.

وقال تعالى: ((ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون)) المائدة: 14.

الوسيلة الثانية: ما شرعه الله من العبادات الجماعية-وإن كان كل فرد مسئولا مسئولية مباشرة عنها-كصلاة الجماعة والجمع في المساجد، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وصيام رمضان وقيام الليل فيه، والحج الذي يؤديه المسلمون من كل أنحاء الأرض في وقت واحد ومكان واحد، وكذلك العمرة.

الوسيلة الثالثة: أن الله تعالى تفضل على هذه الأمة بالتشريع الحاسم، الذي لا يقبل الاختلاف والاجتهاد في أصول الدين، وأسس الفرائض، وأمهات المحرمات، وعقوبات الجرائم الكبرى، والقواعد العامة للسياسة الشرعية، والأحكام الأسرية، لعلم الله تعالى أن عقول خلقه غير قادرة على ضبط مصالحهم فيها، وأنه لا بد من تشريع ثابت لها.
وترك تعالى لعلماء الأمة وعقلائها وذوي الخبرة فيها، الاجتهاد فيما لا يضر الاختلاف فيه، بحسب الأزمنة والأمكنة، واختلاف الأحوال والأشخاص، مما يندرج في نصوص عامة، أو قياس معتبر صحيح.


الوسيلة الرابعة: الجهاد في سبيل الله، الذي شرعه الله لإعلاء كلمته، وهو لا يقوم به إلا جماعة مطيعة، لأمير شرعي، يتكاتف فيه المسلمون ويتعاونون بالمال والنفس والرأي، لإحقاق الحق وإبطال الباطل في الأرض.

وقد أهمل غالب حكام الشعوب الإسلامية، كثيرا من مضامين الوسيلة الثانية كما هو معلوم، وأما الوسيلة الرابعة، وهي وسيلة الجهاد، فقد تواطئوا على محاربتها ومحاربة القائمين بها، ولو كانوا يدفعون بذلك عدوان المعتدين، الذين احتلوا أرضهم و أزهقوا أرواحهم، وأخرجوهم من ديارهم، ودنسوا مقدساتهم، كما هو الحال في فلسطين، وأفغانستان والشيشان، وغيرها.
وسبب محاربتهم تلك، عدم التزامهم بتطبيق شرع الله، وخضوعهم لأعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والوثنيين.

فأما رجال الله المؤمنون المجاهدون، فهم ثابتون صابرون على الابتلاء والمحنة، طمعا في الشهادة واحتسابا للأجر، ودفعا للعدوان، وهم مع قلتهم عَدَدا، وضعفهم عُدَدا، قد أرعبوا أعداءهم، كثيري العَدَد، قويي العُدد، وستكون العاقبة لهؤلاء المجاهدين بإذن الله، كما كانت لأسلافهم: ((قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)) [البقرة(249)]

وأما أعداء الله من ذوي العدوان على الإسلام والمسلمين، الذين يقول لسان حالهم: ((من أشد منا قوة))؟ فلهم في سلفهم سنن: ((فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون)) [فصلت (15)]
((إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون)) [الأنفال (36)]

وأما المحاربون للجهاد في سبيل الله، ممن ابتغوا العزة عند غير الله من اليهود والصليبيين والوثنيين، فنهايتهم الذلة لمن طلبوا منهم العزة، ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)) [النساء (139)]
وجزاؤهم الندم يوم لا ينفع الندم، وتلك هي سنة الله أيضا في أمثالهم: ((فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) [المائدة (52)]

ولولا بقاء الوسيلة الأولى، وهي استمرار المصدر الإلهي المحارَب، محفوظا بحفظ الله له، يرجع إليه من يحرص على طاعة الله بالعمل بما يرضيه، مما تضمنه من تشريع، ولولا ما بقي من عبادات جماعية، وهي الوسيلة الثانية، التي تربط بين المسلمين، ولم يستطع أعداء الإسلام القضاء عليها-مع محاولتهم الجادة للتقليل من شأنها وتقليص وظائفها- كصلاة الجماعة والْجُمَع في المساجد، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وصيام رمضان وقيام الليل فيه، والحج، مما أبقى الله به على الصِّلات الاجتماعية والأسرية، ولولا أولو بقية من دعاة الحق الذين لازالوا يحدون بالأمة إلى المحبة والإخاء، لولا ذلك كله وهو من فضل الله وتوفيقه، ومن محاسن هذا الدين وفضائله، لولا ذلك لانحلت البقية الباقية من الروابط الخيرة، التي لا زال المسلمون يتمتعون بها، كما انحلت روابط الأمم الأخرى.
والذي يهمنا هنا هو دور شهر رمضان المبارك في توحيد المسلمين وجمع كلمتهم.

دور شهر رمضان في توحيد المسلمين.
إن المتأمل في طبيعة هذا الشهر الكريم، يَبِينُ له أنه يعين المسلمين على الاعتصام بحبل الله، ويدفعهم إلى اتخاذ الوسائل المشروعة، التي تجمع كلمتهم على الحق، وتقوي رابطتهم، وتحقق أخوتهم، وتجعلهم يتعاونون على البر والتقوى، كما يدعوهم إلى اجتناب كل وسيلة تحدث بينهم الفرقة والتنازع المؤدي إلى فشلهم وذهاب ريحهم.
ومما يعين المسلمين على الاجتماع والائتلاف، المظاهر الآتية:

المظهر الأول:اهتمام عامة المسلمين بدخول شهر رمضان وخروجه
إن المسلمين في كل أنحاء الأرض، يهتمون بدخول شهر رمضان، وخروجه حرصا منهم على عدم فوات يوم من أيامه، لذلك تجد كثيرا منهم يتطلعون إلى رؤية هلاله، في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وهلال شهر شوال في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان، ويسأل بعضهم بعضا عن رؤيته.
وعلماء الفلك يجتهدون في الحساب الذي يثبتون به دخول الشهر وخروجه، بل تجد الحكومات في الشعوب الإسلامية، تهتم بذلك على أحد الوجهين، لتعلن لرعاياها دخول الشهر وخروجه....
وقد تداعى العلماء والمفكرون، بل وبعض حكومات الشعوب الإسلامية، إلى اتخاذ الأسباب التي توحد ابتداء الصيام ونهايته، وفي هذا الاهتمام الجماعي بدخول الشهر وخروجه، ما يدفع المسلمين، شعوبا وحكومات، إلى الاجتهاد في جمع كلمتهم وتعاونهم على مصالحهم.

المظهر الثاني: الاستبشار بدخول رمضان
إن المسلمين إذا ثبت عندهم دخول شهر رمضان، استبشروا بدخوله، ويسارع بعضهم بتهنئة بعض ويبشر بعضهم بعضا في القرى والمدن والحارات، في الدولة الواحدة، كما يهنئ بعضهم بعضا في كل الدول، ويتبادلون الدعوات، بأن يوفق الله الجميع لصيامه وقيامه، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه وصائل الاتصال، وتطورت تطورا، يتيح للجميع التواصل السريع في كل أنحاء الأرض.

إن هذه العاطفة الجماعية التي يظهرها المسلمون بعضهم لبعض، أفرادا وأسرا وجماعات ودولا، بدخول شهر رمضان من أهم الحوافز للتفكير الجاد في اتخاذ أسباب اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله، للتعاون على تحقيق مصالحهم، ودفع المفاسد والمضار عن أمتهم.

المظهر الثالث: الاستعداد لصيامه كبارا وصغارا
فترى المسلمين في الأرض كلها، يستعدون في أول ليلة من ليالي الشهر، لصيام هذا الشهر الكريم، فرحين مسرورين، كبارا وصغارا، يحضر رجالهم ما تحتاج إليه الأسرة من مؤن، وتعد نساؤهم طعام السحور المناسب المتاح، ويطلب صغارهم من الآباء والإخوان والأخوات أن يوقظوهم ليشاركوا الكبار في السحور والصيام.

المظهر الرابع: الإفطار الجماعي المهيب.
وتراهم عند الإفطار يتجمعون في المنازل والمساجد وأماكن العمل، منتظرين غروب الشمس، يحضر كل منهم ما تيسر له من تمر وطعام وشراب، ويحاول كل منهم أن يفطر أخوه من طعامه، رغبة في الفوز بأجر من فطر صائما.

وإني عندما يتاح لي الإفطار في أحد المسجدين: "المسجد الحرام" و "مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم" ولهذا الأخير السبق، وأنظر إلى ذلك مظهر ذلك التجمع الإسلامي المهيب، الذي يتسابق فيه المسلمون بمد سفراتهم من بعد صلاة العصر، ويعين أهل كل سفرة، عددا من شبابهم، أو من أجرائهم، لمد السفرة وحراستها، وإعدادها، بالتمر والماء، واللبن وشيء من أنواع الخبز، والقهوة.
ثم يرسل صاحب كل سفرة أولاده الصغار، لدعوة الناس إلى حضور سفرته، فتجدهم يلحون على كل من يرونه يريد الدخول إلى المسجد، على أن يشارك في الإفطار معهم....
وتجد في ساحات المسجد الخارجية، من يحضر طعام العشاء الكافي للمحتاجين من الناس من الأرز واللحم وأنواع العصيرات.

وقبل أذان المغرب تجد المسجد كله، قد فرش بسفر الإفطار، والناس من كل أقطار الأرض، قد تحلقوا على تلك السفر، من البلدان الإسلامية، من إندونيسيا شرقا، إلى موريتانيا غربا، ومن عدن جنوبا إلى بلدان آسيا الوسطى شمالا، ومن غير البلدان الإسلامية، من الولايات المتحدة إلى اليابان، كلهم ينتظر رفع الأذان ليعبد الله يتناول طعامه، كما عبد الله بصيامه،منهم القارئ، ومنهم من يرفع يديه إلى السماء، يدعو الله بما يشاء.
ومع تلك الأعداد الهائلة التي امتلأ بها المسجد، تجد من الوقار والسكينة، ما قد يعز وجوده في أي تجمع آخر غير هذا التجمع الإسلامي العظيم.

المظهر الخامس: صفوف المصلين
هذه الصفوف التي تغص بها مساجد الله في هذا الشهر الكريم، الذي يحرص المسلمون فيه على ارتياد المساجد، في الصلوات الخمس، وفي صلاة التراويح التي تغص بها تلك المساجد، وبخاصة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، اللذين لا يكاد يجد من لم يأت إليهما مبكرا، موضع قدم يصلي فيه، حتى إن المصلي ليضطر أن يسجد على جسد مصلٍّ آخر، لشد الزحام، وهم أيضا قد تجمعوا من جميع أقطار الأرض.
وتراهم جميعا يصطفون وراء إمام واحد، يستمعون تلاوته كتاب الله، ويتبعونه في قيامه وقعوده، وركوعه وسجوده، لا يتقدمون عليه ولا يتأخرون، حتى يسلموا بسلامه.

إنك عندما تشاهد هؤلاء البشر الذين تجمعوا من مشارق الأرض ومغاربها، في هذه المساحة الضيقة المباركة، ولم يجمعهم هنا إلا هذا الدين العظيم، بمناسبة هذا الشهر الكريم، وكل واحد منهم مغتبط مسرور بوجوده بجنب أخيه المسلم الذي يبادله تلك الغبطة وذلك السرور، إنك عندما تشاهد ذلك، ليملأ قلبك الفرح والسرور، وتكاد تجزم أن هذه الأمة قابلة لتجتمع على كلمة الحق، وتتوحد على كلمة التوحيد، وتعود أمة واحدة، كما كانت في فترة طويلة من الزمن، وأنه لا ينقصها إلا من يرفع لها راية الاعتصام بحبل الله، لتقول له: لبيك يا داعي الحق والخير!

وتجزم كذلك بأن الذين تولوا كبر هذا التفرق والتصدع الذي حل بهذه الأمة، إنما هم قادتها الذين تولوا أمرها، من الحكام والعلماء والأعيان، ممن عندهم قدرة على اتخاذ أسباب وحدتهم وتعاونهم، وعلى البعد عن أسباب فرقتهم وتصدعهم، ثم آثروا الأخذ بأسباب الفرقة على أسباب الوحدة والاجتماع.

وإنك لتعجب من تنازع كثير من الجماعات الإسلامية، وعدم اتخاذ زعمائها الأسباب المؤدية إلى تعاونها والتنسيق بينها في نشاطاتها، بالعودة إلى توجيه كتاب ربها وسنة نبيها، لتحتكم إليهما فيما اختلفت فيه من الحق، ليتآخى أتباعها ويتعاونوا على البر والتقوى، ويقفوا صفا واحدا في جلب ما ينفع أمتهم، ودفع ما يضرها، كما يقفون كلهم صفا واحد وراء أئمتهم في الصلاة.

كما تعجب من افتخار حكومات الشعوب الإسلامية، الذي تدوي به أصوات المذيعين، وتنشره أقلام الكتاب والصحفيين، بكثرة أعلامهم التي تزيد عن خمسين علما، لأكثر من خمسين دولة، وتتجاور تلك الأعلام في كثير من المناسبات، وبخاصة اجتماعات دول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تجمع زعماءهم كمرات التصوير، ويفرقهم عدم الاستجابة لما يحييهم به الله في كتابه المنير.
ومن هنا نرى أمتنا تتقاذفها قوى الشر والعدوان، وليس لها من دون الله إلى الله إلا الذل والهوان.
وإنا لنأمل في أن يكون لصيام شهر رمضان وقيامه، أثره الفعال في اتخاذ المسلمين، كل في موقعه الأسباب الجامعة لهم على كلمة الحق، والاجتهاد في ترك الأسباب التي تفرقهم وتصدع صفوفهم، فمن أهم حكم الصوم أنه يؤدي بالصائم الصادق إلى تقوى الله: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)).
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة