عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-09-2004, 12:48 PM   #8
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،

بخصوص إعادة طرح الموضوع أخي المكرم ( الإمام الشافعي ) فقد تم الاتفاق على أن يتم سؤال الشيخين الفاضلين الشنقيطي والسلمي ، ولا داعي للخوض في مسألة ذكرت لك أصلاً أنني بحثتها بحثاً مستفيضاً مع بعض أهل العلم ، ولا زلنا في انتظار إجابتك ، لأنني أخشى أن ندخل في جدال عقيم ، مع أن الأصل في البحث والنقاش والحوار هو التوصل إلى الحق لاتباعه 0

وأرى نفسي مقحماً في إيضاح بعض ما ذكرته – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - في مداخلتك وهو على النحو التالي :

أولاً : أما قولك : ( لماذا لا نقول نحن نسلم أن قدر الله يقع على البشر كافة وبأي طريقة شاء سبحانه وذلك بأن يُنسي الله تعالى المريض تحصينات الصباح والمساء ، فيلتبس الجن بجسد المريض ، إذا أراد الله تعالى أن يصيب المريض بهذا النوع من المرض ) 0

فليس شرطاً أخي الحبيب أن ينسى العبد المسلم الذكر والدعاء لينفذ قدر الله سبحانه وتعالى ، وأعيد وأوكد لك بأن الذكر والدعاء من أقوى الأسباب في تحصين العبد المسلم ، ولكنها لا تمنع قدر الله الكوني لا الشرعي ، وبخاصة أن الأمر لا يتعلق بالدعاء والذكر ، إنما هناك أمور هامة كثيرة جداً لها ارتباط وثيق بهذه المسألة ، وأذكرك بما ذكرته لك آنفاً في رد آخر وهو :

( إضافة إلى أمر مهم يتعلق بهذه المسألة وهو يقين المعالج والمعالج بأثر القرآن ، وكذلك عقيدة وسلوكيات الحالة المرضية من حيث العبادة والتوكل والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ) 0

وأنقل لك ما ذكره أهل العلم بخصوص الذكر والدعاء ، كي تتضح لك الصورة ، وقد أوردت ذلك في كتابي ( القول المبين فيما يطرد الجن والشياطين ) :

1)- الدعاء :

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ، ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل ، فيتلقاه الدعاء ، فيعتلجان – أي يتصارعان - إلى يوم القيامة ) ( صحيح الجامع - 7739 ) 0

قال المناوي : ( فيستعمل العبد الحذر المأمور به من الأسباب وأدوية الأمراض والاحتراز في المهمات ؛ معتقدا أنه لا يدفع القضاء المبرم ، وإنما يدفع الدواء والتحرز قضية معلقة بشرط غير مبرم ) ( فيض القدير - 6 / 452 ) 0

وقد ثبت أيضا من حديث سلمان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) ( صحيح الجامع - 7687 ) 0

قال المناوي : ( " لا يرد القضاء " المقدر " إلا الدعاء " أراد بالقضاء هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه ، أو أراد برده تسهيله فيه حتى يصير كأنه رد 0 وقال بعضهم : شرع الله الدعاء لعباده لينالوا الحظوظ التي جعلت لهم في الغيب ، حتى إذا وصلت إليهم فظهرت عليهم ، توهم الخلق أنهم نالوها بالدعاء ، فصار للدعاء من السلطان ما يرد القضاء " ولا يزيد في العمر
إلا البر " يعني العمر الذي كان يقصر لولا بره ، أو أراد بزيادتـه البركة فيه ، فعلى الأول يكون الدعاء والبر سببين من أسباب السعادة والشقاوة ، ولا ريب أنهما مقدران أيضا 0 قال القاضي : مر أن القضاء قسمان جازم لا يقبل الرد والتعويق ، ومعلق وهو أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ما لم يرده عائق ، وذلك العائق لو وجد كان ذلك أيضا قدرا مقضيا ، وقيل : المراد بالقضاء ما يخاف نزوله ، وتبدو طلائعه وإماراته من المكاره والفتن ، ويكون القضاء الإلهي خارجا بأن يصان عند العبد الموفق للخير ، فإذا أتى به حرس من حلول ذلك البلاء ، فيكون دعاؤه كالراد لما كان يظن حلوله ويتوقع نزوله0 وقيل : الدعاء لا يدفع القضاء النازل بل يسهله ويهونه من حيث تضمنه الصبر عليه والتحمل فيه والرضا بالقضاء ) ( فيض القدير – 6 / 449 ، 450 ) 0

وإليك بعض أقوال أهل العلم في الدعاء وأثره وتأثيره :

قال السيوطي : ( قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه : " مراقي الزلف " : حقيقة الدعاء : مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة ، أو دفع مضرة من المضار ، والبلاء ، بالدعاء 0 فهو سبب لذلك ، واستجلاب لرحمة المولى ، كما أن الترس لرد السهم ، والماء لخروج النبات من الأرض ، والدعاء سلاح المؤمنين ، فإذا كان العبد دائم الذكر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، فإن الملائكة تحفظه من جميع المكاره ، فكلما جاءه ضر ، أو مكروه ، من أحد من المخلوقين منعته الملائكة ، وصدت في وجهه ، فلا يزال محفوظا من جميع الجهـات ، إلا جهة فوق ، فإن القضاء ، والقدر نازلان به ، فإذا نزل القضاء والقدر أسلمته الملائكة 0 لذلك ينبغي أن تحرس جهة فوق بالعمل الصالح ، فإنه لا بد لكل عبد من طريق إلى السماء يصعد منه عمله ، وينزل منه رزقه 0 ومنه يقبض روحه ، ومنه يصعد ، فإذا كان العبد مدمنا على الطاعات ، مواظبا للخيرات ، كثير الدعاء ، كثر صعود عمله الصالح إلى السماء ، فلا تزال تلك السبل معمورة بالخيرات ، فإذا نزل البلاء من السماء ، نزل على طريقة العبد المتعينة له ، فيجدها معمورة بالخيرات مملوءة بالطاعات ، فيحبس ذلك البلاء عن النزول ، ولا يجد منفذا إليه ، فيكون دعاؤه ، وعمله الصالح قد حجب عنه البلاء ، لأن الدعاء من الله بالمكان العالي ، فيتصادم البلاء ، والدعاء ، فتارة يغلب الدعاء ، وتارة يغلب البلاء ، فيدفع الدعاء ، فهما كالمتصارعين فإن غلب الدعاء رفع البلاء ، فخرق السماوات ، وارتقى إلى الله تعالى وإن غلب البلاء أزال الدعاء ، ونزل على العبد ، وإليه الإشارة بقوله تعال : ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) " سورة يوسف – الآية 21 " ) ( فض الدعاء ص 22 ، 23 ) 0

يقول الغزالي - رحمه الله - : ( فإن قلت : ما فائدة الدعاء ، والقضاء لا مرد له ؟ فاعلم أن من القضاء رد الدعاء ، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة ، كما أن الترس سبب لرد السهم ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان ، فكذلك الدعاء والبلاء ) ( إحياء علوم الدين – 1 / 328 ، 329 ) 0

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( الدعاء سبب يدفع البلاء ، فإذا كان أقوى منه دفعه ، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه ، لكن يخففه ويضعفه ، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق 0 والله أعلم ) ( مجموع الفتاوى - 8 / 193 ) 0

وقال ابن القيم - رحمه الله - : ( والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدفعه ويعالجه ، ويمنع نزوله ، ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن 0 وله مع البلاء ثلاث مقامات :
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه 0
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء ، فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا 0
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه ) ( الجواب الكافي – ص 17 ، 18 ) 0

2)- الذكر :

مما لا شك فيه أن ذكر الله تعالى يحيي القلوب ، ويجلو صدأها ، ويذهب قسوتها ، ويذيب ما ران عليها من مكاسب وشهوات ، ويصلها بالله عز وجل ، فتخفق في كنفه ورضوانه هانئة مطمئنة 0 والمسلم الذي ينقاد لربه سبحانه ، ويذكره بلسانه وقلبه ، وسره وجهره ، إنما ينير دروب حياته ومعاده بضياء إلهي غامر ، ويحرز نفسه من كيد الشيطان ووسوسته ، ويستحضر دائما أنه في حماية إله عزيز قدير ، كما ثبت في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ( متفق عليه ) ، فتثمر أوقاته بالمعارف والحكمة ، ويكتسي وجهه نضرة وبهاء 0

وما أحوج المسلمين اليوم إلى ذكر الله تعالى واستغفاره ومناجاته ، بعد أن ادلهمت حولهم الخطوب ، واشرأبت بينهم الفتن ، وتداعى عليهم الأعداء ، وتضافرت فوق رؤوسهم المحن 00 وما أفقرهم أفرادا وجماعات إلى نور الذكر ليبدد ما اكتنف حياتهم من ظلام وفساد وضياع ، وليجمع ما تشتت من قلوبهم وهممهم ، وما تبدد من إراداتهم وعزائمهم 0

وأفضل الذكر والدعاء ما ورد مأثورا في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ، لما في ذلك من التوحيد الخالص ، والعبادة المشروعة ، والمحبة الصادقة لله ورسوله ، والالتزام بألفاظ مخصوصة هدف لها الشارع الحكيم 0

قال ابن القيم : ( وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب واللسان وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده ) ( بدائع الفوائد – ص 192 ) 0

ولا بد من إدراك أهمية الذكر ووقعه وتأثيره في رد كيد القوى الشيطانية ، وحفظه للمسلم ووقايته منها ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، التي تؤكد ذلك وتقره 0

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( الذي قد علم بالسمع والعقل أنه إذا فَرَغَ –أي الإنسان – قلبه من كل شيء حلّت فيه الشياطين ، ثم تنزّلت عليه الشياطين ، كمـا كانت تتنزل على الكهان ؛ فإن الشيطان إنما يمنعه من الدخول إلى قلب ابن آدم ما فيه من ذكر الله الذي أرسل به رسله ، فإذا خلا من ذلك ؛ تولاه الشيطان ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( سورة الزخرف – الآية 36 ، 37 ) ، وقال الشيطان فيما أخبر الله عنه : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ) ( سورة ص – الآية 82 ) ، وقال تعالى : ( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) ، والمخلصون هم الذين يعبدونه وحده لا يشركون به شيئاً ، وإنما يعبد الله بما أمر به على ألسنة رسله ، فمن لم يكن كذلك تولته الشياطين 0
وهذا باب دخل فيه أمر عظيم على كثير من السالكين ، واشتبهت عليهم الأحوال الرحمانية بالأحوال الشيطانية ، وحصل لهم من جنس ما يحصل للكهان والسحرة ، وظنوا أن ذلك من كرامات أولياء الله المتقين ) ( مجموع الفتاوى – 10 / 399 ، 400 ) 0

وقال – رحمه الله - : ( فقد جمع العلماء من الأذكار والدعوات التي يقولها العبد إذا أصبح ، وإذا أمسى ، وإذا نام ، وإذا خاف شيئاً ، وأمثال ذلك من الأسباب ما فيه بلاغ ) ( 24 / 281 ) 0

وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه القيم ( الوابل الصيب ) أكثر من مائة فائدة للذكر ، وذكر منها : ( أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ) ( صحيح الوابل الصيب – 82 ) 0

وقال أيضا : ( فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى ، وأن لا يزال لهجا بذكره ، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة ، فهو يرصده ، فإذا غفل وثب عليه وافترسه ، وإذا
ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر ، وانقمع ، حتى يكون كالوصع – طائر أصغر من العصفور - وكالذباب ، ولهذا سمي ( الوسواس الخناس ) ، أي يوسوس في الصدور ، فإذا ذكر الله خنس ، أي كف وانقبض ، وقال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس فـإذا ذكر الله تعالى خنس ) ( الوابل الصيب – ص 60 ) 0

قال محمد بن مفلح – رحمه الله - : ( وقد قيل : إذا تمكن ذكر الله من القلب ، فإن دنا منه الشيطان صرع كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فتجتمع عليه الشياطين فيقولون : ما لهذا ؟ فيقال : قد مسه الإنسي ) ( مصائب الإنسان - 126 ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ، ولا يشترط استحضاره لمعناه ، ولكن بشرط أن لا يقصد به غير معناه ، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل ، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائض عنه ازداد كمالاً ، فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالاً ، فإن صحح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال ، ونقل عن بعض العارفين قال : الذكر على سبعة أنحاء : فذكر العينين بالبكاء ، وذكر الأذنين بالإصغاء ، وذكر اللسان بالثناء ، وذكر اليدين بالعطاء ، وذكر البدن بالوفاء ، وذكر القلب بالخوف والرجاء ، وذكر الروح بالتسليم والرجاء ) ( فتح الباري – 11 / 209 ) 0

سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن نصيحة عامة للوقاية بإذن الله تعالى من انتشار الأمراض الروحية من صرع وسحر وحسد ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( التحصن بذكر الله وكلامه ، والعمل الصالح ، والعلم النافع وقاية من الشرور ) ( القول المبين فيما يطرد الجن والشياطين ) 0

قال الدكتور عمر الأشقر - حفظه الله - : ( ذكر الله من أعظم ما ينجي العبد من الشيطان كما ورد في الحديث الذي يأمر فيه نبي الله يحيى بني إسرائيل بخمس خصال ، ومن هذه " وآمركم أن تذكروا الله تعالى ، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعا ، حتى إذا أتى إلى حصن حصين ، فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ) ( عالم الجن والشياطين - ص 135 ) 0

ثانياً : أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( وكيف نقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب بهذا المرض وهو أتقى الناس وأورع الناس ، فهل نزلت آية الكرسي قبل مرضه أم بعده ، مع العلم بأن سورة الفلق نزلت في مرضه وكلما قرأت عليه من شر النفاثات في العقد انحلت عقدة ، وهذا الكلام في حديث يروي سحره صلى الله عليه وسلم ) 0

وتحت هذا العنوان أنقل لك النقاط الهامة التالية :

1)- أما بخصوص آية الكرسي فقد أوحي بها عليه قبل مرضه بدليل حديث أبو هريرة – رضي الله عنه – والقصة معروفة للجميع 0

2)- أما بخصوص سور المعوذتين والفلق فلم تنزل كما أشرت في حديثك آنف الذكر ، بدليل أحاديث عائشة – رضي الله عنها – قالت :

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب فضائل القرآن - باب فضل المعوذات ( 14 ) - برقم 5017 ) ، فما فعله عليه الصلاة والسلام في مرضه هو متابعة فعله آنف الذكر وكما فعلت عائشة – رضي الله عنها – في مرض موته صلى الله عليه وسلم 0

وقالت - رضي الله عنها - : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب السلام ( 50 )- باب استحباب رقية المريض - برقم ( 2192 ) ، أنظر صحيح الجامع 4783 ) 0

وقالت - رضي الله عنها - : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده ، رجاء بركتها ) ( متفق عليه ) 0

وقالت - رضي الله عنها - : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده ) ( متفق عليه ) 0

3)- وقولك – وفقك الله لكل خير – : ( وكلما قرأت عليه من شر النفاثات في العقد انحلت عقدة ) ، حصل لديك خلط بين حديث عائشة – رضي الله عنها – وبين فعل جبريل – عليه السلام - ، يقول ابن القيم – رحمه الله - :

( وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا، فإن الاستعاذة من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه ، سواء كان في الأجسام أو الأرواح ، والاستعاذة من شر الغاسق وهو الليل ، وآيته وهو القمر إذا غاب ، تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر فيه من الأرواح الخبيثة التي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار ، فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر ، انتشرت وعاثت 0 والاستعاذة من شر النفاثات في العقد تتضمن الاستعاذة من شر السواحر وسحرهن 0
والاستعاذة من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها 0
والسورة الثانية : تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن ، فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ، ولهما شأن عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها 0 ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر بقراءتهما عقب كل صلاة ، وفي هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة 0 وقال : ما تعوذ المتعوذون بمثلهما 0
وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم سحر في إحدى عشرة عقدة ، وأن جبريل نزل عليه بهما ، فجعل كلما قرأ آية منهما انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، وكأنما أنشط من عقال ) ( الطب النبوي – ص 181 ، 182 ) 0

ومما نقله صاحب الفتح : ( وقال يا عائشة : أما شعرت إن الله أخبرني بدائي ثم بعث رسول الله علياً والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر ، فأنزل الله تعالى المعوذتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل يقول : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين ، الله يشفيك ، فقالوا يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثير على الناس منه شراً وأمر بها فدفنت ) ( فتح الباري – 10 / 226 ) 0

قال ابن حجر : ( ومن رواية عمرة عن عائشة " فنزل رجل فاستخرجه " وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع – تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألماً ثم يجد بعدها راحة ) ( فتح الباري – 10 / 230 ) 0

4)- أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( وهذا الكلام في حديث يروى سحره صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعلم أن طائفة من العلماء ينكرون سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا بأن هذا يقدح في رسالته ، وهناك خلاف يذكر في سحر النبي صلى الله عليه وسلم ) 0

أ- أما قول " يروى " فاعلم أخي الحبيب أن معنى هذه الكلمة في المصطلح الشرعي يأتي بصيغة " التمريض " أو " التضعيف " ، وكما هو معلوم أن حادثة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم مسألة ثابتة عند أثبات علماء أهل السنة والجماعة ، ومعلوم أن الحادثة ثابتة في الصحيحين عند الإمام البخاري والإمام مسلم 0

ب- أما قول : " نعلم طائفة من العلماء ينكرون سحر النبي صلى الله عليه وسلم " ، فاعلم يا رعاك الله أن تلك الفئة تعود خلفيتها إلى أصحاب المدرسة العقلانية الإصلاحية ، وهذه المدرسة تقول : " إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل على النقل " ، ومن هنا فإن أصحاب هذه المدرسة لا يأخذون بأحاديث الآحاد ، وحاشى وكلا أن نقول بمثل ذلك ، فهذه المسألة كما أشرت آنفاً ثابتة بما لا يدع مجالاً للشك عند علماء أهل السنة والجماعة 0

ج)- أما قول : " وهناك خلاف يذكر في سحر النبي صلى الله عليه وسلم " ، وهذا الكلام مجانب للصواب ، حيث أن الخلاف يكون في مسألة لها أوجه متنوعة وبناء على الدراسة والبحث الشرعي التأصيلي يرجح قول على قول ، أما أن نقول أن المسألة فيها خلاف فهذا مجانب للحق ، فالحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر ، وقد كتبت موضوعاً متكاملاً تحت عنوان : ( هل سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ ) ، تحت الرابط :

http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?threadid=7297

ومن هنا فإني أنصحك أخي الحبيب أن تعود لهذا البحث القيم ، وأقوال علماء الأمة التي تؤكد على تلك الحقيقة 0

5)- وأما قولك : ( أليس هذا الكلام وإن صح يؤثر على العامة من الناس ، كيف نقول تحصنوا ، وكيف نقول بأن القدر يمكن أن يصيب مع التحصن ) 0

فاعلم أننا عندما نقرر المسائل الشرعية لا نقررها بناء على ما يفهمه العامة ، إنما بناء على النصوص النقلية الصريحة الثابتة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا اعتقد مطلقاً أن ذلك يتعارض مع أن نزرع في نفسية المرضى التعلق بالله سبحانه وتعالى ، وأن نبين لهم أن الذكر والدعاء لهم أثر عظيم في دفع البلاء بإذن الله سبحانه وتعالى ، وأن نركز لدى العامة على تغيير السلوكيات التي تتعارض مع الشريعة وأحكامها السمحة 0

5)- أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( بأن قسم من الجن الذي تفضلتم به " الطيار " فهو صحيح ، بمعنى أن هناك جن يطير بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن تكمن المشكلة في : كيف علمنا بأن الجن الذي يزعم أنه يخرج ويعود هو الطيار ، وهذا علم غيبي ) 0

أحيلك أخي الحبيب إلى ما ذكرته في بداية طرح الموضوع على النحو التالي :

( بعض الأرواح التي تصيب الإنسان بالصرع قد تكون من النوع " الطيار " التي تتحكم بطريقة غريبة في دخول الجسد والخروج منه ) 0

لاحظ أخي الكريم أن الحديث لم يأتي بصيغة ( الجزم ) إنما الأمر اجتهاد مني في هذا الموضوع ، كما أن هناك اجتهادات كثيرة متعلقة في هذا العلم ، ومن هنا قد تتبادر للقارئ الكريم عدة أسئلة : هل الحوار مع الجن والشياطين يعتبر تدخلاً في الغيب ، وهل إجراء عملية الفصد تعتبر كذلك ، وهل الحكم على الحالة المرضية من أنها تعاني من صرع أو سحر أو عين يدخل ضمن نطاق الغيب 000 اعتقد أخي الكريم أن هناك بعض المصطلحات التي تخفى عليك ، فنحن هنا لسنا بصدد الحديث عن أمور الغيب المتعلقة بحياة البرزخ ، أو البعث أو النشور ، أو الصراط أو الميزان أو الجنة أو النار ، والله تعالى أعلم 0

أعتقد أنه حان الوقت بعد كل ما ذكرته لك وبالعودة إلى العلماء الأجلاء أن نطوي هذه الصفحة ، وأن نغلق هذا الموضوع بالكلية ، خوفاً أن يتحول الموضوع إلى جدل عقيم غير ممدوح ، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظك ويسدد إلى الحق خطاك ، ويلهمنا جميعاً اتباع الحق أينما كان 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة