عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 03-05-2007, 07:33 AM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي




بارك الله فيكم أخي الحبيب ومشرفنا القدير ( أبو فهد ) ، غفر الله لكم ، وهذا موضوع جيد عن القاعدة الفهية ( سد الذرائع ) :

( نحو فقه واع 000 سد الذريعة )


( مهذب أبو أحمد )


إنّ الناظر للواقع المزري الذي تعيشه الأمة اليوم في باب تعدد الفتوى في النازلة ، واعتداء بعض على بعض بالثلب والتجهيل والتفسيق والتبديع 0

أمر يفتّ الفؤاد ألماً ؛ إذ يتنازع الناس ويتفنون في ضرب القرآن بعضه ببعض - إلا من رحم ربك وقليل ماهم - ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله 0

وما ذاك إلا من قلّة الفقه في الدين ، ومن عدم تعظيم نصوص الوحي استدلالا ومنهجاً وسلوكاً 0

حتى لقد صرت ترى من آثار هذا التخبط أن أصبح كل ذي لسان يتحدّث في أمور العامة تصنيفاً وتبديعاً وتفسيقاً وشجباً وإدانة واستنكاراً !

فلا تستغرب في هذا الزمن أن تجد :

صحفياً . .
أو مراسلاً . .
أو لاعباً 00
أو فناناً . .
أو بطل مسلسل . . .


يتحدث في أمور العامة ، ويُلقي بالأحكام وتصنيف الناس جزافاً . وما تلك إلا من الفتنة واتباع سبيل الشيطان التي أخبر الله تعالى عنها بقوله :

" وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً " ( سورة النساء - الآية 83 ) 0


وإن مما عمّ الجهل به علماً وفقهاً وسلوكاً قاعدة ( سد الذرائع ) والتي صرت - اليوم - تجد كثيراً من الخلط الواقع فيها بين شدّة التضييق بحجة ( سد الذريعة ) وفجوة التمييع بحجة ( فتح الذريعة ) 0

الأمر الذي يحتّم على أهل العلم والبصيرة ، الغيورين على دينهم وأمتهم وضع تصوّر منهجي يخفف - على أقل تقدير - من حدّة ما تعانيه الأمة في موجهيها وأهل الحل والعقد منهم ، الذين حمّلهم الله أمانة العلم والصدق في تبليغه للناس :

" وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ " ( سورة آل عمران - الآية 187 ) 0

" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" ( سورة البقرة - الآية 159 ) 0


وإن كنت لا أزعم أني صاحب السبق في طرح هذا التصور المنهجي ، لكني أتمنى أن أكون قد فتحت باباً لأهل الاختصاص في هذا المجال أن يعيدوا النظر في أطروحاتهم فيما يتعلق بمثل هذه القواعد الشرعية ، التي لا زالت تدرّس على أنها تراث - للمعلومات فقط - بعيدا عن الواقع والنظرة الواعية للعصر وما يجدّ فيه من أمور ، مما يفتح باباً وذريعة لتعالم طائفة من الناس جُعلت في مواطن التوجيه - ظلماً - !

وقد أحرص في هذه الأطروحة أن تكون على نقاط وخطوط عريضة بعيداً عن تنزيل الأحكام وتحقيق مناطها على حادثة أو واقعة أو نازلة ، إذ الخوض في هذا من مثلي جناية وتعالم - ورحم الله امرء عرف قدر نفسه - !

* التعريف اللغوي :

القاعدة مكونة من كلمتين : ( سد الذرائع ) 0

السد : الحائل وإغلاق الخلل . ومن ذلك قوله :

" قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً " ( سورة الكهف - الآية 94 ) 0

وقوله :

" وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ" ( سورة يّـس - الآية 9 ) 0


الذريعة : قال في لسان العرب : الذَّرِيعة: الوسيلة المفضية إلى الشّيء ، وقد تَذَرَّع فلان بذَريعةٍ أَي توسَّل، والجمع الذرائعُ 0

يقال : فلان ذريعتي إليك أي سببي وَصِلَتي الّذي أتسبّب به إليك . والذّريعة السّبب إلى الشّيء ، وأصله أنّ الذّريعة في كلامهم جَمَلٌ يُخْتَلُ به الصّيد يمشي الصّيّاد إلى جنبه فيستتر ويرمي الصّيد إذا أمكنه ، وذلك الجمل يُسَيَّبٌ أوّلاً مع الوحش حتّى تألفه .

ويمكن القول أن في الذريعة معنى التحايل والمخاتلة .

* التعريف الإصطلاحي :

بالنظر إلى التعريف اللغوي للذريعة يتبين أن بين الوسيلة والذريعة اتفاق من جهة المعنى العام ، وهي ما يتوصل به إلى الشيء 0 سواء كان هذاالشيء مصلحة أو مفسدة 0 وهذا هو المعنى العام للذريعة .

لكن اصطلح الفقهاء على أن الذرائع هي : الطرق المفضية إلى المفاسد - خاصة - .أو هي : الأشياء الّتي ظاهرها الإباحة ويتوصّل بها إلى فعل محظور .

قال القرطبى : ( " عند بيان الآية 104 من سورة البقرة " والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع ) ( تفسير القرطبي - 2 / 56 ) 0

ومعنى سدّ الذّريعة : حسم مادّة وسائل الفساد دفعاً لها إذا كان الفعل السّالم من المفسدة وسيلةً إلى مفسدة - وإن لم يُقصد بها المفسدة - 0

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والذريعة : ما كانت وسيلة وطريقاً إلى الشيء ، لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم - ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة - ولهذا قيل : الذريعة : الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرم أ.هـ ) ( الفتاوى الكبرى 6 / 172 ) 0

* دليل اعتبارها :

قاعدة سدّ الذرائع هي من القواعد المختلف فيها بين أهل العلم من جهة اعتبار كونها دليلاً شرعياً يصحّ بها التحليل والتحريم .

فمن خالف إنما خالف في اعتبارها على استقلال ، ويقولون في شرط اعتبارها : لا بدّ من فضل خاصّ يقتضي اعتبارها أو إلغاءها .

وقد ساق الإمام ابن القيم رحمه الله تسعة وتسعين دليلاً على اعتبارها ( أعلام الموقعين 3 / 177 - 205 )

وساق الإمام الشاطبي رحمه الله اتفاق السلف على أصل سد الذريعة . ( الموافقات 3 / 193 )

والخلاف بينهم إنما هو في تحقيق مناط هذه القاعدة في بعض الجزئيات ( نظرية المصلحة ص 266 )

وقد عُلم بالاستقراء أن موارد التّحريم في الكتاب والسّنّة يظهر أنّ المحرّمات منها ما هو محرّم تحريم المقاصد ، كتحريم الشّرك والزّنى وشرب الخمر والقتل العدوان ، ومنها ما هو تحريم للوسائل والذّرائع الموصّلة لذلك والمسهّلة له .

قال الله تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، قالوا : نهى تبارك وتعالى عن سبّ آلهة الكفّار لئلاّ يكون ذلك ذريعةً إلى سبّ اللّه تعالى ، ونهى اللّه سبحانه عن كلمة ( راعنا ) بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا ) لئلاّ يكون ذلك ذريعةً لليهود إلى سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّ كلمة " راعنا " في لغتهم سبّ للمخاطب .

وقال صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .

وقوله صلى الله عليه وسلم : « الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس ، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في المشبّهات كان كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه . ألا وإنّ لكلّ ملك حمًى ، ألا وإنّ حمى اللّه في أرضه محارمه » .

وقال ابن رشد : إنّ أبواب الذّرائع في الكتاب والسّنّة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها .

* قيود منع الذريعة :

1 - أن يؤدي الفعل المأذون فيه إلى مفسدة قطعاً .
2 - أن تكون تلك المفسدة راجحة على مصلحة الفعل المأذون فيه .
3 - أن يكون أداء الفعل المأذون فيه حيلة إلى المفسدة غالباً .

* ماهي المفسدة التي تُسدّ ذريعتها ؟؟؟

المفسدة ضد المصلحة .

وهي كل ما عُلم مفسدتها بطريق الشرع .

ومن المعلوم أن أن الدين جاء ليحفظ ضرورياته الخمس :

( الدين ، النفس ، العقل ، المال ، النسب - أو النسل ) . فكل ما أفسد هذه الضروريات أو أحد منها باعتبار الشرع فهو مفسدة .

وليس لأحد أن يحدد مصلحة أو مفسدة لأمر ما بمجرد عقله وهواه ، إذ أن ذلك من خصوصيات الشرع ، ومعلوم عند كل عاقل أن العقل السليم يوافق النقل الصحيح .

* الخلاصة :

نخلص من ذلك إلى أمور :

- الذرائع : لها معنيان : عام وخاص .
- الذرائع : فيها معنى التحايل والمخاتلة .
- الذرائع : صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم .
- لا يلزم من منع الذريعة أن يُقصد بها المحرم .
- أن الذريعة في الأصل أمر مباح في الشرع .
- المقصود من سد الذرائع : حسم مادّة وسائل الفساد وإبطال الحيل .
- الأخذ بالعزائم ضمانة حقيقية لسد الذرائع، بينما يؤدي تتبع الرخص إلى التهاون أحياناً في بعض شرائع الدين.
- كما أن الشريعة جاءت بسدّ الذرائع فقد جاءت بفتحها ( فتح الذرائع ) وتسمى ( الوسائل ) .
- ( فتح الذرائع ) متوقف على اعتبار أن المصلحة المتوسل إليها مصلحة شرعية لا مصلحة الهوى والتشهّي .
- المصلحة والمفسدة لا يمكن للعقل أن يدركهما على استقلال إلا باعتبار الشرع لهما ، فما اعتبره الشرع مصلحة فهو مصلحة ، وما اعتبره مفسدة فهو مفسدة على ضوء الأدلة الشرعية .

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يصلح قلوبنا ، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . . إنه ولي ذلك والقادر عليه .

والحمد لله رب العالمين .

( منقول للفائدة )


زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
 

 

 

 


 

توقيع  أبو البراء
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة