عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 28-06-2008, 10:52 AM   #2
معلومات العضو
ادريس

افتراضي

فمثلاً لو أُعطي شيئاً بعد الشفاء بلا استشْراف نَفْس ولَم يكن قد اتخذ ذلك حرفةً ومصدرَ رِزقٍ فهذا شيءٌ آخر ، لكن الذي كَـثُر في وقتنا في كلّ بَلَدٍ مِمَّن هَبَّ ودَبَّ ليس كذلك ، فهذا التفصيل يزيل الإشكال .

ولَمَّا صارَت الرقية في زماننا حِرفةَ تكسُّبٍ كثُر الرقاة ممن لا ينتقدون أنفسهم وأنهم ليسوا بأهلٍ لذلك ، ولَم يكن يرقي في الماضي إلاَّ مَن هم أهل لذلك من أهل الدِّين والصَّلاح .

وهناك مَن يرقي ولا يأخذ على الرقية أجراً ولكنه لا يفرِّق فَرْقاً دينياً بين الْمُطِيع لله والعاصي ، فيسأل اللـهَ الشفاءَ للكلِّ ! ، مع أنَّ هذا يستعمل صحة بدنه بطاعة ربه ، والأخر يستعمل ذلك بطاعة الشيطان ؛ فهذه إعانة للعاصي على معصيته وإن لَم يشعر الراقي ، فأين المعاداة في الله ؟! .

وهذا التكسُّب والتحيُّل لَم يكن معروفاً إلاَّ في وقتنا هذا لَمَّا صار الدِّين حِرفةً في الصلاة والأذان والتعليم ، وغير ذلك ! .

مسألة مهمة حول أحاديث اللديغ وأخذ الاجرة على تغسيل الميت

<H1 dir=rtl style="MARGIN: 0cm 0cm 6pt; PAGE-BREAK-AFTER: auto; TEXT-INDENT: 1cm; TEXT-ALIGN: justify; mso-pagination: none"> ومعلومٌ أن المريضَ أو مَن يقوم عليه يتشبث بأيِّ شيء يظن فيه شفاءه فيبذل ما يُطلب منه ولو كان فقيراً ، وهذا هو الحاصل ، وقد نُزِعَت - والعياذ بالله - الرحمةُ والشفقةُ من قلوب بعضهم على المسلمين حتى إنه يتمنى أن تكثر الأمراض فيهم ليزداد ربحه ويفرح بكثرة الزبائن ! ، فتبين بما تقدم أنه على تقدير أخذ مقابل للرقية فيكون هذا عن مشارطة مُسَبَّقة على الشفاء ، فالأحاديث التي يحتجون بها حجة عليهم ، وقد تقدم ذكرها في أول الكتـاب ، وهي أحاديث « اللَّدِيغ »، وإنما جعل الله ذلك للصحابة سبباً لأخذ حقهم من القِرَى الذي منعه هؤلاء اللئام ، فالأصل عدم أخذ أجرة على الرقية حتى مع حصول الشفاء - بإذن الله - ، لأن ذلك قُربة لله ، وهو من حق المسلم على أخيه المسلم ، فهو من أعمال البِرِّ كتغسيل الميت - مَثَـلاً - .

قال أبو طالب : سألتُ أبا عبد الله «يعني الإمام أحمد بن حنبل»عن الرجل يغسِّل الميت بِكِراء ؟! - أي بأُجْرَة - ، فقال : ( بِكراءٍ !! ) ، واستعظم ذلك ، قلتُ : يقول : " أنا فقير" ؛ فقال : ( هذا كَسْب سُوء ! ) ؛ قال ابن تيميه - معلقاً على ذلك - : ( وَوَجْه هذا أنَّ تغسيل الموتى من أعمال البِرِّ ، والتكسُّب بذلك يُورِث تَمَنِّي موت المسلمين ! ، فيشبه الاحتكار ) انتهى (1).

فأخْذُ الأجرة على الرقية بشرط الشفاء هو من هذا الباب ، لأن التكسُّب بذلك يُورث تَمَنيِّ مرض المسلمين وصرْعِهم ، بل الرقية أعظم لأنها أخذ ثمن على القرآن والذكر ، وقد ورد النهي عن ذلك عموماً - كما تقدَّم ذِكرُ الأدلةِ في ذلك - ، وقد قال « مُطرف بن عبد الله » ~ : ( إنَّ أقبحَ ما طُلبت به الدنيا عمل الآخرة ) انتهى (2) .

وإذا كان أخذ الأجرِ على شَرْط الشفاء هكذا ، فكيف بما يُفعل اليوم من التكسُّب والمتاجرة دون شرط الشفاء ! .

أما الصحابة y فحاشاهم من مثل هذه الأفعال ولا بشرط الشفاء فضلاً عن مثل ما يُفعل في زماننا .

أمَّا قصة الرقية بالفاتحة على « اللديغ»فهي موضَّحة في الحديث حيث قال أحد الصحابة لَمَّا طلبوا منهم الرقية ، قال : ( نَعَم واللهِ إنِّي لأَرْقِي ، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا بِرَاقٍ حتى تجعلوا لنا جُعْلاً ) ، فصالَحُوهم على قطيعٍ من الغنم (1) .

فقوله : ( ولكن استضفناكم فلم تضيفونا ) يُبين عِلَّةَ أخْذِ الْجُعل ، ومعناه أنكم لِئام ولكن الله سَـيُخرج حقنا منكم بتسليط العقرب على سيدكم ؛ وقد ذكر ابن القيم ~ أنهم غير مسلمين ، أو أهلُ بُخلٍ ولُؤم (2) .

ففي القصة عِلَّة وسَبب أخْذِ الأجرة؛وفيها بيانُ شرط الشفاء حيث قال : (فانطلق يمشي وما به قلَبَة)، قال :( فأوْفَوْهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه ) ؛ وفيها - أيضاً - أنه من الْمُتقرِّر عند الصحابة y أنـه لا تؤخذ أجرة على الرقية ، لذلك عَلَّلوُا أخذَ الأجرة بأنهم لَم يُضيفوهم .

يوضِّح ذلك - أيضاً - ما جاء في « الصحيحين » من حديث « عقبة بن عامر » t قال : قلتُ للنبي r : إنك تبعثنا فننْزِل بقومٍ فلا يُقْرُوننا - أيْ يُضيِّفوننا - ، فما ترى ؟! ؛ فقال لنا رسول الله r : ( إنْ نزلتم بقومٍ فأمَرُوا لكم بما ينبغي للضيف فاقْبَلوا ، فإن لَم يفعلوا فَخُذوا منهم حقَّ الضيف الذي ينبغي لهم ) (1)؛ وقد أخرجه « أبو داود »(2) وقال : ( وهذه حُجة للرجُل يأخذ الشيءَ إذا كان له حَقاً ) انتهى ؛ فكل ما ورد في حديث الرقية الذي يحتج به أكَلَةُ أموالِ الناسِ بالباطل حجة عليهم .

فكيف يَحتجّ أهلُ الوقتِ على ما هو حجة عليهم ؟! ، ولذلك فلا يُعهد عن الصحابة y أخْذ الأجرة على الرقية ولا بشرط الشفاء غير هذه الحالة الاستثنائية ؛ فتأمَّل .

ولهذا فلم يكن أخذ الأجرة على الرقية حِرْفَـةً لهم ولا للتابعين ولا لِمَن يُعتدّ بهم من الأئمة والعلماء بعدهم ، وإنما المعروف عنهم أنهم يَرْقون مَن طلب منهم ذلك من إخوانهم الصالحين دون ثَمَن ، لأنَّ النبي r يقول في شأن الرقية : ( مَنِ استطاعَ منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) حيث أخرج مسلمٌ (3) وغيره (4) عن « جابر بن عبد الله » t قال : كان لي خال يرقى من العقرب ، فنهى رسول الله r عن الرُّقى ، قال : فأتاه ، فقال : يا رسول الله .. إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب ، فقال r : ( مَنِ استطاع منكم أنْ ينفعَ أخاه فليفعل ) .
وحيث إنه قد تبين أن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الأئمة والعلماء لَم يكونوا يأخذون أجرةً على دينهم ونفعهم الناس اقتداءً منهم بأنبياء الله تعالى ورُسُله - عليهم الصلاة والسلام - ، فكذلك يجب على الرُّقاة المعالجين بكتاب الله - تعالى- وغيرهم أن لا يتاجروا بدِينه - سبحانه - ويشتروا به ثمناً قليلاً كما يفعله كثير منهم اليوم بالرقية على مَن هبَّ ودبَّ وأخْذ الأجرة على ذلك .

(1) أنظـر : « المستـدرك على مجمـوع فتـاوى شيـخ الإسـلام » ( 4 / 52 ) ، و « الفتاوى الكبرى » ( 4 / 495 - 496 ) .

(2) « حلية الأولياء » ( 2 / 208 ) .

(1) وقيمة الغنم كانت رخيصة آنذاك ولا تقارب ما نحن فيه .

(2) أنظر : « مدارج السالكين » ، ( 1 / 55 ) .

(1) أخرجه البخاري في « صحيحه » برقم ( 5786 ) ، ومسلم في « صحيحه » برقم ( 1727 ) ، وغيرهم .

(2) في « سُننه » برقم ( 3752 ) .

(3) في « صحيحه » برقم ( 2199 ) .

(4) كالإمام أحمد في « مسنده » برقم ( 15142 ) ، والبيهقي في « سننه الكبرى » برقم ( 19378 ) .


</H1>

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة