عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-08-2010, 07:32 PM   #8
معلومات العضو
بوراشد
اشراقة ادارة متجددة

I13

قال الشيخ بن عثيمين بتفصل أكثر في االشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الرابع


وَإِذَا اسْتَأْذَنَتْ المَرْأَةُ إِلَى المَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا.

قوله: «وإذا استأذنت المرأةُ إلى المسجد كره منعها» .
«إذا استأذنت» أي: طلبت الإذنَ و«المرأة» يُرادُ بها البالغةُ، وقد يُرادُ بها الأنثى، وإنْ لم تكن بالغةً، ولكن؛ الأكثرُ أنَّ المرأةَ كالرَّجُلِ؛ إنما تُطلق على البالغةِ، كما أنَّ الرَّجُلَ يُطلقُ على البالغِ، فإذا طَلبت الإذنَ مِن وليِّ أمرِها، فإن كانت ذاتَ زوجٍ فوَليُّ أمرِها زوجُها، ولا ولايةَ لأبيها ولا لأخيها ولا لعمِّها مع وجودِ الزَّوجِ، لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في النساء: «إنهنَّ عَوانٍ عندَكم»[(337)] والعواني: جَمْعُ عانيةٍ، وهي الأسيرة، ولأنَّ الزوجَ سيدٌ للزَّوجةِ، كما قال الله تعالى في سورة يوسف: **{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ**** [يوسف: 25] أي: زوجَها، فإنْ لم يكن لها زوجٌ فأبوها، ثم الأقربُ فالأقربُ مِن عصباتِها.
وقوله: «إلى المسجد» أي: لحضورِ صلاةِ الجماعةِ، فإنَّه يُكره له أن يمنَعَها، والكراهةُ في كلام الفقهاءِ: كراهةُ التنزيهِ التي يستحقُّ عليها الثوابَ عند التَّرْكِ، ولا يُعاقب عليها عند الفِعْلِ.
والدليلُ: قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ»[(338)] وفيه إشارةٌ إلى توبيخِ المانعِ، لأنَّ الأَمَةَ ليست أَمَتَكَ، والمسجدُ ليس بيتَكَ، بل هو مسجدُ الله، فإذا طلبتْ أَمَةُ اللهِ بيتَ اللهِ فكيف تمنعُها؟ ولأنَّه مَنع مَن لا حَقَّ له عليها في المَنْعِ منه، وهو المسجد.
وقال بعضُ العلماءِ: إنَّ هذا الحديث نهيٌ، والأصلُ في النَّهيِ التحريمُ، وعلى هذا؛ فيحرمُ على الوَليِ أنْ يمنعَ المرأةَ إذا أرادت الذِّهابَ إلى المسجدِ لتصلِّي مع المسلمين، وهذا القول هو الصَّحيحُ.
ويدلُّ لهذا: أنَّ ابنَ عُمرَ رضي الله عنه لما قال له ابنُه بلالٌ حينما حَدَّثَ بهذا الحديث: «واللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ» لأنَّه رأى الفتنةَ، وتغيُّرَ الأحوالِ، وقد قالت عائشةُ: «لو رأى النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِن النساءِ ما رأينا لَمَنَعَهُنَّ كما مُنِعَتْ نساءُ بني إسرائيلَ»[(339)] فلما قال: والله لَنَمْنَعُهُنَّ، أقبلَ إليه عبدُ الله فسبَّهُ سبًّا شديداً ما سبَّهُ مثلَه قطُّ، وقال له: أقولُ لك: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ» وتقول: «والله لَنَمْنَعُهُنَّ»[(340)] فَهَجَرَهُ. لأنَّ هذا مضادَّةٌ لكلامِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أمرٌ عظيمٌ، وتعظيمُ كلامِ اللهِ ورسولِهِ عند السَّلفِ لا يماثُله تعظيمُ أحدٍ مِن الخَلَفِ.
وهذا الفِعْلُ مِن ابنِ عُمرَ يدلُّ على تحريمِ المَنْعِ.
لكن؛ إذا تغيَّرَ الزَّمانُ فينبغي للإِنسانِ أن يُقْنِعَ أهلَه بعَدَمِ الخروجِ، حتى لا يخرجوا، ويَسْلَمَ هو مِن ارتكابِ النَّهْيِ الذي نَهَى عنه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله: «إذا استأذنت المرأة» يشمَلُ الشَّابةَ والعجوزَ، والحسناءَ والقبيحةَ.
وقوله: «إلى المسجد» يدلُّ على أنَّها لو استأذنت لغير ذلك فله منعُها، فلو استأذنت أن تخرجَ إلى المدرسةِ فلزوجها أنْ يمنعَها، إلا أن يكون مشروطاً عليه عند العقدِ، وكذلك لو أرادت أن تخرجَ إلى السُّوقِ فله أنْ يمنعَها.
وقولنا: له أنْ يمنعَها، أي: ليس حراماً عليه، ولكن؛ ينظرُ إلى المصلحةِ، فقد لا يكونُ مِن المصلحةِ أنْ يمنعَها، وقد تكون المصلحةُ في منعِها.
وقوله: «إلى المسجد» أي: للصَّلاةِ، أما لو ذهبت إلى المسجدِ للفُرْجَةِ على بنائِهِ، أو لِتحضُرَ محاضرةً في المسجدِ ـ مثلاً ـ فله أن يمنعَها، فبيتُها خيرٌ لها مِن الخروجِ إلى المسجدِ؛ لأنَّه هكذا قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بيوتُهنَّ خيرٌ لَهُنَّ»، فهذا الحديثُ الذي أشرنا إليه: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ، وبيوتُهُنَّ خيرٌ لَهُنَّ»[(341)]، تضمن خطابين:
1 ـ خطاباً موجهاً للأولياءِ.
2 ـ خطاباً موجهاً للنساءِ.
أما الأولياءُ؛ فلا يَمنعونَ النِّساءَ، وأما النساءُ: فبيوتُهنَّ خيرٌ لَهُنَّ.
لكن؛ قال عليه الصَّلاةُ والسلامُ: «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ»[(342)] أي: غير متطيِّباتٍ، ومَنَعَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم المرأةَ ـ إذا كانت متطيِّبةً ـ أنْ تشهدَ المسجدَ فقال: «أيُّما امرأةٍ أصابت بخوراً؛ فلا تشهدْ معنا صلاةَ العشاءِ»[(343)] وكُنَّ يخرجنَ لصلاةِ العشاءِ يُصلِّينَ مع النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكذلك لصلاةِ الفجرِ.
وعلى هذا؛ فيجوزُ للوَليِّ إذا أرادت المرأةُ أنْ تخرجَ متطيِّبةً أن يمنعَها، بل يجب أنْ يمنعَها في هذه الحالِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهاها أن تشهد صلاةَ العشاءِ إذا كانت متطيِّبةً، وكذلك لو خرجت متبرجةً بثيابِ زينةٍ أو بنعالٍ صرَّارةٍ أو ذاتِ عَقِبٍ طويلٍ، أو ما أشبه ذلك؛ فله أنْ يمنعَها قياساً على منعِها مِن الخروج متطيِّبةً.
قوله: «وبيتها خير لها» يُستثنى مِن ذلك: الخروجُ لصلاةِ العيدِ، فإنَّ الخروجَ لصلاةِ العيدِ للنِّساءِ سُنَّةٌ، لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ أَنْ يخرج العواتقُ وذواتُ الخُدورِ[(344)]، و«العواتق» أي: الحرائرُ الشريفاتُ، و«ذوات الخدور» يعني: الأبكارَ التي اعتادت الواحدةُ منهنَّ أن تبقى في خِدْرِها. حتى الحِيَّضُ أمرَهُنَّ أنْ يخرجنَ لصلاةِ العيدِ، إلا أنَّ الحِيَّضَ أَمَرَهُنَّ أن يعتزلنَ المُصلَّى؛ لأنَّ مُصلَّى العيدِ مسجدٌ، ولكن يجب أن تخرجَ غيرَ متبرِّجةٍ بزينةٍ ولا متطيِّبة، بل تخرجُ بسكينةٍ ووقارٍ، وبدون رَفْعِ صوتٍ أو ضَحِكٍ إلى زميلتِها، وبدون مِشيةٍ كمِشيةِ الرَّجُلِ، بل تكون مشيتُها مشيةَ أُنثى، مِشيةَ حياءٍ وخَجَلٍ ووقارٍ.



    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة