عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 05-06-2005, 02:23 AM   #4
معلومات العضو
ناصح أمين
اشراقة ادارة متجددة
 
الصورة الرمزية ناصح أمين
 

 

افتراضي

( حقوق الأخوة وأدابها )
لقد شرع الله كثيرا من العبادات الجماعية التي تقوي الصلة بين المسلمين ، كالصلاة المفروضة والحج وصلاة الجمعة والعيدين وغيرها وشرع سبحانه عبادات أخرى تحقق التكافل والتعاون بين المسلمين كالصيام والزكاة ، وأوجب حقوقا وواجبات متبادلة بين الأرحام والجيران ، وتزداد هذه الأخوة إذا كان هذا الجار مسلما صالحا ، كما شرع سبحانه كثيرا من المعاملات التي تزيد روابط المجتمع وثوقا وقوة كالقرض والحوالة ، وحرم معاملات أخرى تهدم تلك الروابط كبيع الأخ على أخيه ، وخطبة الأخ على خطبة أخيه والنجش والربا ، وغيرها من المعاملات المحرمة ، كما قرر أصولا في التعامل كالصدق وبيان عيوب السلعة ، والخيار والوزن بالقسط وغيرها : ومن أعظم ما يعمق الأخوة في الله أمران عظيمان هما :
أ ) القيام بحقوق الأخوة .
ب ) والالتزام بآدابها . وبين هذين الأمرين تشابه وتداخل ، ولكن الحقوق أوجب وألزم من الآداب ، ومن حقوق الأخوة التي يجب القيام بها ما يلي:
1. إفشاء السلام ورده ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، ونصرة المظلوم وإجابة الدعوة وبذل النصيحة وقبولها.
2. ومن الحقوق ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخوا المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه " [ رواه مسلم ، ح 2564 ] . وقوله ( وكونوا عباد الله إخوانا ) فإن فيه الأمر باكتساب ما يصير به المسلمون إخوانا على الإطلاق ويدخل فيه أداء الحقوق الواردة في الحديث .
3. نصرة المظلوم والوقوف بجانبه ومساعدته ورد الظالم عن ظلمه وجوره ، قال عليه الصلاة والسلام :" أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما فرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره قال تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره " [ رواه البخاري ، ح 6552 ] .
4. تشميته إذا عطس فحمد الله تعالى ، قال عليه الصلاة والسلام :" للمسلم على المسلم أربع خلال ، يشمته إذا عطس .. الحديث "[ رواه ابن ماجة ، ح 1434 ].
5. إبرار قسمه إذا أقسم ، فإن في ذلك تطيب للخاطر وبقاء للمودة والمحبة قال صلى الله عليه وسلم تبعا للحقوق : "وإبرار المقسم .." [ رواه البخاري ، ح 2313 ] .
6. الوقوف بجانبه وتلبية حاجته في السراء والضراء فإن ذلك من حقوق الأخوة ، قال عليه الصلاة والسلام " ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " [ رواه البخاري ، ح 6551 ]
7. وخلاصة الحقوق ما ثبت في الصحيح " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " [ البخاري ، ح 13 ] .
وأما " أخوة الصحبة في سبيل الله والعمل لدينه " فإن حقوقها أوجب وآكد وتختص بحقوق أخرى كالسعي في قضاء الحاجات بالمال والنفس والجاه والوقت والتضحية بالراحة ، فكما أن لها من المنزلة أعلاها ، فكذلك لها من الحقوق الأخوية أكملها وأوجبها من السؤال وتفقد الأحوال ، وسد الحاجات ، والوفاء بالأخوة والثبات عليها ، وترك التكلف حتى لا يشعر الأخ أخاه أنه غريب فيحوجه إلى الاعتذار عند كل هفوة ، ورحم الله جعفر بن محمد الصادق يوم قال : "أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي ". [ إحياء علوم الدين 2 / 188 ] .

أيها المبارك ..
إن التآلف بين المتحابين في الله هي حقيقة الأخوة فهي ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق وهو مما يثمر التباغض والتدابر ، ولأن حسن الخلق يوجب التحاب والتوافق ، و يجمع الأخوة على المعاشرة الحسنة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " وخالق الناس بخلق حسن" [ رواه الترمذي ، ح 1987 ] "و من أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " [ رواه مسلم ، ح 1844 ] وبإخوان الصدق تحلوا الحياة بسماع حديثهم ، ورؤية وجوههم وصدق الحسن البصري رحمه الله يوم قال " اصحب الناس بما شئت أن تصحبهم ، فإنهم سيصحبونك بمثله " [ السير ،4 / 584 ]
وللأخوة آدابا تمنحها رونقا وبهاء وجمالا بين الأحبة ، ومن هذه الآداب :
1. إعطاء كل واحد من الإخوان حقه ، على اختلاف منازلهم ، بحيث لا يوغر صدور بعضهم على بعض . وما أجمل كلام الإمام الشافعي رحمه الله يوم قال : " ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بقدر ما رفعت منه " [ حلية الأولياء 9 / 146 ]
2. بشاشة الوجه ولطافة اللسان ، وسعة القلب ، وسلامة الصدر ، وقبول النصيحة منهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه. ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " [ رواه مسلم ، ح 2626 ] .
3. إحسان الظن بهم ، وحمل كلامهم على أحسن الوجوه ، ومعرفة نفسياتهم ، ومن ثم قبول أعذارهم .
4. مناولتهم الهدية ، فإنها مقربة للقلوب ، مذهبة لوحر الصدور ، فكم من هدية أثرت في تائه وقربته من أحبابه وخلانه وأزالت ما به من أدغال وأحقاد ، وكما قيل : الهدية هي السحر الظاهر ، وما أحسن قول الأول :
إن الهديـــــة حلوة كالسحر تجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى حتى تصيِّره قريبا
وأصدق من هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور " [رواه الترمذي ، ح 2130] .
5. الصفح عن العثرات ، وستر العيوب ، واحتمال الأخطاء ، لأنها من طبيعة البشر . قيل لعلي ابن الهيثم : ما يجب للصديق : قال كتمان حديث الخلوة ، والمواساة في الشدة وإقامة العثرة " ومن تناسى مساوئ الأخرين دام له ودهم .
6. ملازمة الأخوة وعدم قطعها أو الملل منها وعكسه يورث الفرقة والاختلاف ، وهو أقرب لزوال الود و الإخاء ، وبحسن المعاشرة تدوم المحبة ، وليُعلم أن الباقي خير من الفاني ، قيل لمحمد بن المنكدر : ما بقي من لذتك ؟ قال : التقاء الإخوان .
7. موافقة الصاحب لصاحبه في غير الأمور المحذورة ، فإن ذلك من أسباب بقاء الصحبة وتأكيدها ، وعكسه بعكسه .
8. إخبار الأخ لأخيه أنه يحبه ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " [ رواه أبو داود ، ح 5124 ] .
9. المشاورة وقبول الرأي الصائب والإيثار ، والدفاع عن أعراض الإخوان والذب عنهم ,، والانتصار لهم .واسمع ما قاله أبو هريرة : ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ صحيح ابن حبان ، ح 4872 ] .
10. الحرص على خدمتهم ، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم ، والوفاء لهم بعد مماتهم ، والتودد إليهم بصنائع المعروف .
11. مواساتهم بالمال ، والصبر على جفائهم وإكرامهم ، وإكرام أهل الصاحب وأولاده .
12. حسن الاستماع إلى كلامهم ، والتلذذ لحديثهم ، وإياك والمقاطعة وصرف البصر عنهم ، وكن كالإمام المحدث سفيان الثوري رحمه الله حين قال "إن الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته قبل أن تلده أمه فيحملني حسن الأدب لأن أسمعه " [ تاريخ دمشق 1 / 409]
13. التعريض بالنصيحة في السر ، فمن وعظ أخاه سرا فقد نصحه ، ومن وعظ أخاه علانية فقد فضحه ، قال عليه الصلاة والسلام " وإذا استنصحك فانصح له "[ رواه مسلم ، ح 1262 ] والعفو والصفح في تقصير حق الآخرين فضيلة ، وكما قال صاحب طب القلوب :" إذا قصر الأخ في حق الأخ فالواجب الاحتمال والعفو والصفح ، إلا إذا كان بحيث يؤدي استمراره إلى قطيعة ، فالعتاب في السر خير من القطيعة ، والتعريض به خير من التصريح ، والمكاتبة خير من المشافهة ، والاحتمال خير من الكَل " [ خواطر في الدعوة 1 / 59 ] .
14. مراعاة النفسيات ، وعدم المواجهة بالعتاب ، فالنفس البشرية كالبحر تهدأ تارة وتهيج أخرى ، وأن لا يكون الأخ ثقيلا على أخيه ، وترك الجفاء والابتعاد عنه فـليس كل غيبة جفوة ولا كل لقاء مودة , وإنما هو تقارب القلوب .
15. خفة النفس ولباقة التعامل ومراعاة ظروف الإخوان ومشاعرهم أدب ظريف يضفي على الأخوة طابعا جميلا .
16. اجتناب الحسد وإخلاف الوعد والمخالفة في أمور الدنيا والغضب والمن بالمعروف وقبول الوشاية والنميمة .
17.عدم الاحتجاب عن الإخوان لغير سبب ، فهم الزينة في الرخاء ، والعصمة في البلاء ، وإن رؤيتهم لتفرح القلب ، وتريح النفس وتزيل الغم ، وما الفرقة إلا سبب لحصول الجفوة ، وانقطاع المودة .

أخي المبارك ..
قديما قيل : قل لي من تصاحب ؟! أقل لك من أنت ، ومصادقة لهذا المثل قال النبي صلى الله عليه وسلم :" الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " [ رواه أبو داود ، ح 4833 ] . وقد أوصى بعض الحكماء أحد أبنائه قائلا : "يا بنى إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك ، وإن صحبته زانك " إن اختيار الصديق مرحلة خطيرة تشبه مرحلة اختيار الزوجة من حيث إنها تشكل منعطفا في حياة المرءله ما بعده ، وما أحسن ما قاله وهب بن منبه رحمه الله " استكثر من الإخوان ما استطعت ، فإن استغنيت عنهم لم يضروك ، وإن احتجت إليهم نفــعــوك " [ السير 4 / 550 ] وإذا أردت اختيار الصديق الصالح فلك أن تنظر إلى هذه الأمور ، ومن خلالها يتبن لك من تصاحب ..؟
1. سلامة دينه من البدعة والفسق وعدم إيثار الدنيا ، وذلك أن من شروط الأخوة كما ذكرنا آنفا قيامها على الإيمان والتقوى ورحم الله إمام البصرة وعالمها الحسن ، إذْ يقول : إخواننا أحب إلينا من أهلنا ، إخواننا يذكروننا بالآخرة ، وأهلونا يذكروننا بالدنيا " [ الإحياء 2/191 ] .
2. أن يكون خلقه حسنا وقوله طيبا ، وأن يوافق عمله قوله " فلا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " [ رواه أبو داود ، ح 4832 ] .
3. أن يداوم النصح ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر فكما قيل الأخ مرآة أخيه .
4. أن يؤثر ذلك الخليل على نفسه ، ويكف أذاه ، ويستعد لبذل المعروف .
5. سلامة عقله ، وحسن اختياره ، وسداد رأيه ، وشدة تأثيره على صاحبه .
6. الجدية في الحياة ، وحسن استغلاله لوقته .
7. الحذر كل الحذر من صحبة البطالين الذين ليسوا في شغل نافع من أمر دينهم و دنياهم ، وإن كان ظاهرهم الصلاح ، فإن هؤلاء أكثر ما يضيعون أوقاتهم وأوقات غيرهم فيما لا فائدة فيه .
الحذر من مصاحبة من لا يحب مصاحبتك ، ولا يرعاك إلا تكلفا أو على كره ، فلا تفرض عليه أخوة خاصة ، ومن الخير أن تبقى العلاقة معبر في إطار محبة الإسلام وكفى قول الشاعر :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكـــلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفــــا
ففي الناس إبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
8. الابتعاد عن السفلة والجهال ومصاحبتهم فهي تحط الهيبة ، وتضع المنزلة ، وتكل الكسل ، وتزري الإنسان ، ورحمك الله يا أبا العتاهية يوم قلت :
فلا تصحب أخا الجهل وإيـاك وإياه
فكم من جــاهل أردى حليما حين آخاه
وأخيرا أخي المسلم .
اعلم أن لقاء الإخوان جلاء الأحزان وأن الناس أنواع وأصناف ودرجات ، ولكل واحد منهم منزلة ومكانة خاصة .فالواجب عليك أخي الحبيب إنزال الناس منازلهم وأن تمنح من وقتك وجهدك لكل منهم ما يليق به ، ويتناسب مع مستواه ، ومن جهل أقدار الرجال كان بنفسه أجهل ، ولذلك كان من أعسر الأمور ، إدارة العلاقات الاجتماعية لحاجتها إلى فهم النفسيات وحسن التعامل معها .
يتبع
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة