عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2012, 01:40 PM   #1
معلومات العضو
الأثير

افتراضي عَشَرَةُ أَسْبَاب لِلْوِقَـايَةِ مِن السِّحْـرِ وَالْعَـيْن/ أنصح كل مبتلى بالدخول

بسم الله الرحمن الرحيم



عَشَرَةُ أَسْبَاب لِلْوِقَـايَةِ مِن السِّحْـرِ وَالْعَـيْن


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علما ، واجعل ما نتعلمه حجةً لنا لا علينا ، ونسألك اللهم التوفيق والسداد والعون على كل خير ، وأن لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
معاشر الإخوة الكرام : الحديث هذه الليلة عن ذكر عشرة أسبابٍ يحرص من ابتُلي بشيء من السحر أو العين أو الحسد أن يأتي بها وأن يحافظ عليها ليتخلص بإذن الله تبارك وتعالى مما قد يكون أصابه .
والمؤمن في كل أحواله وجميع أموره يفزع إلى الله تبارك وتعالى ويلجأ إليه عز وجل ، فمن الله وحده يطلب العون والتوفيق والسداد وصلاح الأمر وحصول العافية ، وكل أمر يحتاجه ويفتقر إليه لا يطلبه إلا من الله تبارك وتعالى الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السموات والأرض.
قد يبتلي الإنسان بإصابةٍ بشيء من العين أو حسدٍ يؤثر فيه أو سحر أو نحو ذلك من الأمور التي دلت نصوص الشرع على أن لها تأثيرات حقيقية تصل الإنسان ؛ فربما مرض وربما سقِم وربما حصل له شيء من اللأواء ونحو ذلك ، وعند حصول شيء من هذه الأمور تتفاوت توجُّهات الناس وتتباين طرائقهم في طريقة العلاج ووسيلة الخلاص وكيفية السلامة من هذه الأمور ، وإذا كان الإنسان في نفسه قليل العلم وقليل البضاعة بدلالة النصوص والتوجيهات على ضوء أدلة الكتاب والسنة وابتلي إضافةً إلى هذا بموجِّهٍ غير ناصح فإنه يقع في أنواع من الخرافات وصنوف من الضلالات لا حدَّ لها ولا عد ، وكم يبتلي أقوامٌ وأقوام بخرافاتٍ تروج بينهم وضلالاتٍ تدرُج فيهم بسبب قلة العلم وقلة البصيرة في دين الله تبارك وتعالى. والخرافات يتسع انتشارها اتساعاً كبيراً عندما يكثر الجهل وتكثر الذنوب وتكثر الأمراض ، فإذا كثرت في الناس هذه الأشياء كثرت الخرافة ، وإذا وجد العلم الصحيح المؤصَّل المبني على الكتاب السنة وجد الخير وتحقق الصلاح وعمَّت الفضيلة وزانت أحوال الناس في دنياهم وأخراهم .
ومن نعمة الله على عبده المؤمن أنه عندما يبتلي بشيء من المرض أو السقم أو الشدة أو نحو ذلك ؛ من نعمة الله عليه في هذه الحال أنه لا يفزع إلا إلى ربه ومولاه جل وعلا ولا يلتجئ إلا إليه كما قال الله سبحانه ** فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ** [الذاريات:50] ، وكما قال عليه الصلاة والسلام في دعائه ((لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ )) ، فالله عز وجل هو الذي إليه المفر وإليه الملجأ وإليه المفزع ، ومن توكل على الله فهو حسبه ، ومن استعان بالله أعانه ، ومن استعاذ بالله أعاذه ، ومن التجأ إلى الله سبحانه وتعالى كان الله في عونه وحفظه وتوفيقه وتسديده . وكم يحتاج الناس في مثل هذا الزمان إلى توجيهٍ سديد وإرشاد رشيد على ضوء أدلة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيما لو أن الإنسان ابتُلي هو أو بعض قرابته أو إخوانه بشيء من هذه الابتلاءات .
والإمام ابن القيم رحمه الله تحدَّث عن هذه المسألة التي اجتمعنا لمدارستها ومذاكرتها حديثاً جامعاً نافعاً مفيداً للغاية في كتابه " بدائع الفوائد " عندما تكلم عن معاني قول الله سبحانه وتعالى ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)** [سورة الفلق] ؛ فتكلم رحمه الله في تفسيره وبيانه لهذه السورة العظيمة عن الحسد وعن السحر وعن العين وعن الإصابة بها، ثم تحدَّث بكلامٍ نافعٍ للغاية لا تكاد تجده في موضوع آخر عن الأسباب التي يفعلها من ابتُلي بشيء من ذلك لكي يتخلص من هذا الابتلاء ولكي ينجو من هذا المصاب الذي ألمَّ به ، فذكر رحمه الله أسباباً عشرة عظيمةً جداً يحتاج إليها من ابتُلي بشيء من هذه الأمور - السحر أو العين أو الحسد - ليتخلص منها .
وأذكر أن أحد الأخوة من دولةٍ أفريقية جاءني مرة يذكر لي حال ابنه وأنه من شهور ستة أصيب بشيء من هذه الأمور ويقول هو الآن طريح الفراش من شهور ستة مع أنه في شبابه ، فأحَلْتُه على كلام العلامة ابن القيم وقلت أولاً تدرس أنت كلام ابن القيم دراسةً متأنية وتفهمه فهماً جيداً وتستوعب الكلام ثم اتصل بابنك وأشرحه له وترجمه له ووجِّهه لتطبيقه وسترى بإذن الله تبارك وتعالى أثراً طيباً ، واتصل بي بعد أيامٍ قلائل يبشرني أن ابنه قام وذهب إلى كبينة الهاتف واتصل بوالده يخبره أنه لا يشعر بشيء .
ومثل هذا كثير والتوفيق بيد الله ، والحافظ هو الله سبحانه وتعالى ، والمسلم ينبغي عليه في كل حال من الأحوال أن يكون ملتجأً إلى الله سبحانه وتعالى محققاً العبودية له في تلك الحال ، فأنت في هذه الحياة عبدٌ لله تبارك وتعالى ، ولكلِّ حال من أحوالك عبودية ؛ في حال النعمة عبودية الشكر ، وفي حال المصيبة عبودية الصبر ، وهكذا في كل حال من الأحوال تحقق العبودية التي تُطلب منك في تلك الحال التجاءً إلى الله وثقةً به واعتماداً عليه وتوكلاً عليه تبارك وتعالى وقياماً بطاعته سبحانه ودعاءً وتذللاً وخضوعاً ورجاءً إلى غير ذلك من العبوديات العظيمة التي هي سمة المسلم وديدنه في كل أوقاته .
وكما ذكرت ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه بدائع الفوائد أسباباً عشرة يحتاج إليها من ابتلي بشيء من هذه الأشياء ليتخلَّص منها بإذن الله تبارك وتعالى وعونه وتوفيه وتسديده .

 السبب الأول من هذه الأسباب العشرة : التعوذ بالله تبارك وتعالى من شره والتحصِّن به واللُّجُوء إليه كما قال سبحانه وتعالى ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)** وهنَّ السواحر ** وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)** ، والله تبارك وتعالى سميعٌ لمن استعاذ به ، عليمٌ بما يستعيذ منه ، قادرٌ على كل شيء ، وهو وحده تبارك وتعالى المستعاذ ، لا يستعاذ بأحد من الخلق ولا يُلجأ إلى أحد سواه بل هو الذي يعيذ المستعيذ به ويعصمهم من شر ما استعاذوا من شره .
فالسبب الأول الاستعاذة ، والاستعاذة حقيقتها : التجاءٌ إلى الله سبحانه وتعالى واعتصامٌ به ، حقيقتها فرارٌ من شيء تخافه وتخشاه إلى من يحميك منه ويقيك منه ، والواقي هو الله والحافظ هو الله والمستعاذ به هو الله تبارك وتعالى . بل إن الاستعاذة عبودية لا تُصرف إلا لله تبارك وتعالى ، ولهذا كل ابتلاء يبتلي به الإنسان يستعيذ بالله والله تعالى يقول :** وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ** [آل عمران:101] ، ويقول جل وعلا {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ** [الأعراف:200] ، ويقول جل وعلا ** وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ** [المؤمنون:97-98] ، والله جل وعلا لا يخيِّب عبداً إذا صدَق في استعاذته وصدق في التجائه وصدَق في اعتصامه بالله تبارك وتعالى فإن الله عز وجل يكون في كفايته وعونه وحفظه وتوفيقه .
 السبب الثاني : تقوى الله عز وجل ؛ أن يحرص العبد في كل أحايينه على تحقيق تقوى الله عز وجل ، ليس بالادِّعاء وإنما بالقيام بحقيقة التقوى . وحقيقة تقوى الله عز وجل : حفظه عند أمره ونهيه ، ولهذا قال طلق بن حبيب رحمه الله عندما سُئل عن حقيقة التقوى قال : " تقوى الله : أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله " هذه حقيقة التقوى ؛ حفظ الله في أمره ونهيه ، بأن تعرف الأمر وتعرف النهي فتحافظ على الأمر وتجتنب النهي ، وتجاهد نفسك على تحقيق التقوى، ورب العالمين يقول : ** وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ** [الأعراف:128] ، فأهل التقوى هم أهل العواقب الحميدة والمآلات السعيدة والراحة والطمأنينة والعافية في الدنيا والآخرة ، وقد قال عز وجل ** وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ** [الطلاق:2-3] ، وقال تعالى ** وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا** [الطلاق:4] فالتيسير وحُسن العاقبة صلاح الأمر وسداد الرأي وتحقق الخير والبركة كل ذلك من ثمار التقوى ، وثمار التقوى ونتائجها للمتقين أو على أهلها في الدنيا والآخرة لا تعدُّ ولا تحصى ، فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكِله إلى غيره ، وتأمل هذا المعنى في قول الله تبارك وتعالى ** وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ** [آل عمران:120] يعني مهما كان كيدهم فإنه لا يضر لماذا ؟ لأن المتقي هو في الحقيقة في حفظ الله، ومن كان الله حافظه من الذي يستطيعه بِشَرٍّ أو بأذى ؟! قال ** وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ** وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ((احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )) ؛ احفظ الله : أي بحفظ أمره ونهيه فيحفظك الله في بدنك في صحتك في مالك في حياتك في أحوالك كلها يكون الله تبارك وتعالى لك حافظا ، فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجّه حافظاً ومعِيناً ومسدِّداً وموفقاً ، ومن كان الله حافظه وأمامه فمِمَّن يخاف وممن يحذر؟ ولهذا الخوف الذي يكتنف القلب من المخلوقين ينشأ عن ضعف التقوى وعن ضعف الإيمان ، قد نبَّه أهل العلم على هذا المعنى ؛ أن الإيمان إذا نقص وضعف في القلب وُجد الخوف ، وإذا قويَ الإيمان وقوي التوحيد وقويت تقوى الله عز وجل في قلب الإنسان فإنه لا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى ولا يكون ملتجأً إلا إلى الله جل وعلا .
الشاهد أن التقوى سبب عظيم لابد منه للخلاص من الشرور ولطلب الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة ** وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ** [الأعراف:96] ، فحصول التقوى مع الإيمان سببٌ للخيرات والبركات في المال في الأهل في الولد في الحياة في الرزق في الصحة في الأمور كلها.

 السبب الثالث : الصبر على عدوِّه - والمراد بالعدو أيًّا كان ، سواء كان حاسداً أوعائناً أو مصيباً له بسحر أو نحو ذلك - الصبر على عدوه وأن لا يقاتله وأن لا يشكوه إلى الناس وأن لا يحدِّث نفسه بأذاه أصلاً ، فما نُصِر إنسان على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه ، وكلما زاد بغي الحاسد كان بغيه مع صبر المحسود عليه جنداً وقوةً للمبغيِّ عليه يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر. وهذا كلامٌ عظيم لو تأملناه ؛ فبغيُه يكون سهماً يرميه من نفسه إلى نفسه ودليل ذلك قول الله عز وجل : ** وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ** [فاطر:43] فيمضي الإنسان في حياته وفي عمله وفي طاعته وفي عبادته ويصبر على أذى عدوه ولا يشغَل نفسه به ، ويقبِل على مصالحه الدينية والدنيوية كما يقول ابن القيم : " ما انتصر إنسان على حاسده وعدوه بمثل هذا المقام العظيم مقام الصبر ، فإذا صبر المحسود ولم يستطِل الأمر نال حُسن العاقبة بإذن الله تبارك وتعالى فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله ولا يستطل تأخيره وبغيه فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندا وقوة للمبغي عليه المحسود يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر . فبغيه سهام يرميها من نفسه ولو رأي المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه ".

 السبب الرابع : التوكل على الله عز وجل ؛ والتوكل هو ثقة القلب واعتماده على الله سبحانه وتعالى مع بذل الأسباب المشروعة المأذون بها في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه . فمن يتوكل على الله فهو حسبه ، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم ، ومن كان الله كافيه الله عز وجل يقول ** أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ** [الزمر:36] ، ويقول الله جل وعلا ** وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ** [الطلاق:3] من كان الله كافيه فلا مطمع فيه لعدو ، ولو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره ، وهذا المعنى دلت عليه نصوصٌ كثيرة منها قول النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما ((وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )) ، فإذا كان العبد متوكلاً على الله سبحانه وتعالى معتمداً عليه ثقته بالله سبحانه وتعالى كفاه الله ؛ ولو كان عند عدوه من العتاد والعدد والقوة والعدة ما لا يطاق فالله يكفيه .
لما ذهب موسى عليه السلام بقومه وخرجوا من مصر فارِّين بدينهم ولحِقهم فرعون ومعه من العدد والعدة والعتاد ما لا يطاق ووصل موسى عليه السلام وقومه إلى البحر وأصبح البحر أمامهم التفتوا إلى الوراء فإذا بجيش عرمرم يقوده فرعون ، عتاد وخيل وسلاح وشيء لا طاقة لهم به ، فاشتكوا هذه الحال وقالوا لموسى ** إِنَّا لَمُدْرَكُونَ** [الشعراء:61] يعني البحر أمامنا وفرعون وجنوده وراءنا ليس هناك طريق ، كأنهم يقولون موتنا محقق وهلاكنا متيقَّن البحر أمامنا وفرعون وجنوده وراءنا فإلى أين نفر ؟ فقال موسى عليه السلام كلمة المتوكل على الله الواثق به ** كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ** [الشعراء:62] بثقة وإيمان بالله عز وجل وتوكل على الله جل وعلا ، فقال الله سبحانه وتعالى : ** اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ** فضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر ** فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ** أصبح كل فِرق من البحر مثل الجبل الشامخ - يا إخوان لا إله إلا الله !! - الماء أصبح جبلاً واقفاً ، والأرض التي كان الماء عليها أصبحت يابساً ليس فيها ماء ، في لحظة واحدة الماء أصبح جبال واقفة من الماء ، والأرض التي كان عليها الماء في الحال تحولت إلى أرض يبس جافة ناشفة ليس فيها وحل وطين ولزوجة أصبحت أرض يابسة ، والجبال واقفة مثل الماء ، ودخل موسى مع هذه الطرق هو وقومه ** كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ** فدخل موسى عليه السلام وقومه حتى خرجوا من الجانب الآخر ، ووصل فرعون إلى الجانب الآخر وهو لا يزال في طلب موسى ومن معه فقرروا أن يدخلوا وراءه ، فلما تكامل موسى وقومه خروجاً من البحر ، وتكامل فرعون وقومه دخولاً في البحر أمر الله عز وجل الماء أن يعود كما كان ؛ وانتهت هذه الجيوش كلها بأكملها برمَّتها بما فيهم قائدهم فرعون الذي كان يتعالى ويتغطرس ويقول : "هذه الأنهار تجري من تحتي " ، ويقول " أنا رب العالمين " أهلكه الله بالماء ، مات غرقاً وأعلن إيماناً لا ينفع ** آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ** [يونس:90] ولكنه إيمانٌ لا ينفع .
فالشاهد أن التوكل على الله سبحانه وتعالى منجاة للعبد مهما كانت الأحوال ومهما كانت الظروف ، ((عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي فَقُلْتُ اللَّهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ)) رواه البخاري ، وروى أحمد ((قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ...)) .
فالشاهد أن من توكل على الله سبحانه وتعالى كفاه الله وإن كادته السموات والأرض ومن فيهن ، لأن الأمور بيد الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 السبب الخامس : فراغ القلب من الانشغال به والفِكر فيه ؛ أن يُخْليَ قلبه وفكره من أن يشغل بالحاسد ، وكثير من الناس يزداد تعبه وعلَّته ويتضاعف الأمر فيه بسبب أنه دائماً ذهنه منشغل بحاسده أو بمن أصابه بالعين ، أو حتى أحياناً من يتوهم أنه أصابه بعين أو بحسد ، فيمرض من جهة انشغال فكره بهذا الأمر ودوام تردد هذا الأمر في فكره وعقله .
فإذاً من الأسباب المهمة هنا فراغ القلب من الانشغال به والفكر فيه ، وإن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له ؛ فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه . يقول ابن القيم : " وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره " . ويضرب لذلك مثلاً توضيحياً يقول : " فإنَّ هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه" مثل لو يمر إنسان في طريق ويكون في هذا الطريق بعض السفهاء أو بعض الفساق فيتعرضون له بشيء من الأذى إما بكلمة نابية أو بلفظة جارحة أو بشيء من هذا القبيل إن وقف وتشاكس معهم والتفت إليهم ما الذي سيحدث ؟ تزيد الأمور وتتضاعف وهم قوم سفهاء لا يقف فيهم الأذى عند حد ولا يقف السب عندهم عند حد ولا تقف بهم الرعونة عند حد ، فإن وقف معهم في مشادَّة أو في خصومة ضاع وقته فيما ليس من ورائه طائل إلا مزيد الأذى ومزيد الضرر ، بينما إذا مرَّ من أمثال هؤلاء ولم يلقِ لهم بال ومضى في طريقه ** وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ** [الأعراف:199] مثل ما قال الناظم وأحسَن قوله :
ولقد أمُرُّ على السفيه يسُبُّني فأمُرُّ ثمة وأقولُ لا يَعْنِيني
أقول لا يقصدني أنا ربما غير ، ويمشي لأنه إذا وقف والتفت إليه وتجاذب معه تعِب وتلفت نفسه وانفلتت أعصابه وزاد همَّه ولم يحقق عاقبة مفيدة ، فابن القيم يشبِّه هذا بهذا يقول : " فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه ، فإذا لم يتعرض له ولا تماسك هو وإياه بل انعزل عنه لم يقدر عليه ، فإذا تماسكا وتعلَّق كلٌّ منهما بصاحبه حصل الشر ، وهكذا الأرواح سواء " . فإذا الإنسان شغل روحه بالفكر في عدوه أو في حاسده وأصبح يجيلُ فكره بتكرار وباستمرار فيمن أصابه بحسد أو من أصابه بأذى لم يحصِّل عاقبةً حميدة بل تعبت نفسه وزاد سقمه وتضاعفت علَّته ، فمن الخير له أن يعرِض عن هذا وأن لا يشغل باله به .
يقول ابن القيم : " فإذا تعلقت كل روح منهما بالأخرى عُدم القرار ودام الشر حتى يهلك أحدهما ، فإذا جبذ روحه عنه وصانها عن الفكر فيه والتعلق به وأن لا يخطره بباله ، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضا ، فإن الحسد كالنار إذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضا " ، فهذه طريقة يقول ابن القيم نافعة جداً أن ينصرف الإنسان عنه وأن لا ينشغل به ، وأن يمضي في مصالح دينية ودنياه مستعيناً بربه متوكلاً عليه معرضاً عن شغل فكره بهذا الأمر. وكم من أناس تضاعفت فيهم أمراض وأسقام بسبب شَغْل الفكر وكثرة إجالة الخاطر في مثل هذه الأمور.

 السبب السادس : الإقبال على الله والإخلاص له وجعْلُ محبته وترضِّيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها تدب فيها دبيب الخواطر شيئاً فشيئا حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية . أي أن المبتلي بهذه الأشياء يحتاج من وسائل العلاج أن يعمُر قلبه بالإخلاص لله والمحبة والإقبال على الله وملأ القلب وعمارته بالإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وأن يجعل هذه المعاني العظيمة تدب في القلب شيئاً فشيئاً حتى تعمر القلب وتملأ القلب فلا يبقى لتلك الأشياء في القلب متسع .
يقول : فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره . قال تعالى عن عدوه إبليس أنه قال ** فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ** [ص:82-83] . فالمخلِص ليس للشيطان عليه سبيل ، المخلِص بمثابة من أوى إلى حصن حصين وحرزٍ مكين لا خوف على من تحصَّن به ولا ضيعة على من أوى إليه ولا مطمَع للعدو في الدنو منه ...فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن وصار داخل اليزك لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به ولا ضيعة على من آوى إليه ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه ، وهذا مطلب عظيم جداً لمعالجة هذا الأمر وغيره من الأمور ، والإخلاص أساس كل خير وسعادة وفلاح في الدنيا والآخرة.

 السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ** [الشورى:30] . تسلُّط العدو أيًّا كان حاسداً وعائناً أو غير ذلك من أسبابه الذنوب ** فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ**.
إذاً من وسائل العلاج النافعة المفيدة أن يتوب الإنسان إلى الله عز وجل من ذنوبه التي سلطت عدوه عليه توبة صادقة إلى الله عز وجل ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا** [التحريم:8] ، وقد قال العلماء التوبة النصوح هي التي تجمع شروطاً ثلاثة : الندم على فعل الذنب ، والإقلاع عنه تماماً ، والعزم الأكيد على عدم العودة إليه ، وإذا كان الذنب يتعلق بحقوق الآدميين يضاف إلى ذلك إعادة الحق إلى صاحبه أو طلب عفوه ومسامحته .
يقول ابن القيم رحمه الله : " فما سُلِّط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه ، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها ، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره " . ولهذا يحتاج الإنسان أن يتوب توبة صادقة من كل ذنبٍ اقترفه ؛ ما علمه من ذنوبه وما لا يعلمه منها ، توبةً من جميع الذنوب التي كانت سبباً في تسليط الأعداء عليه . ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله : " فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه – أي من ذنوب نفسه – أضعاف أضعاف مما يعلمه ، فما سُلِّط عليه مؤذٍ إلا بذنب ... ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها فإذا عُوفي من الذنوب عُوفي من موجباتها ، فليس للعبد إذا بُغي عليه وأُوذيَ وتسلط عليه خصومه شيءٌ أنفع له من التوبة النصوح ". فقد يكون تسلط العدو على الإنسان سبباً لعودته إلى الله سبحانه وتعالى كأنه يكون له بمثابة التنبيه والإيقاظ ، وكم من إنسان مضى في غفلة فتسلط عليه عدوٌّ فقال لم يتسلط عليَّ هذا إلا بذنوبي فيكون تسلط العدو عليه باباً له مباركاً للتوبة إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذا من الخير والتوفيق لعبد الله المؤمن أن يكون هذا سبباً لعودته وتوبته وإنابته إلى الله سبحانه وتعالى . الشاهد أن هذا من الوسائل العظيمة النافعة للخلاص والسلامة من تلك الإصابة .

 السبب الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه ؛ و ((الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ)) كما جاء في الحديث، وقد قال عليه الصلاة والسلام ((دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ)) . فالصدقة فيها نفع عظيم وثمار كبيرة .
يقول ابن القيم : "فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد ... فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسنٍ متصدِّق ، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد ، وكانت له فيه العافية والعاقبة الحميدة - والصدقة والإحسان من شكر النعمة - ... فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها " . يسمي العلماء الشكر الحافظ وأيضاً يسمونه الجالب ؛ لماذا ؟ لأنه يحفظ بإذن الله تبارك وتعالى النِّعم الموجودة ويجلب النعم المفقودة ، فهو حافظٌ جالب ، يحفظ لك النعمة الموجودة عندك وأيضاً يجلب لك نعَماً أخرى ** وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ** [إبراهيم:7] .

 السبب التاسع : إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ؛ فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددتَ إليه إحساناً وله نصيحةً وعليه شفقةً . من الذي يقوى على هذا الأمر !! تأمل كلام الله عز وجل {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ** من يقوى على هذا !! {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ** [فصلت:34-35] ، وتأمل التطبيق العلمي لهذا الأمر ؛ وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم - والحديث في الصحيحين البخاري ومسلم - أنه ضربه قومه حتى أدمَوْه – يعني حتى سال الدم -فجعل يسلُتُ الدم عنه ويقول : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" .
الشاهد أن هذه أيضاً منزلة عظيمة جداً إذا وُفِّق لها العبد - الدفع بالتي هي أحسن - بالإحسان إليه إطفاء نار شره بالإحسان بالصدقة بالهدية بالكلمة الطيبة ** ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ** فإنه بإذن الله تبارك وتعالى يُعان ويسلَم ويوقى بإذن الله.

 السبب العاشر والأخير : تجريد التوحيد - للمعبود سبحانه وتعالى - والترحُّل بالفكر بالأسباب – يعني اشتغال العقل أو الفكر بالأسباب – إلى المسبِّب العزيز الحكيم ، والعلم بأن كل شيء لا يضر ولا ينفع إلا بإذن الله قال الله عز وجل {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ** [يونس:107] . فلا يشغل نفسه بالفكر بالأسباب وإجالة الأمر فيها ، وإنما يجرِّد التوحيد لله سبحانه وتعالى ، وقد مر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ((وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ )) رواه الترمذي .
يقول ابن القيم رحمه الله : " فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سوى الله ، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله بل يُفرد الله بالمخافة ... ويرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده ، وإلا فلو جرَّد توحيده لكان له فيه شغلٌ شاغل والله يتولى حفظه والدفع عنه ؛ فإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، فإن كان مؤمناً فالله يدافع عنه ولابد ، وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه ". ولاحظ احتياج الإنسان إلى قوة الإيمان وقوة التوحيد وقوة الإخلاص لله تبارك وتعالى حتى ينال النصيب الوافر والحظ الأعظم من كفاية الله له وعونه . قال : " وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه ؛ فإذا كمَّل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع ، وإن مزج مُزج له ، وان كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة ، كما قال بعض السلف : من أقبل على الله بكليَّته أقبل الله عليه جملة ، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة ، ومن كان مرةً ومرة فالله له مرة ومرة" . يرجع الأمر إلى تجريد التوحيد وقوة الإيمان وقوة الإخلاص والالتجاء إلى الله عز وجل . ولهذا " فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين ، قال بعض السلف : من خاف الله خافه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء " يصبح خائفاً من كل شيء ، بينما إذا خاف الله سبحانه وتعالى كل شيء يخافه لأن الله عز وجل يلقي في قلوب الناس مهابته وهيبته ، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى.
الشاهد أن هذه أسباب عشرة عظيمة جداً يندفع بها كما ذكر ابن القيم وقرَّر وبيَّن شر الحاسد والعائن والساحر ، وهي تحتاج من المؤمن الموفَّق أن يتدارس هذه الأمور العشرة مرات وكرات ويتذاكرها ويجاهد نفسه على تطبيقها والقيام بها ، وسيرى بإذن الله تبارك وتعالى العواقب الحميدة والمآلات الطيبة والخير والبركة والعافية في دنياه وأخراه.
ونسأل الله عز وجل لنا أجمعين أن يصلح لنا شأننا كله ، وأن يكتب لنا العاقبة الحميدة ، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، وأن يغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه ، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح ذات بيننا وأن يؤلف بين قلوبنا ، وأن يهدينا سبيل السلام ، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور ، وأن يبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأن يجعلنا مباركين أينما كنا ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يصلح شأننا كله إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


الأسئلة
ما حكم من تعلق عظماً أو كأساً أو ما سواهما لدفع العين والحاسد ؟
الجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ)) وقال النبي عليه الصلاة والسلام ((إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ)) فتعليق هذه الأشياء سببٌ إلى أن يُوكل إليها ، ومن وُكل إلى عظم أو كأس ما النتيجة التي سيحصِّلها ؟ وما الغنيمة التي سينالها إذا وكل إلى عظم يعلقه على جسده ؟ ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ)) أيضاً قصة الرجل الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يده خيط قال : (( مَا هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ مِنْ الْوَاهِنَةِ ، قَالَ : انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا )) فهذه الأشياء لا يحصل بسببها عافية أو سلامة أو وقاية من عين أو نحو ذلك بل إنها تزيد الإنسان وهنا على وهن وضعفاً إلى ضعف وعلة إلى علة ، وتعليق الخيوط والحروز والعظام والصدف والحلقات من الصُّفُر أو النحاس أو الحديد أو التعاليق التي تعلَّق فهذه كلها أمور محرمة في دين الله تبارك وتعالى بل هي من الشرك ، هل هي من الشرك الأكبر أو من الشرك الأصغر؟ هذا يختلف باختلاف حال من علَّقها ؛ إذا كان معلقاً لها معتقداً أن فيها نفعاً وضراً وعطاءً ومنعاً فهذا شرك أكبر ناقل من ملة الإسلام، وإذا كان يعتقد أنها سبب فهذا من الشرك الأصغر لأنه وسيلة تُفضي بالإنسان إلى الشرك الأكبر.
الشاهد أن هذه التعاليق تعاليق محرمة وقد تنوعت عند الناس بصور كثيرة وأشكال مختلفة ؛ بعضهم يعلِّق على عنقه أو في سيارته تعليقة يُرسم عليها عين ، بزعم العوام أن هذه العين ترد العين ، وبعضهم يضع في سيارته يداً مرسوماً بداخلها عين ، واليد متحركة إذا مشى تتحرك العين كأنها تقول للعين لا تصيبيني يشير لها بعدم الإصابة كل هذه من خرافات العوام ومن جهلهم ومن ضياعهم ، يتعلقون بهذه الأشياء التي لا تفيد ولا تنفع ولا يعلِّقون قلوبهم بمن بيده أزمة الأمور سبحانه وتعالى.

هل القول بأن صاحب العين يُصلى عليه صلاة الميت لدفع عينه والشفاء منه ؟ هل هذا له أصل؟
الجواب : هذا ليس له أصل ، وإنما العلاج مر معنا بتأصيل علمي وتقرير نافع في نقاطٍ عشرة عظيمة ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله .

ثم يقول أخونا في آخر سؤاله : وما هو الثابت في الشرع في هذا الباب ؟
مر معنا كلام ابن القيم رحمه الله في هذا الباب ، وإذا كان السؤال متعلق بالعين فإذا كان يعلم العائن من هو فإنه الشرع يدل أيضاً على مشروعية الأخذ من مائه إذا اغتسل أو توضأ ، وأن يغتسل منه أو يتوضأ منه أو يُرش عليه منه فإن هذا الأسباب التي دل عليها الشرع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هناك أناس يقولون أننا نتعامل مع الجن من المسلمين لفك السحر فهل هذا يجوز؟
الجواب : أن هذا العمل ليس من الأعمال المشروعة ، ولا يجوز للإنسان أن يتصل بالجن سواءً زعموا أنهم مسلمين أو لم يزعموا لأن هذا من باب الشر ، ولو لم يكن في هذا الأمر إلا القاعدة الشرعية سد الذرائع المفضية إلى الباطل لكان ذلك وحده كافياً.

ما الراجح في القراءة على الماء وشربه للتخلص من العين والسحر؟
القراءة في الماء وشربه لا بأس به جاء عن عدد من السلف هذا الأمر ، والأوْلى أن تكون القراءة والنفث على المصاب مباشرة ، والأوْلى أيضاً أن المصاب لا يسترقي ، لا يطلب من يرقيه ، الأكمل أن لا يذهب إلى من يرقيه، وإن ذهب هذا لا يؤثر إلا على كمال توكله ، تأثيره على كمال التوكل وهو خلاف الأوْلى ، والأولى به أن يكون في هذا الباب يرقي نفسه ويلجأ إلى الله ويُقبل على الله ويقوم بهذه الأمور العظيمة التي ذكرها ابن القيم.

كلما أُقدِم على أمر ما أشعر أن النجاح لا يكون حليفي بسبب العين ، اشتريت سيارة فعملت حادثا ورُزقت مولوداً فمات ؛ فأصبحت أن العين تطاردني؟
أحياناً الإنسان لا يكون مصاباً بعين ولكنه يستجلب لنفسه أوهاماً ، ويكون فكره لتوارد خواطر وجود العين فيه متكررة في خاطره يذكر حادثةً أو حادثتين فيبني عليها أمره كله . الآن هذا السائل نفسه لو ترك هاتين الحادثتين اشتريت سيارة فعملت حادث ورُزقت مولود فمات ، دعك من هاتين الحادثتين وتفكر في أحوالك الأخرى تجد أنك في نعمة ، لو تفكرت في حالك بعيداً عن استحضار هاتين القصتين واستحضار أنك مصاب بعين أو توهم بأنك مصاب بعين ستجد أن حياتك وأيامك مليئة بالنجاح والتوفيق والسداد ، من النجاحات التي تحققت لك أنك موجود الآن جئت المسجد وحضرت المحاضرة ؛هذا نجاح وتوفيق من الله سبحانه وتعالى وتيسير لك ، فلو تتفكر تجد أن حياتك مليئة بالنجاح ، فلا تأتي وتعُدّ حادثتين حصلت وتقول هذا دليل على أنني مصاب بعين وأن العين تلاحقني أينما ذهبت ، فبعض الناس يضخِّم بعض الأمور ويعظِّمها في نفسه فيُمرض نفسه بنفسه. فنصيحتي لك أن تبتعد عن هذه الهواجس والأفكار وأن تلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى وتحقق المعاني العظيمة التي مر معنا تقريرها في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى .

كيف نحصن الصغير من العين والحسد والسحر؟
تحصين الصغير بتعويذه ، إذا كان لا يستطيع الصغير أن يتعوذ يعوذه أبوه أو أمه " أعيذك بكلمات الله التامة من شر ما خلق " يعوذه بالمعوذتين ، حتى لو لم يكن ابنه عنده حاضراً يعوذه يقول أعيذه بكلمات الله التامة ، فالشاهد أن تعويذ الأبناء من الأمور المطلوبة ، وكذلك تعويد الأبناء على التعوذ والالتجاء والمحافظة على الأذكار أذكار الصباح والمساء وعند النوم .

انتشرت في الآونة الأخيرة قنوات السحر والشعوذة فما حكم مشاهدتها بقصد التسلية ؟ وهل من نصيحة لمن أُبتلي بمشاهدة هذه القنوات؟
مشاهدة هذه القنوات حرام ، والنظر إليها إثم وباب شر على الإنسان ، ومن ينظر إلى هذه القنوات مخاطِر بدينه، وكم من إنسان أصيب في دينه بمقتل بسبب أمثال هذه المخاطرات ، وقد قال السلف قديماً " إن كنت مخاطراً بشيء فلا تخاطر بدينك " خاطر بمالك بتجارتك أما الدين لا تخاطر به ، وكثير من الناس لا يُبالي بدينه يخاطر به مخاطرة عجيبة ، تجده يفتح القنوات الفضائية لا يغلق منها قناة ، ينظر إلى كل قناة أياً كانت ، ويدخل في المواقع التي في الانترنت ولا يبالي بأي موقع من هذه المواقع ؛ فهذه مخاطرة بالدين ، وكثير من الشباب دخل في هذه القنوات أو في تلك المواقع مع قلة علم وقلة فهم فدخلت عليه شبهات لم تأثر في أخلاقه فقط بل أثرت حتى في عقيدته ، ودخلت على بعض الشباب عقائد فاسدة ومذاهب منحرفة وشبهات من النصارى من اليهود من أصحاب العقائد المنحرفة كل ذلك بسبب المخاطرة بالدين ، قارن حال هؤلاء بحال السلف ؛ عبد الله بن المبارك دخل عليه رجل من أهل الأهواء وقال أريد أن أقرأ عليك آية من كتاب الله ، قال أخرجوه عني ، قال أريد أن أقرأ عليك آية من كتاب الله ، قال أخرجوه عني ، فلما خرج قالوا إنما أراد أن يقرأ عليك آية من كتاب بالله ! قال رحمه الله : " خشيت أن يطرح عليَّ شبهة تجلجل في صدري حتى أموت " وعبد الله بن المبارك إمام من كبار التابعين يقول " خشيت أن يطرح عليَّ شبهة تجلجل – يعني تتردد - في صدري حتى أموت " كم من الشبه الآن تتردد في نفوس الشباب بسبب النظر إلى القنوات أو بسبب النظر في المواقع !! شبهات كثيرة ، بل أصبحتَ ترى في بعض الأسئلة التي تُطرح على أهل العلم كلها شبهات ، يقول أنا يا شيخ محتار بين كذا وكذا ، وأنا حيرني الأمر الفلاني أو عندي شبهات ، وتجد بعضهم في نفسه أحاديث كثيرة ضعيفة ملأ فكره بها وشغل ذهنه بها ، والعلم النافع المؤصل لا يعرف عنه شيء وليس عنده منه خبر !! وهذا كله بسبب المخاطرة بالدين.
فالشاهد أن هذه القنوات لا يجوز النظر إليها ، ومن ينظر إليها فهو آثم ومخاطِر بدينه ، ولا يجوز النظر إليها ولا حتى من باب التسلية أو تمضية الوقت ؛ فإن هذا من تضييع الدين والوقوع فيما يسخط رب العالمين . نسال الله عز وجل للجميع التوفيق والحفظ والعون والسداد.
والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

فضيلة الشيخ : عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة