مسألة
قال الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر
رحمه الله تعالي :
« اختلفوا في الحديث الصحيح :
هل يوجب العلم القطعي اليقيني ، أو الظن ؟
وهي مسألة دقيقة تحتاج إلي تحقيق .
أما الحديث المتواتر لفظاً أو معني ،
فإنه قطعي الثبوت ،
لا خلاف في هذا بين أهل العلم .
وأما غيره من الصحيح ، فذهب بعضهم إلي أنه لا يفيد القطع ، بل هو ظني الثبوت ،
وهو الذي رجحه النووي في "التقريب" ،
وذهب غيرهم إلي أنه يفيد العلم اليقيني ،
وهو مذهب داود الظاهري ، والحسين بن علي الكرابيسي ، والحارث بن أسد المحاسبي ،
وحكاه بن خويز منداد عن مالك .
وهو الذي اختاره وذهب إليه ابن حزم ،
قال في " الإحكام " : « إن خبر الواحد العدل عن مثله إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معاً » .
ثم أطال في الاحتجاج له والرد علي مخالفيه ،
في بحث نفيس .
واختار ابن الصلاح أن ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في " صحيحَيْهِما "
أو رواه أحدهما مقطوع بصحته ، والعلم اليقيني النظري وقع به ، واستثني من ذلك أحاديث قليلة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ ، كالدارقطني وغيره ،
وهي معروفة عند أهل هذا الشأن .
هكذا قال في كتابه " علوم الحديث " .
ونقل مثله العراقي في شرحه علي ابن الصلاح عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف المتوفى 574 هـ ،
ونقله البُلْقيني عن أبي إسحاق وأبي حامد الإسْفْرَائينيين والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية " .
وعن السرخسي من الحنفية ، وعن القاضي
عبد الوهاب من المالكية ، وعن أبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزّاغوني من الحنابلة .
وعن أكثر أهل الكلام من الأشعرية .
وعن أهل الحديث قاطبة ، وهو الذي اختاره
الحافظ ابن حجر والمؤلف .
والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله ،
من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي ،
سواء أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما ، وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني ،
لا يَحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث ،
العارف بأحوال الرواة والعلل ،
وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البُلقيني ممن سبق ذكرهم ،
وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك .
وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهراً لكل من تبحر في علم من العلوم ،
وتيقنت نفسه بنظرياته ، واطمئن قلبه إليها .
ودَعْ عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن ،
فإنما يريدون بهما معني آخر غير ما نريد .
ومنه زعم الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ،
إنكاراً لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشئ ثم ازدياد هذا اليقين .
** قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي ** سورة البقرة 260
وإنما الهُدَى هُدَى الله » . اهـ
_ الباعث الحثيث .
___________
( يتبع ) ................