عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 03-11-2009, 06:29 AM   #1
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

I11 ( 4 ـ4 ) (%%% فقه التعامل بين الزوجين " عبدالعزيز بن فوزان الفوزان " &&&)!!!

المبحث الثالث: الحقوق الخاصة بالزوج
وفيه تمهيد وخمسة مطالب:
تمهيد:
إذا كانتْ تلك هي بعض حُقُوق المرأة على الرَّجل، فإنَّ حقَّ الرَّجل على المرأة أعظمُ وآكد، وواجبها تُجاهَه أكبر وأشد، بل ليس على المرأة بعد حقِّ الله - تعالى - وحقِّ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوجب من حقِّ الزَّوج[1] ، حتَّى لقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يَسجُدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها؛ مِن عِظَمِ حقِّه عليها، والذي نفسي بيده لا تُؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجها)).

وزاد في روايةٍ لأحمد والنَّسائي: ((والذي نفسي بيده، لو أنَّ مِن قَدمِه إلى مَفْرق رأسِه قرحةً تنبجس بالقيح والصَّديد، ثم أقبلتْ تلحسه، ما أدَّت حقَّه)).

وفي رواية أخرى لأحمد وابن ماجه: ((لو أَمرتُ أحدًا أن يَسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها، ولو أنَّ رَجلاً أَمَر امرأتَه أن تَنقُلَ مِن جبلٍ أحمر إلى جبلٍ أسود، ومن جبلٍ أسود إلى جبل أحمر، لكان نَوْلُها أن تفعل[2] ))[3].

وعن حُصين بن محصن قال: حدَّثتْني عمَّتي، قالت: أتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بعض الحاجة فقال: ((أي هذه، أذاتُ بَعْلٍ أنت؟))، قلتُ: نعمْ، قال: ((كيف أنتِ له؟))، قلت: ما آلوه[4] إلاَّ ما عجزتُ عنه، قال: ((فانظري أينَ أنتِ منه، فإنَّما هو جنَّتُكِ وناركِ))[5].

فبيَّن - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ صدق المرأة في النُّصح لزوجها والقيام بحقوقه، وحُسن التبعُّل له، مِن أعظم أسباب دُخُول الجَنَّة، كما أنَّ تقصيرها في حقِّه من أعظم أسباب دخول النَّار.

ويدلُّ على عِظَم حقِّه عليها، قوله - تعالى -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ**[6].

قال القرطبي[7] : "فدرجة، تقتضي التفضيل، وتُشعر بأنَّ حقَّ الزوج عليها أوجبُ مِن حقِّها عليه".

وقال - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ**[8] فجعل الرَّجلَ قيِّمًا على المرأة؛ لفضله وإفضاله عليها، فكان حقُّه عليها أكبرَ من حقِّها عليه[9].

المطلب الأول: طاعته بالمعروف:
قال الله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا** [النساء: 34].

وقد دلَّت الآيةُ الكريمة على وُجُوب طاعة المرأةِ لزوجها في غير معصية الله مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأوَّل: قوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ**، والقِوامة تقتضي السَّمعَ والطاعة، وإلاَّ لم يكن لها معنى[10] .

الوجه الثاني: قوله - تعالى -: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ**، والقانتات: هنَّ المطيعات لله - تعالى - ولأزواجهنَّ[11].

قال ابن كثير[12] : "قال ابن عباس، وغيرُ واحد: يعني مطيعات لأزواجهنَّ".

الوجه الثالث: قوله - تعالى -: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا**، فهذا صريحٌ في وُجُوب طاعة المرأة لزوجها، وتحريم نُشوزها وتعاليها عليه بمخالفته، والخروج عن طاعته، وأنَّها إذا قامت بواجبه في الطاعة فلا يجوز له أنْ يظلمَها أو يبخسَها حقَّها، ثم حذَّر مَن يفعل ذلك بأنَّ الله - تعالى - أعلى منه وأكبر، وهو أقوى عليه منه عليها وأقدر، ولله دَرُّ القائل:

وَمَا مِنْ يَدٍ إلاَّ يَدُ اللهِ فَوْقَهَا وَمَا ظَالِمٌ إِلاَّ سَيُبْلَى بِأَظْلَمِ


ويدلُّ كذلك على أنَّ من حقِّ الرَّجل على زوجه أن تُطيعَه بالمعروف: قولُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صلَّتِ المرأةُ خمسَها، وصامتْ شهرَها، وحفظتْ فرجَها، وأطاعتْ زوجَها، دخلتِ الجَنَّة))، وفي رواية: ((قيل لها: ادخُلي مِن أيِّ أبواب الجَنَّة شئتِ))[13].

والحديث دالٌّ على وُجُوب طاعة المرأة لزوجها من وجهين:
الوجه الأول: أنَّه قرن طاعة الزَّوج بالصلوات الخمسِ المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحِفْظ الفَرْج، وكلُّها من أوجب الواجبات.

الوجه الثاني: أنَّه قرن بين حقِّ الله - تعالى - بإقامةِ الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحقِّ الزوج بطاعته، وحفْظ عِرضه، وجعل القيام بالحقَّين معًا شرطًا لدخولها الجَنَّة، وهذا كقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيدِه لا تُؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها))[14] ، فدلَّ ذلك على أنَّ طاعتها لزوجها حقٌّ واجب عليها.

ويدلُّ على ذلك - أيضًا - قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لو أمرتُ أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها، ولو أنَّ رجلاً أمر امرأتَه أن تنقل من جبلٍ أحمر إلى جبل أسودَ، ومِن جبلٍ أسود إلى جبلٍ أحمر، لكان نَوْلُها أن تفعل[15])).

فإذا كان عليها أن تُطيعَه فيما لا منفعة فيه، وهو أن تنقل من جبلٍ إلى جبل، فكيف بطاعتها له فيما فيه مصلحةٌ ظاهرة، مِن القِيام بأمور معاشه، وتربية أولاده، ونحو ذلك؟

وبيَّن - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ طاعة المرأةِ لزوجها مِن أمارات صلاحِها، واغتباط زوجها بها، فقال: ((ما استفادَ المؤمنُ بعدَ تقوى الله - تعالى - خَيرًا له مِنَ امرأةٍ صالحة؛ إنْ نَظرَ إليها سرَّتْه، وإن أمرها أطاعتْه، وإنْ أقسم عليها أبرَّتْه، وإن غاب عنها حفظتْه في نفسِها وماله))[16].

طاعة الزوج مقدَّمة على طاعة الوالدين:
وطاعة الزَّوج مُقدَّمةٌ على طاعة الوالدَينِ مع عِظم حقِّهما، وسابق فضلهما، بل كلُّ طاعة كانت للوالدَين، فقدِ انتقلت إلى الزَّوج؛ وإذا أمرها والداها أو أحدُهما بشيءٍ يخالف أمرَ زوجها، كانت طاعة الزوج مقدَّمةً على طاعة الوالدين، ولا حرجَ عليها في معصيتهما؛ لأنَّه ليس من حقِّهما أن يأمراها بشيءٍ يتعارض مع ما يُريده الزَّوجُ، ويأمر به.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة[17] - رحمه الله: "قوله - تعالى -: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ**[18]، يَقتضي وجوبَ طاعتها لزوجِها مطلقًا: مِن خدمة، وسفرٍ معه، وتمكينٍ له، وغير ذلك، كما دلَّت عليه سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث الجبل الأحمر، وفي السُّجود، وغير ذلك، كما تجب طاعة الأبوين، فإنَّ كلَّ طاعة كانت للوالدين انتقلتْ إلى الزَّوج، ولم يبقَ للأبوين عليها طاعة، تلك وجبتْ بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود"[19].

وسُئل - رحمه الله - عنِ امرأةٍ تزوجتْ، وخرجت عن حكم والديها، فأيُّهما أفضل: بِرُّها لوالديها، أو مطاوعةُ زوجها؟

فأجاب[20] : "الحمدُ لله ربِّ العالمين، المرأة إذا تزوجتْ كان زوجها أملكَ بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب".

ثم أورد نصوصًا كثيرة من الكتاب والسُّنة تدلُّ على عِظم حقِّ الزوج، ووجوب طاعته فيما لا إثْم فيه، إلى أنْ قال: "والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: زيد بن ثابت: الزوج سيِّد في كتاب الله، وقرأ قوله - تعالى -: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابِ**[21] ؛ وقال عمر بن الخطَّاب: النِّكاح رِقٌّ، فلينظرْ أحدُكم عندَ مَن يُرِقُّ كريمته.

وفي التِّرمذي وغيره، عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((استوصوا بالنِّساء خيرًا، فإنَّما هنَّ عندَكم عوانٍ))[22]، فالمرأة عند زوجها تُشبه الرَّقيقَ والأسير، فليس لها أن تَخرجَ من منزله إلاَّ بإذنه؛ سواءٌ أَمَرَهَا أبوها أو أمُّها، أو غير أبويها باتِّفاق الأئمة، وإذا أراد الرَّجل أن ينتَقِل بها إلى مكان آخرَ مع قيامه بما يجب عليه، وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك، فعليها أن تُطيعَ زوجَها دون أبويها، فإنَّ الأبوين هنا ظالمان، ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزَّوج.

وليس لها أن تطيعَ أمَّها فيما تأمرها به مِن الاختلاع منه، أو مضاجرته حتَّى يطلقَها".

المطلب الثاني: عدم الخروج من بيته إلا بإذْنه:
ليس للزَّوجة أن تخرجَ من بيتِ زوجها إلاَّ بإذنه[23]؛ لأنَّها محلُّ استمتاعه، والراعية لبيته وأولاده، وهو المكلَّف بالإنفاق عليها، وتأمين حاجاتها، وخروجها قد يُفوِّت عليه بعضَ مصالحه، كما أنَّ خروجها قد يكون مدعاةً لافتتانها، أو الفتنة بها؛ ولهذا قال الله - تعالى -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى**[24]، فكان من حقِّ الزوج منعُها من الخروج إلاَّ حيثُ يأمن عليها، ويكون لخروجها ما يدعو إليه؛ مِن قضاءِ مصلحة، أو زيارة قريب، أو عِيادة مريض، أو نحو ذلك.

ويدلُّ على تحريم خروجها بغير إذنه حديثُ عبدالله بن عمرَ - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا تَمنعوا نِساءَكم المساجدَ إذا استأذنَّكم إليها))، وفي رواية: ((لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله))[25].

ولو لم يكن للزَّوج منعُ زوجته من الخروج إلاَّ بإذنه لَمَا نُهوا عن منعهنَّ من الخروج للمساجد.

قال الإمام أحمد في امرأةٍ لها زوجٌ وأمٌّ مريضة: طاعة زوجها أوجبُ عليها من أُمِّها، إلاَّ أن يأذن لها[26]؛ ولكن لا ينبغي للزوجِ منعُها مِن عيادة والديها وزيارتهما وصِلة أرحامها؛ لأنَّ في ذلك قطيعةً للرَّحم التي أمر الله بوصلها، كما أنَّه يؤدِّي إلى نفور زوجته، ويَحمِلها على مخالفته، وقد أمر الله - تعالى - بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.

وليس له منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها؛ لأنَّ هذا من الصِّلة الواجبة، ولا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق؛ إلاَّ إذا كان يَخشى حصولَ ضررٍ بيِّن بسبب زيارتهما، فله منعُهما - إذًا - من زيارتها؛ دفعًا للضَّرر، ويجوز لها عندَ الضرورة أن تخرج من دون إذنه، كأن تضطر إلى طعام، أو شراب، أو علاج، أو نحوها مما ليس لها منه بدٌّ[27].

المطلب الثالث: عدم الإذن لأحدٍ بدخول بيته إلاَّ بإذْنه:
الزوج هو صاحبُ الدَّار، وهو المسؤول عن رَعيته، وله حقُّ القِوامة على زوجته، ويهمُّه معرفة مَن يَلجُ بيتَه ويَطَّلع على ما فيه، ويحرص على العِلم بمن يدخل على زوجته ويخالطها، وربَّما يؤثِّر عليها في أخلاقها، أو تعاملها مع زوجها، كما أنَّ عندَه من الغَيرة عليها والحِرْص على صيانتها ما يجعله يهتمُّ بمن يدخل عليها، فكان واجبًا عليها أن تراعيَ مشاعره، وتريحَ خاطرَه، وأن تجتنبَ ما يكرهه أو يُثير حفيظتَه، فلا تفتات عليه، وتُدخِل في بيته مَن لا يُحبُّه، أو يكره اطلاعَه على أحواله، ومجالسته لأهله وعياله.

وهذا من المعاشرة بالمعروف التي دلَّت عليها نصوصٌ كثيرة في الكتاب والسُّنَّة، كما يدلُّ عليه حديث عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال في حجَّة الوداع: ((ألاَ إنَّ لكم على نِسائكم حقًّا، ولنِسائكم عليكم حقًّا؛ فأمَّا حقُّكم على نسائكم: فلا يُوطِئنَ فرشَكم مَن تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لِمَن تكرهون، ألاَّ وحقُّهنَّ عليكم: أن تُحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ))[28].

فجعل من حقِّ الرَّجل على زوجه ألاَّ توطئَ فراشَه أحدًا يكرهه، سواء كان قريبًا لهما أم لأحدهما، أو أجنبيًّا عنها أو عنهما، والمراد بالفراش: ما يُفرش في المنزل عادةً من بُسُط وسجَّاد ووسائد وغيرها.

أمَّا ما قد يتبادرُ إلى ذِهن بعض النَّاس من أنَّ الفراش يُقصد به فراش النَّوم، أو الخلوة المحرَّمة، فليس للزوجة أن تفعلَ ذلك، سواء رضي به الزَّوج أم كره، وإنَّما المقصودُ دخولُ البيت والزِّيارة المعتادَة المتعارَف عليها.

وفي ذلك يقول النووي[29]: "معناه: ألاَّ يأذنَّ لأحدٍ تكرهونه في دخولِ بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبيًّا، أم امرأةً، أم أحدًا من محارم الزوجة، فالنَّهي يتناول جميعَ ذلك.

وهذا حُكم المسألة عندَ الفقهاء: أنَّها لا يَحِلُّ لها أن تأذن لرَجل، أو امرأة، ولا محرم، ولا غيره في دخول منزل الزوج إلاَّ مَن عَلمتْ، أو ظنَّتْ أنَّ الزوج لا يكرهه؛ لأنَّ الأصلَ تحريمُ دخول منزل الإنسان، حتَّى يوجدَ الإذن في ذلك منه، أو ممَّن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رِضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حَصَل الشكُّ في الرِّضا ولم يترجح شيءٌ، ولا وُجِدت قرينة، لا يحلُّ الدُّخول ولا الإذن، والله أعلم".

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَحِلُّ للمرأة أن تصومَ وزوجُها شاهدٌ إلاَّ بإذنه، ولا تأذن في بيته إلاَّ بإذنه))[30].

فهذا صريحٌ في أنَّه لا يحل لها أن تفتاتَ على زوجها، فتأذنَ لأحدٍ بدخول بيته إلاَّ بإذنه، والنهي في الحديث محمولٌ على مَن يكره الزَّوجُ دخولَه في بيته، أو مَن لا تعلم المرأةُ رِضا الزوج به، فإنْ علمتْ رضاه به، إمَّا بلسان الحال أو المقال، جاز لها الإذن له، فلا بدَّ مِنَ اعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً[31].

المطلب الرابع: حِفظ زوجها في عرْضه وماله وأولاده:
قال الله - تعالى -: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ**[32]؛ أي: حافظات في غيبة الأزواج ما يجب عليهنَّ حفظُه من فروجهنَّ، وأولاد أزواجهنَّ وأموالهم[33]، ويقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ نسائِكم مَن إذا نظر إليها زوجُها سرتْه، وإذا أَمَرَهَا أطاعتْه، وإذا غاب عنها حَفِظتْه في نفسها وماله))، وفي روايةٍ لأبي داودَ والحاكم: ((خيرُ ما يَكْنِز المرء: المرأةُ الصالحة، إذا نظر إليها سرتْه، وإذا أمرَها أطاعتْه، وإذا غاب عنها حفظتْه))، وفي روايةِ ابن ماجه - وقريبٌ منها رواية الطبراني -: ((ما استفاد المؤمنُ بعدَ تقوى الله - تعالى - خيرًا له مِنَ امرأةٍ صالحة؛ إنْ نظرَ إليها سرتْه، وإن أمرها أطاعتْه، وإن أَقسمَ عليها أبرتْه، وإن غاب عنها حفظتْه في نفسها وماله))[34].

وبعد، فهذه هي الحقوقُ الزوجيَّة، التي لو الْتزم بها الزوجانِ المسلمان لَتَحقَّق لهما الأُنس والسعادة، والسَّكن والراحة، وحَصَل بينهما الوِفاق والوِئام، وتهيَّأ الجوُّ الصالح للتربية، حيثُ تنشأ الناشئة في بيتٍ كريم، تعمره المودَّة والرحمة، ويسوده التعاون والتفاهُم، والاحترام المتبادَل، بعيدًا عن صخب المنازعات، وآلام الشِّقاق والمشاحنات، وتطاوُلِ كلٍّ من الزوجَين على الآخَر، وإنَّ الزواج لا يؤتي أُكلَه، ويحقِّق مقاصدَه إلاَّ إذا حَسُنتِ العِشْرة بين الزوجين، وقام كلُّ واحد منهما بحقِّ صاحبه عليه.


المبحث الرابع: نصائح أبوية غالية
وأختمُ هذا الموضوعَ المُهمّ بهذه الباقة العطرة من النصائح الأَبويَّة الصادقة، الصادرة مِن قلوب مُحبَّةٍ مخلصة، ونفوس كريمة مُجرِّبة، وعقول حصيفة موفَّقة:
قال أسماءُ بن خارجةَ لابنته عندَ الزفاف[35]: يا بُنية، إنَّكِ خرجتِ من العشِّ الذي دَرجتِ فيه، إلى فراشٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألْفيه، فكوني له أرضًا يكنْ لك سماء، وكوني له مِهادًا يكنْ لك عمادًا، وكوني له أَمةً يكنْ لك عبدًا، لا تلحفي به فيقلاك[36]، ولا تباعدي عنه فيَنساكِ، إنْ دنا منك فاقربي منه، واحفظي أنفَه وسمعَه وعينَه، فلا يَشَمُّ منكِ إلاَّ طَيِّبًا، ولا يسمع إلاَّ حسنًا، ولا ينظر إلا جميلاً، وكوني له كما قلتُ لأمِّكِ:

خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي وَلاَ تَنْطِقِي في سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ
وَلاَ تَنْقُرِينِي نُقْرَةَ الدُّفِّ مَرَّةً فَإِنَّكِ لاَ تَدْرِينَ كَيْفَ الْمُغَيَّبُ
فَإِنَّي رَأْيتُ الحُبَّ في الْقَلْبِ وَالأَذَى إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ الْحُبُّ يَذْهَبُ


وقالتْ أُمامة بنت الحارث التَّغلبيَّة لابنتها - لَمَّا أرداتْ إهداءها لزوجها - [37]: "أي بُنيَّتي، إنَّ الوصية لو كانت تُترك لِفَضلِ أدبٍ، أو مكرمة حَسَبٍ، لتَركتُ ذلك معكِ، ولكنَّها تَذكرةٌ للعاقل، ومنبهةٌ للغافل.

أي بُنيَّة، لو استغنتِ ابنةٌ عن زوج لغِنى أبويها، لكنتِ أغنى النَّاس عنه، ولكنَّا خُلقْنا للرِّجال، كما خُلِق الرِّجال لنا.

أي بُنيَّة: إنَّكِ فارقتِ الوطنَ الذي منه خرجتِ، وخلَّفت العشَّ الذي فيه درجتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، أصبحَ بملكه إيَّاكِ مَلِكًا عليك؛ فكُوني له أَمَةً يكنْ لكِ عبدًا، واحفظي له خلالاً عشرًا.

أمَّا الأولى والثانية: فالصُّحبة بالقناعة، والمعاشرة بحُسن السَّمع والطاعة؛ فإنَّ في القناعة راحةَ القلب، وفي المعاشرة بحُسن السمع والطاعة رِضا الرَّب.

وأمَّا الثالثة والرابعة: فالتعهُّد لموقع عينه، والتفقُّد لموقع أنفِه، فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يَشَمُّ أنفه منكِ إلاَّ أطيب رِيح؛ واعلمي أنَّ الكُحل أحسنُ الحُسْن الموجود، وأنَّ الماء أطيبُ الطيب المفقود.

وأمَّا الخامسة والسادسة: فالتعهُّد لوقت طعامِه، والهدوء عندَ منامه؛ فإنَّ حرارةَ الجوع مَلهبَة، وتنغيصَ النَّوم مَغضبَة.

وأمَّا السابعة والثامنة: فالاحتفاظ ببيته وماله، والرِّعاية لحشمه وعياله؛ فإنَّ أصلَ حِفظ المال مِن حُسن التقدير، والرِّعاية على العِيال والحشم من حُسْن التدبير.

وأمَّا التاسعة والعاشرة: فلا تفشينَ له سِرًّا، ولا تَعصين له أمرًا؛ فإنَّكِ إن أفشيت سرَّه لم تأْمني غدَره، وإن عصيتِ أمره أوغرتِ صدرَه، واتَّقي مع ذلك الفرحَ إذا كان ترحًا، والاكتئابَ إذا كان فرحًا؛ فإنَّ الخصلة الأُولى من التقصير، والثانية من التَّكدير، وأشد ما تكونين له إِعظامًا أشد ما يكون لكِ إكرامًا، وأكثر ما تكونين له موافقةً أحسن ما يكون لكِ مرافقةً.

واعلمي أنَّكِ لا تقدرين على ذلك حتَّى تُؤثري هواه على هواكِ، ورِضاه على رضاكِ فيما أحببتِ أو كرهتِ، ثم ودَّعتْها وانصرفت.

يتبع

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة