عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 17-04-2018, 09:52 PM   #1
معلومات العضو
رشيد التلمساني
مراقب عام و مشرف الساحات الإسلامية

افتراضي قمة الوفاء و الشهامة

كان فيما كان شاب ثري ثراء عظيما و كان والده يعمل بتجارة الجواهر و الياقوت و ما شابه ، و كان الشاب يغدق على أصدقائه أيما إغداق و هم بدورهم يجلونه و يحترمونه بشكل لا مثيل له . و دارت الأيام دورتها و يموت الوالد و تفتقر العائلة افتقارا شديدا ، فقلب الشاب أيام رخائه ليبحث عن أصدقاء الماضي فعلم أن أعز صديق كان يكرمه و يغدق عليه و أكثرهم مودة و قربا منه قد أثرى ثراء لا يوصف و أصبح من أصحاب القصور و الأملاك و الضياع و الأموال ، فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملا أو سبيلا لإصلاح الحال ، فلما وصل باب القصر استقبله الخدم و الحشم فذكر لهم صلته بصاحب الدار و ما كان بينهما من مودة قديمة ، فذهب الخدم فأخبروا صديقه بذلك ، فنظر إليه ذلك الرجل من خلف ستار ليرى شخصا رث الثياب عليه آثار الفقر فلم يرض بلقائه ، و أخبر الخدم بأن يخبروه أن صاحب الدار لا يمكنه استقبال أحد . فخرج الرجل و الدهشة تأخذ منه مأخذها و هو يتألم على الصداقة كيف ماتت وع لى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيدا عن الوفاء ، و تساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت و كيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في نفوس البعض .
و في طريق عودته و قريبا من دياره صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة و كأنهم يبحثون عن شيء فقال لهم : ما أمر القوم ؟ قالوا له : نبحث عن رجل يدعى فلان بن فلان و ذكروا اسم والده ، فقال لهم : إنه أبي و قد مات منذ زمن ، فحوقل الرجال و تأسفوا و ذكروا أباه بكل خير و قالوا له : إن أباك كان يتاجر بالجواهر و له عندنا قطع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة ، فأخرجوا كيسا كبيرا قد ملئ مرجانا فدفعوه اليه و رحلوا و الدهشة تعلوه و هو لا يصدق ما يرى و يسمع . و لكن ، من يشتري المرجان ؟ فإن عملية بيعه تحتاج إلى أثرياء و الناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة .
مضى في طريقه و بعد برهة من الوقت صادف امرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة و الخير فقالت له : يا بني ، أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم ؟ فتسمر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث ؟ فقالت : أي أحجار كريمة رائعة الشكل و مهما كان ثمنها ، فسألها إن كان يعجبها المرجان
فقالت له : نعم المطلب ، فأخرج بضع قطع من الكيس فاندهشت المرأة لما رأت فابتاعت منه قطعا و وعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد ، و هكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر و عادت تجارته تنشط بشكل كبير فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة ، فبعث له ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما :
صحبت قوما لئاما لا وفاء لهم ....... يدعون بين الورى بالمكر و الحيل
كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى ...... و حين أفلست عدوني من الجهل
فلما قرأ ذلك الصديق هذه الأبيات كتب على ورقة ثلاثة أبيات و بعث بها إليه جاء فيها :
أما الثلاثة قد وافوك من قبلي .............. و لم تكن سببا إلا من الحيل
أما من ابتاعت المرجان والدتي ......... و أنت أنت أخي بل منتهى أملي
و ما طردناك من بخل و من قلل ......... لكن عليك خشينا وقفة الخجل

 

 

 

 


 

توقيع  رشيد التلمساني
 لا حول و لا قوة إلا بالله
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة