ابن أبي الدنيا الدنيا علما ويقال صيت فلان قد ملأ الدنيا وضيق الآفاق وحبه قد ملأ القلوب وبغض فلان قد ملأ القلوب وامتلأ قلبه رعبا وهذا أكثر من أن تستوعب شواهده وهو حقيقة في بابه وجعل الملء والامتلاء حقيقة للأجسام خاصة تحكم باطل ودعوى لا دليل عليها البتة والأصل الحقيقة الواحدة والاشتراك المعنوي هو الغالب على اللغة والأفهام والاستعمال فالمصير إليه أولى من المجاز والاشتراك وليس هذا موضع تقرير المسألة
والمقصود أن الرب أسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقبص وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم موصوف بصفة الكمال مذكور بنعوت الجلال منزه عن الشبيه والمثال ومنزه عما يضاد صفات كماله فمنزه عن الموت المضاد للحياة وعن السنة والنوم والسهو والغفلة المضاد للقيومية وموصوف بالعلم منزه عن أضداده كلها من النسيان والذهول وعزوب شيء عن علمه موصوف بالقدرة التامةمنزه عن ضدها من العجز واللغوب والإعياء موصوف بالعدل المنزه عن الظلم موصوف بالحكمة منزه عن العبث موصوف بالسمع والبصر منزه عن أضدادهما من الصمم والبكم موصوف بالعلو والفوقية منزه عن أضدا ذلك موصوف بالغنى التام منزه عما يضاده بوجه من الوجوه ومستحق للحمد كله فيستحيل أن يكون غير محمود كما يستحيل أن يكون غير قادر ولا خالق ولا حي وله الحمد كله واجب لذاته فلا يكون إلا محمودا كما لا يكون إلا إلها وربا وقادرا
كتاب طريق الهجرتين، الجزء 1، صفحة 195.