عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 13-06-2014, 10:13 PM   #3
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Icon42 الروايات الثابتة في الاسم الأعظم

الروايات الثابتة في الاسم الأعظم
العظمة في أسماء الله تعالى تكون باعتبار كل اسم على انفراده أو باعتبار جمعه إلى غيره؛ فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال، والأعلى في الكمال هو الأعظم على هذا الاعتبار، ومن هنا تحمل الروايات التي ثبتت عن النبي e في ذكر الاسم الأعظم، روى ابن ماجة وحسنه الشيخ الألباني من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله قال: ( اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: ** وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ **، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ) ([1]) .
وعند ابن ماجة من حديث أبي عبد الرحمن القاسم عن أبي أمامة t أن النبي قال: ( اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ الذِي إِذَا دُعِي بِهِ أَجَابَ في سُوَرٍ ثَلاثٍ، البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه ) ([2])، قال القاسم: فالتمستها، إنه الحي القيوم: ** اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ** [البقرة:255]، ** اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ** [آل عمران:2] ** وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلحَيِّ القَيُّومِ ** [طه:111] ([3]) .
وعند الترمذي واللفظ له وابن ماجة وصححه الألباني من حديث عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه t قال: ( سَمِعَ النَّبِي رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ الله، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ e : وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الذِي إِذَا دُعِي بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) ([4]) .
وعند أبي داود وابن ماجة وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله e جالسا ورجل يصلي ثم دعا: ( اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حي يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النبي : لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذي إِذَا دعي بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) ([5]) .
أما بيان اعتبارات العظمة في الأسماء الحسنى التي ذكرها العلماء، واستندوا فيها إلى الروايات السابقة، فيمكن ترتيبه على النحو التالي:
1- الاسم الأعظم هو الله جل جلاله: وأكثر أهل العلم على ذلك، وهذا القول صحيح من عدة أوجه، منها أنه ورد ذكره في الأحاديث السابق، ومنها أنه يدل على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث، المطابقة والتضمن واللزوم؛ فإنه دال على إلهيته سبحانه المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه، وصفات الإلهية هي التي يستحق بها أن يعبد وأن تتعلق به القلوب خوفا ورجاء وتوكلا والتجاء، وهي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والمثال وعن النقائص والعيوب، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم كقوله تعالى: ** وَلله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ** [الأعراف:180]، وكذلك ورد قول رسول الله e : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) ([6])، فلفظ الجلالة يكمل المائة والتسعة والتسعون مضافة إليه .
كما أنه يقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك، فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله .
واسم الله تعالى أيضا دال على كونه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعال لما يريد ولا حكيم في أفعاله، كما أن صفات الجلال والجمال أخص باسم الله U، وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب، وصفات الإحسان واللطف والجود والرأفة والبر والمنة أخص باسم الرحمن ([7]) .
فهذا الاسم هو الأصل في إسناد الأسماء الحسنى إليه، قال تعالى: ** قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ** [الإسراء:110]، وقد ذكر الرازي في شرحه لهذه الآية أن الله تعالى خص هذين الاسمين بالذكر، وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما، ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن؛ لأنه قدمه في الذكر من جهة، ومن جهة أخرى أنه أعظم في الدلالة على الصفات من دلالة الرحمن، فاسم الرحمن يدل على كمال الرحمة، بينما اسم الله يدل على كل الصفات اللازمة لكمال الذات الإلهية كمالا مطلقا ([8]) .
ومما ذكره الرازي أيضا أن هذا الاسم ما أُطلق على غير الله تعالى؛ فالعرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم؛ فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله U كما قال سبحانه: ** وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ لَيَقُولُنَّ الله ** [لقمان:25]، كما أن هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء، وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنه الألف واللام، ولهذا لا يجوز أن يقال: يا الرحمن يا الرحيم، بل يقال: يا رحمن يا رحيم، أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعنى فيصح أن يقال: يا الله، فالألف واللام للتعريف، فعدم سقوطها عن هذا الاسم يدل على أن هذه المعرفة لا تزول عنه البتة ([9]) .
2- الاسم الأعظم هو الرحمن الرحيم: وهو صحيح باعتبار عدة أوجه دلت على كمال مخصوص فوق كمال الاسم المنفرد، فالرحمن كما ذكر ابن القيم هو من اتصف بالرحمة العامة الشاملة، والرحيم هو الراحم لعباده، ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به، ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتلئ غضبا، وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك؛ فبناء فعلان للسعة والشمول، ولهذا يقرن الله سبحانه وتعالى استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله U: ** الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ** [طه:5]، وكقوله تعالى أيضا: ** ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ** [الفرقان:59]، فاستوى على عرشه باسمه الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم على اختلاف أنواعهم كما قال: ** وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُل شَيْءٍ ** [الأعراف:156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ومن ثم وسعت رحمته كل شيء .
وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله قال: ( لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابِهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رحمتي غَلَبَتْ غَضَبِى ) ([10])، فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله تعالى: ** الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ** [طه:5]، وقوله: ** ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ** [الفرقان:59]، ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى، إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم ([11]) .
قال أبو علي الفارسي: ( الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو خاص بالمؤمنين، قال تعالى: ** هُوَ الذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيما ** [الأحزاب:43] ) ([12])، وقال ابن عباس t: ( هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر ) ([13]) .
وقال القرطبي: ( الرحمن خاص الاسم عام الفعل، والرحيم عام الاسم خاص الفعل وهذا قول الجمهور ) ([14]) .
وقد ذكر الله تعالى استواءه على عرشه مقرونا باسمه الرحمن ليعم جميع الخلائق على اختلاف أنواعها برحمته، ولولا هذه الرحمة ما اتسعت الدنيا لكافر لحظة، فالرحمة هنا أظهرت عظمة الحكمة بجلال الأسماء وظهور الآلاء؛ ليتعظ من يتقلب في نعمته وهو غافل عن رحمته وحكمته، قال تعالى: ** فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ** [الرحمن:13] .
كما أن الله تعالى خص المؤمنين باسمه الرحيم فقال سبحانه: ** وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ** [الأحزاب:43]، وذلك ليميز بينهم وبين الكافرين، فالكافر سيعامل بعدله والمؤمن سيعامل بفضله، وهذان الاسمان كلاهما عليهما مدار الحكمة في الدنيا والآخرة .
وما أجمل قول ابن القيم: ( وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده، فالتأليه منهم له والربوبية منه لهم، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة، واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته فقوله تعالى: ** الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ** [طه:5]، مطابق لقوله: ** رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ** [الفاتحة:2/3]، فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته ) ([15])، وعلى ذلك فإن الرحمن الرحيم هما اسم الله الأعظم على اعتبار علوهما عن غيرهما في الدلالة على معاني الكمال والحكمة .
3- الاسم الأعظم هو الحي القيوم: وهو صحيح باعتبار عدة أوجه دلت على كمال مخصوص فوق جميع الأسماء، فهذان الاسمان عند اجتماعهما يختصان عن باقي الأسماء الحسنى بما فيهما من أبعاد اعتقاديه ويعطيان من معاني الكمال ما ليس لغيرهما؛ فجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا تدل باللزوم على أن الله تعالى حي قيوم، فالحياة وصف ذاته ومن أجلها كملت جميع أسمائه وصفاته، فلا يمكن أن يكون سميعا بصيرا عليما قديرا إلا إذا كان حيا، ولا يمكن أن يكون ملكا عزيزا قويا غنيا إلا إذا كان حيا، ولا يمكن أن يكون رحيما رءوفا مهيمنا عظيما إلا إذا كان حيا، ولا يمكن أن يكون جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا إلا إذا كان حيا .
ومن ثم فجميع أسماء الله تعالى تدل على صفة الحياة التي تضمنها اسمه الحي، وهذه قضية عقلية نقلية بينها الله في القرآن بأفضل بيان وأجمل برهان، قال تعالى عن آلة المشركين: ** إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ** [فاطر:14]، فمعبوداتهم لا تستجيب لكونها موتى، والميت تزول صفاته بزوال ذاته؛ فلا يقال عالم وهو ميت، بل يقال كان عالما ولا يقال غني قوي وهو ميت، بل يقال كان غنيا قويا، ولا يقال ملك وهو ميت بل يقال كان ملكا عادلا أو ظالما .
كما أن ملكية الشيء أو حق التملك، إما أن يكون سببه اختراع الأشياء وإيجادها أو دوام الحياة وكمالها؛ فالمخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر، وعند البخاري قال عمر رضي اللعه عنه: ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ) ([16])، ومن المعلوم أن أي ملك في الدنيا لا يمكن أن يؤسس ملكه بمفرده بل يساعده خاصته وقرابته، ويسانده حزبه وجماعته، أما رب العزة فهو الحي قبل وجود الأحياء، وهو الإله الحق الذي انفرد بإنشاء الخلق وإقامة الملك، قال تعالى: ** مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُداً ** [الكهف:51] .
ولما كان دوام الحياة وكمالها يؤدي إلى انتقال الملكية وثبوتها؛ فإن الحياة والقيومية أساس الربوبية وكمال العظمة والملكية، قال تعالى: ** كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام ** [الرحمن:27]، وقال تعالى: ** وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ** [آل عمران:180]، والله U لما ذكر هذا الاسم الأعظم في أعظم آية قرآنية فقال: ** اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ** [البقرة:255]، قال سبحانه بعدها مبينا التفرد بالملك والملكية: ** لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ** [البقرة:255] .
والقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها، واسم الله القيوم تقدير فعله قام اللازم وأقام المتعدي، قام بذاته فلا يحتاج إلى غيره، وأقام غيره لافتقاره إليه، والله U هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه، وهو الباقي بجلاله وكماله على الدوام دون تأثر أو تغيير؛ لأن الحي من البشر قد يكون موصوفا بالسمع لكن سمعه يتأثر بمرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة للسماع، وقد يكون بصيرا لكنه يتأثر بعد مدة فيضع عدسة يستعين بها على الإبصار، فالحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالسنة والغفلة والنوم، ولو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته .
ولذلك فإن الله تعالى أثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته بطريق الإثبات والنفي المتضمن لكمال المقابل، وهذه أبلغ طرق المدح التي اتبعها السلف الصالح في مدح ربهم ([17])، فمدار أوصاف الكمال وجميع الأسماء الحسنى تدل باللزوم على أن الله عز وجل حي قيوم، ومن ثم جعلهما النبي e اسم الله الأعظم على هذا الاعتبار ([18]) .
قال ابن القيم: ( صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة؛ لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات، ونقصان الحياة يضر بالأفعال وينافي القيومية؛ فكمال القيومية لكمال الحياة؛ فالحي المطلق التام لا يفوته صفة الكمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة ) ([19]) .
4- الاسم الأعظم هو الأحد الصمد: وهو صحيح على اعتبار أن الاسمين معا يدلان على كمال مخصوص يلازم جميع الأسماء والصفات، فالأحد دل على أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل ما سواه، فالأحدية هي الانفراد ونفي الشريك والشبيه والمثلية، كما أن الصمدية تعني السيادة المطلقة في كل وصف على حدة فالصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء، وهو المستغني عن كل شيء وكل من سواه مفتقر إليه، يصمد إليه ويعتمد عليه، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وليس فوقه أحد في كماله، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه، وقيامها وبقاؤها عليه، لا يقضي فيها غيره، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب، الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد .
أما كمال الوصف المخصوص عند اجتماع الأحدية والصمدية، فيمكن القول إن الله تعالى لما فطر النفوس على أن تلجأ إلى قوة عليا عند ضعفها، وتطلب غينا أعلى عند فقرها، وعليما خبيرا عند جهلها، ورءوفا شافيا عند مرضها، ومن كملت أوصافه عند اضطرارها، فإن الله تعالى هو المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه، والمخلوق وإن كان صمدا من بعض الوجوه؛ فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه لأنه يقبل التفرق والزوال والتجزئة والانحلال، ويتقسم ويتبعض فينفصل بعضه من بعض، وهو أيضا مفتقر إلى ما سواه، وكل ما سوى الله مفتقر إليه من كل وجه فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يجري عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده، ولا يمكن انعدامها بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته أيضا بوجه من الوجوه، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء كما قال تعالى: ** وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ** [الإخلاص:4]، وقد استعملت الأحدية هنا في النفي، أي ليس شيء من الأشياء كفوا له في شيء من الأشياء لأنه أحد، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه لما قال وفد بني عامر للرسول : ( أَنْتَ سَيِّدُنا، فقَالَ: السَّيِّدُ الله ) ([20]) .
كما أن هذا الاسم الأعظم أو الأحد الصمد دل على أن الله لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فإن الصمد هو الذي لا جوف له ولا أحشاء، فلا يدخل فيه شيء، ولا يأكل ولا يشرب، سبحانه وتعالى كما قال: ** قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ** [الأنعام:14]، وفي قراءة الأعمش وغيره ولا يطعم بالفتح ([21])، وقال تعالى: ** وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ** [الذريات:56/57]، ومن مخلوقاته الملائكة وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون؛ فالخالق لهم جل جلاله أحق بكل غنى وكمال جعله لبعض مخلوقاته ([22]) .
وقد فسر بعض السلف الصمد بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب، وأن الصمد هو المصمد الذي لا جوف له؛ فلا يخرج منه عين من الأعيان ولا يلد، وهو كلام صحيح على معنى أنه لا يفارقه شيء منه، ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد، وذلك أن الولادة والتولد، وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين، وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلابد لها من مادة خرج منها، وقد نفى الله ذلك بقوله: ** قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ** [الإخلاص:1]، فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة، والتولد إنما يكون بين شيئين، قال تعالى: ** أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُل شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ** [الأنعام:101]، فنفى سبحانه الولد بامتناع لازمه عليه؛ فإن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، وبأنه خالق كل شيء وكل ما سواه مخلوق له، ليس فيه شيء مولود له، فهو سبحانه غني بذاته، يمتنع في حقه أن يكون والدا وأن يكون مولودا ([23]) .
وقد ذكر ابن القيم أن سورة الإخلاص فيها كمال التوحيد العلمي الاعتقادي وإثبات الأحدية لله المستلزمة نفي كل شركة عنه، وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له، هذا مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها وتقصده الخليقة وتتوجه إليه، وفيها أيضا نفي الوالد والولد والكف عن طلبه، وهذا متضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل، ولذلك صارت هذه السورة تعدل ثلث القرآن، ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال، وفي نفي الكفء التنزيه عن الشبيه والمثال، وفي الأحد نفى كل شريك لرب العزة والجلال، وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد ([24]) .
قال ابن تيمية: ( كذلك فإن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسنى وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا، والنبي e ذكر هذين الاسمين فقال: ( الله الواحد الصمد تعدل ثلث القرآن ) ([25])، وذلك أن كونه أحدا وكونه الصمد يتضمن أنه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه، وأنه مستغن بنفسه عن كل شيء، وأنه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء، وأنه لا نظير له في شيء من صفاته، ونحو ذلك مما ينافي الصمدية، وهذا يوجب أن يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا ) ([26]) .
ومن ثم فإن اجتماع اسم الأحد مع الصمد يضيفان من معاني الجلال والعظمة ما ليس لغيرهما، ولذلك ذكرهما النبي e على أنهما اسم الله الأعظم، فهو سبحانه متوحد صمد، سيد كمل في سؤدده وفي جميع أوصافه وعظمته، وحلمه ورحمته، وعلمه وحكمته، وهذه صفته لا تنبغي لأحد إلا له .


1. ابن ماجة في فضائل القرآن والأدعية والأذكار، باب اسم الله الأعظم 2/1267 (3855)، وانظر صحيح ابن ماجة (3845)، وصحيح أبي داود (1343) .

2. ابن ماجة في الموضع السابق 2/1267 (3856)، وصحيح ابن ماجة (3846)، وانظر أيضا صحيح أبي داود (1327)، والسلسلة الصحيحة 2/371 (746) .

3. قال الشيخ الألباني: ( قول القاسم إن الاسم الأعظم في آية: ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) من سورة طه لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة ( إني أنا الله لا إله إلا أنا .. ) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة فانظر الفتح 225/11) السلسلة الصحيحة 2/371 (746) .

4. ابن ماجة في الدعاء، باب اسم الله الأعظم 2/1267 (3857)، وانظر صحيح أبي داود (1341) .

5. أبو داود في الوتر، باب الدعاء 2/79 (1495)، وانظر صحيح ابن ماجة 2/329 (3112) .

6. أخرجه البخاري في الشروط، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) .

7. مدارج السالكين لابن القيم 1/32 بتصرف، وانظر تفسير أسماء الله للزجاج ص24 .

8. شرح أسماء الله الحسنى ص 91 .

9. السابق ص 93 وما بعدها .

10. البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده 3/1166(3022) .

11. مدارج السالكين 1/33 بتصرف .

12. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/105.

13. انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري13/359 .

14. الجامع لأحكام القرآن 1/105.

a. مدارج السالكين 1/35 .

15. البخاري في المزارعة، باب من أحيا أرضا مواتا 2/283 (2210) .

16. انظر هذه المسألة في تفسير آية الكرسي للمؤلف، تحت الطبع .

17. انظر مجموع الفتاوى 18/311 .

18. الطب النبوي ص159.

19. صحيح أبي داود 3/912(4021)، وانظر مجموع الفتاوى 17/239 بتصرف .

20. انظر البرهان في علوم القرآن 1/341، والتبيان في إعراب القرآن 1/237 .

21. مجموع الفتاوى 17/239 بتصرف .

22. السابق 17/220 بتصرف .

23. الطب النبوي ص141بتصرف .

24. رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري t ولفظه: ( قَالَ النَّبِىُّ Sلأَصْحَابِهِ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ في لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ ) انظر كتاب فضائل القرآن، باب فضل قل هو الله أحد 4/1916 (4727) .

25. بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 2/459 .

26. مفتاح دار السعادة 1/287 بتصرف .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة