عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 13-06-2014, 08:44 PM   #2
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Icon42 قصص واهية حول الاسم الأعظم .

· قصص واهية حول الاسم الأعظم
ومن الأهمية بمكان التنبيه على خطورة بعض القصص الواهية التي حيكت حول اسم الله الأعظم، والتي رويت في كتب السير والتاريخ وتناقلها العامة في أحاديثهم وهي باطلة لا أصل لها .
كالمبالغة في القصة التي ذكرت أن الملكين ببابل هاروت وماروت الذين يقال أنهما أهبطا إلى الأرض حين عمل بنو آدم المعاصي ليقضيا بين الناس بالحق، وأن الله ألقى في قلوبهما شهوة النساء، ونهاهما ربهما عن شرب الخمر والزنا وسفك الدماء، وأنهما كانا يعلمان الاسم الأعظم ليصعدا به إلى السماء، فجاءتهما امرأة في مسألة لها فأعجبتهما وروداها عن نفسها في البغي والفحشاء، فأبت عليهما حتى يعلماها الاسم الأعظم، ثم أبت مرة أخرى حتى يشربا الخمر، فشربا الخمر وزنيا بها، ثم خرجا فقتلا بريئا معصوما، فدعت المرأة بالاسم الأعظم؛ فصعدت إلى السماء ومسخت فتحولت إلى كوكب خناس هو كوكب الزهرة الذي نراه في السماء، وغضب الله على الملكين فسماهما هاروت وماروت وخيرهما بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا ([1]) .
وهناك من بالغ وزعم أن كوكب الزهرة ما زال يعلم الشياطين الاسم الأعظم وهم بدورهم يعلمونه لأوليائهم مع السحر، فيتكلمون بكلام يجعل الواحد منهم يطير في الهواء أو يمشي على الماء أو غير ذلك مما تناقلته الدهماء .
قال ابن كثير: ( وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل؛ إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال ) ([2]) .
والأعجب من ذلك ما انتشر بين العامة والخاصة من إسرائيليات ومبالغات في قصة بلعام بن باعوراء التي يذكرون فيها أن الله تعالى أمر بني إسرائيل بقتال الجبارين بقيادة يوشع النبي، فانطلق بلعام وهو رجل من قوم موسى عليه السلامكان يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر وأتى الجبارين، فقال: لا ترهبوا بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون، فكان عندهم فيما شاء من الأهواء، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء؛ فكان ينكح أتانا له، وكان يلهث كما يلهث الكلب وخرج لسانه من فمه حتى نزل على صدره، فخرج يوشع النبي يقاتل الجبارين في الناس وخرج بلعام مع الجبارين على أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل بالاسم الأعظم، فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل تدور الأتان دون أن يدري فتأتي اللعنة على الجبارين، فقالوا له: إنك تدعو علينا يا بن باعوراء، فيقول لهم: إنما أردت بني إسرائيل، فأخذ ملك من ملوك الجبارين بذنب الأتان، وجعلها تتحرك، وأخذ بلعام يضربها ويكثر من ضربها، فتكلمت الأتان وقالت: ويلي منك يا بلعام أنت تنكحني بالليل وتضربني بالنهار ([3]) .
ومن القصص أيضا حول الاسم الأعظم خبر عبد الله بن الثامر، وهو كما ذكرت بعض كتب السيرة غلام أصحاب الأخدود الذي كان يذهب إلى ساحر في أحد القرى التابعة لنجران، وكان بينها وبين قرية الساحر رجل صالح على دين عيسى عليه السلام يعلم الاسم الأعظم، فكان عبد الله بن الثامر يتخلف إليه، فيعجبه ما يرى من صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم، فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا تفقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم، وكان يعلمه فكتمه إياه، وقال له: يا ابن أخي إنك لن تحمله، أخشى عليك ضعفك عنه، فلما رأى ابن الثامر أن صاحبه قد ضن به عنه عمد إلى قداح فجمعها ([4])، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضره النار شيئا، فأخذه ثم أتى صاحبه، فأخبره بأنه قد علم الاسم الأعظم الذي كتمه، قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل، فجعل ابن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال: يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم فيدعو له بالاسم الأعظم فيشفى ([5]) .
والثابت الصحيح في هذه القصة ما رواه مسلم من حديث صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه عن النبي أن الغلام قال: ( الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِىَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَىَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّى، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَىَّ، وكان الغلام يبرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هٰهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ إِنِّي لاَ أَشْفِي أَحَداً، إِنَّمَا يَشْفِي الله، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ الله ) ([6])، فالرسول بين أن دعاء الغلام كان مجابا وأنه الله جعله ابتلاء للملك الذي ادعى الربوبية لنفسه، وليس في كلامه ذكر الاسم الأعظم ولا طرح الأسماء الحسنى في النار كفكرة لمعرفته؟
والقصد أن أسماء الله أجل من أن تكون محورا لمثل هذه القصص الواهية التي انتشرت بين المسلمين كقصص مشوقة وحكايات عن الأمم السابقة دون تثبت من النقل أو إعمال للعقل يميز بين ما ثبت بالدليل وما هو من قبيل التخييل، فالعلم له ثوابته التي لا يصح المساس بها .

1. انظر تفسير القرطبي 2/52، وتفسير ابن جرير الطبري 1/457، وتفسير الثعالبي 1/93، وانظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلوني 2/439، وكتاب القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد لأبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني ص39، انظر تعليق ابن حزم على هذه القصة في الفصل 4/26، والإحكام في أصول الأحكام 5/154 .

2. انظر تفسير ابن كثير 1/142، وضعيف الترغيب والترهيب (1416)، قال الشيخ الألباني في رفع هذه الرواية: حديث منكر، وقال أيضا: حديث باطل، انظر السلسلة الضعيفة 2/313 (912) .

3. انظر تفسير ابن جرير الطبري 9/ 126، وانظر أيضا البداية والنهاية 1/322، وانظر تعليق ابن حزم على هذه القصة في الفصل 1/140 .

4. القدح هنا بمعنى قطعة الحجر المصقول، انظر المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي 2/159.

5. انظر السيرة النبوية 1/149، وتاريخ لابن جرير 1/435، وتفسير القرطبي 19/291 .

6. مسلم في الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام 4/2299 (3005) .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة