عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 13-06-2014, 08:37 PM   #1
معلومات العضو
حكيـــمة
مشرفة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

Icon42 حقيقة اسم الله الأعظم

زعم كثيرون أن الاسم الأعظم سر مكنون وغيب مصون وأن خاصة الأولياء العارفين يعلمونه بالتلقي عن مشايخهم، وأن هذا الاسم من علِمه ودعا الله به فلا بد أن يستجاب له، بغض النظر عن كونه كافرا أو مؤمنا، وجعلوا لذلك هالة من التقديس في قلوب العامة خوفا من الدعاء بالاسم الأعظم الذي انفردوا بمعرفته .
وربما يتساءل بعض العامة عن العلة في إخفاء الاسم الأعظم؟ فالإجابة المشهورة عند هؤلاء أن العامة قد يدعون به دعوة باطلة فيستجاب لهم، أما العارفون فهم أمناء الله على سره وخلقه، ويستدلون بحديث ضعيف أو شبه موضوع يروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عائشة سألت رسول الله أن يعلمها الاسم الأعظم؟ فقال لها: ( يا عائشة، نهينا عن تعليمه النساء والصبيان والسفهاء ) ([1]) .
ومما روى من هذه المبالغات أن إبراهيم بن أدهم كان من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب، فبينما إبراهيم في الصيد على فرسه يركض، إذا هو بصوت من فوقه يناديه: يا إبراهيم ما هذا العبث؟ ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ ثم قرأ قول الله تعالى: ** أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ** [المؤمنون:115]، وقال له اتق الله، عليك بالزاد ليوم الفاقة، فنزل عن دابته ورفض الدنيا، وصادف راعيا لأبيه فأخذ عباءته، وأعطاه فرسه وما معه ودخل البادية، فرأى فيها رجلا علمه الاسم الأعظم، فدعا به، فرأى الخضر وقال له: إنما علمك أخي داود ([2]) .
فهذه الرواية توحي بأن داود عليه السلام ما زال حيا، وأنه يعلم الناس الاسم الأعظم وأن من يدعو به يأتيه الخضر الذي علم موسى u مع أنه قد مات كسائر البشر ولا دليل على حياته، ولك أن تتصور بعد ذلك توالى الكرامات، وتأثير الاسم الأعظم في ظهور خوارق العادات وغير ذلك من الحكايات الواهية والمبالغات، لكن اسم الله الأعظم ليس كما يصوره هؤلاء أنه شيء مخفي غيبي هم فقط الذين يعلمون كيفية الوصول إليه فأسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى، وقد وصف الله أسماءه بالحسنى في أربعة مواضع من القرآن، كما في قوله: ** ولله الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ** [الأعراف:180] .
ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة على أحسن وأعظم وأقدس مسمى وهو الله عز وجل، فذاته في حسنها وجلالها ليس كمثلها شيء، وأسماؤه في كمالها وجمالها تنزهت عن كل نقص وعيب، وقد قال الله تعالى: ** تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ** [الرحمن:78]، وهذا يسري على كل اسم تسمى به الله، سواء غابت عنا معرفته أو علمناه، فاسم الله الحي متضمن لكمال الحياة، وهي صفة أزلية أبدية، لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال، حياة لازمة لكمال الأسماء والصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والملك والقوة والعزة .
وكذلك اسمه العليم متضمن لكمال العلم الذي لم يسبق بجهل، ولا يحاط بشيء منه إلا إذا شاء الموصوف به، فهو علم واسع أحاط بكل شيء جملة وتفصيلا، سواء ما يتعلق بأفعال الله وأقداره، أو ما يتعلق بأمور الخلق وشئونه .
قال تعالى: ** وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ** [الأنعام:59/60] .
وكذلك اسمه الرحمن فإنه يتضمن الرحمة العامة بجميع الخلائق، وهي رحمة واسعة شاملة، قال تعالى: ** وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُل شَيْءٍ ** [الأعراف:156]، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: ** رَبَّنَا وَسِعْتَ كُل شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلماً فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ ** [غافر:7]، وعند البخاري من حديث عمر بن الخطاب t أنه قال: ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ([3])، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلنَا: لاَ وَاللهِ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) ([4]) .
فأسماء الله تعالى كلها حسنى وعظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد، ومن أجل ذلك تعرف الله إليهم بجملة منها تكفي لإظهار معاني الكمال في عبوديتهم، وتحقق كمال الحكمة في أفعال خالقهم، فاسم الله الأعظم الذي يناسب حال فقرهم المعطي الجواد المحسن الواسع الغني، واسمه الأعظم الذي يناسب حال ضعفهم القادر القدير المقتدر المهيمن القوي، وفي حال الذلة وقلة الحيلة يناسبهم الدعاء باسمه العزيز الجبار المتكبر الأعلى المتعالي العلي، وفي حال الندم بعد اقتراف الذنب يناسبهم الدعاء باسمه اللطيف التواب الغفور الغفار الحيي الستير، وفي حال السعي والكسب يدعون الرازق الرزاق المنان السميع البصير، وفي حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبهم الدعاء باسمه الحسيب الرقيب العليم الحكيم الخبير، وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولى ونعم النصير، وهكذا كل اسم من الأسماء الحسنى هو الأعظم في موضعه وعلى حسب حال العبد وما ينفعه .
والله تعالى أسماؤه لا تحصى ولا تعد، وهو وحده الذي يعلم عددها، فعند أحمد من حديث ابن مسعود t مرفوعا أن النبي قال في دعاء الكرب: ( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) ([5]) .
لكن الله تعالى من حكمته أنه يعطي كل مرحلة من مراحل خلقه معرفة ما يناسبها من أسمائه وصفاته؛ بحيث تظهر فيها دلائل جلاله وكماله، ففي مرحلة الابتلاء وما في الدنيا من شهوات وأهواء، وحكمة الله في تكليفنا بالشرائع والأحكام، وتمييز الحلال من والحرام، في هذه المرحلة عرفنا الله بجملة من أسمائه تتناسب مع احتياجاتنا وتوحيدنا له، فقال : ( إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) ([6]) .
ومن ثم فإن المذنب إن أراد التوبة سيجد الله توابا رحيما عفوا غفورا، والمظلوم سيجد الله حقا مبينا حكما وليا نصيرا، والضعيف المقهور سيجد الله قويا قديرا عزيزا جبارا، والفقير سيجد الله رازقا رزاقا غنيا وكيلا، وهكذا سيجد العباد من الأسماء والصفات ما ينسب حاجتهم ومطلبهم، فالفطرة اقتضت أن تلجأ النفوس إلى قوة عليا عند ضعفها، وتطلب غينا أعلى عند فقرها، وتوابا رحيما عند ذنبها، وسميعا بصيرا قريبا مجيبا عند سؤالها، ومن هنا كانت لكل مرحلة من مراحل الخلق ما يناسبها من أسماء الله وصفاته، وقد سبق الإشارة إلى ذلك ([7]) .
وطالما أن الدنيا جعلت للابتلاء، فإن الله قد عرفنا بما يناسبهما ويناسبنا من الأسماء ومن ثم فإن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد، وذلك لابتلائهم في الاستعانة بالله، والصدق معه، والخوف منه، والرغبة إليه، والتوكل عليه، وغير ذلك من معاني توحيد العبودية لله، وكل ذلك أيضا ليعود النفع عليهم لا عليه، فهم المنتفعون بذكرهم وطاعتهم ومسارعتهم في الخيرات، فالاسم الأعظم ليس كما يصوره البعض حسب أهوائهم وأذواقهم سر مكنون وغيب مصون مقصور على أوليائهم، أو يأخذونه بالتلقي والسند عن قدماء الأولياء أو بلعام بن باعوراء .

1. انظر ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2/124، ولسان الميزان لابن حجر 2/104، والكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد الجرجاني 2/169.

2. انظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني 7/369، وسير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي 7/388، وصفوة الصفوة لابن الجوزي 4/153 .

3. هذه المرأة كانت مرضعة، وعند الحرب فقدت طفلها وقد سبيت، ففعلت ذلك ليخفف عنها ألم اللبن في ثديها فأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته؛ فأخذته وضمته وأرضعته، انظر فتح الباري 10/430 .

4. البخاري في الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2235 (5653) .

5. انظر ص 119 .

6. البخاري في الشروط، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) .

7. انظر ص 33 .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة