عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 03-05-2009, 12:39 PM   #1
معلومات العضو
لقاء
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي @الحياة الطيبة @

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحياة الطيبة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة الطيبة مطلب عظيم وغاية نبيلة بل هي مطلب كل الناس وغايتهم التي عنها يبحثون وخلفها يركضون وفي سبيلها يضحون ويبذلون، فما من إنسان في هذه الحياة إلا وتراه يسعى ويكدح ويضني نفسه ويجهدها كل ذلك بحثًا عن الحياة الطيبة وطمعًا في الحصول عليها والناس جميعًا على ذلك متفقون ولكنهم يختلفون في سبل هذه الحياة الطيبة وفي نوعها ومسالكها وتبعًا لذلك فإنهم يختلفون في الوسائل والسبل التي توصلهم إلى هذه الحياة إن وصلوا إليها.

مختلفون على كافة مستوياتهم كانوا أممًا أو شعوبًا أو مجتمعات صغيرة أو كبيرة ، بل حتى الأسرة الواحدة تجد فيها ألوانًا شتى في فهم معنى الحياة الطيبة .

وللناس في كل زمان أفهام حول هذه الحياة الطيبة وهم تبعًا لذلك أصناف فمنهم من يرى الحياة الطيبة في كثرة المال وسعة الرزق ومنهم من يراها في الولد أو في المنصب أو في الجاه .
لكن الله تعالى – ومن أصدق من الله حديثًا – قد حدد لنا مفهوم الحياة الطيبة وسبيلها في كتابه الكريم فقال : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [النحل:97].
حياة طيبة في الدنيا وهي قوله تعالى: فلنحيينه حياة طيبة.
وحياة طيبة في الآخرة وهي معنى قوله تعالى: ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.

فهذه الحياة الطيبة أساسها وقوامها على أمرين اثنين أمرين عظيمين جليلين يسيرين على من يسرهما الله عليه:

الأمر الأول: الإيمان بالله تبارك وتعالى.

والأمر الثاني: عمل الصالحات وفق ما شرعه الله تبارك وتعالى وما جاء عن رسوله.

والحياة الطيبة هنا كما قال المفسرون هي السعادة ، وقيل توفيق الله العبد إلى الطاعات ، وقيل الرزق الحلال، وقيل القناعة ،وقيل هي انشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى ولو كان الإنسان في أشد بؤس، فإنه مطمئن القلب منشرح الصدر،
مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له " رواه مسلم .
وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هي الجنة، وقاله الحسن، وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة. تفسير الطبري ج15 ص 353.
ولله در من قال :
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته ‍* * * أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها * * * فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وقد يظن بعض الناس أن الحياة الطيبة في كثرة الأموال والأولاد والتفاخر بالمناصب والرتب ؛ ولذا فهو يحاول الحصول على هذه الأشياء بما شُرع وبما لم يُشرع .
إن السعادة أن تعيش * * * ‍ لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل ‍ * * * ‍ قضية الكون العتيد
هذي العقيدة للسعيد *** هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف* * * باسمها فهو السعيد

قال عليه السلام :" إن روح القدس نفث في روعي ، أنه ليس من نفس تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ". رواه الطبراني في صحيحه .
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:لا تُرْضِيَنَّ أَحَدًا بِسَخَطِ اللَّهِ، وَلا تَحْمَدَنَّ أَحَدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَلا تَذُمَّنَ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ، فَإِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لا يَسُوقُهُ إِلَيْكَ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلا يَرُدُّهُ عَنْكَ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي السَّخَطِ. الطبراني 9\66 .
قال الشاعر :
ورأيت الرضا يخفف أثقا ‍* * * لي ويلقي على المآسي سدولا
والذي ألهم الرضا لا تراه ‍* * * أبد الدهر حاسدا أو عذولا
أنا راض بكل ما كتب الله ‍* * * ومُزج إليه حمدا جزيلا

فالحياة الطيبة هي التي يحقق المرء فيها السعادة الحقيقية والتي يمثلها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/112 ، رقم 300) ، والترمذي (4/574 ، رقم 2346). وابن ماجه (2/1387 ، رقم 4141) .

وما السعادةُ في الدنيا لذي أمل * * * إنَّ السعيدَ الذي ينجو من النارِ

ولكي يحقق المسلم الحياة الطيبة لا بد له من أن يحقق هذه الشروط وهي:

أولا : الإيمان واليقين وحسن التوكل على الله :
قال تعالى : ** وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا** (2-3) سورة الطلاق.

قال احد الصالحين :والله أنا في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!.
وكان هارون الرشيد الخليفة في ( الرقة ) ،فاجتمع عليه الناس ، فدخل ابن المبارك العالم الزاهد العابد ، فسمع به الناس فهرعوا إليه وتركوا الخليفة في نفر بسيط ، واجتمعت الأمة على ابن المبارك ، فقالت امرأة هارون ، وهي تنظر من القصر : ( هذا والله الملك ، ولا ملك هارون الذي يجمع الناس بالسوط والسيف ) .

قال ابن القيم رحمه الله ( كما في مدارج السالكين ) : في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته ، وصدق معاملته ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه ، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا ) .

ولست أرى السعادة جمع المال ‍* * * ولكـن التـقي هـو السـعيد
وتقوى الله خير الـزاد ذخـرًا * * * وعنـد الله للأتقــى مزيـد

ثانيا : الرضا بما قضى الله وقدر وقسم :
قال تعالى : ** وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ** (145) سورة آل عمران .

وقال صلى الله عليه وسلم" من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة . ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ".رواه الترمذي .

وقال أيضا : " تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه أفشى الله ضيعته وجعل فقره بين عينيه . ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره ، وجعل غناه في قلبه ، وما أقبل عبد بقلبه على الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة ، وكان الله إليه بكل خير أسرع " . رواه البيهقي .

سهرت أعين ، ونامـت عيـون * * * في أمـور تكـون أو لا تكـون
فادرأ الهم ما استعطت عن النفس * * * فحملانـك الهـمـوم جـنـون
إن رباً كفاك بالأمس مـا كـان * * * سيكفيك فـي غـدٍ مـا يكـون

وفي الحديث عنه-صلى الله عليه وسلم-: (من جعل الهموم همًّا واحدًا همَّ آخرته كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهمومُ في أحوال الدنيا لم يُبال الله في أيِّ أوديتِه هلك)) أخرجه ابن ماجه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: قلت : أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعدّ خمساً فقال:اتّق المحارم تكن أعبد الناس.وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً.وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلماً.ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب". رواه ابن ماجه والطبراني .
قال الشافعي :

أمت مطامعي فأرحت نفسي * * * فان النفس ما طمعت تهونُ
وأحييت القنوع وكان ميتا ‍ ‍* * * ففي إحيائه عرض مصونُ
إذا طمع يحل بقلب عبد ‍* * * علته مهانة وعلاه هونُ

فالرضا يكسب القلب طمأنينة وسكينة تجعل هموم الدنيا وغمومها تهون في نظر صاحبها ، فيرى المنح في المحن والفرج في الشدة والسعة في الضيق .

إذا اشتـــملت على اليأس القلوبُ ‍* * * * وضاق بما به الصــــــدر الرحيبُ
و أوطـــنت المـــكـــاره واطمأنت ‍* * * * ‍ وأرست في أماكنهـــا الخطوبُ
ولــم تــر لانكــــشاف الضر نفعاً ‍ ‍* * * * وما أجــــــدى بحــــــيلته الأريبُ
أتـــاك علــــى قـــنوط منك غوث ‍ ‍* * * * يمن بــــه اللـــطيف المستجيبُ
وكــــل الحــــــادثات وإن تناهت * * * * فموصول بهـــــا فــــرج قـــريبُ
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة