عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-11-2022, 06:50 PM   #2
معلومات العضو
أحمد بن علي صالح

افتراضي

حديث: عَقَّ عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام

محمد زياد التكلة
الدرة اليتيمة في تخريج أحاديث التحفة الكريمة (47)



قال البيهقي (في الجزء الثامن، صحيفة 324): كتاب الأشربة والحد فيها، باب السلطان يُكرِه على الاختتان؛ أو الصبي[1] وسيد المملوك يُأمران به، وما ورد في الختان: أخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثني محمد بن المتوكل، ثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد المكي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنه عَقَّ عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام"؛ ا.هـ.



هذا السند ضعيف لأمرين:

أحدهما: أنه من رواية الشاميين عن زهير هذا، وروايتهم عنه غير مستقيمة، كما في التقريب.



والثاني: عنعنة الوليد، وهو كثير التدليس والتسوية.



وفيه علة ثالثة: وهي أن محمد بن المتوكل الراوي عن الوليد ذو أوهام كثيرة، فيخشى أن هذا منها.



وفيه علة رابعة: وهي أن الختان في السابع غير معروف في شيء من الأحاديث الصحيحة المروية في شأن الحسن والحسين والعقيقة عنهما؛ ولا في غير ذلك فيما نعلم، وإنما المعروف في السنّة الختان بعد الكِبَر على عادة العرب، كما قال ابن عباس لما سئل عن سِنِّه حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: توفي رسول الله وأنا مختون، وكانت سنُّه إذ ذاك حول الاحتلام[2].


[1] كذا في مطبوعة السنن، وفي حاشيتها أن على هامش نسخة: (لعله: الولي).

[2] الحديث يرويه محمد بن المتوكل المعروف بابن أبي السري العسقلاني، واختُلف عليه:

فرواه ابن أبي الدنيا في العيال (582) والطبراني في الصغير (2/45) وفي الكبير (كما في مجمع الزوائد 4/59) وابن عدي في الكامل (3/219) والبيهقي (8/324) وابن عساكر في تبيين الامتنان بالأمر بالاختتان (24 و25) وابن العديم في بغية الطلب (6/2573) من طريق محمد بن المتوكل المعروف بابن أبي السري العسقلاني، عن الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد المكي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا.

ونص الطبراني على أنه لم يرو هذه الزيادة أحد إلا الوليد بن مسلم، ونص ابن عدي أن المتفرد هو ابن أبي السري.

وأعله الهيثمي في مجمع الزوائد (4/59) بضعف ابن أبي السري.

ورواه الطبراني في الأوسط (7/12) من طريق ابن أبي السري، عن الوليد، عن زهير، عن ابن عقيل، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا.

وأشار محقق المعجم الأوسط أن زيادة "ابن عقيل" ليست في المعجم الصغير (وساقه بنفس السند)؛ ولا في مجمع البحرين.

ورواه أبو الشيخ في كتاب العقيقة (فتح الباري 10/343 والدر المنثور 1/114) من طريق الوليد، عن زهير، عن محمد بن المنكدر أو غيره، عن جابر به. قال الوليد: فسألتُ مالكا عنه فقال: لا أدري، ولكن الختان طُهرة، فكلما قدَّمها كان أحب إليّ.

ورواه ابن عبدالبر في التمهيد (21/61 و23/140) وفي الاستيعاب (1/51) -ومن طريقه ابن العديم في الرد على ابن طلحة (كما في تحفة المودود 207 وزاد المعاد 1/82)- من طريق يحيى بن أيوب العلاف، عن ابن أبي السري، قال: حدثني الوليد بن مسلم، عن شعيب يعني ابن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة، وسماه محمدا.

قال يحيى بن أيوب: طلبتُ هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري.

وقال ابن عبدالبر: غريب.

قلت: فهذه ثلاثة أوجه أو أربعة من الاختلاف على ابن أبي السري، وهو علتها كلها، فهو كثير الغلط، وقد خولف في بعض الأوجه التي رواها:

فرواه الدولابي في الذرية الطاهرة (150) من طريق عثمان بن عبدالرحمن الحراني، ثنا الوليد بن مسلم، عن زهير، عن محمد بن المنكدر مرسلاً: "ختن الحسين لسبعة أيام".

وعثمان مضعف أيضًا، ويدلس عن الضعفاء، وبقي في السند أن الوليد بن مسلم يدلس ويسوي، وقد عنعن، وهو شامي، وروايات أهل الشام عن زهير بن محمد مناكير، وعدّه ابن عدي والذهبي (الميزان 2/85 ومهذب سنن البيهقي 7/3471) من مناكير زهير، والواقع أن العلة ممن دونه، لكن حكمهما بالنكارة على حاله.

وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/406): من حديث جابر بسند ضعيف.. واختُلف في إسناده، فقيل: عبدالملك بن إبراهيم بن زهير، عن أبيه، عن جده. انتهى.

قلت: أخشى أن يكون في آخر العبارة تصحيف.

ومن الخلاف على جابر ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (8/233) وفي المسند (كما في المطالب العالية 10/484 رقم 2304) وابن أبي الدنيا في العيال (1/188 رقم 48) وأبويعلى (3/441) والطبراني في الكبير (3/29 رقم 2572) من طريق شبابة، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين". ليس فيه أمر الختان.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/57): رجاله ثقات، وقال البوصيري في إتحاف المهرة (5/327 رقم 4777): إسناده حسن.

قلت: زاد الثقة إسماعيل بن أسد -شيخ ابن أبي الدنيا، والراوي عن شبابة- بآخر الحديث كلاماً لجابر، وفيه تصريح أبي الزبير بالسماع منه، فإن كان السماع محفوظاً فالقول كما قال البوصيري، وإلا فأبو الزبير مدلس، وبقية الرواة عن شبابة ذكروا روايته بالعنعة.

وكذلك رُوي حديث العق عن الحسن والحسين عن جماعة من الصحابة، مثل ابن عباس، وعائشة، وبريدة بن الحصيب، وعلي، وأنس، وعبدالله بن عمرو، رضي الله عنهم، وليس عند أحد منهم ذكر الختان.

فالصحيح أن ذكر الختان يوم السابع غير محفوظ من حديث جابر.

وفي الباب حديث آخر:

قال ابن أبي شيبة (8/240): ثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن أبي سليمان، عن عبدالملك بن أعين، عن أبي جعفر، قال: كانت فاطمة تعق عن ولدها يوم السابع، وتسميه، وتختنه، وتحلق رأسه، وتَصدَّق بوزنه وَرِقاً.

وهذا السند معضل واه، فيه عبدالملك بن أعين، وهو رافضي جلد، أعرض عنه قومٌ، ومشّاه بعضهم، ولم يَرَ أبا جعفر (انظر: الإكمال لمغلطاي 8/302)، وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم ورحماته، ولم يُدرك جدَّه الحسين المتوفى شهيداً سنة إحدى وستين، فكيف يروي عن فاطمة رضي الله عنها المتوفاة قبله بخمسين سنة؛ فضلا عن أن يُدرك القصة في العهد النبوي؟

• قلت: وقد خالف عبدةَ الثقةَ أحدُ الضعفاء في إسناده:

فرواه الطبراني في الأوسط (1/176 رقم 558) من طريق رواد بن الجراح، عن عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"سبعة من السنة في الصبي: يوم السابع يسمى، ويختن، ويُماط عنه الأذى، وتُثقب أذنه، ويُعَقُّ عنه، ويُحلق رأسه، ويُلَطَّخ بدم عقيقته، ويُتَصَدَّق بوزن شعره في رأسه ذهبا أو فضة".

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبدالملك إلا رواد.

قلت: وهذا منكر سندا ومتنا، علته رواد، وهو ضعيف صاحب مناكير، وقد اختلط، وروايته عن عبدالملك غريبة، وقد زاد زيادتين منكرتين، هما: ثقب الأذن، والتلطيخ بالدم.

وقال العراقي عن الحديث في تقريب الأسانيد (5/182): إن صحَّ ذلك.

وضعّف سنده ابن حجر في الفتح (9/589 و10/343) وفي التلخيص الحبير (4/148)، وكذا العيني في عمدة القاري (21/84).

وقال الألباني في الضعيفة (5432 ونحوه في التعليقات الرضية على الروضة الندية 3/148): منكر.

وذلك لضعف إسناده، ونكارة متنه، فهذا تراجعٌ منه عن تقوية الحديث قديما بطريقيه في تمام المنة (68).

بينما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/59): رجاله ثقات!

خبر آخر:

وروى البيهقي (8/326) من طريق موسى بن علي بن رباح، عن أبيه: أن إبراهيم ختن إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاثة عشرة سنة، وختن إسحاق -عليهم السلام- وهو ابن سبعة أيام.

وهذا مع كونه ليس مرفوعا فلعل أصله من الإسرائيليات، واليهود معروفون بالختان يوم السابع، ولذلك أنكر بعض أهل العلم الختان في اليوم السابع لكونه من شعائر اليهود، ذهب إلى ذلك الحسن البصري، والإمام مالك، والإمام أحمد في رواية مهنا وغيره، ونص الثوري وابن عيينة وأحمد أنهم لم يسمعوا في التوقيت للختان شيئا، كما نص ابن المنذر أنه ليس لوقت الختان خبرٌ يُرجع إليه ولا سنةٌ تستعمل.

انظر هذه الأقوال والخلاف في المسألة في التمهيد (21/60-61)، وتحفة المودود (305-308 بتحقيق الهلالي).

فكل هذه الإطلاقات من أولئك الحفاظ الكبار تؤكد وهاء الأحاديث والأخبار المذكورة قبل، وأنه ليس لها أصلٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تبيَّن أن جميع طرقه شديدة الضعف ومناكير، فلا يصح في الباب شيء كما أشار سماحة الشيخ رحمه الله، والله تعالى أعلم.


    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة