الموضوع: الشهادتان
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-11-2012, 07:57 AM   #1
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي الشهادتان

قال الإمام أبو محمد علي بن حزم رضي الله عنه: أول ما يلزم كل أحد ولا يصح الإسلام إلا به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين وإخلاص لا يكون لشيء من الشك فيه أثر وينطق بلسانه ولابد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. برهان ذلك: عن أبي هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله. قال الله تعالي: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين**آل عمران85. وهو قول جميع الصحابة وجميع أهل الإسلام. وأما وجوب عقد ذلك بالقلب فلقول الله تعالي: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ**البينة5. والإخلاص فعل النفس. وأما وجوب النطق باللسان فإن الشهادة بذلك المخرجة للدم والمال من التحليل إلي التحريم كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تكون إلا باللسان ضرورة. قلت: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدَا رسول الله هي باب الدخول إلي حظيرة الإسلام فمن قالها صادقًا مخلصًا من قلبه فهو مسلم؛ والقول شرط أو ركن أساسي لا يعتد بالشهادة إلا به؛ فالنطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمدًا رسول الله ضرورة وركن من أركان التوحيد الذي هو أساس العبادة إلا أن الجهمية أتباع جهم بن صفوان يرون أن الإيمان بالله هو محض المعرفة وإن لم يصحبها أي عمل أو حتى اعتقاد أو حتي النطق بهذه الشهادة، واستدلوا علي ذلك بأن الله تعلي بّين لأهل الكتاب من المعرفة بقوله :{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون**البقرة146. قال جهم: فلو كان كل عارف كافر غير مؤمن لما لحق الذم بالفريق الكاتم منهم بل يلحق الكل، وهذا يدل علي أن العارف علي قسمين: كافر: وهو الكاتم الجاحد اللسان، وهو الذي قال تعالي في حقه :{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا**النمل14.ومؤمن: وهو العارف الساكت. وكان جهم يقول: أن ذوي الإيمان لا يتفاضلون فيه إذ الإيمان معرفة، والمعارف لا تتفاضل، وقد أعلن جهم هذا المذهب مع سائر أقواله في الجبر، وأعلن هذا كله بسمرقند وترمذ. ونرد علي هذا المذهب ظاهر البطلان: بأن الله تعالي طالب عباده المؤمنين به أن يقروا بإيمانهم إن كانوا بالحق مؤمنين فقال تعالي: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّه** البقرة 136، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. (رواه أبو داوود في سننه وصححه الألباني) وقال صلي الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. (رواه البخاري في التاريخ عن عقيل بن أبي طالب وصححه الألباني) وهذه النصوص وغيرها تفيد أن الإقرار له دخل في الإيمان، فالقول بأن الإقرار ليس له علاقة بالإيمان لا شرطاً ولا شطراً يخالف هذه النصوص. كما روي أن الإمام أبو حنيفة النعمان ناظر زعيم الجهمية جهم بن صفوان وأبطل مذهبه هذا تمام الإبطال وإليك نص المناظرة: روي أن جهم قصد أبا حنيفة للكلام فلما لقيه قال: يا أبا حنيفة أتيتك لأكلمك في أشياء هيئتها لك. فقال أبو حنيفة: الكلام معك عار، والخوض فيما أنت فيه نار تتلظي. قال: فكيف حكمت علي بما حكمت، ولم تسمع كلامي، ولم تلقني. قال: بلغني عنك أقاويل لا يقولها أهل الصلاة. قال: أتحكم علي بالغيب. قال: اشتهر عنك ذلك، وظهر عند العامة والخاصة، فجاز لي أن أحقق ذلك عليك. فقال: يا أبا حنيفة لا أسألك عن شيء إلا الإيمان. قال: أولم تعرف الإيمان إلي الساعة حتى تسألني عنه؟! قال: بلي ولكن شككت في نوع منه. قال أبو حنيفة: الشك في الإيمان كفر. فقال: لا يحل لك إلا أن تبين لي من أي وجه يلحقني الكفر. قال: سل. فقال: أخبرني عمن عرف الله بقلبه، وعرف أنه واحد لا شريك له ولا ند، وعرف بصفاته، وأنه ليس كمثله شيء، ثم مات قبل أن يتكلم بلسانه، أو مؤمناً أم كافراً. قال: مات كافراً من أهل النار، حتي يتكلم بلسانه ما عرفه بقلبه. قال: وكيف لا يكون مؤمناً، وقد عرف الله بصفاته. قال أبو حنيفة: إن كنت تؤمن بالقرآن وتجعله حجة تكلمت به معك، وإن كنت تؤمن به ولا تجعله حجة كلمتك بما تكلم به مع من خالف ملة الإسلام. قال: أومن بالقرآن وأجعله حجة. فقال أبو حنيفة: قد جعل الله تبارك وتعالي الإيمان في كتابه بجارحتين بالقلب واللسان، فقال تبارك وتعالي:{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا**المائدة83 إلي قوله:** فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّات**المائدة85. فجعلهم مؤمنين وأثابهم بما قالوا وصدقوا. وقال تعالي:{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا**البقرة136. وقال صلي الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فلم يجعل الفلاح بالمعرفة دون القول. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه كذا... الحديث، ولم يقل يخرج من النار من عرف الله، وكان في قلبه كذا... ولو كان القول لا يحتاج إليه، ويكتفي بالمعرفة لكان من رد الله بلسانه وأنكره بلسانه إذا عرفه مؤمناً، ولكان إبليس مؤمناً لأنه عارف بربه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي**الحجر39. وأنه يعرف أنه خالقه ومميته، وباعثه ومغويه: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون**الأعراف14, وقال:{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين**الأعراف12. ولكان الكفار مؤمنين بمعرفتهم ربهم، إذا أنكروا بلسانهم قال تعالي وقوله صدق وحجة:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا**النمل14. فلم يجعلهم مع استيقانهم بأن الله واحد مؤمنين مع جحدهم بلسانهم وقال تعالي: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُم**الأنعام20. فلم تنفعهم المعرفة مع كتمانهم أمره وجحودهم . فقال بن صفوان: قد أوقعت في خلدي شيئاً، فسأرجع إليك.

من كتاب التوحيد. تأليف: إسماعيل مرسي أحمد.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة