عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-03-2006, 02:43 PM   #2
معلومات العضو
( أم عبد الرحمن )
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

داعية "أبناء الصمت".. يتكلم
انه :
محمد سليمان محمد

إن تعليم شعائر الدين وأحكامه يعتبر -أو هكذا يجب أن يكون- جزءًا أساسيًّا من المناهج التعليمية في الدول المسلمة، يتلقاه الطفل المسلم بشكل تدريجي منذ بداية التحاقه بالمدرسة، أو عن طريق الوالدين، أو بأية طريقة أخرى من طرق التحصيل والتعلم، وتتنامى هذه المعلومات مع الوقت، وتتسع دائرة الإدراك رويدًا رويدًا حتى يصل الإنسان لمعرفة ما يجب أن يعرفه من أمور دينه.

إلا أن هناك فئة في المجتمع لا تتمكن بسهولة من معرفة ولو مجرد المعلومات الأولية عن دينها لتتمكن من ممارسة شعائره. هذه الفئة محرومة من معرفة الكيفية الصحيحة للصلاة والصوم وغيرهما من العبادات، ومحرومة كذلك من النطق بالقرآن، ومحرومة من معرفة الحلال والحرام في التعاملات.. إنهم إخواننا وأخواتنا الصم والبكم.

ونحن نتساءل: من المسئول عن دعوة هؤلاء وتعليمهم أمور دينهم؟.

إن الصم والبكم لا يختلفون عن غيرهم إلا في عدم قدرتهم على السمع والكلام، وهو قدر الله عز وجل الذي يؤمنون به ويتواءمون ويتآلفون معه برضا ويقين، ولكن بقي أن يتآلف المجتمع معهم، وأن يعطيهم حقوقهم كاملة؛ دينيًّا واجتماعيًّا.

فكرة في عقل داعية

من هذا المنطلق بدأ "محمد سليمان محمد" -مدير عام جمعية الرابطة الأخوية للصم والبكم بمحافظة الإسكندرية المصرية- في البحث عن حل عملي لبعض هذه المشكلات، حيث إنه نفسه عانى عمليًّا من هذه المشكلات لكون والديه وبعض إخوته ينتمون لفئة الصم والبكم، فتهيأت له بذلك المعايشة عن قرب، والشعور بمعاناتهم، وأحس بأن عليه مسئولية يجب أن يقوم بها تجاههم.

وبالفعل ومنذ توليه مسئولية إدارة "جمعية الرابطة الأخوية" قرر تعليم الصم والبكم الصلاة، وأثار هذا تعجب الكثيرين، ومنهم الصم والبكم أنفسهم، مؤكدين أن الموضوع في غاية الصعوبة.

ومن المفارقات المبكية أن بعض الصم ذكروا له أنهم يصلون بالفعل، فسألهم عن الكيفية التي يصلون بها فأخبروه أنهم يصلون بقلوبهم!. فلم يزل بهم حتى أقنعهم بأنه طالما هناك لغة يفهمها هؤلاء ويمكنهم التواصل فيما بينهم ومع غيرهم من خلالها، وهي لغة الإشارة، فمن الواجب عليهم تعلم كيفية الصلاة والشعائر الدينية المختلفة عن طريق هذه اللغة.

إحباط يعقبه نجاح

كانت البداية صعبة كما يقول "محمد سليمان"، حيث قام بدعوة عدد كبير من الصم والبكم إلى صلاة الجمعة بمسجد "القائد إبراهيم" بالإسكندرية، فجاء إليه أربعة أفراد فقط، فانتحى بهم جانبًا، وأخذ يسمع الخطبة ويترجمها لهم بلغة الإشارة. وفي الجمعة التالية جاءه اثنان فقط، فأحس بالإحباط، وفكر في إلغاء الفكرة لولا أن زوجته شجعته ورفعت من همته، وأكدت له أنه على الطريق الصحيح، وأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى الصبر والدأب المستمر.

وبالفعل، مع الوقت والصبر والدأب المستمر، بدأت الفكرة تجني ثمارها، وبدأ الصم يتوافدون يوم الجمعة على مسجد "القائد إبراهيم" ويلتفون حول "محمد سليمان" يستمعون إلى خطبة الجمعة من خلال إشاراته. إلا أنه فوجئ بأن بعض المصلين الأصحاء بدءوا في الاعتراض عليه؛ لأنه يشتت ذهنهم، وأخبره البعض بأن ما يقوم به أثناء الخطبة يعتبر لغوًا ينقض صلاته!.

لكن "محمد" لم ييأس، فقام بعمل خيمة صغيرة في جانب من المسجد تعزله ورفاقه من الصم والبكم عن باقي المصلين، وقسَّم الخيمة إلى قسمين: قسم للرجال وقسم للنساء، واستمر في أداء دوره كمترجم لخطبة الجمعة بلغة الإشارة.

ثم قدم "محمد" طلبًا لوزير الأوقاف يطلب السماح له باستخدام دار المناسبات الملحقة بالمسجد ليجتمع فيها مع الصم والبكم يوم الجمعة ليترجم لهم الخطبة، فوافق الوزير، وأصبح "محمد سليمان" خطيب الصم والبكم وأول داعية رسمي لهم، وأصبح مسجد "القائد إبراهيم" بالإسكندرية أول مسجد تترجم فيه خطبة الجمعة للصم والبكم، كان ذلك عام 1997م.

ويقول "محمد": "فوجئت بعد ذلك بأعداد الصم والبكم تتزايد في صلاة الجمعة، وبدءوا يتوافدون من المحافظات الأخرى من أجل سماع الخطبة وحضور الصلاة، وهذا مما زاد من سعادتي وشعوري بالمسئولية في نفس الوقت تجاههم؛ لأنه حتى الآن لا يوجد سوى هذا المسجد الذي يقوم بهذا العمل".

ويوجه "محمد" الدعوة للقائمين على أمور المساجد والدعوة لنشر هذه الفكرة، قائلا: "أرجو نشر هذا المشروع على مستوى الجمهورية، بل على مستوى العالم الإسلامي، وهي دعوة أوجهها لوزراء الأوقاف والقائمين على شئون الدعوة، وهذا يحتاج أيضًا إلى عمل دورات لبعض الدعاة في لغة الإشارة لتهيئة كوادر تتخصص في هذا العمل".

ويؤكد "محمد سليمان" أن خطبة الجمعة وحدها لا تكفي لتعليم الصم والبكم أمور دينهم؛ لذا يطالب بالتوسع في استثمار البرامج التلفزيونية الدينية في هذه الغرض والتي قد بدأ بعضها بالفعل في ترجمة المادة الإعلامية المقدَّمة للغة الإشارة. ويقترح "محمد" أن يكون للصم والبكم برامج دينية خاصة بهم، فهم فئة من الناس لا يستهان بها. ومن الجدير بالذكر أن عدد الصم والبكم في مصر فقط على سبيل المثال يبلغ حوالي ثلاثة ملايين نسمة.

آمال وطموحات


محمد يترجم خطبة الجمعة للصم والبكم

أما عن طموحاته، فيقول "محمد سليمان": "أسعى لإشهار نادٍ باسم "نادي الصم المصري"، وكذلك إنشاء اتحاد عام للصم والبكم، يتكفل بحقوقهم ويقدم الخدمات الحقيقية لهم، بعيدًا عن الأبحاث النظرية والندوات التي لا تتقدم بهم خطوة، وإنما تقتصر على مجرد الكلام".

يعرب أيضًا "محمد" عن رغبته في وجود عيادات ومستشفيات خاصة للصم والبكم؛ ليستعينوا بها في حالات الطوارئ، موضحًا أن الأصم إذا مرض ليلاً وذهب إلى طبيب في أي مستشفى فلن يتمكن الطبيب من فهم شكواه، وإذا تعرض لأي حادث فلن يستطيع التعبير عما يشعر به أو حدث له، مما يسبب له مشكلات نفسية رهيبة يجب أن يراعيها المجتمع ككل.

ويختتم "محمد سليمان" حديثه معنا بالتأكيد على أن الصم والبكم هم شريحة هامة في المجتمع يجب الاعتناء بها ورعايتها، وعدم إهمالها، ويجب تدريبهم على الانصهار في المجتمع والقيام بأدوارهم فيه وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، مثلهم مثل باقي أفراد المجتمع. كما أخبرنا "محمد" بأنه قام باستخراج بطاقات انتخابية لهم ليعبروا عن رأيهم في جميع الاستفتاءات والانتخابات.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة