الموضوع: موسوعة الحج
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 14-07-2017, 06:12 AM   #2
معلومات العضو
سراج منير

افتراضي


حج المرأة



يجب على المرأة الحج ، كما يجب على الرجل ، سواء بسواء ، إذا استوفت شرائط الوجوب التي تقدم ذكرها ، ويزاد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوج أو محرم ( 1 ) . )

قال الحافظ في الفتح : وضابط المحرم عند العلماء : من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها ، فخرج بالتأبيد : أخت الزوجة وعمتها ، وبالمباح : أم الموطوءة بشبهة وبنتها ، وبحرمتها : الملاعنة

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل ، فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة وكذا وكذا فقال : " انطلق فحج ( 2 ) مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم ، واللفظ لمسلم .

( 2 ) هذا الامر للندب ، فإنه لا يلزم الزوج أو المحرم السفر مع المرأة ، إذا لم يوجد غيره ، لما في الحج من المشقة ، ولانه لا يجب على أحد بذل منافع نفسه ، ليحصل غيره ما يجب عليه .

وعن يحيى بن عباد قال : كتبت امرأة من أهل الري إلى إبراهيم النخعي : إني لم أحج حجة الاسلام ، وأنا موسرة ، ليس لي ذو محرم ، فكتب إليها : " إنك ممن لم يجعل الله له سبيلا " .

وإلى اشتراط هذا الشرط ، وجعله من جملة الاستطاعة ، ذهب أبو حنيفة وأصحابه ، والنخعي ، والحسن ، والثوري ، وأحمد ، وإسحق . قال الحافظ : والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات ، وفي قول : تكفي امرأة واحدة ثقة ، وفي قول - نقله الكرابيسي وصححه في المهذب - تسافر وحدها ، إذا كان الطريق آمنا . وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة .

وفي " سبل السلام " : قال جماعة من الائمة : يجوز للعجوز السفر من غير محرم . وقد استدل المجيزون لسفر المرأة من غير محرم ولازوج - إذا وجدت رفقة مأمونة ، أو كان الطريق آمنا - بماروه البخاري عن عدي بن حاتم قال : " بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل ، فقال : " يا عدي هل رأيت الحيرة (" قرية قريبة من الكوفة ) " قال : قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عنها .

قال : " فإن طالت بك حياة لترين الظعينة (" أي الهودج فيه امرأة أم لا ) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ، لا تخاف إلا الله " .


واستدلوا أيضا بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن بعد أن أذن لهن عمر في آخر حجة حجها ، وبعث معهن عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن ابن عوف . وكان عثمان ينادي : ألا لا يدنو أحد منهن ، ولا ينظر إليهن ، وهن في الهوادج على الابل . وإذا خالفت المرأة وحجت ، دون أن يكون معها زوج أو محرم ، صح حجها .


وفي سبل السلام قال ابن تيمية : إنه يصح الحج من المرأة بغير محرم ، ومن غير المستطيع . وحاصله : أن من لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة ، مثل المريض ، والفقير ، والمعضوب ، والمقطوع طريقه ، والمرأة بغير محرم ، وغير ذلك ، إذا تكلفوا شهود المشاهد ، أجزأهم الحج . ثم منهم من هو محسن في ذلك ، كالذي يحج ماشيا ، ومنهم من هو مسئ في ذلك ، كالذي يحج بالمسألة ، والمرأة تحج بغير محرم . وإنما أجزأهم ، لان الاهلية تامة ، والمعصية إن وقعت ، في الطريق ، لا في نفس المقصود

وفي المغني : لو تجشم غير المستطيع المشقة ، سار بغير زاد وراحلة فحج ، كان حجه صحيحا مجزئا .



استئذان المرأة زوجها :


يستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلى الحج الفرض ، فإن أذن لها خرجت ، وإن لم يأذن لها خرجت بغير إذنه ، لانه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة ، لانها عبادة وجبت عليها ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولها أن تعجل به لتبرئ ذمتها ، كمالها أن تصلي أول الوقت ، وليس له منعها ، ويليق به الحج المنذور ، لانه واجب عليه كحجة الاسلام . وأما حج التطوع فله منعها منه . لما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في امرأة كان لها زوج ولها مال ، فلا يأذن لها في الحج - قال : " ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها " .



12-من مات وعليه حج


من مات وعليه حجة الاسلام ، أو حجة كان قد نذرها وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من ماله ، كما أن عليه قضاء ديونه . فعن ابن عباس رضي الله عنهما ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ان أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال :

" نعم ، حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء " رواه البخاري .

وفي الحديث دليل على وجوب الحج عن الميت ، سواء أوصى أم لم يوص ، لان الدين يجب قضاؤه مطلقا ، وكذا سائر الحقوق المالية من كفارة ، أو زكاة ، أو نذر . وإلى هذا ذهب ابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، والشافعي ، ويجب إخراج الاجرة من رأس المال عندهم . وظاهر أنه يقدم على دين الآدمي إذا كانت التركة لا تتسع للحج والدين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فالله أحق بالوفاء " .



وقال مالك : إنما يحج عنه إذا أوصى . أما إذا لم يوص فلا يحج عنه ، لان الحج عبادة غلب فيه جانب البدنية ، فلا يقبل النيابة . وإذا أوصى حج من الثلث . لحج عن الغير من استطاع السبيل إلى الحج ثم عجز عنه ، بمرض أو شيخوخة ، لزمه إحجاج غيره عنه ، لانه أيس من الحج بنفسه لعجزه ، فصار كالميت فينوب عنه غيره .

ولحديث الفضل بن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج ، أدركت أبي شيخا كبيرا لايستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : " نعم " وذلك في حجة الوداع : رواه الجماعة ، وقال الترمذي : حسن صحيح .


وقال الترمذي أيضا : وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، يرون أن يحج عن الميت . وبه يقول الثوري ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحق . وقال مالك : إذا أوصى أن يحج عنه ، حج عنه . وقد رخص بعضهم أن يحج عن الحي إذا كان كبيرا وبحال لا يقدر أن يحج ، وهو قول ابن المبارك والشافعي . (وهذا قول أحمد والاحناف )


وفي الحديث دليل على أن المرأة يجوز لها أن تحج عن الرجل والمرأة ، والرجل يجوز له أن يحج عن الرجل والمرأة ، ولم يأت نص يخالف ذلك . إذا عوفي المعضوب (الزمن الذي لاحراك له . ) إذا عوفي المريض بعد أن حج عنه نائبه فإنه‌يسقط الفرض عنه ولا تلزم

الاعادة ، لئلا تقضي إلى إيجاب حجتين ، وهذا مذهب أحمد . وقال الجمهور : لايجزئه ، لانه تبين أنه لم يكن ميئوسا منه ، وأن العبرة بالانتهاء . ورجح ابن حزم الرأي الاول ، فقال : إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لايستطيع الحج ، راكبا ، ولا ماشيا ، وأخبر أن دين الله يقضى عنه ، فقد تأدى الدين بلاشك وأجزأ عنه . وبلا شك إن ما سقط وتأدى فلا يجوز أن يعود فرضه بذلك إلا بنص . ولا نص ههنا أصلا بعودته . ولو كان ذلك عائدا لبين عليه الصلاة والسلام ذلك . إذ قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب . فإذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديته عنه .



13- شرط الحج عن الغير



يشترط فيمن يحج عن غيره ، أن يكون قد سبق له الحج عن نفسه . لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا . قال : " فحج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة " رواه أبو داود ، وابن ماجه . قال البيهقي : هذا إسناد صحيح ليس في الباب أصح منه . قال ابن تيمية : إن أحمد حكم - في رواية ابنه صالح عنه - أنه مرفوع على أنه وإن كان موقوفا فليس لابن عباس فيه مخالف . وهذا قول أكثر أهل العلم : أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه مطلقا ، مستطيعا كان أولا ، لان ترك الاستفصال ، والتفريق في حكاية الاحوال ، دال على العموم من حج لنذر وعليه حجة الاسلام أفتى ابن عباس وعكرمة ، بأن من حج لوفاء نذر عليه ولم يكن حج حجة الاسلام أنه يجزئ عنهما .


وأفتى ابن عمر ، وعطاء : بأنه يبدأ بفريضة الحج ، ثم يفي بنذره . لاصرورة في الاسلام عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاصرورة في الاسلام " رواه أحمد وأبو داود . قال الخطابي : الصرورة تفسير تفسيرين .


( أحدهما ) أن الصرورة ، هو الرجل الذي قد انقطع عن النكاح وتبتل ، على مذهب رهبانية النصارى ، ومنه قول النابغة : لو أنها عرضت الاشمط راهب - عبد الاله صرورة متعبد أدنا لبهجتها وحسن حديثها - ولخالها رشدا وإن لم يرشد ( والوجه الآخر ) أن الصرورة هو الرجل الذي لم يحج . فمعناه على هذا : أن سنة الدين أن لا يبقى أحد من الناس يستطيع الحج فلا يحج ، فلا يكون صرورة في الاسلام . وقد يستدل به من يزعم أن الصرورة لا يجوز له أن يحج عن غيره . وتقدير الكلام عنده أن الصرورة إذا شرع في الحج عن غيره صار الحج عنه ، وانقلب عن فرضه ليحصل معنى النفي ، فلا يكون صرورة . وهذا مذهب الاوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال مالك والثوري : حجه على مانواه . وإليه ذهب أصحاب الرأي . وقد روي ذلك عن الحسن البصري ، وعطاء ، والنخعي .


14- الاقتراض للحج


عن عبد الله بن أبي أوفى قال : سألت رسول الله صلى الله‌عليه وسلم عن الرجل لم يحج ، أو يستقرض للحج ؟ قال : " لا " ، رواه البيهقي .


15-الحج من مال حرام



ويجزئ الحج وإن كان المال حراما ويأثم عند الاكثر من العلماء . وقال الامام أحمد : لايجزئ ، وهو الاصح لما جاء في الحديث الصحيح : " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا "

. وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة (حلال) ، ووضع رجله في الغرز (ركاب من جلد يعتمد عليه الراكب حين يركب) فنادى : لبيك اللهم ناداه مناد من السماء : لبيك وسعديك (: أجاب الله حجك إجابة بعد إجابة) زادك حلال ، وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور (: مقبول ، لا يخالطه وزر . مأزور : جالب للوزر والاثم) وإذاخرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز ، فنادى : لبيك ، ناداه مناد من السماء : لالبيك ولاسعد يك ، زادك حرام ، ونفقتك حرام ، وحجك مأزور غير مأجور " . قال المنذري : رواه الطبراني في الاوسط ، ورواه الاصبهاني من حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب مرسلا مختصرا .





16- أيهما أفضل في الحج : الركوب أم المشي ؟



قال الحافظ في الفتح : قال ابن المنذر : اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل ؟ قال الجمهور : الركوب أفضل ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ، ولما فيه من المنفعة . وقال إسحق بن راهويه : المشي أفضل لما فيه من التعب . ويحتمل أن يقال : يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص . روى البخاري عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يهادى (: يعتمد عليهما في المشي ) بين ابنيه فقال : " ما بال هذا ؟ قالوا : نذر أن يمشي ، قال :إن الله عزوجل عن تعذيب هذا نفسه لغني ، وأمره أن يركب " .



17- التكسب والمكاري في الحج


لا بأس للحاج أن يتاجر ، ويؤاجر ويتكسب ، وهو يؤدي أعمال الحج والعمرة . قال ابن عباس : إن الناس في أول الحج (أي في الاسلام) كانوا يتبايعون بمنى وعرفة ، وسوق ذي المجاز (" موضع بجوار عرفة) ومواسم الحج ، فخافوا البيع وهم حرم . فأنزل الله تعالى : ( ليس عليكم جناح () أي لا إثم عليكم ، وإن تبتغوا فضلا من ربكم مع سفركم لتأدية ما افترضه الله عليكم من الحج ، فالاذن في التجارة رخصة ، والافضل تركها) أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ) رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي . وعن ابن عباس أيضا ، في قوله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) قال : كانوا لا يتجرون بمنى فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من " عرفات " رواه أبو داود : وعن أبي أمامة التيمي : أنه قال لا بن عمر : إني رجل أكري (" أكري " أي أؤجر الرواحل للركوب) في هذا الوجه وإن ناسا يقولون لي : أنه ليس لك حج فقال ابن عمر : أليس تحرم وتلبي ، وتطوف بالبيت ، وتفيض من عرفات ، وترمي الجار ، قال : قلت : بلى ، قال : فإن لك حجا ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني ، فسكت عنه حتى نزلت هذه الآية : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) ، فأرسل إليه وقرأ عليه هذه الآية ، وقال : " لك حج " رواه أبو داود ، وسعيد بن منصور . وقال الحافظ المنذري أبو أمامة لايعرف اسمه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلا سأله فقال : أؤجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك ، ألي أجر ؟ قال ابن عباس : نعم أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، والله سريع الحساب " . رواه البيهقي ، والدراقطني .



18-حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم



روى مسلم : " دخلنا على جابر بن عبد الله رضي الله عنه فسأل عن القوم حتى انتهى إلي ؟ فقلت : أنا محمد بن علي بن حسين ، فأهوى بيده إلى رأسي ، فنزع زري الاعلى ، ثم نزع زري الاسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي ، وأنا يومئذ غلام شاب ، فقال : مرحبا بك يا بن أخي ، سل عما شئت ؟ فسألته - وهو أعمى - وحضر وقت الصلاة ، فقام في نساجة ملتحفا بها (ثوب كالطيلسان) ، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه على المشجب (: اسم لاعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البدن " الشماعة) . فصلى بنا ،


فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بيده : فعقد تسعا . فقال :


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع (" مكث تسع سنين " . أي بالمدينة) سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعمل مثل عمله . فخرجنا معه حتى أتينا ذا الخليفة : فولدت " أسماء " بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع ، قال : " اغتسلي واستثفري (أن تشد في وسطها شيئا ، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك الشدود في وسطها لمنع سيلان الدم) بثوب وأحرمي " .


فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب " القصواء " (اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم .)حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شئ عملنا به . فأهل ( 1 ) بالتوحيد :


" لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك "


وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته . قال جابر رضي الله عنه : لسنا ننوي إلا الحج : لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه ، استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام ، فقرأ " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " .


فجعل المقام بينه وبين البيت . فكان يقرأ في الركعتين " قل هو الله أحد " و " قل يأيها الكافرون " ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا . فلما دنا من الصفا قرأ : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره وقال :


" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده () هزم الاحزاب وحده : معناه : هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا بسبب من جهتهم . والمراد بالاحزاب : الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ) ، "


، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي ، سعى حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا . حتى إذا كان آخر طوافه على المروة ، فقال .


" لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة " . فقام سراقة بن مالك بن جعثم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لابد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه ، واحدة في الاخرى ، وقال : " دخلت العمرة في الحج مرتين ، لابل لابد أبد " .


وقدم علي من اليمن ببدن للنبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ، ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبي أمرني بهذا . قال : فكان علي يقول بالعراق :

فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا (الاغراء . والمراد هنا أن يذكر له ما يقضي عتابها) على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال : " صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ . " قال : قلت : " اللهم إني أهل بما أهل به رسولك " . قال : "

فإن معي الهدي فلانحل . " قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن ؟ والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، مائة . قال : فحل الناس كلهم وقصروا ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه هدي .


فلما كان يوم التروية (هو اليوم الثامن من ذي الحجة) ، توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى بها الظهر والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر . ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة . فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تشك قريش ألا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ( 1 ) .

( 1 ) كانت قريش في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام ، وهو جبل بالمزدلفة يقال له فرح . وقيل : إن المشعر الحرام كل المزدلفة ، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات ، فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه . فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات ، لان الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى :


" ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " أي سائر الناس العرب ، غير قريش وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لانها من الحرم ، وكانوا يقولون : نحن أهل حرم الله ، فلا نخرج منه


فأجاز (أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها ، بل توجه إلى عرفات) رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس ، أمر بالقصواء فرحلت (أي جعل عليها الرحل) له . فأتى بطن الوادي (هو وادي عرفة) فخطب الناس ، وقال : " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ،


وإن أول دم أضع من دمائنا ، دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعا في بني سعد ، فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوع (" أي باطل) وأول ربا أضع ربانا ، ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ، إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ،

فقال : بإصبعه السبابة

(" أي يقلبها و يرددها إلى الناس مشيرا إليهم .) يرفعها إلى السماء ينكتها إلى الناس ، اللهم اشهد ، اللهم فاشهد ثلاث مرات . تم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ( 1 )


( 1 ) " فصلى الظهر ثم قام فصلى العصر ولم يصل بينهما الخ " : فيه دليل على أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم ، وقد أجمعت الامة عليه ، واختلفوا في سببه : فقيل : بسبب النسك وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ، وقال أكثر أصحاب الشافعي : هو بسبب السفر


ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة (جبل المشاة " أي مجتمعهم ) بين يديه واستقبل القبلة . فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه . ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق (أي ضم وضيق) للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله (الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه . قدام واسطة الرحل ، إذا مل من الركوب)


ويقول بيده اليمنى (أي يشير بها قائلا : الزموا السكينة . وهي الرفق والطمأنينة) :


" أيها الناس ، السكينة السكينة " كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا . ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة .


ثم ركب القصواء ، حتى أتى الشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا . فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما (" أي جميلا) فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن (جمع ظعينة - وهي البعير الذي عليه امرأة ، ثم سميت به المرأة مجازا لملابسها البعير ) يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر ، حتى أتى بطن محسر . فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى ( 1 )


( 1 ) قوله " ثم سلك الطريق الوسطى " فيه دليل على أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة . وهو غير الطريق الذي ذهب به إلى عرفات . وكان قد ذهب إلى عرفات من طريق " ضب " ليخالف الطريق كما كان يعمل في الخروج إلى العيدين في مخالفته طريق الذهاب والاياب .


التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الحذف ، رمى من بطن الوادي (" أي بحيث تكون " منى " و " عرفات " و " المزدلفة " عن يمينه و " مكة " عن يساره) . ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر

(فنحر ثلاثا وستين الخ " فيه دليل على استحباب تكثير الهدي وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة مائة بدنة و " غبر " أي بقي) وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة (: أي القطعة من اللحم) فجعلت في قدر ، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها . ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،


فأفاض إلى البيت (" أي طاف بالبيت طواف الافاضة ، ثم صلى الظهر) فصلى بمكة الظهر . فأتى بني عبد الملك يسقون على زمزم ، فقال : " انزعوا (أي استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء ( الحبال) بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم (فلولا أن يغلبكم الناس على الخ . معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء ) لنزعت معكم " . فناولوه دلوا فشرب منه .


قال العلماء : واعلم أن هذا حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ، ونفائس من مهمات القواعد ، قال القاضي عياض : قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه . وأكثروا ، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا أخرج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا . قال : ولو تقصى لزيد على هذا العدد قريب منه . قالوا : وفيه دلالة على أن غسل الاحرام سنة للنفساء والحائض ولغيزهما بالاولى . على استثفار الحائض والنفساء وعلى صحة إحرامهما ، وأن يكون الاحرام عقب صلاة فرض أو نفل ، وأن يرفع المحرم صوته بالتلبية ، ويستحب الاقتصار على تلبية النبي صلى الله عليه وسلم . فإذا زاد فلا بأس ، فقد زاد عمر : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن ، لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك .


وأنه ينبغي للحاج القدوم أولا إلى مكة ليطوف طواف القدوم وأن يستلم الركن - الحجر الاسود - قبل طوافه ويرمل في الثلاثة الاشواط الاولى ، والرمل أسرع المشي مع تقارب الخطا وهو الخبب ،


وهذا الرمل يفعله ما عدا الركنين اليمانيين . ثم يمشي أربعا على عادته وأنه يأتي بعد تمام طوافه مقام إبراهيم ويتلو " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " . ثم يجعل المقام بينه وبين البيت ويصلي ركعتين . ويقرأ فيهما في الاولى - بعد الفاتحة - سورة " الكافرون " وفي الثانية - بعد الفاتحة - سورة " الاخلاص " .


ودل الحديث أنه يشرع له الاستلام عند الخروج من المسجد كما فعله عند الدخول . واتفق العلماء : على أن الاستلام سنة .

وأنه يسعى بعد الطواف ويبدأ من الصفا ويرقى إلى أعلاه ويقف عليه مستقبل القبلة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر ويدعو ثلاث مرات ويرمل في بطن الوادي وهو الذي يقال له " بين الميلين " وهو - أي الرمل - مشروع في كل مرة من السبعة الاشواط لا في الثلاثة الاول كما في طواف القدوم بالبيت ، وأنه يرقى أيضا على المروة كما رقي على الصفا ويذكر ويدعو . وبتمام ذلك تتم عمرته .


فإن حلق أو قصر صار حلالا . وهكذا فعل الصحابة الذين أمرهم صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى العمرة .


وأما من كان قارنا ، فإنه لا يحلق ولا يقصر ، ويبقى على إحرامه ثم في يوم التروية - وهو الثامن من ذي الحجة - يحرم من أراد الحج ممن حل من عمرته ويذهب هو ومن كان قارنا إلى منى ، والسنة أن يصلي بمنى الصلوات الخمس ، وأن يبيت بها هذه الليلة - وهي ليلة التاسع من ذي الحجة . ومن السنة كذلك أن لا يخرج يوم عرفة من منى إلا بعد طلوع الشمس ، ولا يدخل " عرفات " إلا بعد زوال الشمس . وبعد صلاة الظهر والعصر جميعا ب‍ " عرفات " فإنه صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة وليست من عرفات . ولم يدخل صلى الله عليه وسلم الموقف إلا بعد الصلاتين .



ومن السنة أن يصلي بينهما شيئا ، وأن يخطب الامام الناس قبل الصلاة ، وهذه إحدى الخطب المسنونة في الحج . والثانية - أي من الخطب المسنونة - يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر . والثالثة - أي من الخطب المسنونة - يوم النحر . والرابعة - يوم النفر الاول .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة