عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 22-10-2012, 07:09 AM   #1
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

I11 الإسلام وسمو الإنسان

قال الإمام محمد الغزالي في تحفته مائة سؤال عن الإسلام:

هل خلق الإنسان من روح وجسد شيء يعاب؟
كذلك يري بعض الناس! بل كذلك قال أعداء الأنبياء لهم وهم يرفضون رسالاتهم وينكرون حديثهم عن الله، مقترحين أن يكون الرسول ملكاً: {وَقَالُوا: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا**الفرقان7.
وكما استنكروا أن يكون المرسلون بشراً يأكلون، استنكروا عليهم الزواج، والنسل، ظانين أن الرغبة الجنسية تشين الإنسان الكبير، وعليه إذا أراد الكمال أن يكبتها، وقد رد القرآن هذه المزاعم، وبين جل شأنه أن المصطفين الأخيار من عباده كانوا رجالاً ناضجي الغرائز: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً**الرعد38.
ومع ذلك فإن بقايا من منطق الجاهلية القديمة لا تزال عالقة بأذهان الكثيرين ممن يحسبون السمو البشري لا يتم إلا بإعلان حرب مجنونة علي البدن توهي قواه وتدوخ غرائزه. بل سري ذلك التفكير إلي بعض المذاهب الدينية، وأنبني عليه، إن التقوى في هذه الحياة تعني الرهبانية وأن السمو في الحياة الأخرى لا يتصور مع وجود هذا الجسد اللعين!! وعليه بعد ذلك فلابد أن يكون النعيم الموعود ******اً محضاً وكذلك العذاب المرصد للأشقياء!!
ولما كان الإسلام دين الفطرة السليمة، ولما كان لبابه احترام الحقيقة المجردة، فإنه رفض كل هاتيك المقدمات والنتائج، وأسس تكاليفه وأجزيته الدينية علي اعتبار أن الإنسان كائناً متميزاً يجمع بين جملة من المواهب والخصال المتلاقية في شخصيته، بها جميعاً يسمو أو يهبط وبها جميعاً يثاب أو يعاقب.
أو كما قال الأستاذ العقاد: ليس ما يدين به المسلم أن يرتد النوع الإنساني إلي ما دون طبيعته، ولكن مما يؤمن به أن ارتفاع الإنسان وهبوطه منوطان بالتكليف، وقوامه الحرية والتبعية فهو بأمانة التكليف قابل للصعود إلي قمة الخليقة، وهو بالتكليف قابل للهبوط إلي أسفل سافلين، وهذه الأمانة هي التي رفعته مقاماً فوق مقام الملائكة، أو هبطت به إلي زمرة الشياطين. ليس الهبوط أن يشتهي الإنسان طعاماً أو امرأة. إنما الهبوط أن يأكل المرء من سحت، أو يتصل بمن لا تحل له. فإذا طعم من حلال، أو اتصل بأنثى لتكون زوجة يسكن إليها، ويتم بها وجوده معها فلا شيء في ذلك أبدا.
ولقد أخطأ كثير من المنتسبين إلي الدين في احتقارهم للبدن، وفهمهم أن التسامي لا يحصل إلا بسحقه، وفهمهم بعد ذلك أن الحياة الأخروية لا وجود للبدن فيها، وأن النعيم أو الجحيم معنويان، وحسب!! وقد سري هذا الخطأ كلا أو جزءاً إلي بعض المتصوفة المسلمين، فاعتنقوه، وحسبوه دلالة ارتقاء، وتجرد، فظلموا بهذا المسلك دينهم، وأوقعوا خللاً سيئاً في موازين الجزاء كما أقامها الكتاب العزيز. وقلدوا أتباع الديانات المنحرفة في الجور علي الطبيعة البشرية، وبذلك أفسحوا للمذاهب المادية طريق التقدم والسيادة. بل بلغت المجازفة بهذا البعض أن حقروا عبادة الرغبة والرهبة، وأشاعوا أن من الهبوط أن تطيع الله طلباً لجنته، أو تدع عصيانه خوفاَ من ناره حتى توهم الناس أن الأمل في الجنة والخوف من النار ليس شأن العباد الصالحين!!، وهذا الضرب من التفكير لا يمكن وصفه بأنه تفكير إسلامي، إنه ضرب من الشرود والغرور تبدو تفاهته عندما نحتكم إلي العقل والنقل علي سواء. ولقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم كل هذه المعاني في قوله للثلاث نفر الذين سألوا عن عبادته صلي الله عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر أبدا. وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم القوم الذين قلتم كذا كذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. (رواه البخاري ومسلم وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترغيب والترهيب)
(من كتاب الإنسان؛ تأليف إسماعيل مرسي أحمد)
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة