عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 18-04-2006, 05:25 AM   #3
معلومات العضو
( أم عبد الرحمن )
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

لماذا حفظ الاسرار:

أولا : لما في كشف السر من الأضرار في أغلب الأحوال : ولا ينبغي لمسلم أن يسعى فيما فيه ضرر أخيه المسلم . ولا يحل لمسلم أن يتعمد الإضرار بأخيه بغير حق . ولا أن يسعى في أمر يكون سببا في إيقاع الضرر بأخيه . لقول الله تعالى : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) "سورة الأحزاب /58" .

والأضرار التي قد يسببها إفشاء الأسرار مختلفة ، فمنها :
أ - الأضرار النفسية والمعنوية :
وذلك إن كان السر عورة يسترها أخوك على نفسه ، من إثم ارتكبه ، أو فعل شائن زلت قدمه فأقدم عليه ، ثم استتر بستر الله تعالى . فإن كشفته عنه آلمته ألما شديدا ، فاستاء وحزن ، وقد تسقط شهادته وقد تسقط بذلك كرامته ، ويجفوه بعض من كان يألفه ، ويحقره من كان يعظمه ، وقد تسقط شهادته ، وقد يفسد ذلك ما بينه وبين أهله ، فيكون في ذلك تحطيم الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية .
وقال الحليمي : في هتك ستر أصحاب القروف تخفيف أمر الفاحشة على قلب من يشاع فيه ، لأنه ربما كان يخشى أن يعرف أمره فلا يرجع إلى ما قارفه أو يستتر منه . فإذا هتك ستره اجترأ وأقدم ، واتخذ ما وقع منه عادة يعسر بعدها عليه النزع عنها ، وهذا إضرار به .
وقد نهى الله تعالى عن التجسس وهو تتبع ما يخفيه الناس من أمورهم . وقال النبي r لمعاوية رضي الله عنه "إنك إن تتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت تفسدهم " قال بعض السلف : " كلمة سمعها معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها " يعني استقام له شأن خلافته مع الناس .

ب - الأضرار البدنية :
فقد يلزمه بكشف سره حد أو عقوبة .

ج - الأضرار المهنية : فإن المتعاملين مع أصحاب الصنائع كالطبيب والمحامي ، إذا شعروا بأن أسرارهم في خطر ، يحجمون عن التعامل معهم ، أولا يطلعونهم بالقدر الكافي على ما يريدون الاطلاع عليه لينجحوا في مهماتهم ، وبذلك يفقدون وتفقد المهنة ككل نسبة كبيرة من فرص النجاح . و هكذا المهن الأخرى حتى السائق والخادم إذا كان حافظا للأسرار التي يطلع عليها تزيد الثقة به . فإن كان على عكس ذلك فقد نسبة كبيرة من فرص العمل ، وخسر غالبا ما بيده منها .

د . الأضرار المالية : فربما أفقده إفشاء السر فرصة كسب ينتظرها ، أو مصلحة خطط لتحصيلها ، وكم يكسب أصحاب الصناعات من الحقائق التي اكتشفوها فأدرت عليهم الأموال الطائلة ، واعتبروها أسرارا مملوكة لهم ، فهم يستثمرونها وينعمون بخيراتها ، ويحرصون عليها كما يحرص كل منا على ما ينفعه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"احرص على ما ينفعك واستعن بالله " .
وربما أدى كشف أسرار الناس المالية إلى تسلط اللصوص وأشباه اللصوص حتى يعود الغني فقيرا ، وتؤول الثروات التي جمعت بالكدح الدؤوب ، والعمل الشريف، إلى الأيدي الظالمة ، تعبث بها يمينا وشمالا .
وربما لزمته بكشف سره غرامات وتكاليف مالية كان عنها في عافية .
وربما أفقده فضح السر منصبا يكتسب به رزقه .
وكم قد ثلت الفضائح عروشا ، وأوهنت حكومات ، وأتلفت أمما .
ثانيا :
لأنه قد يكون في إفشاء السر خياله للأمانة وذلك في أحوال :
أ- أن يكون بين المرء وزوجته ففى خطبة الوداع أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا وقال " وإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " .
وروى مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " وفي رواية لمسلم " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة … الحديث " جاء في أخبار بعض أهل الفضل أنه سئل عن حال زوجة له كان قد طلقها فتزوجت بعده ، فلما سئل عنها قال " مالي ولزوجة غيري " والمراد بما يكتم هنا تفاصيل ما يقع بين الزوجين في خلوتهما .

ب - أن يكون أخوك قد طلب منك كتمان سره قبل أن يفضي إليك به فالتزمت له بذلك ـ فإن أفشيته كنت قد خنت الأمانة ونقضت العهد فكنت ظلوما جهولا شأن المنافقين الذين يظهر نفاقهم ويعلم ، بمثل هذا الفعل الذميم .
وقد يستكتم الأخ أخاه سرا في حال دون حال أو وقت دون وقت ، فيقبل ، فتكون الأمانة بحسب ذلك كأن يقول : لا تفش عني هذا الخبر إلى ثلاثة أيام أو : ما دام فلان حيا ، أو ما دمت حيا أو نحو ذلك .

ج - أن يكون أخوك قد فاتحك في أمر خاص مما شأنه أن يكتم عن الناس ولو لم يستكتمك ، وخاصة إن كان يستشيرك في أمر مما ينويه أو أمر يعزم عليه فذلك أمانة ، لقول النبي r "المستشار مؤتمن " ويكون كشف خبايا ذلك الحديث خيانة لتلك الأمانة .
وفيما روى من الحكمة أن رجلا وشى بأديب لدى بعض الخلفاء ، فأراد الخليفة الانتقام منه ، فقال : أجمع بيني وبين هذا الواشي . فلما جاء قال له :
وأنـت امرؤ إما ائتمنتك خاليا فخنت وإما قلت قولا بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا بمنزلة بين الخيانـة والإثـم
كأنه يقول للخليفة : كيف نأخذ في بقول من لا يخرج عن أن يكون خائنا أو كاذبا.

د - أن يكون السر كلاما صدر في مجلس خاص يثق الحاضرون فيه بعضهم ببعض ، فيتبسطون في الحديث بما لو حضر شخص غريب أو من لا يأمنونه لم يتكلموا بذلك ، فالحديث الذي قالوه بمقتضى الثقة هو أمانة . ففي ما ورد عن النبي r أنه قال " إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة " قال شارح الإحياء : أي التفت يمينا وشمالا ، لأن ذلك يظهر أنه قصد أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه .
هـ - أن تقضي الضرورة أو الحاجة الإنسان أن يكشف عما يسوؤه أو يضره إظهاره ، وما كان ليظهره لولا حاجته إلى المعونة ، كمن يذهب إلى المفتي ليسأله عن حكم الشرع في أمر قد فعله . فإن لم يشرح الواقعة بالقدر الذي يتبين به الحكم فيها لم يتمكن المفتي من إجابته والبيان له . فيكون الحديث الذي وصف به فعله إن كان مما يسوء إظهاره ، أمانة عند المفتي ، فإن كشفه كان خائنا للأمانة . فلو شهد المفتي بعد ذلك أمام القضاء بما سمعه من الإقرار لم تقبل شهادته ولا عبرة بها ، لأن الخائن للأمانة فاسق غير عدل . وهذا عند المالكية هو المعتمد من قولين لهم مرويين عن مالك . وعليه العمل .
ومثل ذلك الطبيب إذا أفضى إليه المريض بسبب مرضه ، وقـد يكـون فعلا شائنا ، أو كشف للطبيب من بدنه ما يحتاج إلى كشفه للعلاج ،ويكون فيه تشويه أو مرض منفر .
وربما أفضى إلى الطبيب النفساني بأوضاع خاصة به في حياته السابقة ، أو أوضاع أسرته ، ليتمكن من تشخيص المرض ومعرفة أسبابه وعلاجه . فيكون ذلك كله أمانة لدى الطبيب ، ومن الخيانة أن يفشيها .
وكذلك المكلفون بالأبحاث الاجتماعية الذين يطلب منهم التحقق من الأوضاع المعيشية للمتقدمين بطلب المعونات الاجتماعية ، أو معونة الزكاة والصدقات ، فإن ما يفضي إليهم به من الشؤون الخاصة التي من شأنها أن تكتم هي أمانات لديهم ليس لهم تضييعها ولا بثها إلا بإيصالها لمن شأنه تقرير تلك المعونة .
غير أن هذا لا يمنع استخدام وقائع الفتوى أو الوقائع الطبية أو نحو ذلك في الأبحاث العلمية ، والاستشهاد بها في تأييد النظريات أو تزييفها ، غير أنها إن كانت من قبيل الأسرار فلا يذكر أسماء أصحابها ، ولا ما يكشف شخصياتهم ، بل تستخدم الألفاظ المبهمة .
وسائر أمناء السر والموظفون في الدوائر الحكومية أو الأهلية حملوا الأمانة بحكم وظيفتهم ، فعليهم كتمان كل ما يعلمون أن في إظهاره ضررا حسيا أو معنويا للجهة التي قلدتهم تلك المهمات ، ومن الخيانة أن يكشفوا من ذلك شيئا .

ثالثا : لأن البوح بالأسرار فيه غالبا اتباع لهوى النفس ممن يفعله :
وقد قال الله تعالى : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) فإن الذي يدعوا الناس إلى فضح أسرار غيرهم أو كشف معايبهم أكثرها راجع إلى الهوى . فمن ذلك :
أ - أن النفوس تنزع إلى كشف الخبايا ، والتبسط بغيبة الناس وذكر معايبهم ، وخاصة في المجالس التي لا يتقي فيها الله تعالى ، فمن اتبع ما تنزع إليه نفسه من ذلك كان متبعا للهوى ، ومن جاري قائلي السوء وكشف لهم ما يعلم من أسرار إخوانه ، كان متبعا للمتبعين للهوى من إخوان الشياطين . قال الحليمي : إنما يحمل على ذلك الدغل ورداءة الطبع وسوء النية .
فإن الصاحب إذا حل من خليله محل الفؤاد ، فاطمأن كل منهما إلى الآخر وركن إليه فائتمنه على أدق أسراره ، وبث إليه أشياء مما في نفسه وأخبارا عن أشياء فعلها ، وربما أفضى إليه برأي له في فلان من الناس أو فلانة ، فحق حامل الأمانة أن يكون كفئا لها فلا يفضي بشيء من ذلك إلى أحد . ولو أن حبل الوداد انفصم بين هذين الصاحبين ما كان لأحد منهما أن يخون ما ائتمن عليه ، ولا أن يفشي سر صاحبه القديم . فإن فعل دل ذلك على لؤم طبعه وخبث باطنه وليس للآخر أن يقول : فضحني فأفضحه ، وأذلني فأذله ، فإن النبي r يقول " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " .
ثم إن كان في فضح سر المسلم ، وكشف الستر عنه ، ضرر يلحقه في نفسه أو ماله أو بدنه أو مركزه الاجتماعي ، فإن الغالب أن يكون ذلك عن عداوة باطنة أو حقد خفي أو حسد دفين ، وذلك من الهوى . قال الغزالي " منشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها : الداء الدفين في الباطن ، وهو الحقد والحسد ، فإن الحقود الحسود يملأ باطنه الخبث ، ولكنه يحبسه في باطنه ويخفيه ولا يبديه مهما لم يجد له مجالا ، وإذا وجد فرصة انحل الرباط وارتفع الحياء وترشح الباطن بخبثه الدفين " .
ويزداد ذلك الهوى ضراوة إذا انحل رباط المودة فعاد عداوة ، فإن لم يكن للصديق القديم عاصم من دين يعتصم به ، استغل تلك الأسرار القديمة ، وأصبحت في يديه سلاحا يقتل به عدو اليوم أخاه بالأمس ، وكان الهوى حينئذ الأمر والنهي ولإبليس الكلمة التي لا ترد ، لكنه ليس له سلطان على غير الغواة . بل إن هذه الحالة في الحقيقة هي التي تتبين فيها قدرة أهل الحفاظ على كتم الأسرار ، فمن أفشى السر عند الغضب فهو لئيم ، لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها ، وإنما محل الامتحان عند الغضب . فإفشاؤه عنده من علامات اللؤم وخبث الطبع وسوء السريرة . وقد قال بعض الحكماء : لا تصحب من يتغير عليك عند أربع : " عند غضبه ورضاه ، وعند طمعه وهواه " ، بل ينبغي أن يكون صدق الإخوة ثابتا على اختلاف هذه الأحوال .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة