عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 15-05-2010, 10:56 PM   #10
معلومات العضو
عطر
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية عطر
 

 

افتراضي



قراءته صلى الله عليه وسلم في الصلاة
وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة ‏(‏ق‏)‏، وصلاها بـ ‏(‏الروم‏)‏ وصلاها بـ ‏(‏إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت‏)‏ وصلاها بـ ‏(‏إِذَا زُلْزِلَتْ‏)‏ في الركعتين كليهما، وصلاها بـ ‏(‏المعوِّذَتَيْنِ‏)‏ وكان في السفر وصلاها، فافتتح بـ ‏(‏سورة المؤْمِنِين‏)‏ حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع‏.‏ وكان يُصليها يومَ الجمعة بـ ‏(‏ألم تنزيلا السَّجدة‏)‏ وسورة ‏(‏هل أتى على الإِنسان ‏)‏ كاملتين، ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة‏.‏ وأما ما يظنه كثيرٌ مِن الجهال أن صبحَ يوم الجمعة فُضِّلَ بسجدة، فجهل عظيم، ولهذا كره بعضُ الأئمة قراءةَ سورة السجدة لأجل هذا الظن، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدإِ والمعاد، وخلقِ آدم، ودخولِ الجنَّة والنَّار، وذلك ممّا كان ويكونُ في يومِ الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم، تذكيراً للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة ‏(‏ق‏)‏ و ‏(‏واقتربت‏)‏ و ‏(‏سبِّح‏)‏ و ‏(‏الغاشية‏)‏‏.‏
فصل
وأما الظهر، فكان يُطيل قراءتَها أحياناً، حتى قال أبو سعيد‏:‏ ‏(‏كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ممّا يطيلُها‏)‏ رواه مسلم‏.‏ وكان يقرأ فيها تارة بقدر ‏(‏ألم تنزيل‏)‏ وتارة بـ ‏(‏سبح اسم ربك الأعلى‏)‏ و ‏(‏الليل إذا يغشى‏)‏ وتارة بـ ‏(‏السماء ذات البروج‏)‏ و ‏(‏السماء والطارق‏)‏‏.‏ وأما العصر، فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصُرت‏.‏ وأما المغرب، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة بـ‏(‏الأعراف‏)‏ فرَّقها في الركعتين، ومرة بـ ‏(‏الطور‏)‏ ومرة بـ ‏(‏المرسلات‏)‏‏.‏ قال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ ‏(‏المص‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ ‏(‏الصافات‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ ‏(‏حم الدخان‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ‏(‏سبح اسم ربك الأعلى‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ ‏(‏التين والزيتون‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ ‏(‏المعوِّذتين‏)‏ وأنه قرأ فيها بـ ‏(‏المرسلات‏)‏ وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال‏:‏ وهي كلها آثار صحاح مشهورة‏.‏ انتهى‏.‏ وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائماً، فهو فعلُ مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال‏:‏ مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل‏؟‏‏!‏ وقد رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ وما طُولى الطوليين‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الأعراف‏)‏ وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن‏.‏ وذكر النَّسائي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة ‏(‏الأعراف‏)‏ فرقها في الركعتين‏.‏ فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم‏.‏ وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بـ ‏(‏التين والزيتون‏)‏ ووقَّت لمعاذ فيها بـ ‏(‏الشمس وضحاها‏)‏ و ‏(‏سبِّح اسم ربك الأعلى‏)‏ و ‏(‏الليل إذا يغشى‏)‏ ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها بـ ‏(‏البقرة‏)‏ بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء اللّه، وقرأ بهم بـ ‏(‏البقرة‏)‏ ولهذا قال له‏:‏ ‏(‏أفتان أنت يا معاذ‏)‏ فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها‏.‏ وأما الجمعةُ، فكان يقرأ فيها بسورتي ‏(‏الجمعة‏)‏ و ‏(‏المنافقين ‏)‏ كَامِلَتَينِ و ‏(‏سورة سبِّح‏)‏ و ‏(‏الغاشية‏)‏‏.‏ وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من ‏(‏يا أيها الذين آمنوا‏)‏ إلى آخرها، فلم يفعله قطُّ، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه‏.‏ وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي ‏(‏ق‏)‏ و ‏(‏اقتربت‏)‏ كاملتين، وتارة سورتي ‏(‏سبِّح‏)‏ و ‏(‏الغاشية‏)‏ وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي اللَّهَ عز وجل، لم ينسخه شيء‏.‏ ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة ‏(‏البقرة‏)‏ حتى سلَّم منها قريباً من طلوع الشمس، فقالوا‏:‏ يا خليفَة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ كادت الشمسُ تطلعُ، فقال‏:‏ لو طلَعت لم تجدنا غافلين‏.‏ وكان عمر رضي اللّه عنه يقرأ فيها بـ ‏(‏يوسف‏)‏ و ‏(‏النحل‏)‏ و بـ ‏(‏هود‏)‏ و ‏(‏بني إسرائيل‏)‏ ونحوها من السور، ولو كان تطويلُه صلى الله عليه وسلم منسوخاً لم يخفَ على خلفائه الراشدين، وَيَطَّلعْ عليه النَّقَّارون‏.‏ وأما الحديث الذي رواه مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏ عن جابر بن سَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ‏{‏ق والقرآنِ المجيد‏**‏ ‏[‏ق‏:‏ 1‏]‏ وكانت صلاته بعد تخفيفاً فالمراد بقوله ‏(‏بعدُ‏)‏ أي‏:‏ بعد الفجر، أي‏:‏ إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً‏.‏ ويدل على ذلك قولُ أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و ‏(‏المرسلات عرفاً‏)‏ فقالت‏:‏ يا بني لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءة هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر‏.‏ وأيضاً فإن قوله‏:‏ وكانت صلاته‏(‏بعدُ‏)‏ غايةٌ قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمارُ ما لا يدل عليه السياقُ، وترك إضمار ما يقتضيه السياقُ، والسياقُ إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفاً، ولا يقتضي أن صلاتَه كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفاً، هذا ما لا يدل عليه اللفظ، ولو كان هو المرادَ، لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويدعون الناسخ‏.‏ وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ‏)‏ وقول أنس رضي اللّه عنه‏:‏ كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً في تَمامٍ فالتخفيف أمر نسبي يَرْجِحُ إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر، ثم يُخالفه، وقد عَلمَ أن من ورائه الكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيفُ الذي أمرَ به، فإَنه كان يُمكن أن تكون صلاتُه أطولَ منِ ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديُه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان رسولُ اللّه يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا بـ ‏(‏الصافات‏)‏ فالقراءة بـ ‏(‏الصافات‏)‏ من التخفيف الذي كان يأمر به، واللّه أعلم‏.‏
فصل
وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال‏:‏ مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ‏.‏ وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة‏.‏ وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه‏.‏ وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه‏.‏ وأما حديثُ ابن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ إني لأعرف النظائِرَ التي كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرُن بينهن السورتين في الركعة ‏(‏الرحمن‏)‏ و ‏(‏النجم‏)‏ في ركعة و ‏(‏اقتربت‏)‏ و ‏(‏الحاقة‏)‏ في ركعة و ‏(‏الطور‏)‏ و ‏(‏الذاريات‏)‏ في ركعة و ‏(‏إذا وقعت‏)‏ و ‏(‏ن‏)‏ في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم يُعين محلَّه هل كان في الفرض أو في النفل‏؟‏ وهو محتمِل‏.‏ وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً، فقلما كان يفعله‏.‏ وقد ذكر أبو داود عن رجل من جُهينة أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ في الركعتين كلتيهما، قال‏:‏ فلا أدري أنسيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمداً‏.‏

فصل
وكان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة، وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللَّهُ تعالى وملائكتُه، وقيل‏:‏ يشهدُه ملائكةُ الليلِ والنهارِ، والقولان مبنيان على أن النزولَ الإِلهي هل يدومُ إلى انقضاء صلاة الصبح، أو إلى طلوع الفجر‏؟‏ وقد ورد فيه هذا وهذا‏.‏ وأيضاً فإنها لما نقص عددُ ركعاتها، جُعِلَ تطويلُها عوضاً عما نقصته من العدد‏.‏ وأيضاً فإنها تكون عقيبَ النوم، والناس مستريحون‏.‏ وأيضاً فإنهم لم يأخذوا بَعْدُ في استقبال المعاش، وأسباب الدنيا‏.‏ وأيضاً فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمعُ واللِّسان والقلبُ لفراغه وعدمِ تمكن الاشتغال فيه، فَيفهمُ القُرآنَ ويتدبره‏.‏ وأيضاً فإنها أساس العمل وأولُه، فأُعطيت فضلاً من الاهتمام بها وتطويلها، وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وَحِكَمِهَا، واللّه المستعان‏.‏

فصل
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من القراءة، سكت بقدر ما يترادُّ إليه نفسُه، ثم رفع يديه كما تقدَّم، وكبَّر راكعاً، ووضع كفَّيه على رُكبتيه كالقابض عليهما، ووتَر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدَّه، واعتدل، ولم يَنْصِبْ رأسه، ولم يَخفِضْه، بل يجعلُه حيالَ ظهره معادِلاً له‏.‏ وكان يقول‏:‏ ‏(‏سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ‏)‏وتارة يقول مع ذلك، أو مقتصِراً عليه‏:‏ ‏(‏سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي‏)‏ وكان ركوعُه المعتادُ مقدارَ عشرِ تسبيحات، وسجودُه كذلك‏.‏ وأما حديث البراء بن عازب رضي اللّه عنه‏:‏ رَمَقْتُ الصلاةَ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قيامُه فركوعُه فاعتدالُه فسجدتُه، فجلستُه ما بين السجدتين قريباً من السواء‏.‏ فهذا قد فَهِمَ منه بعضُهم أنه كان يركع بقدر قيامه، ويسجُد بقدره، ويعتدِل كذلك‏.‏ وفي هذا الفهم شيء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالمائة آية أو نحوها، وقد تقدم أنه قرأ في المغرب بـ ‏(‏الأعراف‏)‏ و ‏(‏الطور‏)‏ و ‏(‏المرسلات‏)‏ ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن قدر هذه القراءة، ويدل عليه حديثُ أنس الذي رواه أهل السنن أنه قال‏:‏ ما صليتُ وراءَ أحد بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ إلا هذا الفتى يعني عمرَ بن عبد العزيز، قال‏:‏ فحزرْنَا في ركوعه عشرَ تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات هذا مع قول أنس أنه كان يؤمهم بـ ‏(‏الصافات‏)‏ فمرادُ البراء - واللّه أعلم - أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت معتدِلة، فكان إذا أطال القيام، أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام، خفف الركوعَ والسجود، وتارة يجعلُ الركوع والسجود بقدر القيام، ولكن كان يفعَلُ ذلك أحياناً في صلاة الليل وحدها، وفعله أيضاً قريباً من ذلك في صلاة الكسوف، وهديه الغالبُ صلى الله عليه وسلم تعديلُ الصلاة وتناسبها‏.‏ وكان يقول أيضاً في ركوعه ‏(‏سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ والرُّوح‏)‏‏.‏ وتارة يقول‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِى وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي‏)‏‏.‏ وهذا إنما حُفظ عنه في قيام الليل‏.‏ ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلاً‏:‏ ‏(‏سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه‏)‏ وَيَرْفَع يديه كما تقدم، وروى رفعَ اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحوٌ من ثلاثين نفساً، واتفق على روايتها العشرةُ، ولم يثبت عنه خِلافُ ذلك البتة، بل كان ذلك هديَه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ولم يصح عنه حديثُ البراء‏:‏ ثم لا يعود بل هي من زيادة يزيد بن زياد‏.‏ فليس تركُ ابنِ مسعود الرفعَ ممّا يُقدَّم على هديه المعلوم، فقد تُركَ من فعل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس مُعَارِضُها مقارباً ولا مدانياً للرفع، فقد ترك مِنْ فعله التطبيق والافتراش في السجود، ووقوفه إماماً بين الاثنين في وسطهما دون التقدُّم عليهما، وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء، وأين الأحاديثُ في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرةً وصحة وصراحةً وعملاً، وباللّه التوفيق‏.‏ وكان دائماً يُقيم صُلبه إذا رفع من الركوع، وبينَ السجدتين، ويقول ‏(‏لاَ تُجْزِىء صلاةٌ لاَ يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏)‏ ذكره ابن خزيمة في ‏(‏صحيحه‏)‏‏.‏ وكان إذا استوى قائماً، قال‏:‏ ‏(‏رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ‏)‏ وربما قال‏:‏ ‏(‏رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ‏)‏وربما قال‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الْحَمْد‏)‏صح ذلك عنه‏.‏ وأما الجمع بين ‏(‏اللَّهُمَّ‏)‏ و ‏(‏الواو‏)‏ فلم يصح‏.‏ وكان من هديه إطالةُ هذا الركن بقدر الركوعِ والسجود، فصح عنه أنه كان يقول‏:‏ ‏(‏سَمعَ اللَّهُ لِمن حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْض، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُنَا لَكَ عَبْدٌ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ‏)‏‏.‏ وصح عنه أنه كان يقول فيه‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ‏)‏‏.‏ وصح عنه أنه كرر فيه قوله‏:‏ ‏(‏لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ‏)‏ حتى كان بقدر الركوع‏.‏ وصحَّ عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمكُث حتى يقول القائل‏:‏ قد نسِيَ من إطَالَتِه لهذا الرُّكن‏.‏ وذكر مسلم عن أنس رضيَ اللَّهُ عنه‏:‏ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه، قام حتى نقول‏:‏ قَدْ أَوهَمَ، ُثمَّ يسجُدُ، ثم يَقْعُدُ بين السجدتين حتى نقولَ‏:‏ قد أوهم‏.‏ وصح عنه في صلاة الكُسوف أنه أطال هذا الركنَ بعد الركوع حتى كان قريباً من ركوعه، وكان ركوعُه قريباً من قيامه‏.‏ فهدا هديُه المعلوم الذي لا مُعارِض له بوجه‏.‏ وأما حديثُ البراء بن عازب‏:‏ كان ركوعُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسجودُه وبينَ السجدتين، وإذا رَفَعَ رأسه من الركوع - ما خلا القيامَ والقعُودَ - قريباً مِنَ السواء‏.‏ رواه البخاري فقد تشبَّث به مَن ظن تقصيرَ هذين الركنين، ولا متعلق له، فإن الحديث مصرّح فيه بالتسوية بين هذين الركنين وبين سائر الأركان، فلو كان القيامُ والقعود المستَثْنَيَيْنِ هو القيامَ بعد الركوع والقعودَ بين السجدتين، لناقض الحديثُ الواحد بعضَه بعضاً، فتعيَّن قطعاً أن يكون المرادُ بالقيام والقعود قيامَ القراءة، وقعود التشهد، ولهذا كان هديُه صلى الله عليه وسلم، فيهما إطالَتهما على سائر الأركان كما تقدم بيانُه، وهذا بحمد اللّه واضح، وهُو مما خفي من هدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاته على من شاء اللّه أن يخفى عليه‏.‏
قال شيخنا‏:‏ وتقصيرُ هذين الركنين مما تصرَّف فيه أمراءُ بني أمية في الصلاة، وأحدثُوه فيها، كما أحدثوا فيها تركَ إتمام التكبير، وكما أحدثوا التأخيرَ الشديد، وكما أحدثوا غيرَ ذلك مما يُخالف هديَه صلى الله عليه وسلم ورُبِّيَ في ذلك مَنْ رُبَيّ حتى ظن أنه من السنة‏.


التعديل الأخير تم بواسطة عطر ; 15-05-2010 الساعة 10:59 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة