عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 08-06-2005, 10:23 PM   #12
معلومات العضو
ناصح أمين
اشراقة ادارة متجددة
 
الصورة الرمزية ناصح أمين
 

 

افتراضي

فالصَّبر هو شطر الإيمان وزاد الطريق، ولهذا حثَّ الله تعالى عليه لما له من أثر كبير في مسيرة الإنسان. والمجالات الَّتي تظهر فيها أهمِّية الصَّبر كثيرة ومتفرعة، ولعلَّ أهمَّها الصَّبر على الطاعات، والصَّبر عن الشهوات ولذَّاتها، لأنه جهاد دائم، بخلاف المصيبة الَّتي تكون بمثابة عارض لا يلبث أن يزول، كفقدان الأهل والأحِبَّة وحلول الأوجاع والأمراض. وهناك صبر على التعامل مع الناس وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الَّذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (رواه الترمذي). وأعظم الصَّبر صبر الأنبياء على الإيذاء والإعراض والصدود الَّذي يلقونه من أقوامهم، وقد سُمِّي أربعة منهم بأولي العزم لعظيم ابتلائهم وجميل صبرهم، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السَّلام، وجاء الأمر لنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم من الله تعالى أن يقتدي بهم ليكون له في صبرهم أسوة حسنة في هذا الشأن، فقال له: {فاصبرْ كما صبرَ أُولُوا العَزْمِ منَ الرُّسُلِ..** (46 الأحقاف آية 35). وليس المقصود بالصَّبر الاستسلام للأمراض أو الآلام، بل هو الجَلَد والتحمُّل وحسن التعايش مع الصعوبات، وكيفية مقاومتها والالتفاف حولها دون الإذعان لها. ولابدَّ في هذه المواقف من استمداد العون من الله تعالى، لأن الإيمان أقوى من جميع المواقف والعواطف والمشاعر النفسية، لأنه نور الله تعالى وإكسير الحياة للقلوب ومطهِّرها من الآثام.

وإذا استقرَّت إرادة الصَّبر في أعماق النفس وتأصَّلت بداخلها، ولَّدت فيها طاقات إضافية على التحمُّل؛ فهي بحر لا ساحل له، وكلَّما اشتدَّت الخطوب أغدقت علينا مزيداً من الإرادة والعزيمة في مواجهتها. وأحسن الصَّبر هو الصَّبر على الإيذاء في العقيدة وهو المصابرة بعينها، فهي شدٌّ للعزائم وثبات على الحقِّ، وإصرار في وجه من يخطِّط ويدبِّر لتخريب حياتنا وتدمير سعادتنا. وأمَّا المرابطة فهي كلُّ ما فيه انتظار وترقُّب واستعداد من أجل تحقيق أيِّ عمل في سبيل الله، فحراسة حدود الوطن لمواجهة الأعداء مرابطة، فيها الثواب الجزيل والعطاء الوفير، فقد فاق جزاؤها الدنيا وما فيها من متع، كما ذكر سهل بن سعد الساعدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها». وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة مرابطة، والصَّبر على العلم والتعلُّم مرابطة، والسهر على راحة العلماء ومشاركتهم في خدمة العمل الإسلامي مرابطة، وكذلك أَنْ توقف نفسك عند حدود الله وتلتزم بها ولا تتعدَّاها، وتترصَّد الشيطان فلا تسمح له أن يتغلغل إلى داخلها مرابطة. وكذلك من المرابطة التزام جانب الحيطة والحذر مع كلِّ من يحاول أن يتعرَّض للعقيدة الإسلامية بأيِّ أذى، لتلويث أفكار المسلمين وإبعادهم عن جادَّة الصواب، وإفشال مسعى هؤلاء وقذف باطلهم بالحقِّ فيدمغه، قال تعالى: {بل نقذفُ بالحقِّ على الباطلِ فَيَدْمَغُهُ فإذا هوَ زَاهِقٌ..** (21 الأنبياء آية 18).

وهكذا فإن كلَّ عمل يقوم به المرء، لابدَّ أن يتجمَّل بالصَّبر، لأنه الحارس اليقظ للإرادة يمنعها من أن تهن أو تضعف، والحارس للنفس البشرية من الانهيار أمام الأهواء أو الشدائد.

وفي الختام نجد أن المؤمن ينال بالصَّبر مرتبة جعلت الرسول صلى الله عليه وسلم يتعجَّب من خيرها وبرِّها حيث قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاء شكر، فكان خيراً، وإن أصابته ضرَّاء صبر، فكان خيراً له» (رواه مسلم).


يتبع

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة