( آفات الأخوة ومفسداتها )
آفات الأخوة أمر لا يغفل عنه ، ولا يعني ذكر آفات الأخوة هو التقليل من قيمتها وشأنها وإنما المقصود صيانتها مما يمسها، ومن آفات الأخوة ومفسداتها ما يلي :
1. الإخلال بحقوق الأخوة وآدابها ، مما يؤدي إلى فصم عرى الأخوة ، وتضييع مقصودها . ومن صور الإخلال ما يلي :
أ ) ترك النصح والنصيحة ، وآداب الحديث والمحادثة .
ب) ضعف الاحترام ، وكثرة النقد والجدال والمعارضة .
ج) النصيحة في العلن ، واسمع رسالة أخ أرسلها لأخيه قال فيها :
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى سماعه
د) تصديق النمامين والحاسدين وإذاعة السر .
هـ) التدخل في خصوصيات الصديق وعدم الاكتراث بمشاكله وظروفه .
و) الحرص على إظهار الذات ، وتحقيق الوجاهة من خلاله .
2. طلب صفات الكمال في الخليل : ومن خلال هذا يتبين أن الأخوة جهد بشري ، وأن الدنيا لا تخلو من منغصات ، ولذا فقد أباح الشارع الهجر إلى ثلاث ، وإنما يطيب العيش في الجنة إن شاء الله تعالى .
3. الأثرة وحب النفس ، وتقديم حاجاتها مطلقا على ضرورات الأخوة وحاجاتهم .
4. دخول رابطة من روابط الجاهلية ، كرابطة الجنس أو النسب أو العشيرة أو الوطنية أو المصالح المشتركة التي تكون عائقا مستقبليا للأساس التي قامت عليه الأخوة ، وما أحسن قول الشاعر :
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
5. الإفراط في المعاتبة والنظر إلى السلبيات دون النظر إلى الإيجابيات ، وترك الاعتذار أو التسامح واسمع كلام رجاء بن حيوة حين قال :" من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه ، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص دام سخطه ، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه " [ السير 4 / 558 ] . وقد أحسن الشاعر يوم قال :
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذا ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
6. تصيد الأخطاء ، فإن ذلك يوغر الصدر ,وهو مناقض لمقصد النصيحة وحسن الظن وليُعرف أن " كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون " [رواه الترمذي ، ح 2499 ] .
7. القدح بما ينقصه ، والتعيير بما ليس فيه ,وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وقديما قيل : من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يقع فيه .
8. الطمع في الدنيا وفي أيدي الناس ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس " [ المستدرك على الصحيحين ، ح 7873 ] ومن تمام أخوة الصادقين أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وقد امتدح الله الأنصار بهذا فقال " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .." وصح عنه عليه الصلاةوالسلام قوله " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " [ رواه البخاري ، ح 13 ] .
9. سوء الظن : وهو جالب للهم والغم ، ومتضمن ظلم المظنون فيه ، فكم ظن في رجل سوء وعومل على أساسه سنوات دون علمه ومن غير سؤاله والاستفسار منه ، ثم تبين خلاف ذلك .
10. كثرة المخالطة بحيث تقصد لذاتها لمجرد المؤانسة ، فتنصرف عن المقصود التي من أجله قامت عليه الأخوة ، ثم بعد ذلك حدث ولا حرج عن كثرة الزلات والعثرات وضياع الوقت بسبب كثرة المخالطة ، وزد على ذلك ، زوال الكلفة ويتولد من التزين و البطالة الضيق عن العفو فيكثر العقاب والتأنيب واللوم والمحاسبة ، وتضيق القلوب ، وحينئذ اقرأ على الأخوة تحية الموتى لأن الناظر الحقيقي للأخوة النافعة هي التي تذكر بالآخرة ، وتعين على البر والتقوى فإن غاب هذا القصد حل مكانه التزين والبطالة .
11. ضعف الاحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى ، وإلى الضوابط الشرعية التي تحكم علاقات الناس .
12. التفريط في الطاعات ، والوقوع في المعاصي والمخالفات مما يجعلها تقوم على الإثم والعدوان ، وهذا واضح في أن هذه الأخوة لم تقم على الشروط الأساسية التي لا تقوم الأخوة إلا بها " و ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما " [ رواه البخاري في الأدب المفرد ، ح 401 ] .
13. التحفظ والتكلف والإثقال على الصاحب ، ومراقبته في قيامه بحقوق الأخوة ، و ما أجمل كلام ابن القيم رحمه الله " العارف لا يرى له على أحد حقا ، ولا يشهد له على غيره فضلا ولذلك لا يعاقب ولا يطالب " [مدارج السالكين 1 / 561]
14. برود العاطفة وضعف الحنين ، فتفتقد الأخوة وقودها الذي يخفف عن النفس القيام بحقوقها فإن المحبة الصادقة والعاطفة الجياشة تحمل الأخ على الدعاء لأخيه ، والقيام بحقوقه والإحساس بقيمته وخطورة فقده ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه " [ رواه البخاري في الأدب المفرد , ح 544 ] .
15. التفريط في إظهار المحبة أو ما يدل عليها وما يستجلبها ويزيدها ، كإعلام المحبة والهدية والشكر والثناء بالدعاء وغيره ويصدق لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " [ رواه أبو داود ، ح 5124 ] .
16. إهمال الدفاع عنه في غيبته ، فإن ذلك ترك لحق النصرة ، وخذلان للأخ وعدم استشعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " [ رواه الترمذي ، ح 1931 ] .
17. الإفراط والغلو في المحبة ، فأحب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوما ما " [ رواه الترمذي ، ح 1997 ] .
18. التلهي عنه بغيره , وقلة الوفاء ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن إلى صديقات خديجة رضي الله عنها ويقول " إن حسن العهد من الإيمان " [ المستدرك على الصحيحين ، ح 40 ] .
19. كثرة الإفراط في المدح ، وصيانة للأفراد من الغرور والإعجاب بالنفس وحفاظا على المجتمع الإسلامي فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الإطراء والمدح ، ويوم سمع رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح قال " أهلكتم ــ أو قطعتم ــ ظهر الرجل " [ رواه البخاري ، ح 5713 ] .